إذا كنت
(محامياً ، قاضياً ، أو تعمل في الحقل القانوني،
نتعهد بنقل معلوماتكم القانونية إلى مستويات قياسية)
فقط اشترك
معنا
وقبل أن نخوض فى الموضوع، نؤكد أن
مشروع العاصمة فكرة ممتازة جدا وحاول كثيرون قبل ذلك وحلموا بتنفيذها حتى
يتم تقليل الكثافة السكانية والزحام الرهيب من قلب القاهرة القديمة، وإنشاء
مكان جديد يستقطب التدفق البشرى الكاسح على المصالح الحكومية. لكن المشكلة
فقط أننا لا نملك ترف إنفاق ما لدينا من سيولة ــ إذا كانت موجودة على
مشروع ليس عاجلا ويمكن تأجيله لحين ميسرة.
إذا نحن لا نتحفظ أو نعترض على الفكرة أو المشروع وأهميته، بل نتحفظ فقط على التوقيت.
كنت أحد المتحمسين لهذا المشروع
لحظة إعلانه قبل نحو عام بالضبط فى ١٥ مارس ٢٠١٥ فى اليوم التالى لمؤتمر
شرم الشيخ الاقتصادى العالمى. فى هذا اليوم كنت حاضرا لحظة إعلان الرئيس
عبدالفتاح السيسى وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبى ورئيس مجلس
الوزراء فى الإمارات عن المشروع، وإزاحة الستار عن الماكيت الأساسى له،
بحضور رجل الأعمال الإماراتى الكبير محمد العبار، الذى قال وقتها إن مجموعة
شركات تقودها شركته هى التى ستتولى تنفيذ المشروع.
تحمسى وآخرون للفكرة وقتها كان
سببه الواضح أن الشركة الإماراتية أعلنت أنها ستضخ ٤٥ مليار دولار فى
المشروع، وبالتالى سوف يستفيد الاقتصاد المصرى بصورة مثالية. لكن وبعد
أسابيع اكتشفنا أن الشركة الإماراتية تريد أن تقترض من البنوك المصرية، وهو
ما يعنى أنها كانت تريد أن تبيع لنا الترماى حرفيا. حصل ما حصل ونشأت
خلافات كثيرة حول الشروط والتفاصيل، وتم فض الشراكة مثلما حدث فى مشروع
شركة أرابتك التى فاجأتنا بأنها تريد أموالا مصرية أيضا لبناء المليون وحدة
سكنية التى تم الإعلان عنها قبل ترشح الرئيس عبدالفتاح السيسى مباشرة.
التطور الذى حدث لاحقا بعد انسحاب الجانب الإماراتى هو دخول شركة صينية، لتنفيذ جزء بسيط من مشروع العاصمة الإدارية.
الآن نحن نعانى أزمة اقتصادية
خانقة، شعارها الأساسى هو نقص العملة الصعبة، بعد تراجع السياحة وانخفاض
إيرادات قناة السويس وتحويلات العاملين المصريين فى الخارج، بفعل الأزمة
المالية العالمية والاضطرابات العنيفة التى تهز المنطقة العربية.
السؤال الجوهرى هو: «هل فى ظل كل هذا يكون من المنطقى الاستمرار فى مشروع العاصمة الإدارية؟!».
سألت هذا السؤال للعديد من خبراء
الاقتصاد ورجال الأعمال والسياسة، وإجابتهم الثابتة هى لا. «القاسم المشترك
الأكبر بينهم هو أنهم من داخل النظام ومعسكر ٣٠ يونية ويؤيدون الرئيس
السيسى، بل سألت السؤال نفسه لبعض المسؤلين، فكانت نفس الإجابة أو فى أفضل
الأحوال التحفظ على التوقيت».
وجهة نظرهم باختصار أن المعطيات
الآن تغيرت تماما عن لحظة الإعلان عن المشروع، وحتى إذا كان الهدف هو تنشيط
السوق فان الحكومة المصرية تنفذ العديد من المشروعات العملاقة مثل شبكة
الطرق القومية واستصلاح مليون ونصف فدان، وبالتالى فان ذلك كفيل بتنشيط
قطاع المقاولات وتوظيف العمالة بصورة مرضية جدا، بل إن هناك نقصا فى العديد
من المواد الخام اللازمة لهذين المشروعين.
أحد الخبراء قال لى إن تنفيذ العاصمة الإدارية فى هذا التوقيت الصعب هو انتحار اقتصادى مكتمل الأركان.
كل ما أرجوه مخلصا أن يعيد الرئيس
عبدالفتاح السيسى النظر فى هذا الموضوع، لا نطالبه بإلغائه، فقط بتجميده
حتى تتحسن الظروف الكارثية التى نمر بها. أرجو أن يبادر الرئيس ويسأل خبراء
الاقتصاد الحقيقيين وليس الموظفين عن جدوى الاستمرار فى المشروع الآن.
أخشى أن يكون بعض الموظفين يقدمون معلومات مغلوطة للرئيس فى هذا المشروع،
بدلا من عرض كل وجهات النظر وتداعياتها المختلفة.
لا أحد يختلف على أهمية مشروعات
الطرق أو مشروعات الإسكان ومحور قناة السويس، لأنها قاطرة التنمية الشاملة
لكن لو أكرمنا الله بمستثمرين أجانب، فليتهم يضخون دولاراتهم فى مشروعات
توفر سلعا أساسية أو تصديرية توظف عمالة كثيفة وتولد فرص عمل أخرى، بدلا من
مشروعات لن نشعر بها إلا بعد سنوات طويلة مثل العاصمة الإدارية.
ليس عيبا أن نتراجع عن شىء نكتشف أنه خطأ أو أن هذا ليس وقته، العيب أن نصر عليه.
الشروق