بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
محكمة القضاء الإداري
الدائرة الأولى
بالجلسة المنعقدة علنًا فى يوم الثلاثاء الموافق 13/ 3/ 2012 م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ على فكرى حسن صالح نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محكمة
القضاء الإداري
وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ أحمد محمد أحمد الأبياري نائب رئيس مجلس الدولة
والسيد الأستاذ المستشار/ هانى أحمد عبد الوهاب نائب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشار/ محمد النجار مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ سامى عبد الله خليفة أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
فى الدعوى رقم 6719 لسنة 66ق
المقامة من:
حسينى محمد محمد الحسيني
ضـد
1 - رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته
2 - وزير الداخلية بصفته
3 - النائب العام بصفته
4 - رئيس مصلحة السجون بصفته
(الواقعات)
أقام المدعى الدعوى الماثلة بموجب عريضة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة
بتاريخ 14/ 11/ 2011، طلب فى ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ وإلغاء
القرار السلبى الصادر من المدعى عليه الأول بالامتناع عن إصدار قرار بالعفو عن باقى
العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها على المدعى، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام
جهة الإدارة المصروفات.
وذكر المدعى تبيانًا لدعواه أنه قد اتهم فى الجناية رقم 18726 لسنة 2005 جنايات الزيتون،
والمقيدة برقم 1040 لسنة 2005 كلى غرب القاهرة، وبجلسة 4/ 9/ 2008 حكمت المحكمة بمعاقبته
وآخرين بالسجن المشدد لمدة سبع سنوات، عما أسند إليهم، وقد صدر قرار رئيس المجلس الأعلى
للقوات المسلحة رقم 27 لسنة 2011 بالعفو عن باقى العقوبات السالبة للحرية المحكوم بها
على المسجونين الذين أمضوا نصف مدة العقوبة المحكوم بها عليهم طبقًا للمعايير التى
حددها القرار، وحيث أنه تنطبق هذه المعايير على المدعى، ورغم ذلك فإن الجهة الإدارية
المدعى عليها لم تدرج اسمه ضمن كشوف المستحقين لإطلاق سراحهم، ومن ثم فإن هذا القرار
يكون قد خالف الدستور والقانون ويشكل قرارًا سلبيًا مما يتعين الطعن فيه. الأمر الذى
حدا به إلى إقامة دعواه الماثلة بطلباته سالفة البيان.
ونظرت المحكمة الشق العاجل من الدعوى بجلسات المرافعة على النحو المبين بمحاضرها، حيث
قدم المدعى خلالها ثلاث حوافظ طوين على المستندات المعلاة على أغلفتهن، كما قدم الحاضر
عن الدولة حافظة طويت على المستندات المعلاة على غلافها، ومذكرة دفاع طلب فى ختامها
الحكم أصليًا: بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى. واحتياطيًا: بعدم قبول الدعوى
شكلاً لرفعها بعد الميعاد. ومن باب الاحتياط: بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى.
ومن باب الاحتياط الكلى: برفض الدعوى بشقيها العاجل والموضوعى، وبجلسة 21/ 2/ 2012
قررت المحكمة إصدار الحكم فى الشق العاجل من الدعوى بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت
مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
(المحكمة)
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الايضاحات، والمداولة قانونًا.
حيث إن المدعى يطلب الحكم - وفقًا للتكييف القانونى الصحيح - بقبول الدعوى شكلاً وبوقف
تنفيذ وإلغاء قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 159 لسنة 2011 وما تلاها
من قرارات فيما تضمنه من عدم شمول المدعى بالعفو عن باقى العقوبة السالبة للحرية المحكوم
بها عليه فى القضية رقم 18726 لسنة 2005 جنايات الزيتون، والمقيدة برقم 1040 لسنة 2005
كلى غرب القاهرة رغم توافر شروط الإفراج عنه طبقًا لهذه القرارات، مع ما يترتب على
ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
ومن حيث إنه عن الدفع المبدى بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى على سند من أن
القرار المطعون فيه يعد من أعمال السيادة، فإنه دفع غير سديد، ذلك أن القرار المطعون
فيه اكتملت له عناصر ومقومات القرار الإدارى، وهو صادر عن رئيس المجلس الأعلى للقوات
المسلحة بوصفه سلطة إدارة وليس سلطة حكم، إذ يظل العفو عن باقى العقوبة المحكوم بها
عملاً إداريًا خالصًا يخضع لرقابة قاضى المشروعية باعتباره صاحب الولاية والقاضى الطبيعى
المختص بنظر الطعون فى القرارات الإدارية شأنها شأن سائر المنازعات الإدارية التى ما
فتئ القضاء الإدارى قائمًا عليها باسطًا ولايته على مختلف أشكالها وصورها، وهو الأمر
الذى يغدو معه الدفع الماثل قائمًا على غير سند جديرًا بالرفض، وتكتفى المحكمة بالإشارة
إلى ذلك فى الأسباب دون المنطوق.
ومن حيث إنه عن الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى، فهو غير جدير
بالقبول، وقد تكفل الرد على الدفع السابق ببيان ذلك، وتقضى المحكمة برفضه كذلك، وتكتفى
بالإشارة إلى ذلك فى الأسباب دون المنطوق.
ومن حيث إنه عن شكل الدعوى، وعن الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد،
فإن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 10/ 3/ 2011، وإذ لم يثبت
من الأوراق علم المدعى به علمًا يقينيًا - لا ظنيًا ولا افتراضيًا - فى تاريخ سابق
على إقامة دعواه الماثلة بتاريخ 14/ 11/ 2011 الأمر الذى تغدو معه الدعوى مقامة فى
خلال الميعاد المحدد قانونًا، وإذ استوفت أوضاعها الشكلية المقررة قانونًا، ومن ثم
تقضى المحكمة بقبولها شكلاً. ويغدو الدفع الماثل قائمًا على غير سند جديرًا بالرفض،
وتكتفى المحكمة بالإشارة إلى ذلك فى الأسباب دون المنطوق.
ومن حيث إنه عن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإن المادة (49) من قانون مجلس الدولة
الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أنه " لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة
وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه، على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب
ذلك فى صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها....".
ومن حيث إن مفاد هذا النص أنه يتعين للحكم بوقف تنفيذ القرار الإدارى ضرورة توافر ركنين،
الأول ركن الجدية بأن يكون القرار المطعون فيه بحسب الظاهر من الأوراق ودون مساس بطلب
الإلغاء مرجح الإلغاء لأسباب ظاهرة تكفى بذاتها لحمل هذه النتيجة، والثانى ركن الاستعجال
بأن يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن المادة (7) من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011
تنص على أن " المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة،
لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة)، وتنص المادة
(19) من ذات الإعلان على أن (العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون،
ولا توقع إلا بحكم قضائى...)، وتنص المادة (56) منه على أن (يتولى المجلس الأعلى للقوات
المسلحة إدارة شئون البلاد، وله فى سبيل ذلك مباشرة السلطات الآتية:
1- ....
2- ....
9 - العفو عن العقوبة أو تخفيفها أما العفو الشامل فلا يكون إلا بقانون).
وحيث إن المادة (74) من قانون العقوبات تنص على أن: (العفو عن العقوبة المحكوم بها
يقتضى إسقاط كلها أو بعضها....).
وتنص المادة (49) من قانون السجون رقم 396/ 1956 على أن (يفرج عن المسجون ظهر اليوم
التالى لانتهاء مدة العقوبة).
ومن حيث إن المستفاد مما تقدم أن المواطنين أمام القانون سواء فلكل منهم ذات الحقوق
وعليه نفس الواجبات والالتزامات ولا تجوز التفرقة بين المواطنين من أصحاب المراكز القانونية
المتماثلة بأى حال من الأحوال، وأن التمييز بينهم غير جائز بأى حال وإلا كان هذا المسلك
مخالفًا لأحكام الدستور فضلاً عن مخالفة القانون.
كذلك فإنه لما للحرية الشخصية من أهمية بارزة فى حياة الإنسان باعتبارها ملاك الحياة
كلها، فقد حرص المشرع الدستورى على كفالتها وصونها، فلا توقع عقوبة تسلبها إلا بناءً
على قانون وبحكم قضائى فى حدود ما حوته الشرائع والقوانين من تنظيم لها، بحسبان أن
هذه الشرائع والقوانين لا تخلقها ولا توجدها بل تنظمها وتوفق بين شتى مناحيها تحقيقًا
لخير الجماعة ورعاية للصالح العام، وحتى تلك العقوبة السالبة للحرية فقد أجاز المشرع
الدستورى العفو عنها أو تخفيفها رعاية تغليبًا لحقوق الأفراد وحرياتهم، وإدراكًا لحقيقة
إنسانية الإنسان وحماية لحقه فى حياة كريمة استهداء بما يرجى من نفع وصالح عام للمجتمع.
ولما كان المستقر عليه أن عيب إساءة استعمال السلطة هو من العيوب القصدية التى يجب
أن يقوم الدليل عليها من الأوراق وأن يظهر ذلك للمحكمة من واقع الدعوى.
ومن حيث إنه استنادًا إلى ما تقدم فقد أصدر رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة القرار
المطعون فيه رقم 27 لسنة 2011 بتاريخ 10/ 3/ 2011 والقرار 159 لسنة 2011 ونص القرار
الأخير فى مادته الأولى على أن " يعفى عن باقى العقوبات السالبة للحرية المحكوم بها
على المسجونين الذين أمضوا نصف مدة العقوبة المحكوم بها عليهم.. وذلك وفقًا لما يلى:
أولاً: المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة (السجن المؤبد) إذا كانت المدة المنفذة
حتى 8/ 3/ 2011 (خمس عشرة سنة ميلادية). ويوضع المفرج عنه تحت مراقبة الشرطة مدة خمس
سنوات طبقًا للفقرة الثانية من المادة (75) من قانون العقوبات.
ثانيًا: المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية قبل 23/ 3/ 2011 متى كان المحكوم عليه قد
نفذ حتى هذا التاريخ نصف مدتها ميلاديًا وبشرط ألا تقل مدة التنفيذ عن ستة أشهر ولا
يوضع المفرج عنه تحت مراقبة الشرطة إلا إذا كانت مقررة بقوة القانون أو كان محكومًا
بها عليه وبشرط ألا تزيد مدتها على خمس سنوات أو على المدة التى يشملها العفو بمقتضى
هذا القرار أيهما أقل".
ونصت المادة الثالثة منه على أن " ينشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية ويعمل به من
تاريخ صدوره ".
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم ولما كان البادى من ظاهر الأوراق وبالقدر اللازم للفصل
فى الشق العاجل من الدعوى أن المدعى قد أتهم فى القضية رقم 18726 لسنة 2005 جنايات
الزيتون، والمقيدة برقم 1040 لسنة 2005 كلى غرب القاهرة، بأنه بصفته موظفًا عامًا (رئيس
الدائرة 38 مدنى جنوب القاهرة) قد طلب وأخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته تمثلت فى مبالغ
مالية ومشغولات ذهبية على سبيل الرشوة مقابل إصدار حكم لصالح المتهم الثالث، وقد تم
حبسه احتياطيًا على ذمة هذه القضية بتاريخ 16/ 8/ 2005، وبجلسة 29/ 12/ 2005 قضت محكمة
جنايات القاهرة ببراءة المدعى وباقى المتهمين مما أسند إليهم، وأخلى سبيله بذات التاريخ،
فقامت النيابة العامة بالطعن على هذا الحكم بالنقض، حيث قضت محكمة النقض بنقض الحكم
المطعون فيه، وتمت إعادة القضية إلى محكمة جنايات القاهرة للفصل فيها من جديد بدائرة
أخرى، ثم أعيد حبسه احتياطيًا على ذمة هذه القضية بتاريخ 4/ 5/ 2008، وبجلسة 4/ 9/
2008 قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة المدعى بالسجن المشدد لمدة سبع سنوات (عقوبة
سالبة للحرية)، تنتهى فى 21/ 12/ 2014، ومن ثم فإن المدعى بذلك يكون قد نفذ حتى 23/
7/ 2011 نصف مدة العقوبة المحكوم عليه بها، إذ أنه قضى مدة الحبس الاحتياطى الأولى
السابقة على حصوله على حكم بالبراءة، وذلك خلال المدة من 16/ 8/ 2005 وحتى 29/ 12/
2005، بإجمالى مدة مقدارها (13 يومًا - 4 أشهر)، ثم أعيد حبسه بعد نقض حكم البراءة
وإعادة محاكمته ثم الحكم عليه بالعقوبة سالفة البيان، وذلك اعتبارًا من 4/ 5/ 2008
- بإجمالى مدة مقدارها (4 أيام - 10 أشهر - 3سنوات) حتى 23/ 7/ 2011 ومن ثم يكون إجمالى
المدة التى قضاها من العقوبة حتى 23/ 7/ 2011 7 شهر - 3 سنوات، وبالتالى يتحقق مناط
سريان المعايير التى تضمنها القرار رقم 159 لسنة 2011 بشأن المدعى، وهو الأمر الذى
يغدو معه القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم شمول المدعى بالعفو عن باقى العقوبة
السالبة للحرية المحكوم بها عليه فى القضية سالفة البيان - وبحسب الظاهر غير قائم على
سببه المبرر له ومرجح الإلغاء بما يتوافر معه ركن الجدية، كما يتحقق ركن الاستعجال
لتعلق القرار بالحريات والحقوق العامة، ويتعين والحال كذلك القضاء بوقف تنفيذ القرار
المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها الإفراج الفورى عن المدعى.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بالمصروفات عملاً بالمادة 184 من قانون المرافعات.
(فلهذه الأسباب)
حكمت المحكمة: بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون
فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، على النحو المبين بالأسباب، وألزمت الجهة الإدارية
مصروفات هذا الطلب، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير
بالرأى القانونى فى موضوعها.
سكرتير المحكمة |
رئيس المحكمة |