إذا كنت
(محامياً ، قاضياً ، أو تعمل في الحقل القانوني،
نتعهد بنقل معلوماتكم القانونية إلى مستويات قياسية)
فقط اشترك
معنا
عن سنوات النشأة
والكفاح والانتقال من القرية إلى القاهرة، مرورا بسنوات الدراسة، ونهاية
بتولى المناصب المرموقة حتى نهاية حكومته الأولى عام 1999، تدور أحداث
الكتاب الذى بين أيدينا، والصادر حديثا عن دار «الشروق»، (طريقى.. سنوات
الحلم.. والصدام.. والعزلة.. من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء) للدكتور
كمال الجنزورى، رئيس وزراء مصر الأسبق. فى الحلقات الماضية، سرنا مع الرجل
منذ خطواته الأولى نحو العمل العام، وحتى حصوله على الدكتوراه بالولايات
المتحدة الأمريكية وعودته للوطن، عقب نكسة الخامس من يونيو عام 1967، ثم
تعيينه وزيرا للتخطيط فى حكومة الدكتور فؤاد محيى الدين فى يناير من عام
1981. فى هذه الحلقة، يصحبنا الدكتور الجنزورى إلى أحاديث القاعات والغرف
المغلقة أثناء الأزمات التى حلت بمصر فى بداية عهد مبارك وأولاها، بل
وأبرزها، أحداث الأمن المركزى، التى دفعت بعض قادة الجيش للتفكير فى
الإطاحة بمبارك.
• مبارك
تردد كثيرًا فى مسألة نزول الجيش لمواجهة أحداث الأمن المركزى عام 1986
لكن القوات تحركت وأعلن عن نزولها رسميًا وهى فى الشوارع
أحداث الأمن المركزى
كانت فترة الدكتور على لطفى، مليئة إلى حد كبير بالمشاكل دون ذنب اقترفه
ولكنها الأقدار. بدأت بمشكلة سفينة أمريكية فيما عرف بحادث السفينة إكيللى
لاورو، وقُتل على ظهرها أمريكى مقعد، واستغلها الإعلام الخارجى للهجوم على
مصر. وأيضا الفلسطينى محمد عباس الذى كان متهما بقتل هذا اليهودى، ونقل
على طائرة مصرية إلى تونس، وتصدى لها الأسطول السادس الأمريكى ليعيد
الطائرة. وأيضا خطف الطائرة المصرية ونزولها فى مالطا، وقتل الكثير من
الجنود والضباط المصريين الذين ذهبوا لتحرير الرهائن، وأيضا أحداث الأمن
المركزى فى 25 فبراير 1986.
وقبل أن أنتقل إلى فترة ما بعد حكومة الدكتور على لطفى، أذكر بعض الأمور
المهمة، والتى لم يعلق عليها بل ظلت مطوية فى كواليس أحداث الأمن المركزى
فى 25 فبراير 1986.
ففى حوالى الساعة السادسة مساء يوم 24 فبراير 1986، كنت مع الدكتور يوسف
والى فى مكتبه فى أمانة الحزب الوطنى، فى المبنى المجاور لفندق هيلتون
النيل والمطل على كورنيش النيل، وكان الدكتور يوسف والى حينذاك أمينا للحزب
وقد ظل ربع قرن بعد ذلك فى هذا المنصب، وأعود لأحداث الأمن المركزى إذ دخل
علينا السيد عبد الفتاح الدالى أمين الحزب الوطنى بمحافظة الجيزة، وقال
فور دخوله إن جنود الأمن المركزى، بدأوا بإضراب فى معسكرهم فى الطريق
الصحراوى القاهرة ــ الإسكندرية، مطالبين بإلغاء قرار استمرار مدتهم
بالتجنيد، أى عدم استمرار خدمتهم ضمن جنود الأمن المركزى، وكان محددا من
قبل أن تنتهى مدة خدمتهم بعد شهر تقريبا.
وهنا أؤكد أننى لم أكن عضوا فى الحزب الوطنى أو أى من أحزاب السلطة التى
سبقت (حزب مصر، الاتحاد الاشتراكى، الاتحاد القومى) ولكن سجل اسمى عضوا
بالمكتب السياسى للحزب الوطنى بصفتى رئيسا للوزراء ولم نجتمع مرة خلال
رئاستى لمجلس الوزراء وعضويتى فيه.
وبعد لحظات، دخل علينا الدكتور عبدالحميد حسن محافظ الجيزة حينذاك وردد
وهو فى غاية الاضطراب والانزعاج، ما سبق أن قاله السيد عبدالفتاح الدالى،
وأضاف أن جنود الأمن المركزى بدأوا يخرجون إلى الطريق الصحراوى، ومعنى هذا
أنهم ربما يتوجهون إلى منطقة الأهرامات وشارع الأهرام.
على الفور، طلبت من الدكتور يوسف والى، أن يطلب الرئيس، لأن الأمر فى
غاية الخطورة ولا يمكن الانتظار، فتردد، فقلت له اطلب المشير أبوغزالة
وأخبره بالأمر، فالوضع جدّ خطير، فهذا ليس إضرابا من مواطنين، ولكنه إضراب
من صفوف الأمن، والتى من المفترض أن تواجه مثل هذه الأمور الخارجة على
القانون ولا تكون هى الفاعلة، وصلنا إلى حوالى الساعة السابعة، وتم الاتصال
فعلا بالمشير، ولم أحاول أن أتدخل، رغم أننى على علاقة جيدة بالمشير، ولكن
تركت الأمر لممثل الشارع وهو الحزب، وأن القوات المسلحة حريصة دائما على
أمن الوطن.
بعد نصف الساعة بدأ القلق فى نفسى بعد أن توارد من أطراف عدة أن جنود
الأمن المركزى، تحركوا بالفعل وقطعوا فى الطريق الصحراوى ما يزيد على نصف
كيلو أو كيلومتر، وطلبت المشير أبوغزالة، وقلت إننى أتابع الموضوع لأنى مع
يوسف والى وسمعته وهو يتحدث معك، سألته: هل طلبت من الرئيس نزول الجيش، لأن
الأمر أصبح حتميا والموقف صار فى غاية الخطورة؟ والمشير رغم أدبه الجم
فإنه فى مثل هذه الحالات يتفوه بألفاظ شديدة مصدرها حرصه الدائم على هذا
البلد، المهم قال طلبت الرئيس أكثر من مرة ولكنه ما زال مترددا بالنسبة
لنزول الجيش.
بعد دقائق طلبت المشير ثانية قلت له: أرجوك بكل ما تحمل من حب لهذا
الوطن الذى نعرفه جميعا عنك، وأكرر طلبى، أخيرا قال لى: كمال لا تخش شيئا
فإننى أصدرت أوامرى لتحرك قوات الجيش إلى الطريق الصحراوى، لتوقف أى تحرك
لجنود الأمن المركزى من دخول منطقة الجيزة.
وفعلا حدث هذا، وبعد حوالى نصف الساعة أعلن رسميا نزول الجيش الذى كان قد نزل بالفعل من قبل.
• قائد عسكرى قال لـ«أبوغزالة»: خلّصنا من مبارك.. فرد المشير: لو فعلتها ستتكرر من بعدى
التاريخ كاد يتغير... ولكن الولاء
شىء آخر لابد أن أذكره عن هذا الرجل، المشير أبوغزالة، ففى اليوم التالى
وهو يوم 27 فبراير 1986، كانت الأمور قد استقرت فى الشارع والقوات سيطرت
تماما على الموقف، وكنا مجموعة قليلة مع المشير فى مقر القيادة رغم أننى
لست عسكريا، ولكن قربى منه سمح لى زيارته فى ذلك اليوم. لم يكن اجتماعا ولم
يكن شيئا رسميا، ولكن كان لقاء به قدر من الارتياح يحس به القائد الذى
أنقذ البلد وهو المشير أبوغزالة. فى هذا اللقاء، قال أحد القادة العسكريين
القريب جدا من المشير أبوغزالة: كفاية كده يا سيادة المشير، خلّصنا منه
(يقصد الرئيس) بقا حتى يستقر البلد. فرد عليه المشير أبوغزالة على الفور،
وبكل حزم وبالحرف الواحد: لا يمكن لى أن أفعل ذلك وإن أخطأت وفعلت، فسيفعل
معى فيما بعد.
وانتهى الأمر، واستقرت الأمور، وعاد الجيش إلى ثكناته، ولم يذكر هذا
للمشير أبوغزالة عند صاحب الأمر، هذا الوفاء وهذا الولاء للوطن وللرئيس،
رغم الحب الذى أظهره الشعب للمشير. لقد كان نزول الجيش للشارع سيمفونية
جميلة عرف الجيش كيف يعزفها ويتعامل مع الشعب دون قسوة أو عنف، فعرف الشعب
الجنود والضباط وقائدهم المشير أبوغزالة. ولكن هذا لم يكن فى صالح المشير
أبوغزالة، لدى صاحب الأمر فخطط لاستبعاده، ولكن الأمر طال عليه، إلا أن نجح
بعد نحو ثلاثة أعوام.
رحم الله الرجل ورحم الله الجميع الذين خدموا هذا الوطن الذى لن ينساهم أبدا.
• مبارك دعانى لتشكيل الوزارة أواخر 1986.. وفى اللحظات الأخيرة شطب اسمى وجاء بعاطف صدقى
التكليف كتابيًا... ولكن
انتهت فترة حكومة الدكتور على لطفى، وقبل الانتهاء بعشرة أيام، أى أول
نوفمبر 1986، حدثت مفاجأة جديدة لى، إذ طلبنى الرئيس وكان فى الإسماعيلية،
وطلب منى أن أشكل الوزارة مع ترك الوزارات الأربع السيادية لاختياره
المباشر، واستمرت المراجعة معه نحو عشرة أيام، أى إلى اليوم العاشر من
نوفمبر، تحدد فيها جميع الأسماء التى تدخل الوزارة والتى تخرج منها.
وفى صباح اليوم الحادى عشر من نوفمبر 1986، طلب منى الدكتور مصطفى الفقى
الذهاب إلى مقر الرئاسة الساعة السادسة والنصف مساء، ثم بعد ساعتين طلبنى
السيد جمال عبدالعزيز سكرتير الرئيس، ليخبرنى بأن أستعد لأن الرئيس تحرك من
الإسماعيلية فعلا، والأفضل أن أذهب إلى مقر الرئاسة الساعة السادسة بدلا
من السادسة والنصف. جاءنى الدكتور يوسف والى بعد ساعة من تلك المكالمة بدون
موعد، ثم جاءنى تليفون خاص بالرئاسة، يفيد أن أُبلغ الدكتور يوسف والى
الذهاب إلى الرئاسة، على أن أستمر بالمنزل إلى حين إبلاغى بالذهاب، لأن
الموعد تأجل بعض الوقت. استمر الانتظار ساعة واثنتين وثلاثا، بما أشعرنى أن
شيئا استجد. وحوالى الساعة العاشرة مساء عاد الدكتور يوسف وعلى وجهه ما
يفصح عن تغيير حدث، وعندما خرج بعد انتهاء المقابلة، قال: لعل مفاجأة هناك،
فأجبته خير. فقال:
ـ خير إن شاء الله.
فى صباح اليوم التالى، عرفت أن الذى دُعى إلى تشكيل الوزارة الدكتور
عاطف صدقى، وعلمت أيضا ما تم، بأنه حينما دخل الدكتور أسامة الباز ليوقع من
الرئيس خطاب تكليفى بالوزارة، فوجئ أن الرئيس شطب اسم الدكتور كمال أحمد
الجنزورى وكتب بدلا منه وفوقه الدكتور عاطف نجيب صدقى، وخرج الدكتور أسامة
الباز، ليسلم الخطاب المعدل للدكتور مصطفى الفقى، وقال له:
ـ لم أقل شيئا، ولم يكن لى أى دور فى هذا التغيير، هو الذى غيّر.
أمام ذلك، اعتبرت ما سبق من أمر كأن لم يحدث، وسجدت لله شاكرا وحامدا،
فيكفى أن اُخْترِت من قبل وهذه مرة ثانية، هذا فضل من الله يؤتيه من يشاء.
• صدقى والمحجوب خططا لإقصائى.. والقصة رواها لى الأخير بعد خلاف وقع بينهما
وقد علمت فيما بعد على وجه التأكيد أنه عندما كان مقررا أن أذهب إلى
الرئاسة، طلب الدكتور أسامة الباز الدكتور رفعت المحجوب، والذى كان له
علاقة وثيقة بالدكتور عاطف صدقى، وكان له أيضا مكانة عند الرئيس ويقدره،
وبأسلوبه الدبلوماسى، سأل الرئيس عما سمعه من إجراءات التغيير الوزارى، فإن
كان انتهى (وهو يعلم أنه كذلك) فالأمر للرئيس، ولكن إذا لم يكن، فهناك بعض
الخيارات، فقال له ماذا يقترح، قال أنا أعلم أن كمال الجنزورى من بين
الخيارات وهو كُفء وشاب محترم، ويمكن أن يتحمل مسئولية رئاسة الوزراء فيما
بعد. لكن الدكتور عاطف صدقى رئيس جهاز المحاسبات يكاد يمسك بيده أمعاء
الاقتصاد المصرى. وبناء على ذلك تم تكليف الدكتور عاطف صدقى لتولى الوزارة
فى 14 نوفمبر 1986 واستمر حتى يناير 1996.
وبدأنا المرحلة الطويلة، وكان الأمر بالنسبة لى قبول الأمر الواقع بنفس
راضية وبكل السعادة، ويكفى أن عُرض علىّ أكثر من مرة منصب رئيس الوزراء.
ولكنى واجهت مشكلة التعامل مع رئيس وزراء يعلم تماما أنه كان مقررا أن
أتولى ذلك المنصب، وفى نفس الوقت كنت فى حرج أن أشكو حتى لا يُفهم إننى غير
مقتنع بما حدث.
• عاطف صدقى كان يعقد اجتماعاته دون التزام بالمواعيد وكان يسألنا فى بداية كل اجتماع: ماذا نأكل؟
كنت رئيسا للمجموعة الاقتصادية المكونة من خمسة وزراء، وكانت تجتمع
يوميا أو كادت لأن مجلس الوزراء كان يلتقى كل شهر أو شهر ونصف الشهر،
لمناقشة موضوعات لا تنتمى إلى القضايا الرئيسية باستثناء القوانين
والتشريعات والموازنة العامة والخطة التى كانت تعرض مرة واحدة فى السنة قبل
تقديمها إلى مجلس الشعب. واقتصر الأمر على إعفاءات لبعض الحفلات الخيرية
أو تغيير أسماء بعض الشركات أو سفر وفود إلى الخارج. ومن ثم كان القدر
الكبير من النقاش والجهد الذى يوجه للموضوعات المهمة يتم فى اللجنة
الاقتصادية برئاسة رئيس الوزراء. والمشكلة التى واجهتها مع رئيس الوزراء
(وهو الرابع لى بعد الدكتور فؤاد محيى الدين والفريق كمال حسن على والدكتور
على لطفى)، أننى فوجئت بشخص هادئ جدا، لا يهتم كثيرا بالوقت. فإذا تقرر
اجتماع مثلا للجنة الساعة الحادية عشرة، يبدأ الاجتماع الساعة الواحدة
ويستمر إلى الساعة الثالثة، ثم يبدأ الدكتور عاطف صدقى بالسؤال ماذا نأكل،
ويقدم الطعام مرة بيتزا ومرة ثانية كباب ومرة ثالثة فول وطعمية، ويستهلك
الطعام ساعتين، يحتاج بعدها البعض للراحة، ثم تعود اللجنة إلى الانعقاد فى
الساعة الخامسة أو السادسة. المهم أن تستمر حتى المساء وقد يمتد الاجتماع
إلى منتصف الليل، ليعلم الرئيس أن الدكتور عاطف صدقى ما زال فى مجلس
الوزراء طوال النهار وحتى منتصف الليل.
لا يراد بهذا الوصف الإقلال من شأن الرجل، ولكن هذا سلوكه لطبيعته دون
أن يؤثر على ما كنا نحرص عليه من الانتهاء من مناقشة جدول الأعمال كاملا،
غير أنى كنت أكثر الناس ألما لأننى كنت أكثرهم اختلافا فى الطبع فى تناول
مثل هذه الأمور، لقد كان من بين الوزراء أربعة عشر وزيرا اختارهم الدكتور
عاطف، وكانوا يعتبرونه أبا أو أخا لهم، وانطبعوا بطبعه وسلكوا مسلكه فى
أغلب الأوقات. وكان عليّ باعتبارى رئيسا للمجموعة الاقتصادية، أن أعجل
بالوصول إلى قرار حتى ينتهى الاجتماع، وشعرت فى بعض الأحيان أنه كان يسعى
إلى أن يدفعنى لارتكاب خطأ ما، ليتخلص من الرجل الذى اعتقد أنه سيأتى بعده،
لأنه كان مقررا أن يأتى قبله. هذا الإحساس صاحبه، فبعد عام سعى إلى إقناع
الدكتور عصمت عبد المجيد، أنه من الصعب أن يتولى الجنزورى التخطيط والتعاون
الدولى وهو نائب رئيس الوزراء، وآن الأوان ليكتفى بوزارة التخطيط، وأن
ينضم التعاون الدولى لوزارة الخارجية. وفعلا بدأ الدكتور عصمت عبد المجيد
إعطاء انطباع للرئيس أن السفراء يشكون منى عدم الدبلوماسية فى التعامل
معهم، وهو كلام غير حقيقى إذ كانت المعاملة تتسم بالاحترام المتبادل
والتفاهم. ثم لجأ الدكتور عاطف صدقى إلى الدكتور رفعت المحجوب فى هذا
الأمر، فوعده بإعداد مذكرة للعرض على الرئيس يوضح فيها عدم جدوى أو عدم
قانونية وجود التعاون الدولى مع التخطيط. واشترط أن يكون الوزير الذى يتولى
وزارة التعاون الدولى الدكتور محمد عبد اللاه، الذى جاء بعد ذلك رئيسا
لجامعة الإسكندرية وعضوا بمجلس الشعب. هذا الكلام قاله لى الدكتور رفعت
المحجوب، بعد أن اختلف مع الدكتور عاطف صدقى، لرفضه عودة أخيه السيد
عبدالخالق محجوب إلى وظيفته السابقة بوزارة الاقتصاد قبل محاكمته.
المهم نجح الدكتور عاطف صدقى فى أن يفصل التعاون الدولى عن التخطيط،
وبقيت نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للتخطيط فقط. وأذكر قبل حدوث ذلك بأيام
أن علمت ما اتجهت إليه النية، فذهبت وأخبرت الدكتور عاطف صدقى أن التعاون
الدولى، طبيعته فى الأساس عقد منح وقروض، تسهم فى تمويل المشروعات التى
تنشأ على أرض مصر، فلا يقبل أن يكون التخطيط مسئولا عن الشق المحلى والجزء
الآخر، الذى مصدره المنح والقروض الخارجية مسئولا عنه جهة أخرى. ورغم أنه
أكد لى أنه معى ومحامى فى ذلك الوقت، إلا أنه بعد أسبوع حينما تشكلت وزارة
جديدة كان من المفروض أن أقابله بعد مقابلته المشير أبوغزالة والدكتور عصمت
عبدالمجيد وفقا للبروتوكول، إلا أنه تعمد ألا أقابله إلا بعد أن ينتهى
القدامى وكل الجدد، كان يريد أن أثور بأى صورة حتى يبلغ الرئيس بمسلكى
العنيف. ولقد أعد لتولى التعاون الدولى الدكتور فؤاد إسكندر، وكان وكيل أول
وزارة التعاون، كما أعد لتولى التخطيط الدكتور موريس مكرم الله وكان يعمل
أستاذا بمعهد التخطيط القومى.
بعد شهر واحد، أى فى نوفمبر 1987، أجريت الانتخابات لتشكيل مجلس شعب
جديد بعد أن تم حل مجلس الشعب 1984ــ 1987 وفقا لحكم المحكمة الدستورية.
وأراد الرئيس أن يبعث لى برسالة بأن أكون من المرشحين لمجلس الشعب 1987
للمرة الثانية، وهى رسالة أخرى للدكتور عاطف صدقى بأننا نعمل سويّا،
باعتباره الأول وأنا الثانى ولابد من التعاون. ومع هذا لم تكن هناك رغبة من
جانب الدكتور عاطف صدقى لترشيحى رغم أنه أمر لا يساوى الكثير، فعندما أكون
نائبا لرئيس وزراء ووزيرا للتخطيط، فلن يزيدنى أن أكون عضوا بمجلس الشعب.
• غضب أبوغزالة حين علم بنية مبارك تعيينه رئيسًا للوزراء.. فقلت له: لن يحدث ذلك لكنه يريد إخبارك أنك لن تكون نائبًا له أبدًا
المشير غاضبًا
فى يوليو 1987 تلقيت دعوة لحضور احتفالات عسكرية سنوية يحضرها الرئيس فى
مدينة الإسكندرية كل عام، واتصل بى المشير عبدالحليم أبوغزالة قبلها
وسألنى:
ـ هل نسافر سويّا؟
قلت: نعم.
وسافرنا وحضرنا الاحتفال، وفى طريق العودة فى الطائرة الصغيرة طراز ماستير، فوجئت بصوت المشير عبدالحليم أبوغزالة محتدا قائلا:
ـ ما يزعجنى حقا أن الرئيس لم يبلغنى عن عزمه على اختيارى رئيسا للوزراء، كيف يكشف نواياه للمحجوب ولا يطلعنى على نواياه؟!
كان يقصد الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب وقتها، وكان المحجوب قد
أبلغ المشير أن الرئيس سيعينه، أى المحجوب، نائبا له، بينما يعتزم اختيار
المشير رئيسا للحكومة، ولبث برهة قبل أن يحتد ثانية، ثم قال:
ـ لو أطلعنى، ما قبلت أبدا بهذا المنصب.
لم أدر حقيقة غضب المشير! هل لأن المحجوب أو أى مدنى آخر سيأتى فى موقع
نائب الرئيس، أو لمجرد رفضه شغل منصب رئيس الوزراء. على أى حال، رجوته
الانتظار، حتى نزلت الطائرة، ودخلنا إحدى القاعات الملحقة بمطار ألماظة،
وكان صوته قد ارتفعت نبرته أكثر فرحت أهدئ من غضبه وقلت:
ـ اهدأ يا سيادة المشير، صوتنا بلغ مسامع من حولنا، ولكى أخفف التوتر رحت أمازحه، وقلت:
ـ اعلم يا عبد التواب أن الرئيس أراد توصيل رسالة قاطعة إليك!
ـ ما هي؟!
قلت بهدوء:
ـ لن تكون أبدا نائبا له!
نظر إلىّ مستطلعا مستزيدا، فأضفت:
ـ بل أكثر من ذلك، لن تكون رئيسا للوزراء، ولن يكون المحجوب هو الآخر
نائبا للرئيس. هذه رسالة مفادها الوحيد: لن تكون نائبى ولا تتطلع إلى ذلك.
استرد المشير هدوءه وأنصت ثم قال:
ـ تفتكر كده؟!
بادلت نظرته بنظرة تأكيد.
أول المشوار
انتهت فترة حكومة الدكتور على لطفى، وقبل الانتهاء بعشرة أيام، أى أول
نوفمبر 1986، حدثت مفاجأة جديدة لى، إذ طلبنى الرئيس وكان فى الإسماعيلية،
وطلب منى أن أشكل الوزارة مع ترك الوزارات الأربع السيادية لاختياره
المباشر، واستمرت المراجعة معه نحو عشرة أيام، أى إلى اليوم العاشر من
نوفمبر، تحدد فيها جميع الأسماء التى تدخل الوزارة والتى تخرج منها.
نشر بتاريخ 15 ديسمبر 2013 بجريدة الشروق