الصفـحة الرئيـسية دليل إستخدام البوابة باحث التشريعات باحث النقض باحث الدستورية باحث الإدارية العليا نحن

انضم الى قناة مرافعاتنا


إيقافتشغيل / السرعة الطبيعيةللأعلىللأسفلزيادة السرعة تقليل السرعة

والهلالي لما قام
قلعوه توب المحامي
ولبسوه توب الاتهام
والنيابة ع الغلابة
طبقت بند اللجام

* تنازلت عن ميراثي احترامًا لوصية والدي نجيب باشا الهلالي
* حفرت اسم زوجتي واسمي متجاورين على زلطة في (ليمان أبو زعبل).
* الحركة الاشتراكية الآن مثل شجر الخريف.. أوراق تذبل وأوراق تنمو
* الحركات المناهضة للعولمة هي أممية من نوع جديد
* هذه قضية فصلى من التنظيم الطليعي.
* حاوره على فراش المرض أحمد طاهر.
كان ممن سمعت مقتبل العمر، حينما كنت وأبناء جيلي ننشد القدوة في القول والعمل، فرسمت عنه في خيالي صورة احتوت كل ما اختزنته الذاكرة من سمات الأبطال اللذين قرأت عنهم، وعندما قابلته لأول مرة لم أحول نظري عنه كانت ملامحه البسيطة الطيبة، ونظراته الهادئة الحانية، تحملان سمات الصوفي وقسمات القدس.. فعرفت أن الثورة فكرة وضرورة وأن العمل دور وأداء وصدق.
بعد أن يئست أو كدت من محاولة دفعه للحديث عن نفسه، جاء الفرج في اللحظة الأخيرة، ربما أشفق من محاولاتي المتكررة.. ربما أدرك أن أشياء يجب أن تقال، بعد أن تعددت أقاويل أو أحاديث نسبت إليه وكثير منها لم يكن دقيقًا أو أمينًا.
ولكوننا هذه الأيام ننشد القوة والمثل بعد أن وصل التزييف في التاريخ إلى حالة من مسح وفقدان جمعي لذاكرة الأمة، فكانت تلك المحاولة لإلقاء الضوء على الجانب الشخصي والإنساني والذي لا ينفصل عن مواقفه السياسية والفكرية، ومعرفة بذور وجذور تلك الذات الإنسانية العالية التي تزهد في كل شيء وتترفع عن الدنايا دون ضجيج أو إعلان.
ولد نبيل الهلالي في 7 أغسطس 1928، بمدينة القاهرة بمنزل والده نجيب باشا الهلالي بمصر الجديدة، أبنًا وحيدًا له، الأب محام شهير وقانوني مشرع بارز وأحد الزعامات الحزبية قبل يوليو 1952 والدي تولى رئاسة وزارة مصر مرتين ووزيرًا عدة مرات) وحين تولى نجيب الهلالي وزارة المعارف أصر على أن يقل ابنه من المدارس الأجنبية إلى المدارس الحكومية المصرية، ليتعلم بها حتى التحق عام 1944 كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، وفي الجامعة تعرف لأول مرة على الفكر الاشتراكي حيث كانت تموج الجامعة بتيارات سياسية متعددة منها التيار الشيوعي. فانضم في أول الأمر إلى تنظيم (الأسكرا) أو الشرارة. قبيل اندماج مع الحركة المصرية للتحرر الوطني وتأسيس الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني.
(حدتو). وقد تميزت منظمة (الأسكرا)، بالاهتمام بالجانب الفكري والأيديولوجي وتأصيله أو كما يقول مشيل كامل (أحد قيادات الحركة الماركسية): أهم ملاحظة عن أسلوب عمل (أسكرا) بشكل عام هو أن المدخل إلى التنظيم كان مدخلاً أيديولوجياً، ( وعندما بدأ الانقسام في تنظيم (حدتو) انتمى نبيل إلى (المنظمة الشيوعية المصرية) (م، ش، م) كمسئول للجنة الرقابة وكان ذلك عام 1948 ثم انضم أخيرًا لمنظمة الحزب الشيوعي (الراية)، عام 1956
ورغم نبيل الهلالي تمامًا بالعمل الشيوعي المنظم إلا أنه استطاع إخفاء هذا النشاط عن والده لكونه شديد العداء للشيوعية وبما عُرف عنه من ميول التصوف بعد ذلك إلا أن هذا الكتمان لم يستمر طويلاً حيث تكفل الصحفي مصطفى أمين بإفشاء الأمر، وهنا كان عليه أن يختار بين حياة الأسرة الآمنة وبين عمله السياسي واختار نبيل مضطرًا أن يترك منزل والده حيث تبدأ القطيعة النهائية بينه وبين والده قبلها كان نبيل قد ترك مكتب والده كمحامِ في واقعة كان يحكيها بقوله (والدي وكيلاً للعديد من الشركات الأجنبية وكان أحد العمال قد أقام دعوة قضائية ضد شركته يطالب فيها بحقوقه فكان عليّ أن أذهب للمحكمة للوقوف ضده، فرفضت ذلك تمامًا مما دفعني لترك مكتب الموالد نهائيًا وترك المنزل كذلك بعد افتضاح نشاطي الشيوعي).
والمدهش أن الأب إمعانًا في عقاب الابن المتمرد على الأسرة والطبقة قام بتحرير وصية لصالح الأم حتى يحرم نبيل من الميراث في حدود الشرع، ولكن شاءت الأقدار أن تتوفى الأم أولاً، فأصر الوالد مرة ثانية وأعاد تحرير الرصيد لصالح ابنة الأخت الوحيدة، ولكن قبل أن يسجل وصيته توفى نجيب باشا الهلالي في 15 ديسمبر 1958، ورغم لك فقد اعتبر نبيل رغبة الأب وصبة واجبة النفاذ ولاقتناعه بأن العمل هو المصدر الوحيد لكسب المال.
وقد أثيرت إشاعات كثير عن ثروة نجيب الهلالي وأشيع أن نبيل الهلالي قد تبرع بميراثه للحركة الشيوعية والحقيقة عن ذلك يذكرها نبيل ببساطة شديدة بقوله: (في الحقيقة أنه لم يكن هناك ميراث من الأساس فوالدي تصرف في أطيانه الزراعية بأسيوط أثناء حياته ولم يترك بعد وفاته غير قصر الأسرة بالمعادي ومنزل الإسكندرية وكان مرهونًا، فقد كان والدي للحقيقة رغم عدائه للشيوعية شديد العداء، للملكية والملكية (بكسر الميم مرة وفتحها مرة أخرى ) فهذا بالإضافة لموضوع الوصية فلم أهتم بموضوع الميراث من الأساس، ومن هنا كثرت الإشاعات والحكايات).
كان نبيل قد تعرف في منظمة الشيوعية المصرية على مسئولة في التنظيم (فاطمة ذكي)، والتي كانت عندئذً طالبة في كلية علوم القاهرة وإحدى المناضلات البارزات في الحركة الطلابية في الأربعينات وهي تنتمي لأسرة متوسطة الحال فوالدها كان مفتشًا بوزارة الزراعة اختير لعدد يفوق العشرة من الأخوة والأخوات قامت الأم التي كانت تتميز بسعة الأفق والعلاقات. الاجتماعية الطيبة، باستكمال تربية الأبناء جميعًا بالتعليم العالي، بل واشتهر عن الأسرة أنها كانت تقوم بتعليم كل من يلتحق بالخدمة لديها حتى أعلى مراحل التعليم، لذلك فقد رحبت الأم حين أتاها نبيل خاطبًا ابنتها، رغم علمها بقطيعته مع أسرته، وعدم موافقة والده على الزواج والذي تم بالفعل في29 يوليو1958 ولكن بعد أقل من ستة اشهر لم يهنئ العروسان بالزفاف فقد بدأت حملة اعتقالات واسعة للشيوعيين ويعتقل نبيل في أول يناير 1959 ويودع ليمان أبي زعبل، وفي مارس 1959، يتم اعتقال فاطمة وتودع سجن النساء بالقناطر، وتروي (فاطمة زكي) واقعة طريفة عن ظروف الاعتقال والاتصال بنبيل فتقول (كنت موجودة أثناء لاعتقال بعمبر المعتقلات بقصر العيني، حيث أرسل لي نبيل أحلى رسالة حب عندما قام بحفر أسمي واسمه على (زلطة) تربطها سهام الحب، وألقاها أحد الحراس بجواري، فقد كنا نتحايل للاتصال بأي طريقة، ومازلت أحتفظ برسالته الغالية داخل إطار من ذهب).
وكان نبيل في المعتقل حيث حكم عليه بالسحن 7 سنوات أشغال شاقة مثالاً للتواضع والصبر فقد تعامل مع الأمر ببساطة شديدة وكأنه واجب وضريبة لابد أن تؤدى وعلى لسان عبد العال البسطاويسي أحد أبناء الطبقة العاملة والذي كان معتقلاً معه يقول (كان الأستاذ يصر على القيام بكل شيء بنفسه ويرفض مساعدة من أي إنسان فقد كنا نحن العمال نعتبر أن (الأساتذة والمثقفين ) غير متعودين على الحياة الشاقة داخل السجون فكنا نحاول مساعدتهم في شئون حياتهم لأننا (متعودين على كده) ولكنه كان يرفض بحسم أي مساعدة، بل أنني ظللت أرفض القيام بدوري في تنظيف دورة المياه، حتى وجدته يقوم بتلك المهمة دون تذمر مثله مثل الباقين ويؤكد العامل لقد خرج المعتقلون من المعتقل وهم متفقون على شيء واحد هو (أحمد نبيل الهلالي) وعن ظروف حل المنظمات الماركسية لنفسها وموقفه من ذلك يقول نبيل (كنت في ذلك الوقت (يقصد أعوام 63 و 64 ) لا أزال للحزب الشيوعي المصري (الراية)، وتم عقد اجتماعين لمناقشة طلب عبد الناصر من الشيوعيين بالتخلي عن التنظيمات الشيوعية المستقلة والدخول معه في تجربة بناء حزب واحد للاشتراكيين، وفي الاجتماع الأول صوتت ضد فكرة الحل، وأن لم أرفض فكرة الحوار والمشاركة مع النظام الناصري ولكن من واقع التنظيم الطبقي المستقل وعلى أن توفر الظروف الصحية للحوار، وعقب عدة تصريحات لعبد الناصر في بعض خطبه، فسرتها أنا خطأً، على أنها رسالة للشيوعيين فصوتت في الاجتماع الثاني الموسع للجنة المركزية للحزب الشيوعي لصالح الانضمام الفردي لتنظيم الثورة مع التمسك بالشكل التنظيم المستقل للشيوعيين وعليه قبلت الانضمام للتنظيم الطليعي لفترة قصيرة حيث تم إقصائي فور علمهم بالحفاظ على أشكال تنظيمية ماركسية مستقلة) بعدها ظللت أعتقد أن تصويتي في المرة الثانية كان خطأ لم أسامح نفسي عليه.
ولكن سرعان ما أبدأ التكفير عن الخطأ بعد عدة سنوات قليلة، حيث عاودت الحلقات الماركسية المستقلة الظهور والنمو، وأسست مع آخرين تنظيم (شروق) الذي دشن مع تنظيمات الأخرى بناء حزب الطبقة العاملة الجديد والذي أعلن عنه محليًا وعالميًا في أول مايو 1975.
خرج نبيل الهلالي من معتقل الواحات عام 1964، حيث عاود العمل بمكتبه الذي كان قد أسسه مع الأستاذان بولس لطف الله المحامي عام 1954، وهو نفس المكتب الذي يعرفه كل صاحب حاجة وكل ذي رأي حين يلجأً إليه الجميع فيجدون بابه مفتوحًا دائمًا لهم لا يفرق في دفاعه بين هذا وذاك من أصحاب المعتقدات والميول السياسية، فالكل لديه سواء ناصريًا أو شيوعيًا أو من أنصار التيار الإسلامي، فالدفاع عن حرية الرأي والعقيدة في رأيه مبدأ ينبغي التمسك به بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع صاحب المذهب السياسي الذي يدافع عنه، وفي سبيل ذلك أسس مع ذكي مراد ومحمد فهيم أمين لجنة الدفاع عن الحريات بنقابة المحامين، التي كانت الشجرة الأم التي تفرعت عنها العديد والعديد من لجان الدفاع والتي تحولت بعد ذلك إلى مؤسسات ومراكز لحقوق الإنسان في القاهرة والمحافظات المختلفة وقد تصدرت اللجنة فور تكوينها للدفاع عن المعتقلين في الهبات الجماهيرية والطلابية التي توالت اعتبارًا من أعوام 72و75 و77 ولم تتوقف.
ويحكي الهلالي أن انتفاضة الحرية عام 1972، عندما تشكلت اللجنة العليا للطلاب أنه بعد فض الاعتصام الذي دام أربعًا وعشرين ساعة في ميدان التحرير بالقوة، تم القبض على عشرات القيادات العمالية والصحفية والطلابية وكان هو من ضمنهم وحيث أودع كل منهم في زنزانة حبس منفردة والطريف أن أحد قيادات الطلبة بدأ عبر باب الزنزانة توعية باقي المحبوسين بالموقف الواجب في التحقيق وتمسكهم بحضور محامِ معهم وإبلاغ المحامي أن محاميهم هو نبيل الهلالي، وكم كانت دهشتهم حين جاء الدور عليهم ليعرف نفسه، فإذا بالطلاب المحبوسين يجدون محاميهم معهم في ذات السجن. وهتف شاعر الشعب أحمد فؤاد نحم بقصيدته الشهيرة: (والهلالي لما قام.. قلعوه توب المحامي). ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي كان فيها الهلالي فيها محاميًا ومتهمًا في ذات الوقت ففي القضية المشهرة بقضية الحزب الشيوعي المصري رقم 52 لسنة 1980، وقف الهلالي في القفص هذه المرة متهمًا ومحاميًا عن نفسه وعن رفاقه في ذات الوقت حيث وجهت لهم النيابة تهمة التخابر والعمالة لدولة أجنبية وأنهم أنشأوا وأداروا تنظيمًا شيوعيًا يهدف إلى قلب نظام الحكم بالقوة والتشهير بالسياسات القائمة، لا ليتنصل من أفكاره ومعتقداته أو يطلب العفو والصفح ولكن ليحاكم هو نظامًا بكامله ويرد تهمة العمالة إلى مستحقيها فيقول:
"إن العبارات الإنشائية الرنانة حول العمالة والخيانة التي ترددت في هذه القاعة والتي أطلب من المحكمة شطبها من محضر الجلسة، والتي تلفقها أجهزة الإعلام يومها لتحويلها إلى مانشيتات للصحف الحكومية تصلح خطبًا حماسية لأحد الساسة أو المسئولين غير المسئولين في سرادق انتخابي للحزب الحاكم، أما هنا فساحتهم المقدسة غير مكرسة للتراشق بالنعوت السياسية الجوفاء، هنا في هذه القاعدة للعمالة والخيانة تعريفاتها القانونية المحددة في قانون العقوبات وقانون محاكمة الوزراء فطبقًا لهذه التعريفات ليس من بيننا أهل القفص خائن أو عميل لأنه ليس من بيننا من اعتراف يومًا وتباهى دومًا بأنه تجسس لحساب دولة أجنبية غزت بجيوشها الديار ليس من بيننا من فرط في السيادة الوطنية على أرض الوطن ليس من بينا من دنس قدميه بزيارة دولة معادية محاربة تحتل أرضنا، ليس من بيتنا من تخابر يومًا مع حكام دولة معادية أو وضع يده في أيدي القتلة الملطخة بدماء أبنائنا وإخواننا وأطفالنا الذين استشهدوا في سيناء وأبي زعبل وبحر البقر إن الحديث عن الخيانة والعمالة يطول شرحه وإذا كانت النيابة حريصة حقًا على ملاحقة العملاء فلتبحث عنهم بعيدًا عن هذا القفص وإذا كانت النيابة تواقة لفتح ملفات الخونة والعملاء فنحن أشد توقًا منهما وأكثر شوقًا.
ولكننا نعرف حدود دعوانا ونلتزم بها ولا نتعجل الأمور فسيأتي اليوم وستوفر الظروف زمانًا ومكانًا تفتح فيه ملفات الخيانة والعمالة على مصراعيها.
وفي ذات القضية ودفاعًا عن حرية الفكر والعقيدة ترافع الهلالي قائلاً:
(لا أكتمكم يا حضرات المستشارين أن ترديد مثل هذا القول ونحن على مشارف القرن الواحد والعشرين أمر يدعو للخجل، فالفكر أي فكر، اتفقنا معه أو اختلفنا لا يجوز أن يكون وضع تأثيم أو محل تجريم، أو حتى هدفًا للازدراء والتحقير بمقولة إنه بضاعة مستوردة فالفكر والعلم لا وطن لهما، ولا جنسية إنهما ملك لكل الإنسانية، لذلك أوصانا الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بأن نطلب العلم ولو في الصين.
وكان يومها في الصين عبدة أوثان، إن مصادرة الفكر الإنساني وتجريمه أو محاكمته من سمات القرون الوسطى المظلمة الفاشية التي كانت تحرق الكتب في الميادين).
وأنهى الهلالي مرافعته بقوله:
(بهذا أكون قد انتهيت من حديث أعترف بأنه كان طويلاً وثقيلاً فمعذرة للإطالة ومغفرة للإثقال ولكن هذا شأن المحامين دائمًا في ساحتهم المقدسة إنهم يطمعون بغير حد في رحابة صدركم فما بالكم بمحام متهم؟! قد تكون السويعات التي أختلسها من وقتكتم آخر عهدي بهذه القاعة لربع قرن من الزمان).
وكما قلتها لكم البداية، أؤكدها لهم في النهاية، هذه قضية حرية المواطن المصري، أي مواطن مصري، وكل مواطن مصري، إنها قضية حرية الفكر والعقيدة نكون أولا نكون، فقولوا كلمتكم: قولوها لنا أو علينا، فهذا لا يهم.. كل ما يهم هو أن تأتي كلمة لوجه الحق والحرية والتاريخ سيدي الرئيس أعرف أن الذود عن حرية الفكر والعقيدة ثمنًا وستجدوني دائمًا جاهزًا لأداء هذا الثمن
وجاء حكم البراءة لجميع المتهمين مدويًا ومتفقًا عم ما ابتدعه نبيل الهلالي منذ ذلك الحين من أسلوب الدفاع السياسي والذي إنكار التهم وإعلان التنصل منها بل العمل على إثبات صحة معتقدات المتهمين وفرصة لعرض وشرح أطروحاتهم السياسية بما تتضمن من نقد وفضح لسياسات النظام الذي يحكمون بموجب قوانينه.
وقد أرسى هذا الحكم مبدأ عدم جوز محاكمة أي فكر قضائيًا، وحق المواطنين في اعتناق ما يشاعون من معتقدات، وعدم جواز اتهام أي فصيل سياسي معارض بالعمالة أو الخيانة، لأن الوطنية ليست حكرًا على أحد.
وقد حدد نبيل الهلالي طريقة في المحاماة منذ البداية فرفض مبدأيًا قضايا المخدرات والآداب، مهما كانت المغريات ورغم تميزه كمحام جنائي، واختار اتساقًا مع عقيدته السياسية تكملة الرسالة بالتخصص في القضاء العمالي، وعلى مدى نصف قرن استطاع مكتبه الحصول على مئات الأحكام التي أعادت إلى العمال البسطاء حقوقهم وقد أرسى العديد من المبادئ القانونية في هذا المجال، ولعل أهم مكسب استطاع الحصول عليه الطبقة العاملة المصرية هو انتزاعه لحق العمال في الإضراب، هذا الحق الذي كان مجرمًا بنص المادة 124/أ عقوبات، في القضية المعروفة بإضراب سائقي القطارات حيث أعلنت رابطة سائقي السكك الحديدية الإضراب العام فربضت عربات القطارات فوق القضبان عاجزة عن الحركة وشلت حركة النقل والمواصلات في البلاد ولم تقتصر معارك نبيل الهلالي على الصعيد القانوني فقط، فقد خاض معارك سياسية وفكرية شرسة، ففي السبعينات راجت في أوساط اليسار مقولة (الرأسمالية الطفيلية)، والتي يرجع إليها السبب في سياسات الانفتاح والتبعية وشيوع غطاء الاستهلاك الترفي، وحدد أصحاب تلك المقولة عداءهم شريحة واحدة من الرأسمالية في مصر سياسيًا واقتصاديًا حتى في إطار التبعية وقد تصدى لأصحاب تلك النظرية قائلاً يقسمون الرأسمالية إلى أشرار وأخيار متغافلين أن هناك السمة الغالبة للرأسمالية التابعة هي النشاط الطفيلي وهذا لا يخص قسمًا واحدًا من الطبقة الرأسمالية وأنه لا فرق بين انفتاح إنتاجي واستهلاكي، وبالتالي فإنه دور الرأسمالية في قيادة مرحلة التحرر الوطني قد ولت للأبد بارتباطها العضوية كجزء من الإمبريالية، وأن هذا الدور انتقل بالضرورة إلى الطبقات الشعبية والوطنية.
وعقب اغتيال السادات انقسم موقف اليسار حول نظام الحكم الجديد حيث إن البعض أن الدور المميز الذي تلعبه مؤسسة الرئاسة في مصر، قادر على تغيير سياسات الحكم وبالتالي يجب مراجعة موقف اليسار المصري من السلطة ولكن الهلالي كان له موقف آخر فقد رأى أن سياسات السادات ما زالت مستمرة رغم غيابه، وأن الطبقة التي تحكم لا تتغير بتغير رئيس الجمهورية، وإن اختلف الأسلوب ولكن الجوهر والمضمون باقٍ كما هو، فقد يتغير اللاعبون ولكن تبقى اللعبة كما هي.
وعندما بدأت ظاهرة العنف المسلح من جانب بعض جماعات الإسلام السياسي في مصر رأى الآخرون أن التناقض مع السلطة قد أصبح ثانويًا بل ينبغي من أجل مواجهة الإرهاب التحالف مع النظام القائم بشتى الصور، وقد تصدى لهم الهلالي كاشفًا أن للإرهاب جذورًا وبذورًا اقتصادية وسياسية تتمثل في الأساس في سياسات الدولة البوليسية وقمح الحريات وكذلك ازدياد الفوارق الطبقية وشيوع الفساد الاقتصادي، وأنه ينهض لمواجهة تلك الظاهرة البحث عن أسبابها الحقيقية ومواجهتها ورفض أي تحالف سياسي مع نظام الحكم المسئول بسياساته عن نمو وازدياد ظاهرة العنف في المجتمع.
وكما تصدى الهلالي لظاهرة التبعية في الاقتصاد فقد انبرى ذلك للتصدي لتبعية من نوع آخر، وهي التبعية الفكرية بين الأممية الدولية في موسكو وبين الأحزاب الشرعية والمنظمات الماركسية في البلدان الأخرى.
وقد انتقد الهلالي في حينه سياسة الدوران في فلك المركز الواحد وكتب في موضع (إن البعض يريد بطاقة الأممية مثل الواردة الحمراء التي توضع في عروة السترة، ولكن بشرك الزينة فقط على ٍألا تلقى عليه أية تبعات أو أعباء)، ونادى بأن تكون العلاقة مع الأممية علاقة تفاعل متبادلة وألا يكن الالتزام بالموافقة الأممي قيدًا على أحد في رؤية واقعه المحلي بشكل مستقل بل نادى بأن انتقاد الموقف الأممية الخاطئة واجب أممي حتى يمكن تصويب الأخطاء وتدارك المواقف،) ولكن يبدو أن أنصار مقولة (استفد واصمت) كانوا من الكثرة بحيث لم يجرؤ أحد في حينه على كشف أوجه القصور السائدة من بيروقراطية سياسية وفساد اجتماعي في قلب المركز الأممي مما أدى لانهيار مدو للتجربة السوفيتية في بناء الاشتراكية).
وعن الدروس المستفادة من تجربة البناء الاشتراكي ثم انهيارها يقول الهلالي:
(إنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي زادت أهمية الديمقراطية السياسية، فرغم الخسارة الكبيرة التي حدثت فإن الجانب الإيجابي للتجربة كان كبيرًا أيضًا من زاوية إظهار العيوب والنواقص التي أدت إلى سقوط التجربة والتي كانت ولابد أن تؤدي حتمًا لانهيارها، وأخطار تلك العيوب الفشل في الاهتداء إلى الصيغة الصحيحة للديمقراطية السياسية كما يجب أن تكون في ظل النظام الاشتراكي، الأمر الذي أدى إلى تحكم البيروقراطية الحزبية التي تحكم باسم الطبقة العاملة وهي منها براء).
وفي ندوة نظمها مركز البحوث العربية عام 1998 بالقاهرة يقول الهلالي:
(إن ما آلت إليه تجارب الاشتراكية السلطوية من فشل قاطع الدلالة على أن العددية ضرورة موضوعية حتى في المجتمع الاشتراكي، فهي مجتمع لا يخلو من التناقضات، والتعددية السياسية والحزبية هي القناة الشرعية للتعبير الصحيح عن هذه التناقضات وحلها ديموقراطيًا وتغيب هذه الشرعية التعددية يقود التجربة لا محالة إلى كارثة طال الزمن أم قصر). وأن إطار التعددية السياسية والحزبية في المجتمع الاشتراكي يجب أن يتسع حتى للقوى المعارضة للاشتراكية بل أبعد من ذلك فمن حق الجماهير الشعبية سحب ثقتها من أية سلطة منحرفة حتى لو كانت تحلم باسم الاشتراكية، وأي حزب حاكم يخطئ في حق شعبه ويفقد ثقة الجماهير غير جدير بالبقاء في مواقع السلطة لحظة واحدة.. أيًا كان الاسم الذي يطلقه على نفسه أو الهوية التي ينسب نفسه إليها والراية التي يرفعها، لأن جواز مرور الحزب إلى مواقع السلطة وبطاقة إقامة فيها هو ثقة وتأييد الأغلبية العظمى من الشعب، ويوم تصدر الأغلبية الشعبية قرارها المعبر بصدق عن إرادتها بتعين الالتزام بهذه الإرادة واحترام هذا الاختيار أيًا كان ولو جاء الاختيار الشعبي خاطئًا. فلا أحد يملك فرض رقابته أو وصيته على قرارات الشعوب ولا ممارسة حق الفيتو ضد إرادة الشعوب فلندع الشعوب تمارس حق الاختيار.. فلنسمح للشعوب بأن تخطئ وتصيب.
أما عن الدرس الذي يجب أن تخرج به من تجارب الاشتراكية السلطوية فهو أن الاعتماد في حماية الثورة الاشتراكية على مجرد الإجراءات الاستثنائية وأجهزة الأمن خطأ قاتل ولكن يجب الاعتماد على الدور الحاسم للجماهير الشعبية وتعبئتها وتحريكها دفاعًا عن مصالحها. فالديمقراطية كانت ومازالت هي الحلقة الرئيسية التي يجب أن نتمسك بها بقوة فالديمقراطية بجميع أشكالها هي وسيلة لإطلاق قدرات الجماهير لكي تناضل من أجل الأهداف الأخرى).
ولأن الأحداث في مصر والمنطقة والعالم تشهد تحولات متسارعة ومهمة فكان لابد أن نسأله عن رأيه في ذلك حين أجاب (الصورة اليوم مرعبة ومفجعة، فلقد تحول عالمنا إلى غابة تعربد فيها الديابة الإمبريالية الكاسرة إلا أن التاريخ ليس لقطة فوتوغرافية ساكنة للحظة المأسوية الراهنة فكل المؤشرات تشير إلى أن الخلل الخطير في توازن القوى العالمي.. مجرد مرحلة عارضة مؤقتة وهي قد تطول لكنها في النهاية سوف تزول بفضل نضالات الشعوب، إن الوضع الحالي لن يكون نهاية التاريخ كما تزعم أبواق الرأسمالية العالمية، فالنظام الرأسمالي مأزوم وأزمته الحالية متفاقمة فالعولمة تفجر التناقضات داخل صفوف البلدان الرأسمالية الكبرى وبينها وبين الشعب والنظام الدولي ذي القطب الأمريكي الأوحد، ينتج نقيضه ولذلك فيومًا بعد يوم تتبلور إرهاصات عالم جديد متعدد الأقطاب. واشتداد شراسة ووحشية الإمبريالية العالمية وهو مظهر ضعف وليس قوة وهو يوسع دائرة الحركة المناوئة للإمبريالية، وها نحن اليوم نشهد بزوغ وتشكل حركة عالمية صاعدة معادية للعولمة والرأسمالية المتوحشة، وترفض اختزال الإنسان إلى سلعة تباع وتشترى، وأعقد أن ما يتم اليوم من حركات اجتماعية مناهضة لظاهرة العولمة، هي أممية من نوع جديد حيث يشارك في هذه التجمعات الإضافة إلى النقابات العالمية، جماعات غير ذات توجه أيديولوجي محدد، مثل جماعات حماية البيئة وحقوق الإنسان والدفع عن المرأة وحماية حقوق الطفل وغيرها، مما يشكل جبهة واسعة ضد كل مثالب الرأسمالية في طورها الجديد وهو العولمة.
أما عن تأثير الأحداث العالمية والدولية الأخيرة على الانتفاضة الفلسطينية وحركة التحرر الوطني العربية فقد أجاب: (الانتفاضة الفلسطينية اندلعت لتبقى ولم تنطلق بقرار علوي ولن تنطفئ بقرار علوي ومراجعة الحصاد الصفقات مع العدو الصهيوني بدءاً من أوسلو حتى الآن تقطع بأن الطريق الوحيد لانتزاع الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة هو الكفاح المسلح بكل صورة وأشكاله، وإن كان العدو الصهيوني قد تصور يوم اندلعت الانتفاضة عام 1987 أنها مجرد زوبعة في فنجان فها هي الأيام تثبت فساد هذا التصور وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن كل حديث حول ما يسمونه خيار السلام الاستراتيجي وهم كبير. وأن الخيار الاستراتيجي الأوحد، وهو للشعوب العربية، ويتمثل في تحرير كل بقعة أرض محتلة، واسترداد كل قطعة أرض عربية مغتصبة، أما بالنسبة للحكومات العربية فإن موقفها من الانتفاضة يتأكد يومًا بعد يوم أنها شريكة مع العدو الصهيوني بدرجات متفاوتة في مؤامرة وأد الانتفاضة تعدد أشكال التآمر والهدف واحد، ذلك لأن تلك الأنظمة تدرك خطورة توابع تلك الانتفاضة وانعكاساتها على الشارع العربية، لذلك فإن قوى المعارضة المصرية مطالبة ببساطة أن تطرح نفسها كبديل عن واقع مرفوض من الشعب، وأن تناضل في سبيل تخليص الشعب من هذا الواقع لا تجميله أو ترشيده أو ترقيعة، وجماهير المعارضة مطالبة كذلك بتوحيد صفوفهم والنضال في سبيل الغد الأفضل لأنه مادات ممارسات الدولة البوليسية في مصر فلن يكون العمل السياسي حاضر ولا مستقبل مشرق، فيها نحن نشهد كل يوم المزيد من التآكل في الهامش الديموقراطي المتاح للشعب وتتولى المزيد من القيود على حريات المواطنين وحقوقهم الدستورية، ومع ذلك فالشعب قادر على انتزاع حقه في العمل السياسي والديموقراطية الحقيقية).
أما عن مستقبل الاشتراكية في العالم اليوم فقد قال نبيل الهلالي:
(يقيني أنه مهما حققت الرأسمالية العالمية من انتصارات فإن المستقبل ليس محجوزًا لها، وتصعد مقاومة الطبقات العاملة والكادحة الاستغلال وتنامي مجابهة الشعوب الإمبريالية سوف يفرض على الرأسمالية العالمية الانتقال أكثر فأكثر من مواقع الهجوم إلى مواقع الدفاع، وطالما ظلت في عالمنا رأسمالية تمارس الاستقلال والقهر والكبت.. فإن الاشتراكية بوصفها نقيض الرأسمالية سوف تظل البديل الموضوعي للرأسمالية وشرورها وستبقى هي التجسيد لطموحات البشرية ومستقبلها باعتبارها الهدف البعيد القادر على تحقيق مجتمع إنساني متطهر من الاستقلال والتبعية والاستبداد. وقولي هذا ليس من قبيل أحلام اليقظة الوردية، وإنما هو واقع يتحقق على أرض الواقع هنا وهناك حتى في البلدان التي انهارت فيها التجارب الاشتراكية وهبت عليها رياح إحياء الرأسمالية فالمزاج الجماهيري فيها أخذ في التبدل ويتزايد الجنين لدفء حضن الاشتراكية الحنون وآخر مثال على ما أقول ما عكسته نتائج الانتخابات في مقاطعة برلين حيث مُنى اليمين بهزيمة ساحقة. وبعد اثني عشرة عامًا على سقوط سور برلين والتهام ألمانيا الاتحادية لألمانيا الديموقراطية فاز حزب الاشتراكية الديموقراطية (الحزب الحاكم السابق في ألمانيا الديموقراطية), على نسبة 22% من أصوات الناخبين على مستوى المقاطعة ككل وعلى نسبة 47.6% من الأصوات على مستوى القطاع الشرقي من برلين وشكل الحزب بالاشتراك مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي الحكومة المحلية الجديدة.. لذلك فعلينا دائمًا أن ننظر على المستقبل بثقة أكبر).
ما سبق كان إطلاله سريعة على نبيل الهلالي الإنسان والسياسي. وهذا النموذج الذي لابد وأن يطرح سؤالاً يتبادر للذهن عن الدافع الذي يحدو بشخص ما أن يودع الحياة الآمنة المطمئنة والمستقبل المضمون وأن يهجر طبقته وأسرته ويهاجر لصفوف البسطاء من الشعب، فيلاقي ما يلاقي ويعاني من يعاني فلا يزيده الأمر إلا إصرارًا على مبدأه مضحياً بكل غال ورخيص متحملاً مشاق السجون والحياة الخشنة، وراضيًا بتضحياته سعيدًا بما يعمل مصرًا على استعمال الطريق كما بدأه.؟!.