• لا أشوه مؤسسة القضاء لأننى أحد أبنائها ونادى القضاة ليس فوق القانون
• بدل اللجان أكثر مظاهر التربح فى الوزارات ويهدر 80 ألف جنيه يوميًا
• جهات رقابية شريكة فى الفساد والوطن لن يتقدم إلا بالعدل والمساواة
• ضبطنا «شيكًا» بـ75 ألف جنيه باسم «عسكرى مراسلة لوزير الداخلية» ومخالفات الوزارة تصل إلى مليارات الجنيهات
• مصلحة الأمن العام ومقربون من وزير الداخلية الأعلى فسادًا.. والجهاز لم يتمكن من إنهاء عمله بالوزارة
• فوجئت باستدعاء من النيابة مبطن بتهديد بالضبط والإحضار بعد الكشف عن قضية أراضى نادى القضاة والرقابة الإدارية ومباحث أمن الدولة
• لست تابعًا لرئيس الجمهورية أو الحكومة.. و«الحاشية» أكثر الفاسدين والمنتفعين بالمال العام
• البعض حذرنى من «عش الدبابير» لكننى لا أخشى اللدغ ولن أخالف ضميرى
• المدن الجديدة أسرع الطرق للثراء فى مصر
• بعض المسئولين الكبار حذرونى من فتح الملفات ورفضت سياسة المهادنة
«وضعت يدى فى عش الدبابير ولكننى سأتحمل
اللدغ».. هكذا بدأ المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات
حديثه لـ«الشروق» الذى سلط فيه الضوء على عدد من قضايا الفساد فى عدد من
الأجهزة والمصالح الحكومية ومنها جهات سيادية، التى قال إنها «بدعة» ومبرر
لتكون فوق القانون لارتكاب المخالفات فى وضح النهار.
جنينة كشف فى الجزء الأول من حواره، إنه
تعرض لضغوط كبيرة من مسئولين وجهات رسمية لمنع كشف المتورطين فى الفساد
خلال مؤتمره الشهير، الذى عقد منتصف فبراير الماضى، والذى أعلن فيه تشعب
الفساد فى عدد من الوزارات، خاصة الداخلية، وجهات قضائية، وأخرى سيادية ما
أدى إلى ضياع المليارات على الدولة.. كما تحدث عن جبهات النار التى فتحت
بمجرد أن رصدت تقارير الجهاز فسادا بوزارة الداخلية، إضافة إلى أسباب
اشتباكه مع عدد من الجهات القضائية.. وإلى نص الحوار..
• أثار مؤتمرك الصحفى ضجة فماذا حدث معك منذ بداية الإعلان عنه؟
ــ هناك نصوص فى الدستور تتحدث عن حماية
الحقوق والحريات وعدم انتهاك حرمة الحياة الخاصة، وأن المواطنين أمام
القانون سواء، لكن هذه المبادئ لا تطبق فعليا، وهناك انفصال بين ما هو
مكتوب فى الدستور والقانون، وبين ما يطبق على أرض الواقع وتلك هى المشكلة
«اللى مضيعانا»، ففى ببلاد العالم المتقدم يطبق القانون ولا يلقى به فى
الأدراج، هو نوع من العبث، والحقيقة أن هناك مواقف تحتاج مكاشفة ومصارحة
للذات، وهو الأمر الذى قد يجده البعض غير مألوف، لذا هناك من استنكر كشف
الفساد فى جهات سيادية ورقابية، فإذا كانت الجهة الرقابية المنوط بها
مناهضة الفساد شريكة فى هذا الفساد، فالطبيعى أن يثير الكشف عن فساد تلك
الجهة ردود فعل قوية، نحن نحتاج لتغيير ثقافة الإخفاء والتعتيم، فالإظلام
لن يدفع البلد نحو أى تقدم، خصوصا فى ظل استمرار هذه السياسة، التى أوصلتنا
إلى هذا الدرك الأسفل، وبعد أن وصلنا لمصاف الدول المتخلفة، ويقول الله عز
وجل: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».
وبرأيى أن التخلف هو نتيجة سوء تعامل
المصريين مع أنفسهم، وتغير كثر من العادات والتقاليد الاجتماعية، رغم أننا
سبقنا العالم بالعدل الذى كان منتشرا أيام الفراعنة بشكل كبير، وهو ما يؤكد
أن العدل ليس مرتبطا بالدين، فالدول لم تنهض بسبب الدين، وإنما نهضت بسبب
العدل والمساواة، وهو ما وصلت إليه الدول الأوروبية، ولا يوجد فى الدستور
شىء اسمه جهة سيادية، ولا يوجد أحد فوق القانون، فالجميع خاضع للرقابة سواء
رئاسة الجمهورية أو الشرطة أو الجيش، والسيادة الوحيدة المنصوص عليها فى
الدستور هى للشعب، وكلمة جهة سيادية بدعة ومبرر لتكون تلك الجهات فوق حكم
القانون لترتكب المخالفات فى وضح النهار بدون رقابة أو محاسبة.
• هل واجهت معارضة بين قيادات الجهاز أو عرقلة فى مهمة كشف الفساد؟
ــ عندما توليت منصبى فى الجهاز كان يرجى
منى أن أسير على نهج من سبقونى واتبع طرقهم، لكنى سعيت فى تغيير الأداء
والفكر العقيم، ووجدت قيادات بالجهاز يحذروننى من الاقتراب من ملفات معينة،
حتى لا يغضب أشخاصا أو مؤسسات بعينها، وكنت أعلم أن مجرد فتح هذه الملفات
سيكون رد فعله هو تشويه صورتى والإساءة لى، بعد أن وصلت الأزمة إلى ما يشبه
العراك مع مؤسسات بعينها فى الدولة.
• هل حاول مسئولون بالوزارات السيادية منع المؤتمر وهل تعرضت لمضايقات؟
ــ بعض قيادات الجهاز وبعض المسئولين
كانوا يخشون على حياتى، مما سيعرض فى المؤتمر، وقالوا إن مسئولى الدولة لم
يألفوا هذه الثقافة، ورددت أنه ليس بعد ثورتين عظيمتين لتغيير الواقع
المرير وتأمين حياة كريمة للشعب المصرى، تظل ثقافة الخوف من كشف الفساد
مستمرة، لذا تجاهلت نصائح البعض بأن أكون على علاقة طيبة بجميع المسئولين
وأن استمتع بمزايا وظيفتى وأرضى الجميع، ولم يكن هذا صعبا، لكن الصعب هو
كشف الفساد، وأنا أعمل حتى أرضى الله تعالى ولا أنظر للأشخاص أو ردود
أفعالهم.
وكنت بين أمرين إما الانتصار للحق وإرضاء
الله وضميرى، أو أن اتبع سياسة المهادنة، وقد تلقيت اتصالات كثيرة قبل
المؤتمر، ولن أذكر أسماء المتصلين، وسألونى عن طبيعة الملفات التى
سأتناولها وحجم الفساد والمتهمين، والبعض منهم حذرنى من فتح هذه الملفات،
لكنى فى النهاية أرضيت ضميرى، وأتحمل نتيجة قرارى لأننى انتصرت لحق الشعب
فى المعرفة، وتنفيذ نص الدستور حقا وعملا، فالمادة 217 من الدستور تنص على
نشر تقارير الأجهزة الرقابية للرأى العام، وكان سندى فى قرارى هو القانون
والاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والشفافية التى وقعت عليها مصر، والتى
تلزمها بإعلان جميع التقارير، التى تكشفها الأجهزة الرقابية على الرأى
العام.
ومن بين الملفات الشائكة كانت المدن
الجديدة التى تعد أسرع طرق الثراء فى مصر، فهناك أسماء كثيرة ظهرت على
الساحة وأصبحت مليونيرات على حساب المال العام، فبدلا من أن تعود الأموال
لخزينة الدولة تدخل للجيوب الخاصة، والجهاز المركزى كشف هؤلاء، والمؤسف أن
المنتفعين من وراء ذلك عدد قليل من الكبار بالدولة، بينما المستفيدون
الأكثر هم من حاشية المسئولين.
• هل التقيت رئيس الجمهورية لاطلاعه على هذه التقارير قبل إعلانها بالمؤتمر؟
ــ نعم التقيت المستشار عدلى منصور قبل
انعقاد المؤتمر بحوالى شهر، لكنى لم أتطرق فى حديثى معه عن هذا المؤتمر،
فأنا لا أستشير أحدا، مهما كان، فى الإعلان عن تقارير عملى، فرئيس الجهاز
المركزى للمحاسبات مستقل استقلالا تاما، وأنا لست تابعا لا للحكومة ولا
لرئيس الجمهورية وهذا بنص الدستور.
• ذكرت أنك تعرضت لمحاولات ترهيب للتراجع عن المؤتمر فهل وصلت إلى حد التهديد بالقتل؟
ــ محاولات الترهيب لم تكن لمنع المؤتمر،
وإنما لمنعى من القيام بدورى على النحو القوى الذى نفذته بكشف تجاوزات جهات
كبيرة، فعندما تكشف تجاوزات بأراضٍ خصصت للنيابة العامة ونادى القضاة
والرقابة الادارية ومباحث أمن الدولة، فرعى القاهرة والجيزة، فهذا لن يمر
مرور الكرام، وفوجئت بخطاب استدعاء من النيابة مبطن بتهديد بأمر ضبط
واحضار، لكن لم يحدث أى تهديد لشخصى.
• هناك كشف يضم أسماء قضاة وأعضاء بالنيابة حصلوا على أراض بالحزام الأخضر ويشير إلى أنك حصلت على قطعة منها؟
ــ بضحكة عالية مستنكرا السؤال قال جنينة:
بالمنطق، لو حصلت على قطعة أرض بالحزام الأخضر فى الشيخ زويد، فها كنت
سأفجر القضية وأكشف الفساد بها، وقد تقدمت ببلاغ إلى النيابة العامة ضد من
أشاع هذا الكذب والافتراء إضافة إلى بلاغ ضد المجموعة، التى حصلت على هذه
الأراضى، وإذا لم يستطع هؤلاء الذين يحاولون تشويه سمعتى تقديم الأدلة
والبراهين، التى تثبت كلامهم، فأنا أعد بلاغا لاتهامهم بالتشهير والإساءة
لشخصى، إذ لابد من محاسبتهم.
• كيف رأيت منع أعضاء جهاز «المحاسبات» من دخول وزارة الداخلية؟
ــ حزنت من سوء معاملة أعضاء الجهاز أثناء
أداء واجبهم بوزارة الداخلية، ولم أكن اتوقع ما حدث فالأمر وصل إلى حد
تفتيش أحد أعضاء الجهاز تفتيشا ذاتيا، وهذه واقعة غير مسبوقة، وأثارت
استياء كل أعضاء الجهاز، خاصة أن عضو الجهاز من المخصصين للرقابة المالية
على ديوان عام وزارة الداخلية، والإساءة إليه ولدوره وحجب المستندات ومنعه
من أداء عمله نقطة فارقة لابد أن يتوقف عندها وزير الداخلية، ومن الممكن أن
يكون السبب وراء ذلك هو عدم وجود رقابة حقيقية من قبل على الوزارة
الداخلية، والتى كانت مجرد رقابة صورية.
• هل اكتشف الجهاز مخالفات مالية بوزارة الداخلية؟
ــ نعم هناك مخالفات كثيرة جدا فى وزارة
الداخلية تصل إلى مليارات الجنيهات، تم إهدارها سواء فى الصناديق الخاصة
أوغيرها، ومع احترامى الشديد لوزارة الداخلية، خاصة أنى كنت ضابط شرطة قبل
وصولى للنيابة، وأشرف بانتمائى للمؤسستين الشرطة والقضاء، فإن هذا لا
يمنعنى من كشف الفساد فلن اجامل شرطى لأنه زميلى أو أن أجامل وكيل نيابة أو
قاضيا لأنه زميلى أيضا. وكنت أواجه موقفين إما مراعاة ضميرى وكشف الفساد
أو الحفاظ على العلاقة الجيدة مع وزير الداخلية وغيره من المسئولين ووضع
القوانين فى أقرب سلة مهملات، ولن أفعل الأخيرة حتى وأن أدى بى الأمر إلى
ترك موقعى.
• هل هناك مخالفات لمباحث أمن الدولة؟
ــ هى جزء من وزارة الداخلية، ولها
مخالفات كثيرة فى الحزام الأخضر مثلها مثل أى جهة أخرى، حيث قامت ببناء
وحدات سكنية بالمخالفة للقانون.
• ما أكثر القطاعات فسادا فى وزارة الداخلية؟
ــ مصلحة الأمن العام وفى ديوان الوزارة
ذاتها، خاصة المقربين من الوزير، وهذا ينطبق على مختلف الوزارات، فهناك حول
كل وزير مجموعه من المنتفعين يحصلون على بدلات تفوق الخيال وفى أوقات
العمل الرسمية، وهذا الأمر لا يعيب الوزير نفسه، لأنه لا يستطيع فهم الأمور
المالية داخل الوزارة، فالمسئوليات والأمور المعقدة تلهيه عن الانشغال
بالأمور المالية، خاصة أن الداخلية تتحمل عبئا كبيرا فى مواجهة الإرهاب،
وفى أى مؤسسة أو وزارة حين يتولى مسئول جديد يلتف حوله المنتفعون من
المرءوسين ويحاولون الضغط عليه كى يسير على نهج من سبقوه وصبغ الفساد بصبغة
قانونية، لأن كشف الفساد سيحرمهم من هذه المميزات.
• وما أبرز مظاهر الفساد بالوزارات؟
ــ بدل انعقاد اللجان من أكثر تلك
المظاهر، فقد لاحظنا أن هذه اللجان تعقد بشكل يومى، وبمبالغ تصل إلى 80 ألف
جنيه فى اليوم، وفى ساعات العمل التى لا يجوز التقاضى خلالها أى أموال
نتيجة أعمال إضافية، وهى مميزات غير متاحة إلا للمنتفعين القليلين فقط، وفى
وزارة الداخلية وجدنا شيكا بـ75 ألف جنيه باسم عسكرى، ولا توجد مستندات
صرف، وعند السؤال عن الأمر قيل لنا إنه «عسكرى المراسلة بتاع الوزير» وهو
أمر غير مفهوم.
• ما رأيك فى اتهام رئيس نادى القضاة المستشار أحمد الزند بأنك تسعى لتشويه صورته وصورة وزير العدل السابق المستشار عادل عبدالحميد؟
ــ لم أسع أبدا إلى تشويه صورة أى شخص،
ولا توجد أى واقعة تثبت ذلك، ومن لديه رأى آخر عليه أن يتقدم ببلاغ ضدى،
كما أن أعضاء الجهاز لم يتمكنوا من الدخول لنادى القضاة لفحص الأوراق،
وتقدم الجهاز ببلاغ لمجلس القضاء الأعلى بخصوص منع أعضائه من ممارسة عملهم.
• هل تعتقد أن هناك تصعيدا من وزارة الداخلية ونادى القضاة ضد الجهاز؟
ــ اتبعت الإجراء السليم وخاطبت مجلس
القضاء الأعلى، الذى يضم شيوخ القضاة، وأبلغتهم بالأمر، وأكن لأعضاء المجلس
الأعلى الاحترام والتقدير، والزند يحاول اللعب على وتر أننى أسىء للقضاة
رغم أننى لم انفصل عن هذا البنيان القضائى واحترمه وقضيت به جزءا كبيرا من
حياتى.
وسبق أن خضع نادى القضاة للمراقبة اثناء
رئاسة المستشار زكريا عبدالعزيز، وكنت عضوا بالنادى، كما تم رقابة كل
النوادى القضائية من مجلس دولة وإدارية وغيرها، وأيضا نوادى القوات
المسلحة، ولم يعترض أحد على التفتيش، فليس معنى التفتيش هو التربص بشخص
معين.
أما عن وزارة الداخلية فحتى الآن لم يستطع أعضاء الجهاز استكمال عملهم بها.
12مليار جنيه قيمة الصناديق الخاصة بوزارة الداخلية
يبلغ عدد الصناديق الخاصة بوزارة الداخلية
نحو 38 صندوقا بقيمة 12 مليار جنيه، لم يذكر منها جودت الملط رئيس جهاز
المحاسبات السابق فى أحاديثه الصحفية غير خمسة فقط، وذكر إيراداتها
ومصروفاتها عن العام المالى 2009/2010، وهى صندوق تحسين الرعاية الاجتماعية
والصحية لضباط الشرطة وأسرهم وإيراداته 1.702 مليار جنيه، ومصروفاته 1.144
مليار جنيه وصندوق تطوير نظام الأحوال المدنية وإيراداته 368 مليون جنيه
ومصروفاته 165 مليون جنيه وصندوق تصنيع السجون وإيراداته 36 مليون جنيه،
ومصروفاته 25 مليون جنيه وصندوق تحسين الخدمة بمستشفى الشرطة وإيراداته 353
مليون جنيه، ومصروفاته 338 مليون جنيه.
فى حين أن مسئولا رقابيا ضد الفساد يؤكد
أن هناك 38 صندوقا تزيد إيراداتها ومصروفاتها على 12 مليار جنيه، منها
صندوق التأمين الخاص لضباط الشرطة الذى تتبعه مطابع الشرطة وغيرها، إضافة
إلى صندوق الولاء لضباط الأمن المركزى الذى تتبعه مخابز الشرطة، والذى
يتبعه جنود يقضون الخدمة العسكرية وتتحمل الدولة مخصصاتها وأعباءها. فضلا
على صناديق المرور التى يودع بها أغلب متحصلات المرور وفنادق ونوادى الشرطة
إذ تفرض وزارة الداخلية رسوما على خدمات المرور ثم تدرجها بحسابات وصناديق
خاصة.
الشروق بتاريخ 18-3-2014