إذا كنت
(محامياً
، قاضياً ، أو تعمل في الحقل القانوني، نتعهد بنقل معلوماتكم القانونية إلى
مستويات قياسية)
فقط اشترك
معنا
كان للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل محطات تاريخية مع رؤساء مصر،
أبرزها علاقته بالرئيس الراحل عبدالناصر، والتى عنون عليها الكاتب الصحفى
الكبير رجب البنا فى مقاله المطول «أسرار وحكايات هيكل وعبدالناصر»، وكشف
فيها عن العلاقة بين الاثنين. سرد البنا على لسان هيكل، حيث
قال الأخير: «كنت قريبا من عبدالناصر، وكانت بيننا صداقة وثيقة، وكانت
العلاقة من نوع متميز بين شخص يقود، وشخص إلى جانبه يتكلم أو يفكر، وقد
حرصت أن أبتعد عن المناصب والأوضاع الرسمية، وكنت دائما متمسكا بالصحافة
والكتابة وأفضلها عن أى منصب رسمى، وقد ذكرت ذلك لعبدالناصر مرات عدة». ويصف
هيكل العلاقة بينهما بأنها كانت فى حوار مستمر حتى 28 سبتمبر 1970 وهو
تاريخ وفاة ناصر، وعن مقالاته يقول هيكل: «لم أكن أفصل، بمعنى أننى كنت
أكتب ما أتكلم حوله مع عبدالناصر، وحدث أن تناقشنا ساعات فى قضايا وآراء،
وكان بيننا فيها اتفاق على ألا أتناولها فى مقالاتى أبدا، ومع ذلك هناك
كثيرون كانوا يفترضون أننى أذهب إلى عبدالناصر يوم الخميس لآخذ منه أفكار
مقالاتى يوم الجمعة، وهذا التصور سبّب لى إحراجات كثيرة، لكننى أجزم بأن
الاتفاق الذى بيننا أن يكون نقاشا وتبادل الآراء بيننا بمعزل عن المقالات،
وكان هذا الاتفاق ينفذ بدقة». ويوضح رجب البنا الوضع الاستثنائى الذى
حظى به هيكل مع عبدالناصر، ووصفه بأنه وضع لم يحدث من قبل لأى صحفى فى
العالم، حيث يقول هيكل: «بعد أن قامت الثورة كان عبدالناصر على علاقة بعدد
كبير من الصحفيين، وفى النهاية وبالاختيار الحر وعن طريق الممارسة ازددت
قربا منه، وهذا أمر أعتز به، وهو بهذا لم يخصنى بوضع استثنائى ولكنه ألقى
على مسئولية استثنائية، وفعل ذلك إحساسا منه بأنى أؤدى دورا فى نظامه، وأنا
تبعا لذلك لم أحصل على امتيازات مادية، وكنت مقيدا أيام عبدالناصر وحتى
وقت أن تركت الأهرام بالحد الأدنى للمرتبات فى مصر وهو خمسة آلاف جنيه
سنويا دون أى زيادة». أما لماذا قرر عبدالناصر تعيين هيكل وزيرا دون
مفاتحته فيقول هيكل: «عبدالناصر فاتحنى فى أمر تعيينى وزيرا أربع مرات، وفى
كل مرة كنت أعتذر، المرة الأولى سنة 1956 فى أول حكومة تألفت برئاسته،
والثانية بعد الوحدة سنة 1958، والثالثة بعد الانفصال، والمرة الأخيرة بعد
النكسة، وتفهم رغبتى فى أن استمر فى عملى الصحفى، ولكن عندما صدر القرار
سنة 1970 فقد أوضح لى بعدها أننا كنا فى حرب استنزاف، وكانت حركته دقيقة
جدا، قتال فى الجبهة، وغارات فى العمق، ووجود سوفيتى فى مصر، وتحرك سياسى،
ودلائل على قبول مبادرة روجرز، ودلائل أخرى على إعلان وقف النار ترافقها
دلائل على استعداد الجيش للعبور بعد انتهاء مهلة وقف النار التى حددت
بثلاثة أشهر، وشعر عبدالناصر بأن تلك المرحلة التى تتسم بمزج العمل السياسى
بالعمل العسكرى تحتاج إلى إعلام دقيق ومركز يتولاه شخص محيط بالموقف
الرسمى وبأسلوب تحركه ويستطيع أن يعبر عنه دون العودة إليه». وأخيرا
يقول هيكل: «عندما طلب منى الرئيس السادات بعد توليه الحكم أن استمر فى
منصب الوزير أورد الحجة نفسها التى أوردها عبدالناصر، لأن الرئيس السادات
كان على علم بها، وحاولت أن أؤدى دورى إلى جوار الرئيس السادات فى حرب
أكتوبر، وبعدها بقدر ما استطعت، وكانت تلك فترة رائعة فى تاريخ مصر أسعدنى
أنى تمكنت من الحياة وسطها». هيكل والسادات لم تكن العلاقة بين
الرئيس الراحل محمد أنور السادات والكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل
على ما يرام، مثل أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فقد كتب هيكل ثلاث
مقالات تحت عنوان «السادات وثورة التصحيح» أشاد خلالها بالسادات، الذى لم
يكمل عامه الأول فى الحكم، واستمرت العلاقة بين هيكل والسادات على نحو جيد
حتى حرب أكتوبر 1973، وسرعان ما انقلب السادات على هيكل، بعد أن رفض الأخير
طريقة تعامل السادات مع انتصار حرب أكتوبر سياسيا، وكان يرى أن السادات
يعطى للولايات المتحدة دورا أكبر مما ينبغى. الصراع بين السادات وهيكل
انتهى بقرار أصدره الأول فى الثانى من فبراير 1974، حيث نقل هيكل من
الأهرام إلى العمل كمستشار للرئيس، وسرعان ما رفض هيكل القرار، وعلق على
القرار بعد أيام فى تصريح لصحيفة «صنداى تايمز» البريطانية قائلا: «إننى
استعملت حقى فى التعبير عن رأيى، ثم إن الرئيس السادات استعمل سلطته، وسلطة
الرئيس قد تخول له أن يقول لى اترك الأهرام، لكن هذه السلطة لا تخول له أن
يحدد أين أذهب بعد ذلك، القرار الأول يملكه وحده، والقرار الثانى أملكه
وحدى». واشتد الصدام بين هيكل والسادات حتى بلغ ذروته، عندما تحدث
السادات أمام كاميرات التليفزيون فى سبتمبر عام 1981، ووجه اتهاما مباشرا
لهيكل بأنه لم يعد صحفيا بل سياسيا، وعليه أن يترك الصحافة إلى السياسة،
و«ليس من حقه كصحفى أن يناقش القرار السياسى، فتلك مسئولية الرئاسة». ولم
يكتف السادات بذلك فقط بل أمر بوضع هيكل فى السجن، ضمن اعتقالات طالت
كثيرين من المعارضين فى سبتمبر 1981، ورحل السادات بعد حادث اغتياله خلال
العرض العسكرى فى 6 أكتوبر من العام نفسه، وبعد اغتياله لم يرحمه هيكل
فحاكمه فى كتاب جاء بعنوان «خريف الغضب»، حيث قام هيكل بتحميل السادات
مسئولية ما رأى أنه تعامل خاطئ فى ملف الصراع العربى الإسرائيلى بعد حرب
أكتوبر. مبارك وهيكل لخص الكاتب الكبير علاقته بالرئيس الأسبق محمد
حسنى مبارك فى كتابه «مبارك وزمانه من المنصة للميدان» الذى صدر فى عام
2012، حيث قال هيكل فى الحلقة الرابعة من الكتاب تحت عنوان لقاء الست
ساعات، حيث وصف هيكل اللقاء مع مبارك بالودى وأنه من خلال متابعة هيكل
لمبارك من بعيد، منذ أن عين نائبا للرئيس فى ظروف تشابكت فيها العلاقات بين
هيكل والسادات ما بين سنة 1974 وسنة 1975، ثم انقطعت فى نفس الظروف التى
أصبح هو فيها نائبا للرئيس، ومسئولا عن الأمن والتأمين، ثم رئيسا للدولة فى
ظروف عاصفة! وعن أوضاع الصحفيين وعلاقتهم بمبارك بشكل عام، يقول هيكل
إن مبارك قال له نصا: «أنت تقيس الصحفيين الحاليين بتجربة زمن مضى، ليس
هناك صحفى الآن له علاقة خاصة بالرئيس، وقلت إن جمال عبدالناصر كان متصلا
بكثيرين من الصحفيين، ثم إن هذا لا يمنع قيام صداقة مع أحدهم بالذات، ولكن
المهم أن يكون أصبع رئيس الدولة على نبض الرأى العام طول الوقت». وتابع
مبارك بحسب هيكل: «على فكرة نحن كنا نتصور أنك تجلس على حِجْر الرئيس جمال،
لكنه ظهر أن الرئيس جمال كان هو الذى يجلس على حِجْرك»، واستطرد: «لم أكن
أعرف أن العلاقة بينكما إلى هذا الحد حتى شرحها لى أنيس منصور». ويقول
هيكل: «استهولت ما سمعت، وبان ذلك على ملامحى، وربما فى نبرة صوتى حين قلت
له: «سيادة الرئيس أرجوك لا تكرر مثل هذا الكلام أمام أحد، ولا حتى أمام
نفسك، أولا لأنه ليس صحيحا، وثانيا لأنه يسىء إلى رجل كان وسوف يظل فى
اعتقادى واعتقاد كثيرين فى مصر وفى الإقليم وفى العالم، قائدا ورمزا لمرحلة
مهمة فى التاريخ العربى». الشروق
|