إذا كنت
(محامياً ، قاضياً ، أو تعمل في الحقل القانوني،
نتعهد بنقل معلوماتكم القانونية إلى مستويات قياسية)
حصل "اليوم السابع" على نسخة من الحكم القضائى الذى ألغت فيه محكمة القضاء الإدارى بكفر الشيخ قرار منع ارتداء النقاب فى المصالح الحكومية، وقارن عدد من منظمات المجتمع المدنى بين الحكم وبين الحكم الذى أصدرته المحكمة الفرنسية والمحكمة الأوروبية التى رفضت النقاب برغم أنها تنادى بحقوق الإنسان وحريته، بل إن الحكم نفسه قارن بين الحقوق والحريات لدى المجتمع العربى والأوروبى بل قارنت المحكمة فى حكمها بين ما رأته وبين القضاء الفرنسى والأوروبى، وذكر الحكم لأول مرة أحداث تاريخية لوجه المقارنة وقد أعربت منظمات حقوقية مصرية عن اهتمامها البالغ بهذا الحكم، وقررت ترجمته ترجمة دقيقة ومراجعتها كى تتمكن من تبادله مع منظمات حقوقية مناظرة فى دول الاتحاد الأوروبى والأمريكتين والإدارة المختصة بالشئون القانونية بمكتب بان كى مون، السكرتير العام للأمم المتحدة، كمدخل لعقد جلسات حوارية حول هذه المفاهيم الجديدة التى سطرها حكم القضاء الإدارى المصرى، والذى كشف عن الوجه المضى للفكر الإسلامى المستنير.
فيما قررت كلية الآداب بجامعة الإسكندرية ترجمة نص حكم محكمة القضاء الإدارى الخاص بالسماح للمرأة بارتداء النقاب داخل مؤسسات الدولة، وكذلك رفضها قرار المحكمة الفرنسية والأوروبية المتعلق بالنقاب، وذلك تمهيدا لتبادله مع دول الاتحاد الأوروبى والأمريكتين وبان كى مون الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، وذلك عبر المنظمات الحقوقية المعنية بحقوق المرأة والإنسان، والتى ستتكفل بتكاليف الترجمة للحكم بالتنسيق مع كلية الآداب. وقالت المحكمة إن المشرع الدستورى أقرّ بأن دين الدولة الإسلام ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع ورصد الحقوق الشخصية فى بوتقة الحقوق الطبيعية التى لا يسوغ المساس بها، وساوى فيها بين سائر المواطنين ذكورا وإناثا مسلمين وأهل الكتاب، وأطلق حرية الاعتقاد الدينى وحرية ممارسة الشعائر الدينية لهم.
وأضافت المحكمة إنه إذا كان ارتداء النقاب بالنسبة للمرأة المسلمة هو إحدى مظاهر الحرية الشخصية فإن هذه الحرية لا ينافيها أن تلتزم المرأة المسلمة وفى دائرة بذاتها فى الأماكن الحكومية العامة بالقيود التى تقدمها الجهة الإدارية أو المرفق على الأزياء التى يرتديها بعض الأشخاص فى مواقعهم من هذه الدائرة، لتكون لها ذاتيتها فلا تختلط بغيرها, بل يستقلون فى مظهرهم عمن سواهم ليكون زيهم موحدا متجانسا ولائقا بهم دالا عليهم ومعرفا بهم وميسرا صور التعامل معهم حتى لا تكون دائرتهم نهبا لآخرين يقتحمونها غيلة وعدوانا، ليلتبس الأمر فى شأن من ينتمون إليها حقا وصدقا.
كما هو الشأن بالنسبة للقوات المسلحة والشرطة والمستشفيات وغيرها, وترتيبا على ذلك فإن المرأة المسلمة التى ارتضت النقاب لباسا لها- أخذا بحريتها الشخصية- عليها أن تلتزم بما تفرضه الجهات الإدارية من أزياء على المنتمين لها فى نطاق الدائرة التى تحددها إن هى رغبت فى الاندراج ضمن إفراد تلك الدائرة.
وذكرت المحكمة أن إسدال المرأة النقاب أو الخمار على وجهها إن لم يكن واجبا شرعا فى رأى فإنه فى رأى آخر ليس محظورا شرعا ولا يجرمه القانون، كما لا ينكره العرف، ويظل النقاب طليقا فى نطاق الحرية الشخصية ومحررا فى كنف الحرية، ومن ثم لا يجوز حظره بصفة مطلقة أو منعه بصورة كلية على المرأة لما يمثله هذا الحظر المطلق أو المنع الكلى من مساس بالحرية الشخصية فى ارتداء الملابس ومن تقييد لحرية العقيدة، ولو إقبالا لمذهب ذى عزيمة أو إعراضا عن آخر ذى رخصة دون تنافر مع قانون أو اصطدام بعرف بل تعريفا وافيا لصاحبته ومظهرا مغريا بالحشمة، ورمزا داعيا للخلق القويم عامة فلا جناح على امرأة أخذت نفسها بمذهب شدد بالنقاب، ولم ترتكن إلى آخر خفف بالحجاب أيا كان الرأى فى حق المشرع الدستورى فى الانتصار لمذهب شرعى على آخر فى مسألة ادخل فى العبادات أسوة بحقه هذا فى نطاق المعاملات.
وأكدت المحكمة أن الأوراق كشفت عن أن المدعية مرتضية وملتزمة لدعوى كل راغب فى التحقق من شخصيتها لدى دخولها مقر عملها بالمستشفى والأقسام الداخلية، كما أنها ملتزمة بالزى الموحد للتمريض شأن قرنائها لكنها ترتدى النقاب فوق الزى الموحد لمهنة التمريض, كما أن الأوراق قد أجدبت مما يفيد بأن ارتداء المدعية لزيها الإسلامى يؤثر سلبا على أدائها لمهام وظيفتها أو يعوق أدائها لها، مما يكون معه القرار المطعون فيه مخالفا لإحكام الدستور، لما تضمنه من مساس بحرية المدعية الشخصية وما يلائمها من ملابس فلا إجبار على المدعية إن شاءت ارتدت النقاب أخذا بالمذاهب المتشددة التى تستوجب لزومه أو خففته بالخمار، أخذا بالمذاهب المخففة التى تستوجب الخمار أو تطرحهما جانبا، وتسدل شعرها على جسدها دون حاجب له وفقا لحريتها الشخصية التى كفل الدستور تنظيمها.
وأضافت المحكمة أنه لا عبرة بما ذكرته وزارة الصحة من أن ارتداء الممرضة النقاب له مردود سلبى لعدم التواصل بين الممرضة والمريض، فذلك مردود عليه بأن العلاقة بين الممرضة والمريض هى علاقة نفسية محسوسة قوامها العطاء والقدرة على البذل ووجود الممرضة، حيث يطلب المريض ووقتما يشاء وليست علاقة مادية ملموسة تستلزم رؤية المريض لوجه الممرضة, فإظهار الوجه ليس من أدوات تقديم خدمة التمريض الطبية, فضلا عن أن الرعاية العلاجية المقدمة بقسم الطب العلاجى لا تستدعى التواصل بين المريض والممرضة على نحو تكشف فيه له عن وجهها بقدر ما تستلزم ضمان أداء الممرضة لعملها بنفسها بدقة وأمانة وصدق وضمير.
وذكرت المحكمة - فى سبيل الكشف عن كنوز الشريعة الإسلامية لحقوق الإنسان - أنه لا يفوتها أن تشير إلى أن حرية العقيدة من أخص حقوق الإنسان فى الشريعة الإسلامية وهى فى مجملها إحكام شرعية مصدرها إلهى أثبتها الله سبحانه وتعالى للإنسان، وجاء خطاب التكليف فيها للإنسان لمجرد كونه إنسانا تحقيقا لمصلحته خاصة مصلحة مجتمعية عامة, وهى تتميز بالعموم والشمول والعالمية مثل قوله تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين"، وقوله تعالى "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا"، وقوله جل شأنه "قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا"، فهى حقوق إذن تثبت لكل إنسان فى أى زمان وأى مكان، ولكل الناس دون تمييز فيما بينهم, وحقوق الإنسان فى ظل الشريعة الإسلامية لا تستمد عظمتها وقوتها من مجرد مفاهيم نظرية ومبادئ فلسفية يدعمها العقل والمنطق فحسب، بل لكونها قابلة للتطبيق للأبد فى كل بيئة مكانية وزمانية والسبب فى ذلك التوازن الفريد الدقيق الذى تتميز به الشريعة السمحاء بين الحقوق الفردية وحقوق المجتمع، دون تغول إحداهما على الأخرى، ولتوافقها مع حدود الاستطاعة البشرية, وهو ما لا يتحقق فى ظل أى نظام وضعى من صنع البشر، ما لم يستمد من الإسلام روحه ومبادئه, كما أنه من عظمة الإسلام أنه لا يحرم من التمتع بهذه الحقوق من لا يؤمن بالله ربا ولا يعترف به إلها سبحانه وتعالى.
وعقدت المحكمة - ولأول مرة فى تاريخ القضاء - مقارنة بين أحدث الإحكام الصادرة من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان منذ شهر وبين تقدم الشريعة الإسلامية عليها وتفوق القضاء الإدارى المصرى الذى استلهم كنوزها, بقولها إن المحكمة وهى جزء من نسيج هذا الوطن لا تستطيع أن تغض الطرف عما تثيره الحرية الشخصية وحرية العقيدة فى المجتمع الدولى للوقوف على مدى تقدم الشريعة الغراء على تلك المفاهيم الغربية الحديثة .
وأكدت المحكمة أنه بهذه المثابة يظهر الفارق واضحا بين حقوق قررها الإسلام للإنسان وبين ما تقرره النظم الأوروبية فى دولة معينة أو منظمة دولية، فحقوق الإنسان فى الإسلام هى حقوق فى طبيعتها عالمية منحها الله للبشر كافة فى جميع أنحاء العالم دون تمييز, وهى حية قائمة بذاتها وليست مأخوذة من غيرها وهى قابلة للتطور كالحياة وتنطوى على ثروة من المفاهيم والمعلومات والأصول الحقوقية التى تستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة والتوفيق بين حاجاتها "ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"، وهى لا تموت إلا بالفناء لأنها من صنع خالق الموجودات.
أما حقوق الإنسان فى أوروبا فهى قاصرة على ثقافة غربية محدودة الأفق لا تتعدى الحدود الجغرافية للمكان ولا تتجاوز الحدود الوقتية للزمان، وأية ذلك أن فرنسا وبلجيكا كلاهما يعتبر النقاب فى الأماكن العامة جريمة جنائية يعاقب عليها القانون الجنائى فى كلتيهما, ففى فرنسا عقوبة المرأة التى ترتدى النقاب 150 يورو أو الخضوع لفترة تدريب عن المواطنة ويعاقب كل من يرغم امرأة على وضع النقاب على وجهها بالحبس مدة سنة وغرامة 30 ألف يورو.
ورتبت المحكمة على المقارنة بين الروح العالمية لحقوق الإنسان فى الإسلام والروح المحدودة للثقافة الغربية فى أوروبا عن حقوق الإنسان، وأن فقه الإسلام واسع الأفق إلى درجة تثير كل العجب فى أن بلاد المسلمين فى عصرنا الحديث لا تستنبط منه كل الحقوق والحريات، كما كان الأولون الذين استنبطوا منه مجدا علميا وحضاريا ساد العالم أحرزه المسلمون فترات طويلة من التاريخ فى وقت كانت أوروبا الأمية تزخر بالجهل والحرمان، بينما كان المسلمون يحملون إمامة العلم وراية الثقافة وهو ما يتطلب من علماء المسلمين فى كل الأقطار الإسلامية، خاصة الأزهر الشريف مهد الحضارة الإسلامية استنهاض الهمم للكشف عن كنوز الشريعة الغراء والعمل على تحقيقها على أرض الواقع لرفعة المسلمين.
كما أكدت المحكمة أنه من واجب الإنصاف فى هذا المطاف أن المحكمة وقد انتهت إلى أحقية المدعية فى ممارسة عملها فى المستشفى التابعة لوزارة الصحة وهى مرتدية النقاب، انبثاقا من كفالة حريتها الشخصية التى لا تضر بحق المجتمع وحريتها فى العقيدة وممارستها لها فى إطار النظام العام تكون قد تفوقت على ما قررته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من مشروعية القانون الذى فرضته فرنسا بحظر ارتداء النقاب والبرقع فى الأماكن العامة فى فرنسا للموظفين وغيرهم، تحت سند من القول إن ظروف العيش المشترك هو هدف مشروع، وإن القانون الصادر فى فرنسا عام 2010 - والذى دخل حيز التنفيذ فى أبريل 2011 - لا يتناقض مع معاهدة حقوق الإنسان الأوروبية، باعتبار أن الوجه يلعب دورا مهما فى التفاعل الاجتماعى دون التعرض لأية دلالات دينية, وهو اتجاه فى حقيقته يمثل تغولا على الحقوق الفردية، بما يؤدى إليه من اختلال التوازن بين الحق الفردى وحق الجماعة.
وأضافت المحكمة أنه لا مبالغة فى القول إن تفوق القضاء الإدارى المصرى مؤيدا بقضاء المحكمة الإدارية العليا على نظيره الفرنسى فى هذا الشأن، إذ أجاز مجلس الدولة الفرنسى قانون حظر النقاب فى الأماكن العامة بحجة الضرورة اللازمة للتعرف على الموظفين, بينما كفل الإسلام كشريعة عالمية حقوق البشر كافة - خاصة المرأة - فى كل زمان ومكان دونما نظر إلى البيئة المكانية أو الزمانية لهؤلاء البشر، على اختلاف أجناسهم وفى توازن فريد بين الحق الفردى وحق المجتمع, بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة ومن ثم يظهر تفوق القضاء الإدارى المصرى فى إبداعاته المنبثقة من روح الشريعة الإسلامية الغراء بعظمتها وسموها وكمالها الصالحة لكل زمان ومكان لأنها من صنع الله خالق كل شىء وهو الخبير العليم.
واختتمت المحكمة حكمها العالمى - مؤكدة اعتزازها بالدستور المعدل الصادر فى 18 يناير 2014 عقب ثورة يونيه 2013 - بقولها إنها تلمح توضيحا وفهما وليس تنظيما وسنا, أن المشرع الدستورى فى دستور كل المصريين قد تناول بالتنظيم الحقوق والحريات تنظيما أبهاها بثوب تشرأب له هامات كل متطلع لغد أفضل, ويقف صامتا من يرد غير ذلك سواء من حيث الإفراد والتنوع أو من ناحية ممارستها ورسم حدودها على نحو لا تفتئت فيه حرية على ما عداها أو على غيرها من حالة النظراء, داعيا ومتباهيا بهذا التنظيم سائر التشريعات الدستورية الحاكمة للدول حكاما ومحكومين للنهل منه، والسير على دربه ولوح الدستور حين أشار إلى كفالة الدولة حماية الحقوق والحريات عدم الإخلال بهذا التنظيم لسموه وعلوه على ما عداه من تنظيمات سواء تشريعية أو لائحية أو حتى فيما تخويله للجهات الإدارية من حقها فى وضع ما تشاء من القواعد التنظيمية العامة، لضمان حسن أداء العمل ورغبة فى سير المرافق العامة بانتظام وباضطراد على نسق حظر فيه عدم تضمين قواعدها التنظيمية ما يتضمن المساس بتلك الحقوق والحريات ويغدو كل تنظيم إدارى مخالف لما تناوله المشرع الدستورى بالتنظيم لا يعول عليه متعينا طرحه والبعد عنه.
اليوم السابع بتاريخ 15-9-2014
|