طاعة الرئيس لا تمتد بأى حال إلى ارتكاب الجرائم وأنه ليس على
المرؤوس أن يطيع الأمر الصادر إليه من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب
عليه، وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه بمدوناته ردًا على دفاع الطاعنين فى هذا
الشأن يسوغ به اطراحه لدفعهم بارتكاب الواقعة صدوعًا لتلك الأوامر فإن ما ينعاه الطاعنون
على الحكم بقالة القصور فى التسبيب فى هذا الخصوص يكون غير سديد
وقررت محكمة النقض في حكمها
ينعى الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة الضرب
المفضى إلى الموت قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والخطأ فى القانون
ومخالفة الثابت بالأوراق والإخلال بحقهم فى الدفاع - ذلك أن الحكم أسند إليهم جميعًا
المسئولية عن النتيجة التى حدثت وهى موت المجنى عليه رغم عدم توافر سبق الإصرار أو
الاتفاق المسبق فى حقهم مما كان يتعين معه أخذ الطاعنين بالقدر المتيقن فى حقهم وإيقاع
عقوبة الضرب البسيط عليهم باعتبار أن كلاً منهم مسئول عن فعل الاعتداء الذى باشره تجاه
المجنى عليه وخاصة أن ما أورده الحكم وإن كان يدل على التوافق بين الطاعنين لا يفيد
الاتفاق كطريق من طرق الاشتراك لأنه لا يكفى لقيامه مجرد توارد الخواطر، بل يشترط أن
تتحد النية على ارتكاب الفعل المتفق عليه - وأن المستفاد من أقوال شهود الإثبات من
زملاء المجنى عليه المجندين أن أفعال الاعتداء والإيذاء لم يكن محلها المجنى عليه وحده
بل كانت تقع عليهم جميعا داخل المعسكر أثناء التدريبات ورغم ذلك لم تحرك النيابة العامة
الدعوى الراهنة إلا بخصوص المجنى عليه وحده دون باقى زملائه المجندين وهو ما يفيد عقلاً
صدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل الطاعنين بالنسبة لوقائع الاعتداء الأخرى
والتى تعرض لها زملاء المجنى عليه وهو أمر يشمل بالضرورة واقعة وفاة المجنى عليه لارتباط
تلك الوقائع جميعها ومن ثم فلا يجوز العدول عنه وخاصة أن ذلك الأمر مبنى على أسباب
عينية وليست شخصية وهو ما يمتنع معه العودة إلى الدعوى الجنائية المطروحة - كما أنه
كان يتعين على محكمة الموضوع إذا ما تبين لها أن الوقائع المشار إليها قد أحيلت للمحاكمة
أمام محكمة الجنح أن توقف هذه الدعوى لحين الفصل فى الوقائع الأخرى منعًا لتضارب الأحكام
ولأن الفصل فيها يتوقف على نتيجة الفصل فى تلك الوقائع الأخرى - وعول الحكم على شهادة
الطبيب الشرعى رغم أنها استندت إلى حقائق علمية وليست إلى ماديات شاهدها بنفسه من التشريح
الذى أجراه ومن ثم لا تصلح سندًا للإدانة وخاصة أن شهادته خلت من مشاهدته لثمة إصابات
بجثة المجنى عليه وهو ما حال بينه وبين معرفة سبب الوفاة والتى أقامها الحكم على مجرد
فروض واحتمالات وليست أدلة قاطعة - ولم تفطن المحكمة لشهادة الدكتورة/ ..... مديرة
مكتب..... والتى صرحت بدفن الجثة وقدمت تقريرها والذى أشار خلو الجثة من ثمة إصابات
وأن سبب الوفاة هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية نتيجة جلطة رئوية وهى وفاة طبيعية
- واطرحت شهادتها والتقرير الطبى المقدم منها وأخذت بتقرير آخر رغم تناقض التقريرين
فى مسألة فنية مما كان يوجب على المحكمة أن تستعين بخبير آخر لرفع هذا التناقض - ونازع
دفاعهم بشأن انقطاع رابطة السببية بين إصابات المجنى عليه ووفاته وأنه لولا مرض المجنى
عليه المستفاد من شهادة زملائه والمجهول بالنسبة لهم لما حدثت الوفاة بدلالة أن زملائه
تلقوا نفس التدريبات دون أن يلحق بهم أذى وهو ما يقطع بأن العمل الذى قام به الطاعنون
تم فى حدود الأصول والقواعد المتبعة والمقبولة دون تجاوزات، وهو ما كان يقتضى من المحكمة
تحقيق هذا الدفاع بمعرفة الطبيب الشرعى أو كبير الأطباء الشرعيين حتى ولو لم يطلب الدفاع
ذلك إلا أن المحكمة أطرحت هذا الدفاع برد غير سائغ واعتمدت فى اطراحه على أقوال الشهود
وتقرير الطبيب الشرعى رغم ما شاب الدليلين من نقص - كما نازع الدفاع فى توافر القصد
الجنائى لدى الطاعنين إذ أنهم لم يتعمدوا إلحاق الأذى بالمجنى عليه وإحداث إصاباته
بل كان هدفهم القيام بأعمال التدريب المسندة إليهم وتنفيذها طبقًا للأوامر والتعليمات
الصادرة إليهم من رؤسائهم والمتعين عليهم اتباعها وأنهم وعلى فرض أنهم قد تجاوزوا القدر
المسموح به فى التدريب فذلك لا يدل على اتجاه قصدهم إلى إيذاء المجنى عليه والمساس
بسلامة جسمه، بل هو مجرد إهمال تقوم به جريمة القتل الخطأ دون جريمة الضرب المفضى إلى
الموت التى دانهم الحكم بها - بيد أن المحكمة لم تقسط هذا الدفاع حقه إيرادًا وردًا
- كما أن أعمال التدريب التى قام بها الطاعنون كانت تنفيذًا لأوامر رؤسائهم وهو ما
يوفر فى حقهم حسن النية، وخاصة أن الطاعنين الثالث والرابع يعملان تحت رئاسة الأول
والثانى ولا يمكنهما سوى الانصياع للأوامر والتوجيهات الصادرة منهما - وأخذ الحكم بشهادة
الشاهدين.....،..... دون أن يرفع التناقض الذى شابها - وأسند الحكم على خلاف الثابت
بالأوراق للطبيب الشرعى أنه قطع بأن الإصابات الثابتة بتقرير مستشفى...... من المتصور
حدوثها من أفعال الاعتداء والإيذاء وهو ما يقطع بتوافر علاقة السببية بين ما لحق المجنى
عليه من ضرب وتعذيب ووفاته - كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه (أنه وعقب تجنيد المجنى عليه
وتوزيعه على معسكر قطاع..... للأمن المركزى بناحية "....." التابعة لقسم.... مع مجموعة
من زملائه المجندين يوم... من.... عام.... تسلم خال المجنى عليه إشارة من مركز شرطة......
بتاريخ السابع من ذات الشهر تفيد وفاة المجنى عليه وأن جثته بمستشفى..... فأسرع إلى
هناك ومعه أهلية المجنى عليه حيث كانت الجثة مجهزة للدفن وبكشف غطاء الرأس شاهد وجود
دماء تسيل من الفم وجرح بالرقبة من الناحية اليمنى يبلغ طوله ما بين ثلاثة إلى خمسة
سنتيمترات وفى اليوم التالى لإتمام إجراءات الدفن حضر إليهم زميل المجنى عليه المجند.....
وأخبرهم أن المجنى عليه توفى نتيجة التعذيب الذى وقع عليه من جانب المتهمين القائمين
على تدريبهم بالمعسكر "الطاعنين "فأبلغ والد المجنى عليه النيابة العامة بالحادث والتى
باشرت تحقيقه بسماع شهادة المجندين زملاء المجنى عليه حيث أجمعوا فى شهادتهم على أن
المتهمين أوقعوا بهم صنوفًا من ألوان الضرب والإيذاء والتعذيب بدءًا من طوابير الجرى
والزحف على الرمال المحرقة نتيجة شدة حرارة الجو والتى تراوحت درجاتها بين 38° إلى
39° فى الظل مع نسبة رطوبة تصل إلى 70٪ وضربهم بالعروق الخشبية ثم أمرهم بالنوم على
ظهورهم ونثر الرمال والأتربة على وجوههم وأجسادهم ثم إدخالهم غرفة التعذيب حيث يقف
المجندون أمام إطارات الكاوتش الكبيرة الخاصة بالجرارات ويقوم المتهمون بركلهم فى أى
موضع من جسدهم حتى تصطدم رؤوسهم بشدة بتلك الإطارات ثم يفرضون عليهم تناول طعامهم وأفواههم
مليئة بالأتربة والرمال دون السماح لهم بالاستحمام حتى استحال عليهم ابتلاع الطعام
مما اعتبره المتهمون امتناعًا عن تناول الطعام حيث أوقعوا عليهم العقاب بأن أمروهم
بالنهوض والزحف على بطونهم بأرض الطابور مسافة ثلاثين مترا فى الجو الملتهب حتى سقط
المجنى عليه مغشيًا عليه من شدة التعب والإجهاد - فأصدر المتهم الأول..... أوامره للمتهم
الثالث..... باصطحاب المجنى عليه لغرفة التعذيب وضربه حتى عاد به بعد حوالى ربع ساعة
باديًا على المجنى عليه الإعياء الشديد حيث تكرر سقوطه على الأرض أثناء السير فصدر
الأمر إليه من المتهمين الأول والثانى بالنوم على ظهره بأرض الطابور وأمر المتهمان
الثالث والرابع فنثرا عليه الرمال والتراب حتى غطت جسده عدا رأسه ثم وضعوا الأتربة
على وجهه وفمه وظل على هذا الحال إلى أن أزاحوا عنه غطاءه من الأتربة ثم قام المتهمان
الثالث والرابع تنفيذًا لتعليمات الضابطين المتهمين الأول والثانى بأن ينام المجنى
عليه على بطنه ووضعوا على ظهره إطارين من كاوتش الجرارات فى الوقت الذى ظل فيه المتهمان
الأول والثانى يركلونه بأحذيتهم فى مواضع مختلفة من جسده ورأسه حتى تبول لا إراديًا
طالبًا منهم الرحمة لأن نهايته قد اقتربت ثم نطق بالشهادتين وجحظت عيناه وظل ملقى على
الرمال الملتهبة بفعل الحرارة حوالى الساعة ونصف حتى سكن جسده وتعطلت لغة الكلام لديه
ونقل إلى مستشفى...... حيث استقبلت طبيبة الاستقبال الدكتورة...... الجسد المسجى وأثبتت
وفاة صاحبه ودونت مناظرتها للجثة بأن الشعر والأنف والأذنين ملئ بالرمال ووجد خدوش
طولية بالجبهة والرقبة وأن الجسد متسخ تماما بالطين مع وجود بلل بمنطقة الحوض والملابس
الداخلية والبنطال وبخلع حذاء المجنى عليه سقطت كمية كبيرة من الرمال والزلط وعللت
ذلك بقيام شخص ما يسكب هذه الرمال والأتربة على عموم جسد المجنى عليه وفروة الرأس وأن
بلل الملابس ناتج عن تبول لا إرادى قبل الوفاة، وقطع الضباط قادة المعسكر الذى وقع
به الحادث أن ما لحق بالمجنى عليه على يد المتهمين وفقًا لتصوير شهود الإثبات غير مسموح
به ويتجاوز حدود التدريب، كما أثبت مناظرة النيابة العسكرية الشرطية للجثة وجود خدوش
وسحجات بالوجه والرقبة ونزيف من الأنف وكدمة شديدة بالرقبة، وبسؤالهم أوضحوا أن هذه
الإصابات غير طبيعية ولا تحدث نتيجة التدريب، وباستخراج الجثة للتشريح أفاد الطبيب
الشرعى أن ما لحق بها من تعفن رمى متقدم وتحلل الأنسجة وانفصال العظام أدى إلى طمس
معالم ما قد يكون بها من إصابات، وذلك لا ينفى أن الإصابات الثابتة بالتقرير المبدئى
الصادر عن مستشفى..... من المتصور حدوثها من أفعال الاعتداء والإيذاء الواردة بتصوير
الشهود كما قطع بتوافر علاقة السببية بين ما لحق المجنى عليه من ضرب وتعذيب حسب رواية
شهود الإثبات وأنه كفيل بأن يؤدى إلى النتيجة التى تحققت وهى الموت ذلك أن الدفن داخل
الرمال فى درجات الحرارة العالية والوقوف فى الشمس لفترات طويلة يؤدى إلى ارتفاع درجة
حرارة الجسم الداخلية وتلف خلايا المخ مما يؤدى للوفاة فضلاً عن أمر المجنى عليه بالركود
على بطنه ووضع إطارات الكاوتش على ظهره كما أضاف الطبيب الشرعى بالتحقيقات أن ما تعرض
له المجنى عليه من الضرب والركل بمنطقتى الرأس والعنق من شأنه أن يؤدى إلى حدوث ارتجاج
بالمخ وتوقف المراكز العليا بالمخ التى تتحكم فى النبض والتنفس الأمر الذى يؤدى إلى
وفاته)) ودلل الحكم على ثبوت الواقعة على هذا النحو فى حق الطاعنين بأدلة استمدها من
أقوال شهود الإثبات بتحقيقات النيابة العامة وهى أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه الحكم
عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضى فى الواقع
أكثر من تقابل إرادة المساهمين ولا يشترط لتوفره مضى وقت معين ومن الجائز عقلاً وقانونًا
أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقًا لقصد مشترك بين المساهمين
هو الغاية النهائية من الجريمة أى أن يكون كل منهم قصد قصد الآخر فى إيقاع الجريمة
المعينة وأسهم فعلاً بدور فى تنفيذها بحسب الخطة التى وضعت أو تكونت لديهم فجأة وكان
من المقرر أن الجانى يسأل بصفته فاعلا فى جريمة الضرب المفضى إلى الموت إذا كان هو
الذى أحدث الضربة أو الضربات التى أفضت إلى الوفاة أو ساهمت فى ذلك أو أن يكون هو قد
اتفق مع غيره على ضرب المجنى عليه ثم باشر معه الضرب تنفيذًا للغرض الإجرامى الذى اتفق
معه عليه ولو لم يكن هو محدث الضربة أو الضربات التى سببت الوفاة بل كان غيره ممن اتفق
معهم هو الذى أحدثها، وكان ما أورده الحكم بمدوناته لدى بيانه لواقعة الدعوى وفى مقام
التدليل على ثبوت الاتهام قبل الطاعنين كاف بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على الضرب
من معيتهم فى الزمان والمكان ووقوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجهاهم
وجهه واحدة فى تنفيذها وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر فى إيقاعها وقارف أفعالا من الأفعال
المكونة لها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه، ويصح من ثم طبقا للمادة 39 من قانون
العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين فى جناية الضرب المفضى إلى الموت ويرتب بينهم فى صحيح
القانون تضامنًا فى المسئولية الجنائية عرف محدث الضربات التى ساهمت فى الوفاة أو لم
يعرف ولا يقدح فى سلامة الحكم دعوى الطاعنين باعتماد الحكم فى إثبات الاتفاق على وقائع
لا وجود لها بالأوراق ذلك بأنه يكفى أن تستخلص المحكمة الاتفاق من ظروف الدعوى وملابساتها
ما دام فى وقائع الدعوى ما يسوغ الاعتقاد بوقوعه وهى فى ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ
إلا بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة
و لو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلى
والمنطقى وإذ استخلص الحكم المطعون فيه من أقوال الشهود التى لا ينازع الطاعنون فى
أنها ترتد إلى أصل صحيح فى الأوراق وبأسباب مؤدية إلى ما قصده الحكم منها أن اتفاقًا
قد تم بين الطاعنين على ضرب المجنى عليه فإن ما يثيره الطاعنون فى هذا الشأن يكون من
قبيل الجدل الموضوعى فى مسائل واقعية تملك محكمة الموضوع التقدير فيها بلا معقب عليها
من محكمة النقض، كما لا يعيب الحكم المطعون فيه تزيده فيما استطرد إليه حينما أورد
عبارة "من قيام فكرة الإجرام عند كل من المتهمين وتواردت خواطرهم على الإجرام واتجه
خاطر كل منهم اتجاهًا ذاتيًا إلى ما اتجه إليه خواطر سائر أهل فريقه". ذلك أنه من المقرر
أن البيان المعول عليه فى الحكم هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره
من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه
طالما أنه غير مؤثر فى منطقه أو فى النتيجة التى انتهى إليها، وأنه لم يورده إلا بعد
أن كان قد خلص فى منطق سائغ إلى التدليل على اتفاق الطاعنين على ضرب المجنى عليه ويصح
اعتبارهم فاعلين أصليين فى جناية الضرب المفضى إلى الموت ويرتب بينهم فى صحيح القانون
تضامنًا فى المسئولية الجنائية. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد حصل دفاع الطاعنين
فى شأن انقطاع رابطة السببية بين فعلهم والنتيجة التى حدثت واطرحه بما يسوغه، وكان
الأصل أن المتهم يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التى أحدثها
ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخى فى العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه متعمدًا
ذلك لتجسيم المسئولية، كما أن مرض المجنى عليه هو من الأمور الثانوية التى لا تقطع
هذه الرابطة بين الفعل المسند إلى المتهم والنتيجة التى انتهى إليها أمر المجنى عليه
بسبب إصابته، وأن قيام رابطة السببية بين الإصابات والوفاة فى جريمة الضرب المفضى إلى
الموت من الأمور الموضوعية البحتة التى تخضع لتقدير قاضى الموضوع ومتى فصل فى شأنها
إثباتًا أو نفيًا فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه فى ذلك على أسباب
تؤدى إلى ما انتهى إليه كما هو الشأن فى الدعوى المطروحة، هذا ولا تلتزم المحكمة بمتابعة
المتهم فى مناحى دفاعه المختلفة ما دامت قد أوردت فى حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر
الدعوى وألمت بها على وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها وأنها لا تلتزم بالرد
على الدفاع الموضوعى ردا صريحا بل يكفى أن يكون الرد عليه مستفادًا من أدلة الثبوت
التى عولت عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد مؤدى أقوال
شهود الإثبات زملاء المجنى عليه والطبيب الشرعى من أن وفاة المجنى عليه كانت نتيجة
مباشرة لأفعال الضرب والإيذاء التى مارسها الطاعنون تجاه المجنى عليه - وأضاف الطبيب
الشرعى أنه لا يوجد فنيًا ما ينفى حدوث الإصابات التى أشار إليها التقرير الطبى الصادر
عن طبيبة استقبال مستشفى...... نتيجة تلك الأفعال وأنها إصابات ذات طبيعة رضية احتكاكية
يجوز حدوثها من أفعال الضرب بالأيدى والعصى الخشبية والركل، كما أن دفن المجنى عليه
فى الرمال فى درجات حرارة عالية والجرى لفترات طويلة من شأنه أن يؤدى إلى ارتفاع درجة
حرارة الجسم بصورة شديدة مما يؤدى بدوره إلى تلف خلايا المخ وتؤدى للوفاة، كما أن تعرض
المجنى عليه للضرب بمنطقة الرأس والعنق وركله من الخلف واصطدام رأسه بإطارات الكاوتشوك
الموضوعة أمامه من شأنه أن يؤدى إلى ارتجاج فى المخ ينتهى بفشل المراكز العليا فى المخ
التى تتحكم فى التنفس والدورة الدموية مما يؤدى إلى توقفها ويؤدى بدوره للوفاة وأن
موت المجنى عليه جائز الحدوث نتيجة أى من السببين المشار إليهما وذلك تمشيًا مع شهادة
زملاء المجنى عليه والتى مفادها تعرض الأخير لأفعال الضرب والإيذاء من جانب الطاعنين
فإن فى ذلك ما ينفى أى احتمال لتداخل عامل خارجى آخر فى إحداث الوفاة مثل مرض المجنى
عليه كما يدعى الطاعنون ويكفى بالتالى لحمل قضاء الحكم بغير حاجة لتحقيق ذلك الدفاع
إذ أن ما أورده الحكم على تلك الصورة قاطع الدلالة على أن المحكمة واجهت عناصر الدعوى
وألمت بها إلمامًا تامًا ثم جاء قضاؤها بالإدانة متضمنًا إطراح ذلك الدفاع مما أوردته
من أدلة الثبوت، ولا ينال من ذلك أن يكون تقرير الطبيب الشرعى قد خلا من بيان إصابات
المجنى عليه ما دام الحكم قد أفصح عن اطمئنانه لأقوال الشهود التى أثبتت حصول اعتداء
الطاعنين على المجنى عليه بالصورة التى رووها ولم ينف الطبيب الشرعى إمكان حدوثها على
هذا النحو ومن ثم يضحى كافة ما يثيره الطاعنون فى هذا الصدد غير قويم، فضلاً عن أنه
لا جدوى من النعى على الحكم فى شأن عدم تحقق جريمة الضرب المفضى إلى الموت فى حق الطاعنين
أو قصور الحكم فى استظهار الاتفاق والتدليل عليه باعتبار أن القدر المتيقن فى حقهم
هو جنحة الضرب البسيط ما دامت العقوبة المقضى بها عليهم وهى الحبس لمدة سنتين مقررة
فى القانون لجريمة الضرب بأداة المنطبق عليها نص الفقرة الأخيرة من المادة 242 من قانون
العقوبات ولا يغير من ذلك كون المحكمة قد عاملتهم بالمادة 17 من القانون ذاته ذلك بأنها
قدرت مبررات الرأفة بالنسبة للواقعة الجنائية بصرف النظر عن وصفها القانونى، ولو أنها
قد رأت أن الواقعة فى الظروف التى وقعت فيها كانت تقتضى منها النزول بالعقوبة إلى ما
دون الحد الذى ارتأته لما منعها من ذلك الوصف الذى أسبغته عليها. لما كان ذلك، وكان
ما أورده الحكم فى مدوناته تتوافر به جناية الضرب المفضى إلى الموت كما هى معرفة به
فى القانون وكان النعى بأن الواقعة مجرد جنحة قتل خطأ لا يعدو أن يكون منازعة فى الصورة
التى اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعيًا فى سلطة محكمة الموضوع فى استخلاص صورة
الواقعة كما ارتسمت فى وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ويضحى النعى على الحكم
فى هذا الصدد غير مقبول. لما كان ذلك، وكانت جريمة إحداث الجروح عمدًا لا تتطلب غير
القصد الجنائى العام وهو يتوافر كلما ارتكب الجانى الفعل عن إرادة وعن علم بأن هذا
الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجنى عليه أو صحته ويكفى أن يكون هذا القصد مستفادًا
من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم - وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم
ينسب إلى الطبيب الشرعى أقوالاً مما يثيره الطاعن الأول بأسباب طعنه وإنما حصل شهادته
بما مؤداه أن وفاة المجنى عليه من الجائز حدوثها من أفعال الاعتداء والإيذاء التى تعرض
لها وفقًا لما أشار إليه تقرير طبيبة استقبال مستشفى.... وأقوال شهود الإثبات وذلك
خلافًا لما يدعيه، فإن رمى الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق لا يكون له وجه لما كان ذلك،
وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير
المقدم إليها والفصل فيما وجه إليه من اعتراضات وأنها لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعى
أو كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جانبها
حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء وكان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى وطالما أن
استنادها إلى الرأى الذى انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون
فلا يجوز مجادلتها فى ذلك، وكان لمحكمة الموضوع - فى حدود سلطتها التقديرية - أن تعول
على تقرير طبى يتسق مع شهادة شهود الإثبات فى تقرير شهادتهم وأن تطرح تقريرًا آخر لا
يتفق معها باعتبار كل ذلك من أدلة الدعوى، وكان من المقرر كذلك أن التقارير الطبية
وإن كانت لا تدل بذاتها على نسبة إحداث الإصابات إلى المتهمين إلا أنها تصلح كدليل
مؤيد لأقوال الشهود فى هذا الخصوص فلا يعيب الحكم استناده إليها ومن ثم فإن مجادلة
الطاعنين فى أن المحكمة لم تأخذ بما تضمنه تقرير مفتشة صحة..... أو أنها عولت على تقرير
طبية استقبال مستشفى..... فى نسبة إحداث إصابات المجنى عليه إليهم لا يكون له محل -
وفضلاً عن ذلك فإنه من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير
متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم المطعون
فيه فى تقريره. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها
شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات
كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن
إليه، وهى متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع
لحملها على عدم الأخذ بها، وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود
إلا ما تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إن تعددت وبيان
وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه،
وإذ كان تناقض الشهود وتضاربهم فى أقوالهم مع أقوال غيرهم لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة
قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه - كما هو الحال فى
الطعن الراهن - وكان لا يلزم أن تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل
ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة فى المواد الجنائية ضمائم متساندة يكمل
بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على
حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم
منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، ومن ثم فإن ما
يثيره الطاعنون فى شأن كل ما تقدم لا يعدو فى حقيقته أن يكون جدلاً موضوعيًا فى تقدير
محكمة الموضوع للأدلة القائمة فى الدعوى وهو من اطلاقاتها التى لا يجوز مصادرتها فيها
لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الأمر الصادر من سلطة التحقيق بعدم وجود وجه لإقامة
الدعوى الجنائية له حجيته التى تمنع العودة إلى الدعوى الجنائية ما دام قائمًا لم يلغ
فلا يجوز مع بقائه قائمًا إقامة الدعوى الجنائية عن ذات الواقعة التى صدر فيها الأمر
لأن له فى نطاق حجيته المؤقتة مما للأحكام من قوة الأمر المقضى وهو بهذه المثابة دفع
وإن كان متعلقًا بالنظام العام ويجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض إلا أنه يشترط
لقبوله أن تكون مقوماته واضحة من مدونات الحكم أو تكون عناصر الحكم مؤدية إلى قبوله
بغير تحقيق موضوعى لأن هذا التحقيق خارج عن وظيفة محكمة النقض، وإذ كان البين من مطالعة
محضر جلسة المحاكمة أن أيًا من الطاعنين لم يثر أن سلطة التحقيق قد سبق لها أن أصدرت
أمرًا بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية فى الوقائع المشار إليها بأسباب الطعن
- وأنه ما زال قائمًا لم يلغ وكانت مدونات الحكم قد خلت من مقومات صحة هذا الدفع التى
تكشف عن مخالفة الحكم للقانون وخطئه فى تطبيقه فإن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض
لا تكون مقبولة ويكون النعى على الحكم فى هذا الشأن غير سديد. كما أنه من المقرر أنه
لا يقبل النعى على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها، ومتى كان يبين من الاطلاع
على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين لم يطلبوا وقف الدعوى الراهنة لحين الفصل فى دعوى
أخرى فليس لهم النعى على الحكم بالإخلال بحق الدفاع. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن
حالة الضرورة التى تسقط المسئولية هى التى تحيط بشخص وتدفعه إلى الجريمة ضرورة وقاية
نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل
فى حلوله، ويشترط فى حالة الضرورة التى تسقط المسئولية الجنائية أن تكون الجريمة التى
ارتكبها المتهم هى الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به، كما أنه من المقرر أن طاعة
الرئيس لا تمتد بأى حال إلى ارتكاب الجرائم وأنه ليس على المرؤوس أن يطيع الأمر الصادر
إليه من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه، وإذ كان ما أورده الحكم
المطعون فيه بمدوناته ردًا على دفاع الطاعنين فى هذا الشأن يسوغ به اطراحه لدفعهم بارتكاب
الواقعة صدوعًا لتلك الأوامر فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم بقالة القصور فى التسبيب
فى هذا الخصوص يكون غير سديد. ومتى كان باقى ما يثيره الطاعنون من مجادلة فى التصوير
الذى اعتنقه الحكم لواقعة الدعوى وفى خصوص عدم اعتداده بأقوال مديرة مكتب صحة.....
واطراح تقريرها الطبى ينحل فى مجموعة إلى جدل حول سلطة المحكمة فى تقدير أدلة الدعوى
مما يستقل به قاضى الموضوع ولا يجوز مجادلته فيه أو مصادرة عقيدته فى شأنه أمام محكمة
النقض. فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.