الأصل أن أي مساس بجسم المجني عليه يجرمه قانون العقوبات وقانون
مزاولة مهنة الطب، وإنماالأصل أن أي مساس بجسم المجني عليه يجرمه قانون العقوبات وقانون
مزاولة مهنة الطب، وإنما يبيح القانون فعل الطبيب بسبب حصوله على أجازة علمية طبقاً
للقواعد والأوضاع التي نظمتها القوانين واللوائح - وهذه الأجازة هي أساس الترخيص الذي
تتطلب القوانين الخاصة بالمهن الحصول عليه قبل مزاولتها فعلاً، وينبني على القول بأن
أساس عدم مسئولية الطبيب هو استعمال الحق المقرر بمقتضى القانون - أن من لا يملك حق
مزاولة مهنة الطب يسأل عما يحدثه الغير من الجروح وما إليها باعتباره معتدياً - أي
على أساس العمد، ولا يعفى من العقاب إلا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية،
ومن ثم يكون سديداً في القانون ما قرره الحكم من أنه لا تغني شهادة الصيدلة أو ثبوت
دراية الصيدلي بعملية الحقن عن الترخيص بمزاولة مهنة الطب وهو ما يلزم عنه مساءلته
عن جريمة إحداثه بالمجني عليه جرحاً عمدياً ما دام أنه كان في مقدوره أن يمتنع عن حقن
المجني عليه مما تنتفي به حالة الضرورة.
وقررت محكمة النقض في حكمها
حيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون والقصور في البيان ذلك أن (حقنة السوبرسلين)
تعتبر حقنة إسعافية وأن إعطاء الحقنة بمعرفة الصيدلي عمل تحتمه الإنسانية ولا تعتبر
مزاولة لمهنة الطب وقد قررت وزارة الصحة في كتابها المودع بالدعوى 3195 بأن للصيدلي
إعطاء الحقنة في حالة الإسعاف - هذا إلى أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ ألقى عبء إثبات
رابطة السببية بين فعل المتهم والإصابة على عاتق الطاعن - في حين أن المجني عليه كان
يتعامل مع التمرجي وكان يحقنه، كما أنه اشترى أدوية ودفع ثمنها 160 قرشاً - وأن الطبيب
الشرعي قرر أن الموضع الذي أشار الطاعن بأنه أعطى الحقنة فيه لا يعتبر خطأ - وهذا يشير
إلى أن رابطة السببية بين حقن الطاعن للمجني عليه وبين إصابات المجني عليه منتفية -
كذلك يقول الطاعن بأن الحكم المطعون فيه لم يرد على دفاعه المستند إلى أن المادة الأولى
من القانون رقم 415 سنة 1954 لم يذكر بها الحقن، كما لم يرد الحكم على كتاب وزارة الصحة
- ويضيف الطاعن أن الحكم بإيقاف تنفيذ الغلق مخالف للمادة العاشرة من القانون.
وحيث إن ما يثيره الطاعن حول رابطة السببية وعبء إثباتها وقوله إن المجني عليه كان
يتعامل مع آخر مردود بأن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أثبت على
الطاعن أنه هو الذي حقن المجني عليه فأحدث به شللاً بذراعه وأورد على ثبوت هذه الواقعة
في حقه أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه ومصطفى موسى تابع الطاعن - ومن الوصول المقدم
من الطاعن الدال على أنه دفع نقوداً للمجني عليه مقابل مصاريف علاجه من الإصابة التي
أحدثتها الحقنة، وهي أدلة سائغة مقبولة من شأنها أن تؤدي إلى إدانة الطاعن، أما ما
ورد بالحكم من أن الطاعن لم يستطع نفي علاقة السببية بين فعله وبين الإصابة التي حدثت
بالمجني عليه وسببت له شللاً بالذراع، فإنه فضلاً عن كونه تزيداً من الحكم لا يعيبه
بعد أن أثبت قيام العلاقة السببية وتدليله على توافرها تدليلاً سائغاً، فقد ورد في
معرض الرد على دفاع المتهم - ومن المقرر أن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء
الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع. لما
كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن ورد عليه بما يفنده ويبرر رفضه، وكانت العلاقة
السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل المتسبب وترتبط من الناحية المعنوية
بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا أتاه عمداً أو خروجه فيما يرتكبه
بخطئه عن دائرة التبصر بالعواقب العادية لسلوكه والتصون من أن يلحق عمله ضرراً بالغير،
وكانت هذه العلاقة مسألة موضوعية بحتة، لقاضي الموضوع تقديرها، ومتى فصل في شأنها إثباتاً
أو نفياً فلا رقابه لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي
إلى ما انتهى إليه، ولما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على اتصال فعل الطاعن بحصول
الجرح بالمجني عليه اتصال السبب بالمسبب بأدلة مؤدية، فإنه لا يقبل من الطاعن المجادلة
في ذلك أمام محكمة النقض. أما ما يقوله الطاعن من أن حقنة (السوبرسلين) تعتبر حقنة
إسعافية ولا تعتبر مزاولة لمهنة الطب، وأن للصيدلي إعطاء الحقن في حالة الإسعاف، وكذلك
ما يقوله من أن الحكم المطعون فيه لم يرد على دفاعه المستند إلى أن المادة الأولى من
القانون رقم 415 لسنة 1954 لم يذكر فيها الحقن، وأن الحكم لم يرد على خطاب وزارة الصحة
كل ذلك في غير محله - فقد ذكر الحكم الابتدائي في هذا الصدد "وكان المتهم قد تعاطى
مهنة الطب فعلاً على خلاف القانون عن طريق عملية حقنه المجني عليه ولا تغني شهادة الصيدلة
أو ثبوت دراية المتهم بعملية الحقن عن الترخيص بمزاولة مهنة الطب، وهو ما يلزم عنه
مساءلة المتهم عن جريمة إحداثه بالمجني عليه جرحاً عمدياً... فإنه يتعين إدانة المتهم
عملاً بنص المادة 304/ 2 أ. ج ومساءلته بمواد ووصف التهمة مع تطبيق المادة 32/ 1 ع"
وأضافت المحكمة الاستئنافية قولها "ما قرره المتهم تبريراً لفعلته لا ينفي مسئوليته
الجنائية وبالتالي المدنية وقد كان في مقدوره أن يتلافى الوقوع في هذه المسئولية لو
امتنع طبقاً لقواعد القانون عن إعطاء المجني عليه هذه الحقنة، كما أنه لا يبرر فعلته
كون الكثير من الصيادلة يقومون بإعطاء الحقن أو اعتادوا على ذلك فليس في مخالفة الصيادلة
للقانون وعدم وقوعهم تحت طائلته ما يسوغ للمتهم بأن يرتكب هذه المخالفة" وهذا الذي
قرره الحكمان سائغ في الواقع سديد في القانون ويصلح رداً مقبولاً على دفاع الطاعن وعلى
ما ورد بكتاب وزارة الصحة المشار إليه بالطعن - لأن الأصل أن أي مساس بجسم المجني عليه
يجرمه قانون العقوبات وقانون مزاولة مهنة الطب، وإنما يبيح للقانون فعل الطبيب بسبب
حصوله على أجازة علمية طبقاً للقواعد والأوضاع التي نظمتها القوانين واللوائح. وهذه
الأجازة هي أساس الترخيص الذي تتطلب القوانين الخاصة بالمهن الحصول عليه قبل مزاولتها
فعلاً، وينبني على القول بأن أساس عدم مسئولية الطبيب هو استعمال الحق المقرر بمقتضي
القانون - أن من لا يملك حق مزاولة مهنة الطب يسأل عما يحدثه بالغير من الجروح وما
إليها باعتباره معتدياً - أي على أساس العمد، ولا يعفي من العقاب إلا عند قيام حالة
الضرورة بشروطها القانونية، وهي منتفية في ظروف هذه الدعوى لما ذكرته المحكمة الاستئنافية
"من أنه كان في مقدور الطاعن أن يمتنع عن حقن المجني عليه". وأما ما يقوله الطاعن من
مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون في صدد ما قضى به من وقف تنفيذ الغلق لمخالفته للمادة
العاشرة من القانون، فإنه لا مصلحة للطاعن في هذا الوجه والمصلحة هي أساس الطعن طبقاً
للقانون.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.