الصفـحة الرئيـسية دليل إستخدام البوابة باحث التشريعات باحث النقض باحث الدستورية باحث الإدارية العليا نحن

انضم الى قناة مرافعاتنا


إيقافتشغيل / السرعة الطبيعيةللأعلىللأسفلزيادة السرعة تقليل السرعة

إذا كنت

(محامياً ، قاضياً ، أو تعمل في الحقل القانوني، نتعهد بنقل معلوماتكم القانونية إلى مستويات قياسية)

بالتزامن مع حالة الارتباك التي تجتاح أوروبا حاليًا على خلفية تفجيرات بروكسل، وفي غمرة الجدل حول "الفشل" الاستخباراتي الأوروبي - أو البلجيكي - في منع تكرار هجمات باريس، أطل علينا أمس مسؤول مركز الإعلام الأمني بوزارة الداخلية، كاشفًا أدق تفاصيل عملية اختطاف وتعذيب وقتل الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، الذي اختفى بالجيزة في 25 يناير الماضي، قبل أن يُعثر على جثته بالقرب من طريق «القاهرة - الإسكندرية» الصحراوي في 4 فبراير.

جاء هذا الإعلان ليكشف للجميع عن مدى كفاءة واحترافية الأجهزة الأمنية المصرية، فبينما تفشل الاستخبارات الأوروبية في التصدي لتنظيم داعش المغمور، تنجح الشرطة المصرية في تصفية جميع عناصر عصابة "اللهو الخفي" عن بكرة أبيهم، بعد أن تخصصوا في انتحال صفة ضباط شرطة واختطاف الأجانب وسرقتهم بالإكراه، وبقليل من التدقيق في تفاصيل بيان وزارة الداخلية، فإنه قد تسترعي انتباهك عدة ملاحظات "هامشية" حول هذا النصر المؤزر:

- "الدنيا لسه بخير".. هذا هو لسان حال الكثيرين بعد اكتشافهم أن أيدي عصابة "اللهو الخفي" لم تمتد أبدًا إلى متعلقات الشاب الإيطالي، منذ اختطفته قبل شهرين بالتمام والكمال، حيث عثر رجال الشرطة البواسل على متعلقات ريجيني كاملة، بل أن عناصر العصابة ترفعوا حتى عن "لف سيجارتين" بواسطة قطعة الحشيش التي وُجدت في حقيبة ريجيني، وذلك إن دل فهو يدل على مدى تقوى وورع هؤلاء المجرمون الأبرار، ربما كان الأمر يستوجب منحهم قلادة النيل تقديرًا لدورهم في تجميل صورة مصر أمام العالم وتنشيط السياحة.

- رغم المعاني الجميلة التي تحملها الملاحظة الأولى فإنها قد تقودنا إلى ملاحظة أخرى، والمتعلقة بالسؤال الذي يثيره البعض قائلًا "إذا كانت العصابة قد تخصصت في سرقة الأجانب فلماذا لم تمس متعلقات ريجيني والتي كان من بينها 5 آلاف جنيه؟ وإذا كانوا لا ينتوون الانتفاع بأمواله فلماذا اختطفوه أصلا؟".

والرد على هذا قد يكون بأن أحد أفراد عصابة "اللهو الخفي" قد لفتت انتباهه حقيبة ريجيني الحمراء المزينة بعلم إيطاليا، فأراد اقتنائها دون أن يعبأ بمحتوياتها، أو يشغل باله ما تحويه من أموال، "الشنطة دي شيك أوي"، هكذا قال أحد المجرمين لزميله قبل أن ينقض على الحقيبة لسرقتها، يبدو أن عناصر العصابة يتمتعون بالذوق الراقي أيضًا.

- كما يتسائل البعض "إذا كان أفراد العصابة قد نجحوا في اختطاف ريجيني وسرقة متعلقاته فلماذا صعقوه بالكهرباء وأطفأوا السجائر في جسده؟".. وهو ما يدل بالطبع على فقر خيال السائل، فربما أراد أحد عناصر التنظيم الإجرامي إجبار ريجيني على الاعتراف بحيازة قطعة الحشيش، أو رغب آخر في معرفة الجيب السري الذي يخفي فيه الباحث الإيطالي قطع "البونبوني"، الأمور أوضح مما يظن الكثيرون.

- مصر بلد الأمن والأمان تزخر بالمجرمين الخطرين الذين يهوون اختطاف الأجانب وسرقتهم والتمثيل بجثثهم، يبدو أن هذه هي الرسالة التي أوصلها بيان وزارة الداخلية إلى الكثير من أقطار العالم، وهو ما سينعكس إيجابًا بكل تأكيد على السياحة المزدهرة فعليًا.

- تصفية رجال الشرطة لجميع عناصر عصابة "اللهو الخفي" في ضربة واحدة ربما يُصبح مثالًا يُحتذى ويُدرس في الأكاديميات الأمنية في أوروبا، حيث يبدو أن الشرطة هناك لازالت تتبع أساليب عفى عليها الزمن في ملاحقة المتهمين، مثل القبض عليهم، ثم التحقيق معهم، قبل إصدار الأحكام من قبل القضاء، وهو ما بدى جليًا في توقيف الشرطة البلجيكية لصلاح عبد السلام، المُشتبه في مشاركته بهجمات باريس، حيث اكتفت قوات الأمن بإصابته في قدمه قبل أن تعتقله وتبدأ التحقيق معه، فيما كان بإمكانها اتباع الأسلوب المصري الأكثر سهولة بقتل المتهمين ثم توجيه الاتهامات إليهم.

على كل حال، ورغم كل ما أثير حول قضية جوليو ريجيني، منذ العثور عليه قتيلًا متوسدًا تراب البلد الذي قال لأصدقائه إنه "يحبه"، فإننا نستطيع القول إن القيم والمُثل العليا التي جسدها المجرمون الأبرار، الأشقياء الأطهار، هي الدرس المستفاد الأبرز من هذه الواقعة، ومع أطيب التمنيات بمشاهدة ممتعة لمسرحيات "الكوميديا السوداء" المقبلة.
التحرير الاخباري