من الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية - وعلى ما جرى به قضاء
هذه المحكمة - أن النسب يثبت "بالفراش الصحيح" وهو الزواج الصحيح وملك اليمين وما يلحق
به وهو المخالطة بناء على عقد فاسد أو شبهة، كما أن المقرر في الفقه الحنفي أن الزواج
الذي لا يحضره شهود هو زواج فاسد يترتب عليه آثار الزواج الصحيح ومنها ثبوت النسب بالدخول
الحقيقي
وقررت محكمة النقض في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر... والمرافعة
وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن
أقام الدعوى رقم 1231 لسنة 1982 كلي أحوال شخصية جنوب القاهرة ضد المطعون عليها بطلب
الحكم بنفي نسب الولد.. منه وقال بياناً لدعواه أنه في 28/ 4/ 1982 تزوج المطعون عليها
ثم طلقها في 29/ 5/ 1982 وإذ أتت بالولد.. في 10/ 7/ 1982 بعد أقل من ثلاثة شهور من
تاريخ الزواج وادعت نسبه إليه رغم أنه ليس ابنه فقد أقام الدعوى وفي 26/ 3/ 1983 حكمت
المحكمة بنفي نسب الولد.. من الطاعن.
استأنفت المطعون عليها هذا الحكم المستأنف رقم 256 لسنة 100 ق القاهرة. أحالت محكمة
الاستئناف الدعوى إلى التحقيق وسمعت شهود الطرفين وفي 9/ 5/ 1985 حكمت بإلغاء الحكم
المستأنف وبرفض الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة
مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت
جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في
تطبيق القانون والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول أنه تزوج المطعون عليها في 28/
4/ 1982 وطلقها في 29/ 5/ 1982 فأتت بالولد في 10/ 7/ 1982 بعد أقل من ثلاثة شهور من
تاريخ الزواج وقد أقرت بمحضر الشرطة وأمام النيابة في قضية الجنحة التي اتهم فيها بهتك
عرضها أنه كان يتصل بها جنسياً حتى حملت منه بما يفيد أنه لم ينعقد بينهما أي زواج
صحيح أو فاسد قبل الزواج الموثوق الذي عقد بعد تقديم الشكوى ضده كما وأنها لم تذكر
في دفاعها أمام محكمة أول درجة أن الولد كان ثمرة علاقة زوجية بينهما ولم يقم بالأوراق
دليل على إقراره بنسب هذا الولد ولما كان الإدعاء بسبق زواجهما عرفياً غير محرر قد
أبداه وكيل المطعون عليها أمام محكمة الاستئناف على سبيل الدفاع وهو دفاع يتناقض مع
أقوال شاهديها من أن الزواج العرفي كان مكتوباً ويكذبه أن المطعون عليها لم تذكر عند
مناقشتها أمام محكمة الاستئناف سوى أنه كان قد وعدها بالزواج وهو ما تنتفي معه البينة
الشرعية على ثبوت نسب الولد إليه فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه برفض الدعوى
بنفي نسبه منه على أن ثمة زواج عرفي انعقد خفية بينه وبين المطعون عليها قبل الزواج
الموثق وأنه اتخذ منها فراشاً لهذا الزواج السابق فأتت بالولد لأكثر من ستة أشهر من
هذا الفراش بما يجعل نسبه منه ثابتاً وعول الحكم في ذلك على ما ادعاه من إقراره بهذا
النسب وعلى أقوال شاهدي المطعون عليها يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه الفساد
في الاستدلال.
وحيث إن النعي مردود ذلك أنه من الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية - وعلى ما
جرى به قضاء هذه المحكمة - أن النسب يثبت "بالفراش الصحيح" وهو الزواج الصحيح وملك
اليمين وما يلحق به وهو المخالطة بناء على عقد فاسد أو شبهه، كما أن المقرر في الفقه
الحنفي أن الزواج الذي لا يحضره شهود هو زواج فاسد يترتب عليه آثار الزواج الصحيح ومنها
ثبوت النسب بالدخول الحقيقي. ولما كانت القاعدة في إثبات النسب أنه إذا استند إلى زواج
صحيح أو فاسد فيجب لثبوته أن يكون الزواج ثابتاً لا نزاع فيه سواء كان الإثبات بالفراش
أو بالإقرار أو بالبينة الشرعية وهي على من ادعى بل إن البينة في هذا المجال أقوى من
مجرد الدعوى أو الإقرار ولا يشترط لقبولها معاينة واقعة الولادة أو حضور مجلس العقد
وإنما يكفي أن تدل على توافر الزواج أو الفراش بمعناه الشرعي، لما كان ذلك وكان الحكم
المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى الطاعن بنفي نسب الولد منه قد أورد في أسبابه قوله "...
أن شهود المستأنفة (المطعون عليها) قد اتفقت أقوالهم على حصول العقد العرفي قبل الحمل
وقبل العقد الموثق بوثيقة الزواج المقدم من الطرفين والمحكمة تطمئن إلى أقوال هذين
الشاهدين في الوقت الذي ترى ترجيحها على شهادة شاهدي المستأنف عليه (الطاعن) ... أنه
متى تم هذا الزواج على النحو السالف بيانه كان هذا العقد منجزاً وترتبت عليه أحكامه
في الحال وأنه إذا اختل شرط من شروط صحة هذا الزواج كان الزواج فاسداً وإذ دخل الزوج
دخولاً حقيقياً بمن تزوجها زواجاً فاسداً فإنه تترتب على هذا الدخول كما استقر عليه
الفقه والقضاء هو ثبوت نسب الولد الذي تحمل به والدته من الدخول في هذا الزواج الفاسد...
وعلى هدي ما تقدم بيانه يتبين أن الفراش في هذه الدعوى ثابت بالدخول الحقيقي قبل الفراش
بالعقد الرسمي وأن الحمل كان قبل العقد الرسمي بما يقرب من سبعة شهور... وبما أن الولد
مولود بتاريخ 1/ 7/ 1982 فيكون حينئذ قد ولد لهما بعد ستة أشهر على الفراش الثابت بالدخول
الحقيقي... الأمر الذي يتعين معه إجابة المستأنفة (المطعون عليها) إلى ما طلبته..."
وكان يبين من هذا الذي أورده الحكم أنه أقام قضاءه على سند من بينه صحيحة شرعاً مستمدة
من أقوال شاهدي المطعون عليها، وكانت المحكمة بما لها من سلطة موضوعية في تقدير أقوال
الشهود والترجيح بين البينات قد أطمأنت إلى هذه البينة واتخذت منها دعامة لقضائها واستخلصت
منها بأسباب سائغة انعقاد زواج عرفي سابق على الزواج الموثق وأن المطعون عليها أتت
بالولد لأكثر من ستة أشهر على فراش هذا الزواج الأول وكانت هذه الدعامة وحدها كافية
لحمل قضاء الحكم برفض دعوى الطاعن فإن النعي عليه فيما استطرد إليه بشأن الإقرار بالنسب
- وأياً كان وجه الرأي فيه - يكون غير منتج ولا يعيبه بعد ذلك أنه لم يتعقب كل قول
أو حجة للطاعن على حده ما دام أن قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليله عليها فيه
الرد الضمني المسقط لكل قول أو حجة تخالفها ويكون النعي عليه بأسباب الطعن على غير
أساس.
وحيث أنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.