جرى قضاء محكمة النقض على أن القانون لا يمنع من أن يتولى محام
واحد واجب الدفاع عن متهمين متعددين فى جناية واحدة، ما دامت ظروف الواقعة لا تؤدى
إلى القول بقيام تعارض حقيقى بين مصالحهم. ومناط التعارض الحقيقى المخل بحق الدفاع
أن يكون القضاء بإدانة أحدهم يترتب عليه القضاء ببراءة الآخرين أو يجعل إسناد التهمة
شائعا بينهم شيوعا صريحا أو ضمنيا
وقررت محكمة النقض في حكمها
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحراز جواهر مخدرة
فى غير الأحوال المصرح بها قانونا قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه القصور فى التسبيب
وفساد فى الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن دفع ببطلان القبض وما ترتب عليه
لأنه لم يكن فى إحدى حالات التلبس وأن إلقائه للكيس المحتوى على المواد المخدرة - بفرض
صحته - كان اضطراريا نتيجة مطاردة واستيقاف من الضابط لم يكن له مبرر وقد رفضت المحكمة
هذا الدفع بغير مسوغ قانونى كما أغفلت الرد على الدفع ببطلان إجراءات وزن المخدرات
وتحريزها مع أنها تمت فى غيبة الطاعن وعول فى إدانة الطاعن على شهادة الضابط فتوح أحمد
جاد واستبعدت شهادة الشرطى محمد حامد الإمام الذى كان يرافقه دون أن يورد مضمون الشهادتين
ويبين سبب إطراحه الشهادة الأخيرة، وأخيرا فإن قيام محام واحد فى الدعوى تولى المرافعة
عن الطاعن وآخر رغم قيام التعارض بين مصالحهما فى الدفاع، إذ ربما كان من صالح الطاعن
أن يلقى بالمسئولية على المتهم الآخر المحكوم ببراءته ولم يتمكن المحامى من ذلك حتى
لا يضر موكله الآخر الأمر الذى كان يوجب إفراد كل منهما بمحام خاص للدفاع عنه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مفاده أن الضابط فتوح أحمد كان معينا
على رأس قوة من الشرطة تقوم بحصار صحى على طريق مصر الإسماعيلية إنشاص، لمنع المواطنين
من الدخول أو الخروج من المنطقة الواقعة على جانبى الطريق فلما مرت دراجة بخارية -
يركب عليها الطاعن والمتهم المحكوم ببراءته - تسير بسرعة زائدة تتبعها الضابط وبعض
رجاله حتى تمكنوا من إيقافه، وعندئذ بادر الطاعن الذى كان يركب بالخلف بمغادرة الدراجة
وهو يحمل فى يده كيسا من البلاستيك ألقى به على الأرض وحاول الفرار، ولما تأكد الضابط
أن ما تناثر من محتويات الكيس من المواد المخدرة لحق بالطاعن وتمكن من ضبطه، وأورد
الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة فى حق الطاعن ادلة استقاها من أقوال الضابط
ورجال الشرطة سمير همام محمد وأحمد شعبان العربى والسيد أمين محمود بتحقيقات النيابة
وما أثبته تقرير المعامل الكيماوية فى شأن تحليل المواد التى ضبطت بالكيس الذى كان
يحمله الطاعن فى يده. وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما
كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الظروف التى تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها
أو بعد ارتكابها وتقدير كفاية هذه الظروف لقيام حالة التلبس أمرا موكولا إلى محكمة
الموضوع دون معقب عليها ما دامت الأسباب والاعتبارات التى بنت عليها هذا التقدير صالحة
لأن تؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليه، وكان البين من الحكم أنه انتهى إلى قيام حالة
التلبس استنادا إلى أن الطاعن تخلى عن حيازته للمواد المخدرة عن طواعية وأن استيقاف
الضابط للدراجة كان مشروعا فإن واقعة ضبط المخدرات على تلك الصورة لم تكن وليد قبض
أو تفتيش وقع على الطاعن ويكون ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الصدد فى غير محله.
لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن اجراءات تحريز المضبوطات وفقا
لما نصت عليه المادة 52 من قانون الإجراءات الجنائية وما بعدها من إجراءات قصد بها
تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ولم يرتب القانون على مخالفتها أى بطلان
وترك الأمر فى ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل وأن الإحراز المضبوطة لم يصل
إليها العبث، فإن ما يثيره الطاعن من بطلان إجراءات التحريز فى غيبته مردود ما دام
أنه لم يزعم أن عبثا لحق بالإحراز، ولا تثريب على المحكمة إن هى التفتت عن الرد على
دفاعه فى هذا الشأن ما دام أنه ظاهر البطلان وبعيد عن محجة الصواب. لما كان ذلك، وكان
من المقرر أيضا أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل
القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل هذا مرجعه إلى
محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه وأنه متى أخذت
المحكمة بقول شاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها
على عدم الأخذ بها، وكان التناقض فى أقوال الشهود لا ينال من سلامة الحكم متى استخلص
منها الإدانة استخلاصا سائغا بما لا تناقض فيه، وكان الحكم المطعون فيه دلل على واقعة
الدعوى على الصورة التى ارتسمت فى وجدانها بما ينتجها من أوجه الأدلة وهى أقوال الضابط
والشرطيين سمير همام محمد وأحمد شعبان العربى وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى
ما رتبه الحكم عليه، وكان قد أورد ما تساند إليه من أقوال هؤلاء الشهود بما لا شبهة
فيه لأى تناقض، فإن ما يثيره الطاعن من ذلك لا يكون مقبولا وينحل إلى مجرد جدل موضوعى
فى سلطة المحكمة فى تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابه هذه المحكمة، أما ما يثيره
الطاعن من أن الحكم اطرح الصورة التى وردت بأقوال الشاهد محمد حامد الإمام فى محضر
تحقيق النيابة العامة، وأغفل إيرادها والإشارة إليه، مردود بأن الأصل إن من حق محكمة
الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها
وأن تطرح ما يخالفها من صور ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل
والمنطق ولها أصلها فى الأوراق - كما هى الحال فى الدعوى الحالية - وأنه من المقرر
أن المحكمة لا تلتزم بأن تورد فى حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءه، وفى
عدم تعرضها لأقوال بعض من سئلوا فى التحقيقات ما يفيد إطراحها لها اطمئنانا منها لأدلة
الثبوت التى بينها الحكم. لما كان ذلك، وكان قضاء النقض قد جرى على أن القانون لا يمنع
من أن يتولى محام واحد واجب الدفاع عن متهمين متعددين فى جناية واحدة ما دامت ظروف
الواقعة لا تؤدى إلى القول بقيام تعارض حقيقى بين مصالحهم، وكان البين من مدونات الحكم
المطعون فيه أنه أثبت فى حق الطاعن وحده ارتكابه الفعل المكون للجريمة المسندة إليه،
وكان ثبوت الفعل المكون لهذه الجريمة فى حق أحدهما لم يكن من شأنه أن يؤدى إلى تبرئة
الآخر منه أو يجعل إسناد التهمة شائعا بينهما شيوعا صريحا أو ضمنيا كما أن القضاء بإدانة
أحدهما لا يترتب عليه القضاء ببراءة الآخر وهو مناط التعارض الحقيقى المخل بحق الدفاع،
وكان تعارض المصلحة الذى يوجب إفراد كل منهما بمحامٍ خاص يتولى الدفاع عنه أساسه الواقع،
ولا يبنى على احتمال ما كان يسع كل منهما أن يبديه من أوجه الدفاع ما دام لم يبده بالفعل
فإن مصلحة كل منهما فى الدفاع لا تكون متعارضة ويكون ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن
لا أساس له من الواقع والقانون. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس
ويتعين رفضه موضوعا.