تمسك المسئول عن التعويض أمام محكمة الموضوع بوقوع خطأ من جانب مورث المضرور تمثل في تواجده بالعربة المخصصة لنقل الأشياء لا الأشخاص ساهم في إحداث الضرر الذي لحق به. دفاع جوهري يترتب على ثبوت صحته تقدير التعويض على قدر الخطأ. التفات الحكم عند هذا الدفاع وعدم العناية بتحقيقه وقضاؤه بالإلزام بكامل التعويض. قصور.
وقررت محكمة النقض في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى رقم 14349 سنة 1988 مدني شمال القاهرة الابتدائية على الطاعن بطلب الحكم بإلزامه بأن يدفع لهم مبلغ 50000 جنيه وقالوا بياناً لذلك إنه بتاريخ 5/ 4/ 1986 تسبب تابع الطاعن بخطئه أثناء قيادته قطار "الديكوفيل" في موت مورثهم المرحوم (....)، وحرر عن الحادث القضية رقم 1141 سنة 1986 جنح مركز دشنا قضى فيها بإدانته بحكم بات، ولما كانت مسئولية الطاعن قائمة إعمالاً لنص المادتين 174، 178 من القانون المدني وأصيبوا من جراء الحادث بأضرار مادية وأدبية بالإضافة إلى التعويض الموروث والذي يقدرونه بالمبلغ المطالب به فقد أقاموا الدعوى. بتاريخ 26/ 6/ 1990 حكمت المحكمة بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضدهم تعويضاً مقداره 13000 جنيه، استأنف الطاعن الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 9773 سنة 107 ق، كما استأنفه المطعون ضدهم أمام ذات المحكمة بالاستئناف رقم 9181 سنة 107 ق وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين حكمت بتاريخ 7/ 1/ 1992 في الاستئناف الأول برفضه وفي الثاني بتعديل الحكم المستأنف بجعل التعويض المحكوم به مبلغ خمسة عشر ألف جنيه، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن خطأ المجني عليه قد ساهم في وقوع الحادث بتواجده في عربة "الديكوفيل" المخصصة لشحن القصب دون ركوب الأشخاص وأن ما نسب إلى تابعه من خطأ لا يعدو أن يكون من الأسباب العارضة الثانوية التي ليس من شأنها أن تحدث مثل هذا الضرر لولا خطأ المجني عليه، وإذ لم يناقش الحكم المطعون فيه هذا الدفاع الجوهري بمقولة إن الحكم الجنائي الصادر بإدانة تابعه قد صار نهائياً فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن - المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "يكون للحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية في موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو بالإدانة قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية في الدعاوى التي لم يكن قد فصل فيها نهائياً فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها" وفي المادة 102 من قانون الإثبات على أنه "لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً" مفاده أن الحكم الجنائي تقتصر حجيته أمام المحكمة المدنية على المسائل التي كان الفصل فيها ضرورياً لقيامه وهي خطأ المتهم ورابطة السببية بين الخطأ والضرر، ومن ثم فإن استبعاد الحكم الجنائي مساهمة المجني عليه في الخطأ أو تقرير مساهمته فيه يعتبر من الأمور الثانوية بالنسبة للحكم بالإدانة، إذ أن تقرير الحكم قيام هذه المساهمة من المجني عليه أو نفيها لا يؤثر إلا في تحديد العقوبة بين حديها الأدنى والأقصى، والقاضي الجنائي غير ملزم ببيان الأسباب التي من أجلها يقرر عقوبة معينة طالما أن هذه العقوبة بين الحدين المنصوص عليهما في القانون، وإذ كان ذلك فإن القاضي المدني يستطيع أن يؤكد دائماً أن الضرر نشأ من فعل المتهم وحده دون غيره، كما أن له أن يقرر أن المجني عليه أو الغير قد أسهم في إحداث الضرر رغم نفي الحكم الجنائي هذا أو ذلك ليراعي ذلك في تقدير التعويض إعمالاً لنص المادة 216 من القانون المدني التي تقضي بأنه "يجوز للقاضي أن ينقص مقدار التعويض أو لا يحكم بتعويض ما إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه" لما كان ذلك وكان الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بوقوع خطأ من جانب مورث المطعون ضدهم ساهم في إحداث الضرر الذي لحق به يتمثل في تواجده بالعربة "الديكوفيل" المخصصة لنقل القصب لا لنقل الأشخاص وكان هذا الدفاع جوهرياً لما يترتب على ثبوت صحته من توزيع المسئولية المدنية على قدر الخطأ فإن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه إذ التفت عن هذا الدفاع ولم يقسطه حقه بما ينحسم به أمره ولم يعن بتحقيقه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه وألزم الطاعن بكامل التعويض فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه.