في شأن رأي المفتي فمردود بأن كل ما أوجبته المادة
49 من قانون تشكيل محاكم الجنايات هو أن تأخذ المحكمة رأي المفتي قبل إصدار الحكم
بالإعدام ولكنها غير مقيدة بهذا الرأي إذ أجاز لها القانون أن تحكم دونه إذا ما
فات الميعاد من غير أن يبديه فكل ما أوجبه القانون أن يرسل القاضي
وقررت المحكمة في حكمها :
... حيث إن الطاعن يقول
في طعنه إن الحكم المطعون فيه حين دانه بالقتل العمد مع سبق الإصرار جاء باطلاً
لقصوره وتخاذل أسبابه وخطئه في تطبيق القانون وتأويله ذلك بأن المدافع عنه تمسك
بأن الواقعة إنما هي ضرب أفضى إلى الموت لم تتوافر فيه نية القتل إلا أن المحكمة
لم تأخذ بدفاعه واستدلت على هذه النية بأدلة وإن صلحت لإثباتها إلا أنها تصلح
أيضاً لإثبات أنه لم يكن بقصد القتل وأنه إذا ما أضيف إلى ذلك ما ورد بالتقرير
الطبي عن بعض الإصابات وأنها تحصل أثناء المشاجرة وسقوط المجني عليها على الأرض
كان ما ذهبت إليه المحكمة عن توفر جريمة القتل دون الضرب في غير محله. ثم أنها
استندت إلى شهادة بعض الشهود في التحقيق الابتدائي مع أنهم عدلوا عنها بالجلسة وفي
سبيل تقرير أخذها بها جاءت بمبررات غير مستساغة مبناها مجرد الاستنتاج كما أن ما
ذكرته من أدلة على ثبوت سبق الإصرار لا يؤدي إلى هذا الثبوت ويضيف الطاعن أن
الأوراق قد أحيلت إلى المفتي ليبدي رأيه فقال إنه على فرض الأخذ بشهادة شاهدة
الرؤية الوحيدة رغم عدم بلوغها السن التي تجعلها أهلاً لسماع الشهادة فإن نصاب
الشهادة لم يتم وشهادة غيرها مبنية على السماع فلا يعول عليها. والمحكمة قد عرضت
لرأيه فلم تجادل فيه من الناحية الشرعية ولكن قالت إن لها أن تأخذ في الإثبات
بالأدلة المادية والفنية كما تأخذ بأقوال الشهود وبالقرائن غير مقيدة في ذلك بأدلة
بذاتها ويقول الطاعن إن ما ذهبت إليه المحكمة وإن كان صحيحاً فيما يقضى فيه إلى حد
الأشغال الشاقة المؤبدة إلا أنه غير صحيح في القصاص إذ يجب على القاضي أن يراعي
فيها أيضاً أحكام الشريعة التي لا تجيز في القصاص الأخذ بالقرائن الضعيفة المعبر
عنها بالشبهات وذلك بدليل ما نصت عليه المادة 49 من قانون تشكيل محاكم الجنايات من
وجوب أخذ رأي المفتي وهذا معناه أن لحكم الإعدام شأناً خاصاً ليس لغيره من الأحكام
فيجب على القاضي أن يراعي فيه القانونين الشرعي والوضعي وأن القول بغير ذلك فيه تعطيل
لنص من نصوص القانون وأنه ينبني على ما تقدم أن القاضي مقيد برأي المفتي إذا ما
اتجه حكمه إلى الإعدام وتكون المحكمة ذا ما خالفت ذلك قد أخطأت خطأ يعيب حكمها مما
ينقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى وذكر الأدلة
التي استخلص منها ثبوتها, واستظهر نية القتل وسبق الإصرار ومتى كان الأمر كذلك
وكان ما أوردته المحكمة له سنده ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها
فإن ما يقوله الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل إذ أنه لا يخرج في حقيقته عن
محاولة المجادلة في تقدير أدلة الدعوى وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا معقب
عليها فيه. أما ما يثيره في شأن رأي المفتي فمردود بأن كل ما أوجبته المادة 49 من
قانون تشكيل محاكم الجنايات هو أن تأخذ المحكمة رأي المفتي قبل إصدار الحكم
بالإعدام ولكنها غير مقيدة بهذا الرأي إذ أجاز لها القانون أن تحكم دونه إذا ما
فات الميعاد من غير أن يبديه فكل ما أوجبه القانون أن يرسل القاضي الأوراق إلى
المفتي ليأخذ رأيه. فإذا ما اتخذت المحكمة هذا الإجراء قبل حكمها بالإعدام كان
حكمها سليماً لا مطعن عليه وهذا النص لا يجعل لأحكام الإعدام طريقاً خاصاً في
الإثبات غير الطرق المرسومة لغيرها من الأحكام.
وحيث إنه لما تقدم جميعه يكون الطعن على غير أساس ويتعين
رفضه موضوعاً.