بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
محكمة القضاء الإداري
الدائرة الأولى
بالجلسة المنعقدة علنًا فى يوم الثلاثاء الموافق 24/ 1/ 2012 م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ على فكرى حسن صالح نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ أحمد محمد أحمد الإبيارى نائب رئيس مجلس الدولة
والسيد الأستاذ المستشار/ هانى أحمد عبد الوهاب سعد نائب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشار/ أحمد خليفة مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ سامى عبد الله خليفة أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
فى الدعوى رقم 26259 لسنة 56 ق
المقامة من
عواطف عريان عازر فرج الله
ضـد
1 - وزير الداخلية بصفته.
2 - رئيس مصلحة الأحوال المدنية بصفته.
(الوقائع)
أقامت المدعية هذه دعواها الماثلة بإيداع صحيفتها قلم كتاب هذه
المحكمة بتاريخ 5/ 4/ 2011 طالبة فى ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلا وبصفة مستعجلة
وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها تسليمها بطاقة الرقم
القومى مثبت بها بخانة الديانة أنها مسيحية وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار وإلزام الجهة
الادارية المطعون ضدها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقالت المدعية شرحا لدعواه أنها مسيحية الديانة وولدت من أبوين مسيحيين وقد سبق لها
اعتناق الديانة الاسلامية وأشهرت إسلامها , ألا أنها عادت الى المسيحية وتم قبولها
من المجلس الاكليركى للأقباط الأرثوذوكس وأنها تقدمت لجهة الادارة بطلب استخراج بطاقة
الرقم القومى الخاص بها مثبت بها ديانتها التى تعتنقها وهى المسيحية , وبالفعل صدرت
هذه البطاقة فى شهر ديسمبر سنة 2002 ثابت بها هذه الديانة دون أى عائق أو مشكلة إلا
أنه حينما قامت بتجديد هذه البطاقة وقدمت الأوراق المطلوبة فى هذا الشأن فوجئت بالجهة
الادارية تمتنع عن تسليمها بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وذلك على سند من أنها قبل
12/ 12/ 2001 كانت تعتنق الديانة الاسلامية ثم عادت إلى المسيحية وأن الشخص العائد
الى المسيحية بعد اعتناقه الديانة الاسلامية لا يحق له استخراج بطاقة رقم قومى على
هذا الأساس ولما كان القرار المطعون فيه قد صدر بالمخالفة للقانون والدستور الأمر الذى
حدا بها إلى إقامة دعواها الماثلة بغية الحكم بالطلبات سالفة البيان.
وحددت المحكمة جلسة 24/ 5/ 2011 لنظر الشق العاجل من الدعوى حيث قدم الحاضر عن المدعية
ثلاث حوافظ مستندات طويت على المستندات المعلاة بغلافهم كما قدم الحاضر عنها بجلسة
28/ 6/ 2011 حافظة مستندات وأودع الحاضر عن الدولة بتلك الجلسة حافظة مستندات وطلب
الحاضر عن المدعية بجلسة 7/ 9/ 2011 التصريح له باستخراج شهادة رسمية من جدول القيد
بنيابة قسم إمبابه لبيان ما إذا كان طرفًا فيه من عدمه وكذا استخراج صورة رسمية من
المحضر رقم 128 لسنة 2011 إدارى قسم إمبابه وقد صرحت المحكمة بجلسة 1/ 11/ 2011 للحاضر
عن المدعية باستخراج المستندات المشار إليها بمحضر جلسة 7/ 9/ 2011 وبتلك الجلسة قدم
الحاضر عن الدولة مذكرة دفاع طلب فى ختامها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار
الادارى واحتياطيآ: برفض الدعوى بشقيها العاجل والموضوعى.وبجلسة 13/ 12/ 2011 قدم الحاضر
عن المدعية ثلاث حوافظ مستندات ومذكرة دفاع التمس فى ختامها الحكم بذات الطلبات الواردة
بختام صحيفة الدعوى.
وبجلسة 13/ 12/ 2011 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته
المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعات، و بعد المداولة.
وحيث إن المدعية تطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار جهة الادارة السلبى بالامتناع عن
قيد ديانتها المسيحية ببطاقة الرقم القومى مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة
الإدارة المصروفات.
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الادارى فإنه مردود بأنه من المستقر
عليه أنه لا يشترط فى القرار الادارى شكل معين وإنما هو باعتباره تعبيرًا صادرًا عن
جهة الادارة بقصد إحداث أثر قانونى معين وذلك بتعديل مركز قانونى أو إلغائه وبالتالى
فإنه يمكن استخلاصه من تصرفات جهة الادارة وسلوكها حيال موقف أو طلب معين من أحد المواطنين
ولا ريب فى أن إمتناع جهة الادارة عن قيده المدعية ببطاقة تحقيق الشخصية بأنها مسيحية
الديانة يؤثر على مركزها القانونى وعليه فإن ذلك الامتناع يشكل قرارًا إداريآ سلبيا
متكامل الأركان يكون من حق صاحبة الشأن الطعن علية الأمر الذى تقضى معه المحكمة برفض
الدفع المبدى فى هذا الشأن وتكتفى بالإشارة الى ذلك فى الأسباب عوضآ عن النطق به.
وحيث إن الدعوى قد استوفت سائر أوضاعها الشكلية المقررة قانونا فإنها تكون مقبولة شكلاً.
وحيث إن مناط القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه توافر ركن الجدية بأن يكون إدعاء
الطالب قائما على أسباب جدية يرجح معها إلغاء القرار , والركن الثانى الاستعجال بأن
يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن القانون رقم 143 لسنه 1994 فى شأن الاحوال المدنية ينص
فى المادة 6 منه على أن: تختص مصلحة الاحوال المدنية وفروعها بتسجيل وقائع الأحوال
المدنية...... كما تختص بإصدار شهادات الميلاد والوفاة وبطاقات تحقيق الشخصية وقيد
الأسرة وصور من جميع قيود الأحوال المدنية المسجلة لديها على النحو المبين بهذا القانون
ولائحته التنفيذية "
وتنص الماد 8 من ذات القانون على أن " لأى شخص أن يستخرج من مصلحة الاحوال المدنية
وفروعها صورة رسمية من قيود الوقائع المتعلقة به أو بأصوله أو بفروعه أو بأزواجه...."
وتنص المادة 12 على أن " " تعتبر السجلات التى تمسكها المصلحة وفروعها بما تشتمل عليها
من بيانات والصور الرسمية المستخرجة منها حجة بصحتها ما لم يثبت عكسها أو بطلانها أو
تزويرها بحكم قضائى.
ويجب على جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية الاعتداد فى مسائل الأحوال المدنية بالبيانات
المقيدة فى هذه السجلات والصور الرسمية المستخرجة منها وعلى مدير مصلحة الأحوال المدنية
أو من ينيبه إصدار قرار بإلغاء القيود التى تمت بالمخالفة لأحكام هذا القانون ولائحته
التنفيذية وكل ما يترتب عليها "
وتنص المادة 47 على أن "لا يجوز إجراء أى تغيير أو تصحيح فى قيود الأحوال المدنية المسجلة
عن وقائع الميلاد والوفاه وقيد الأسرة إلا بناء على قرار يصدر بذلك من اللجنة المنصوص
عليها فى المادة السابقة "
ويكون إجراء التغيير أو التصحيح فى الجنسية أو فى الديانة أو المهنة أو فى قيود الأحوال
المدنية المتعلقة بالزواج أو بطلانه أو التصادق أو الطلاق أو التطليق أو التفريق الجسمانى
أو إثبات النسب بناء على أحكام أو وثائق صادرة من جهات الاختصاص دون الحاجة الى استصدار
قرار من اللجنة المشار إليها"
وتنص المادة 48 من ذات القانون على أنه "يجب على كل من يبلغ سته عشر عاما من مواطنى
جمهورية مصر العربية أن يتقدم بطلب للحصول على بطاقة تحقيق الشخصية من قسم السجل المدنى
الذى يقيم بدائرته وذلك خلال ستة أشهر من تاريخ بلوغه السن "
وتنص المادة 53 على أن " إذا طرأ تغيير على أى من بيانات بطاقة تحقيق الشخصية للمواطن
أو أى من بيانات حالته المدنية وجب أن يتقدم خلال ثلاثة أشهر من تاريخ التغيير الى
قسم السجل المدنى الذى يقيم بدائرته لتحديث بياناته"
وحددت المادة 33 من اللائحة التنفيذية للقانون الصادر بقرار وزير الداخلية رقم 1121
لسنه 1995 بيانات بطاقة تحقيق الشخصية وهى مكتب الإصدار , الرقم القومى , الاسم الرباعى
, محل الإقامة , النوع , الديانة، المهنة، اسم الزوج.
ومن حيث إن مؤدى النصوص المتقدمة أن المشرع أولى رعاية خاصة لتنظيم قيد بيانات الأحوال
المدنية للمواطنين ومن المسائل الهامة التى عنى بتنظيمها بطاقة تحقيق الشخصية بحسبان
أن هذه البطاقة هى الوعاء الذى ينطوى على البيانات المدنية الأساسية للمواطن والتى
على أساسها يتم التعامل مع المجتمع سواء تمثل فى الجهات الرسمية أو الافراد فهى الوثيقة
الاساسية التى يرتكن إليها فى تبيان نوع الشخص وديانته ووظيفته وحالته الاجتماعية وأهليته
القانونية , وعليه فإن البطاقة وإن لم يترتب عليها بذاتها آثار قانونية محددة فإنها
الوثيقة التى يرتكن عليها فى التعامل فى المجتمع فيجب أن تكون البيانات المدونة بها
معبرة حقا وصدقا عن واقع الحال للمواطن , لذلك أوجب المشرع على المواطن أن يسارع إلى
استخراج بطاقة تحقيق الشخصية متى بلغ ستة عشر عامًا, وأن يبادر أيضآ بتحديث بياناتها
إذا طرأ عليها أية تعديلات , حتى يكون المجتمع ممثلا فى جهات الادارة والأفراد على
علم كامل بحقيقة البيانات المدنية للشخص الذى يتم التعامل معه.
ونظرا لأهمية البيانات فى التعامل مع المجتمع، مثل تلك المتعلقة بالجنسية والديانة
والزواج والطلاق فقد ألزم المشرع فى المادة 47 سالفة الذكر جهة الإدارة إثبات أية تعديلات
تطرأ عليها دون الحاجة إلى عرضة على اللجنة المشار إليها فى المادة 46 من القانون ما
دام هذا البيان صادر من الجهات المختصة، وقد جاء لفظ الديانة مطلقا دون تحديده لديانة
معينة مما مؤداه أنه يعنى أيه تعديل فى أيه ديانة من الديانات السماوية الثلاثة.
وعلية فإنه على مصلحة الاحوال المدنية متى تكاملت الوثائق التى تثبت صحة البيان الصادر
من الجهات المختصة أن تقيد البيان فى بطاقة تحقيق الشخصية دون أن يعد ذلك تسليمآ منها
أو إقرارًا بسلامه البيان.
ومن حيث إنه فى ضوء المبادئ المتقدمة وما أستقر عليه قضاء المحكمة الادارية العليا
فى حكمها الصادر بجلسة 12/ 2/ 2011 فى الطعن رقم 19082 لسنة 53 ق. عليا فإن المدعية
وقد تقدمت لجهة الادارة بشهادة صادرة من الجهة الدينية المختصة التى تثبت أنها أصبحت
مسيحية الديانة بعد أن كانت تدين بالإسلام فما كان يجوز لجهة الادارة الامتناع عن هذا
القيد فالقيد فى حد ذاته لا ينشئ مركزا قانونيا لأن هذا المركز أنشيء بالفعل بمجرد
قبول المدعية أبنة من أبناء الديانة المسيحية والقيد ما هو إلا تقرير لواقع غير مذكور
ومركز قانونى تكامل قبل القيد ليعبر عن حقيقة الواقع إعلانا للغير بحقيقة الديانة التى
تعتنقها صاحبة الشأن حتى يتم التعامل معها على هذا الأساس وذلك مثل بيانات الزواج فالقيد
ليس هو الذى ينشئ المركز القانونى الناتج عن الزواج بل أنه لا يصح قيد واقعة الزواج
إلا إذا كان ثمة زواج تم بالفعل وتكاملت أركانه.
ومن ناحية أخرى فإن الامتناع عن قيد البيان لذى يعبر عن الحالة الواقعية للمواطن يتصادم
مع النظام العام خاصة إذا كان يتعلق ببيان الديانة إذ يترتب على ذلك أن الشخص يتعامل
فى المجتمع على خلاف الدين الذى يعتنقه ويحرص على أداءه شعائره مما قد يؤدى إلى تعقيدات
اجتماعية ومحظورات شرعية مقطوع بها كحالة زواج الشخص المرتد من مسلمة وهو أمر تحرمه
الشريعة الاسلامية تحريما قاطعا ويعد أصلا من أصولها الكلية.
ومن حيث إنه تفريعا على ما تقدم فإن مسألة قيد بيان تعديل الديانة من الإسلام إلى المسيحية
فى بيانات بطاقة تحقيق الشخصية لا يعد إقرارا لهذا الشخص على ما قام به،لأن المرتد
لا يقر على ردته طبقا لمبادئ الشريعة الاسلامية وما استقرت عليه أحكام هذه المحكمة
وأحكام محكمة النقض (على سبيل المثال حكم العليا فى الطعن رقم 599 لسنة 19 ق.عليا بجلسة
25/ 1/ 1981 والطعن رقم 1359 لسنه 28 ق.عليا بجلسة 27/ 11/ 1984 وحكم محكم النقض فى
الطعن رقم 37 لسنه 22 ق أحوال شخصية بجلسة 21/ 4/ 1965 ورقم 28 لسنة 33ق أحوال شخصية
بجلسة 19/ 1/ 1966)،وإنما يتم ذلك نزولا على متطلبات الدولة الحديثة، التى تقضى بأن
يكون بيد كل مواطن وثيقة تثبت حالته المدنية، بما فيها بيان الديانة، لما يترتب على
كل بيان منها مركز قانونى للشخص لا يشاركه فيه غيره وبالتالى فإنه على جهة الادارة
أن تثبت للمواطن بياناته على نحو واقعى فى تاريخ إثباتها ومنها بيان الديانة وما يطرأ
عليه من تعديل، متى كانت من الديانات السماوية الثلاثة المعترف بها حتى تتحدد على ضوئها
حقوقه وواجباته المدنية والشخصية،ومركزه القانونى المترتب على الديانة التى يعتنقها
على أن يثبت ذلك فى بطاقة تحقيق الشخصية.
ومن حيث إنه فى ضوء ما تقدم فإن البادى من ظاهر الأوراق أن امتناع جهة الادارة عن تعديل
ديانة المدعية من الاسلام للمسيحية يخالف صراحة نص المادة 47 من القانون رقم 143 لسنة
1994 المشار إليها، مما يجعل قرارها السلبى بالامتناع - بحسب ظاهر الاوراق - مخالفا
للقانون ودون أن يعد ذلك إقرارا للمدعية على ردتها،الأمر الذى يتوافر معه ركن الجدية
فى طلب وقف تنفيذ هذا القرار ولا ريب بتوافر ركن الاستعجال استقرارا للأوضاع للتعامل
بوثيقة تحمل البيانات الحقيقية للمدعية، مما لا مناص معه والحالة هذه من القضاء بوقف
تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها أن يقيد ببطاقة الرقم
القومى أن المدعية مسيحية الديانة.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم مصروفاتها عملا بحكم المادة (184)من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بقبول الدعوى شكلا و بوقف تنفيذ القرار المطعون
فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب , وألزمت الجهة الإدارية
مصروفات الشق العاجل , وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها وإعداد
تقرير بالرأى القانونى فى طلب الإلغاء.
سكرتير المحكمة |
رئيس المحكمة |