لما كان تحقيق الحرية لإنسانية المصري هدفاً أساسياً تضمنته وثيقة
إعلان دستور جمهورية مصر العربية، وكانت مراقبة وتسجيل المحادثات السلكية واللاسلكية
والأحاديث الشخصية إجراء مرذولاً يعتبر انتهاكاً لحرمة الحياة الخاصة انتقاصاً من الأصل
في الحرية الشخصية التي سجلها الدستور في المادة 41 منه باعتبارها حقاً طبيعياً للإنسان
لا يجوز الإخلال به أو تقييده بالمخالفة لأحكامه، وكان الدستور إذ كفل في صلبه حرمة
الحياة الخاصة بما تشتمله من حرمة الحديث ضد تسجيله قد قرنها بضمانات إجرائية توازن
بين حق الفرد في الحرية من ناحية وحق الجماعة في الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية
أخرى، وليوفر لها الحماية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، بما نص عليه
في المادة 45 منه أن "لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون وللمراسلات البريدية
والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة، ولا
تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقاً
لأحكام القانون" وإنفاذاً للضمانات الدستورية فإن قانون الإجراءات الجنائية في الفقرتين
الثانية والثالثة من المادة 206 منه المستبدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 بتعديل بعض
النصوص المتعلقة بضمان حريات المواطنين في القوانين القائمة لم يجز هذا الإجراء إلا
إذا كانت هناك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معقباً عليها بالحبس لمدة تزيد
على ثلاثة أشهر وأن يكون بناء على أمر مسبب من القاضي الجزئي ولمدة محددة، ومفاد ذلك
ألا يسمح بهذا الإجراء لمجرد البلاغ أو الظنون والشكوك أو البحث عن الأدلة وإنما عند
توافر أدلة جادة تقتضي تدعيمها بنتائج هذا الإجراء، وليحول المشرع بهذه الضمانات المتكاملة
دون اتخاذ هذا الإجراء لدوافع وهمية أو إساءة استعماله فلا يكون إلا لضرورة تفرضها
فاعلية العدالة الجنائية وما تقتضيه من تأكيد الأدلة المتوافرة بضبط ما يفيد في كشف
الحقيقة في الجرائم، وعلى تقدير أن القضاء إذ يقدر توافر هذه الأدلة وتلك الضرورة هو
الحارس الطبيعي للحريات والحرمات في مواجهة كل صور التحكم والتسلط والتحامل والعاصم
لها دون أي تعد عليها أو عبث بها أو جموح ينال منها
وقررت محكمة النقض في حكمها
حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهما
الأول من تهمتين الاتجار بالنفوذ والنصب والثاني من تهمة تقديم رشوة إلى موظف عمومي
قد شابه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والخطأ في الإسناد والتناقض، ذلك
أنه تساند في قضائه ببطلان إذن المراقبة والتسجيل وإذن التفتيش المنبنى عليه إلى انعدام
التحريات رغم أنه يجوز إصدار الإذن لأي بلاغ أو عناصر أخرى، وأقام قضاءه ببراءة المطعون
ضده الأول على عدم توافر أركان الجريمتين المسندتين إليه رغم أن ما ساقه لا يكفي للتدليل
على عدم توافرهما، واستخلص من أقواله أن المبالغ التي تسلمها إنما كانت على سبيل الأمانة
رغم أن الثابت بأقواله في التحقيقات علمه أن المطعون ضده الثاني كان يسلمها له استغلالاً
لصلته بأحد ضباط مباحث التهرب من الضرائب والرسوم تحقيقاً لمصلحة له، وقضى ببراءة المطعون
ضده الثاني لتوافر شروط الإعفاء في حقه رغم ما انتهى إليه من عدم توافر أركان جريمة
استغلال النفوذ في حق المطعون ضده الأول، هذا إلى إغفاله التعرض لأقوال الشهود واعتراف
المتهم الثاني وبعض الأدلة الأخرى، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه انتهى إلى صحة الدفع ببطلان الإذن المؤرخ 13 من يوليه سنة
1986 بمراقبة وتسجيل المحادثات السلكية واللاسلكية للمطعون ضدهما والأحاديث الشخصية
بينهما وإذن التفتيش المؤرخ 17 من يوليه سنة 1986 وما ترتب عليهما على ما نصه، "وحيث
إنه بالنسبة للدفع ببطلان إذن النيابة المؤرخ 13/ 7/ 1986 لانعدام التحريات فهو دفع
في محله لأنه بالرجوع إلى محضر التحريات الذي حرره عضو الرقابة الإدارية......... بتاريخ
13/ 7/ 1986 نجد أنه أثبت فيه أنه بالنسبة لبلاغ.......... عن طلب العقيد.........
رئيس مكافحة التهرب الضريبي لمبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه على سبيل الرشوة عن طريق العقيد.........
بالقوات المسلحة نظير عدم فحص أعمال شركته بواسطة إدارة مكافحة التهرب الضريبي فقد
قام بإجراء التحريات اللازمة حيث تبين أن العقيد........ يعمل رئيس مكافحة التهرب الضريبي
والجمركي بـ......... وأن العقيد........ يعمل رئيس العلاقات العامة بـ......... بـ..........
ورقم تليفون المنزل..........، وهذا الذي أثبته عضو الرقابة الإدارية لا يعتبر بأي
حال من الأحوال تحريات لأنه أثبت ما تلقاه على لسان المبلغ مكتفياً بالاسم والوظيفة
فضلاً عن أنه ذكر صراحة عند سؤاله بالتحقيقات صفحتي 110، 120 أنه لم يجر أية تحريات
في هذا الشأن خشية أن يتنبه أحد من العاملين في مباحث مكافحة التهرب الضريبي فلا يساعد
هذا الأمر على كشف الجريمة وتقوية الدليل ومن ثم يتعين القضاء ببطلان هذا الإذن لانعدام
التحريات، وأنه بالنسبة للدفع ببطلان إذن النيابة المؤرخ 17/ 7/ 1986 لابتنائه على
الإذن الأول فهو أيضاً في محله ذلك أنه بالرجوع إلى هذا الإذن يتبين أنه أثبت فيه أنه
اطلع على المحضر المحرر بمعرفة........ وعلى الإذن السابق إصداره والمؤرخ 13/ 7/ 1986
والذي انتهت المحكمة آنفاً ببطلانه لانعدام التحريات، فمن ثم يكون قد بني على إذن باطل
فهو باطل أيضاً". لما كان ذلك، وكان تحقيق الحرية لإنسانية المصري هدفاً أساسياً تضمنته
وثيقة إعلان دستور جمهورية مصر العربية، وكانت مراقبة وتسجيل المحادثات السلكية واللاسلكية
والأحاديث الشخصية إجراء مرذولاً يعتبر انتهاكاً لحرمة الحياة الخاصة انتقاصاً من الأصل
في الحرية الشخصية التي سجلها الدستور في المادة 41 منه باعتبارها حقاً طبيعياً للإنسان
لا يجوز الإخلال به أو تقييده بالمخالفة لأحكامه، وكان الدستور إذ كفل في صلبه حرمة
الحياة الخاصة بما تشتمله من حرمة الحديث ضد تسجيله قد قرنها بضمانات إجرائية توازن
بين حق الفرد في الحرية من ناحية وحق الجماعة في الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية
أخرى، وليوفر لها الحماية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، بما نص عليه
في المادة 45 منه أن "لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون وللمراسلات البريدية
والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة، ولا
تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقاً
لأحكام القانون" وإنفاذاً للضمانات الدستورية فإن قانون الإجراءات الجنائية في الفقرتين
الثانية والثالثة من المادة 206 منه المستبدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 بتعديل بعض
النصوص المتعلقة بضمان حريات المواطنين في القوانين القائمة لم يجز هذا الإجراء إلا
إذا كانت هناك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة تزيد
على ثلاثة أشهر وأن يكون بناء على أمر مسبب من القاضي الجزئي ولمدة محددة، ومفاد ذلك
ألا يسمح بهذا الإجراء لمجرد البلاغ أو الظنون والشكوك أو البحث عن الأدلة وإنما عند
توافر أدلة جادة تقتضي تدعيمها بنتائج هذا الإجراء، وليحول المشرع بهذه الضمانات المتكاملة
دون اتخاذ هذا الإجراء لدوافع وهمية أو إساءة استعماله فلا يكون إلا لضرورة تفرضها
فاعلية العدالة الجنائية وما تقتضيه من تأكيد الأدلة المتوافرة بضبط ما يفيد في كشف
الحقيقة في الجرائم، وعلى تقدير أن القضاء إذ يقدر توافر هذه الأدلة وتلك الضرورة هو
الحارس الطبيعي للحريات والحرمات في مواجهة كل صور التحكم والتسلط والتحامل والعاصم
لها دون أي تعد عليها أو عبث بها أو جموح ينال منها. لما كان ذلك، ولم يكن لإذن المراقبة
والتسجيل في الدعوى من ركيزة سوى تحريات الشرطة، وكانت المحكمة قد أبطلت هذا الإذن
لما تبينته من واقع محضر التحريات وأقوال محرره من أنه لم يجر أية تحريات مما يبطل
الإذن المرتكن إليها ويهدر الدليل الذي كشف عنه تنفيذه، ويبطل كذلك إذن التفتيش الذي
بني عليه والدليل المستمد منه، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بمراقبة
وتسجيل المحادثات السلكية واللاسلكية والأحاديث الشخصية وإن كان موكولاً لسلطة التحقيق
وإلى القاضي الجزئي المنوط به إصدار الإذن، إلا أن الأمر في ذلك خاضع لرقابة محكمة
الموضوع بغير معقب لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، كما أن بطلان الإذن ينبني عليه عدم
التعويل في الإدانة على أي دليل يكون مترتباً عليه أو مستمداً منه وكل إجراء تال له
يكون مبنياً عليه أو متفرعاً عنه، وتقدير الصلة بين الإذن الباطل وبين الدليل الذي
تستند إليه سلطة الاتهام والإجراءات التالية له من المسائل الموضوعية التي يفصل فيها
قاضي الموضوع بغير معقب ما دام التدليل عليها سائغاً ومقبولاً - كما هو الحال في الدعوى
- فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكانت عناصر الركن
المادي لجريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها في المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات
هي التذرع بالنفوذ الحقيقي أو المزعوم الذي يمثل السند الذي يعتمد عليه الجاني في أخذه
أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية إذ يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة في أن يستعمل
ذلك النفوذ، كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى
السلطة العامة مما يجعلها تستجيب لها هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانة رئاسية أو اجتماعية
أو سياسية وهو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضي الموضوع وأن تكون الغاية
من هذا التذرع الحصول أو محاولة الحصول من السلطة العامة أو أية جهة خاضعة لإشرافها
على مزية أياً كانت، شريطة أن تكون المزية المستهدفة ممكنة التحقيق، فإن كانت غير ممكنة
عدت الواقعة نصباً متى توافرت أركانها، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه
أقام قضاءه ببراءة المطعون ضده الأول من تهمة الاتجار بالنفوذ - فضلاً عن إبطاله إذن
المراقبة والتسجيل والتفتيش وما ترتب عليهما - على ما ثبت لديه من عدم ادعائه أنه صاحب
سلطة يتسلط بها أو نفوذ يؤثر به على رئيس مباحث التهرب من الضرائب والرسوم ببورسعيد
أو من في حكمه من العاملين معه، وأن وظيفة المطعون ضده المذكور ليست لها إمكانية التأثير
لدى أي من رجال المباحث هؤلاء بما يجعله يستجيب لما هو مطلوب من إصدار قرار لصالح المطعون
ضده الثاني، فضلاً عن استحالة تحقق المزية للأخير لسبق تحرير تقرير في غير صالحه بعث
به محرره رئيس المباحث إياه قبل الواقعة بشهرين إلى الإدارة العامة لمباحث التهرب من
الضرائب والرسوم بوزارة الداخلية، ولا يمكنه استرجاعه أو العدول عنه، وأثبت الحكم بذلك
خلو الواقعة من عنصري التذرع بالنفوذ والسبب بما ينتفي معه الركن المادي لجريمة الاتجار
بالنفوذ، كما تساند تبريراً لقضائه ببراءة المطعون ضده المذكور من تهمة النصب إلى خلو
الأوراق من عنصري الاحتيال وعلاقة السببية بين الاحتيال والاستيلاء على مال المجني
عليه، بما تضحى معه هذه الجريمة لا قيام لها، فهذا حسبه في التدليل على عدم توافر أركان
الجريمتين المسندتين إليه، هذا إلى أنه لما كان يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد
التهمة إلى المتهم كي يقضي له بالبراءة إذ المرجع في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير
الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة وأقام قضاءه على أسباب
تحمله، وكان الحكم قد تساند كذلك تبريراً لقضائه ببراءة المطعون ضدهما إلى تشككه في
واقعة الدعوى برمتها وعدم اطمئنانه إلى أدلة الثبوت فيها للأسباب السائغة التي أوردها
والتي تكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها، فإن يكون قد استقام على ما يحمله بالنسبة
إلى المطعون ضدهما كليهما، ولا يجدي الطاعنة - من بعد - ما تنعاه على الحكم في خطئه
فيما استخلصه من أقوال المطعون ضده الأول أو تخطئته في دعامة أخرى بالنسبة لما قضى
به من براءة المطعون ضده الثاني، لأن تعييب الحكم في ذلك - على فرض صحته - يكون غير
منتج ما دام أنه قد تساند إلى دعامات أخرى صحيحة تكفي لحمله، إذ من المقرر أنه لا
يقدح في سلامة الحكم القاضي بالبراءة أن تكون إحدى دعاماته معيبة ما دام الثابت أن
الحكم قد أقيم على دعامات أخرى متعددة تكفي وحدها لحمله. ولا يقدح في سلامة الحكم
سكوته عن التعرض لبعض أدلة الاتهام، لما هو مقرر من أن محكمة الموضوع لا تلتزم في
حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت ما دام قد داخلتها الريبة
والشك في عناصر الإثبات ولأن في إغفالها التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها
ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون
على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.