حصول الإنكار أو الادعاء بالتزوير. وسيلة دفاع في ذات موضوع الدعوى.
الدفع بالإنكار أو الجهالة لا يحول دون الادعاء بعد ذلك بتزوير المحرر. شرطه. عدم حسم
المحكمة النزاع الذي حصل بشأنه الادعاء بالتزوير. حسمها له بالقضاء بصحة أو عدم صحة
الورقة المطعون فيها بالإنكار أو التجهيل. أثره. استنفادها ولايتها في هذا النزاع بحكم
مقيد لها. جواز الادعاء بالتزوير إذا تناول وقائع جديدة لم يتناولها التحقيق الذي حصل
عند الإنكار أو الجهالة.
وقررت محكمة النقض في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة
وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون
ضده أقام الدعوى رقم 1867 سنة 1987 مدني المنيا الابتدائية بطلب الحكم بصحة ونفاذ العقد
المؤرخ 9/ 5/ 1986 المتضمن بيع مورثة الطاعنين إليه العقارات المبينة في الأوراق مقابل
ثمن مقداره 170 ألف جنيه والتسليم، مع الحكم بصفة مستعجلة بفرض الحراسة القضائية على
تلك العقارات وتعيينه حارساً عليها، دفع الطاعن الأول بنفي عمله بأن التوقيع على العقد
لمورثته، كما طعن باقي الطاعنين على هذا التوقيع بالإنكار، وبعد أن قضت المحكمة بعدم
اختصاصها نوعياً بنظر طلب فرض الحراسة وبتوجيه يمين عدم العلم إلى الطاعن الأول، أمرت
بتحقيق صحة التوقيع بطريق المضاهاة بواسطة أهل الخبرة، وبعد أن أودع الخبير تقريره،
قضت المحكمة برد وبطلان العقد وفي جلسة تالية حكمت برفض الدعوى، استأنف المطعون ضده
هذا الحكم بالاستئناف رقم 522 سنة 27 بني سويف "مأمورية المنيا" وفيه أعادت المحكمة
ندب خبير آخر لتحقيق صحة إمضاء مورثة الطاعنين، وبعد أن قدم تقريره, حكمت بصحة توقيعها
على العقد, وأعادت الدعوى للمرافعة لنظر موضوعها, حيث قام الطاعنون بتاريخ 9/ 7/ 1994
بتقرير في قلم الكتاب بالادعاء بتزوير صلب عقد البيع وحددوا مواضعه بوجود تغيير في
بياناته وأن التوقيع المنسوب إلى مورثهم فيه كان المطعون ضده قد تحصل عليه على بياض
بطريق الغش، ثم حرر صلب العقد، وبإعلان تم إلى المطعون ضده بتاريخ 12/ 7/ 1994 أعلنه
الطاعنون بشواهد التزوير، وبتاريخ 24/ 1/ 1995 حكمت المحكمة بعدم قبول الادعاء بالتزوير،
وللمطعون ضده بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 9/ 5/ 1986 مع التسليم، طعن الطاعنون في
هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه، وإذ عُرض الطعن
على هذه المحكمة في غرفة مشورة، حددت جلسة لنظره، التزمت فيها النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق
الدفاع, وذلك حين قضى بعدم قبول ادعائهم بتزوير العقد محل التداعي استناداً من الحكم
إلى عدم جوازه بعدم ثبوت صحة توقيع مورثتهم على المحرر المثبت للتصرف مع أن ذلك لا
يترتب عليه صحة هذا التصرف ذاته ولا يحول دون الادعاء بالتزوير والذي حددوا مواضعه
بما اعترى البيانات الثابتة في المحرر من تزوير مادي ومعنوي وما تمسكوا به فيه من قيام
المطعون ضده بالحصول غشاً على توقيع مورثتهم على الورقة المثبتة للتصرف على بياض ثم
ملئها بالتصرف محل التداعي, وهو ما يتغير بثبوت سلامته وجه الرأي في الدعوى, ويعيب
قضاء الحكم المطعون فيه, ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن حصول الإنكار أو سلوك طريق الادعاء بالتزوير لا
يعدو أي منهما أن يكون وسيلة دفاع في ذات موضوع الدعوى فالسير في تحقيقه لا يكون إلا
من قبيل تمحيص الدليل المطروح على المحكمة، وإذا كان الادعاء بتزوير محرر مانعاً بعد
ذلك من الطعن بالإنكار أو الجهالة، فإن الطعن بهما لا يحول دون أن يسلك ذوو الشأن بعد
ذلك طريق الادعاء بالتزوير ما دام أن المحكمة لم تحسم النزاع أو الخُلف الذي حصل بشأن
الادعاء بالتزوير، أما إذا كانت قد حسمت النزاع بين الخصوم بشأن الورقة المطعون فيها
بالإنكار أو التجهيل بأن قضت بصحتها أو بعدم صحتها، فإن ذلك يكون منها قضاءً في شق
من الدعوى مطروح عليها، ولا يجوز لصاحب الشأن بعد ذلك أن يسلك سبيل الادعاء بالتزوير
إلا إذا كان هذا الادعاء يتناول وقائع جديدة لم يتناولها التحقيق الذي حصل عند الإنكار
بما مؤداه أن الادعاء بالتزوير إذا كان عن ذات الوقائع التي سبق الطعن فيها بالإنكار
أو الجهالة التي انحسم النزاع القائم بشأنها بحكم من القضاء فلا سبيل إلى إعادة طرحها
على المحكمة من جديد بعدما استنفدت ولايتها في هذا النزاع بحكم مقيد لها، ويكون الادعاء
بالتزوير الحاصل بعد ذلك غير مقبول، لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنين
قد دفعوا بالجهالة وبإنكار توقيع مورثتهم على العقد محل التداعي، وإذ أخفقوا في دفعهم
أمام محكمة الاستئناف بقضائها الحاصل بتاريخ 22/ 2/ 1994 برفضه وبصحة هذا التوقيع،
عادوا وادعوا بتزوير صلب المحرر وركنوا في ادعائهم إلى وجود كشط في عباراته، وأن المطعون
ضده حصل على توقيع مورثهم غشاً على بياض ثم قام بملء بيانات الورقة المثبت عليها هذا
التوقيع بعبارات العقد، فإن الادعاء بالتزوير على هذا النحو يتناول كيفية وصول توقيع
المورثة من يدها إلى المحرر الذي يحتج به المطعون ضده قبل ورثتها الطاعنين وهو ما لم
يشمله التحقيق الذي حصل عند الإنكار مما كان يوجب على المحكمة النظر فيه، لأنه لو صح
لتغير به وجه الحكم في الدعوى، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن تناول هذا الادعاء بالتزوير
وأدلته المطروحة بالبحث والتمحيص وقضى بعدم قبوله على سند سبق طعن الطاعن الأول وحده
بجهالة التوقيع وثبوت صحة هذا التوقيع، بما يعد اعترافاً بصحة المحرر، فإنه يكون قد
جانب صحيح القانون، وران عليه القصور المبطل بما يوجب نقضه في خصوص قضاءه في الادعاء
بتزوير عقد البيع المؤرخ 9/ 5/ 1986، على أن يستتبع ذلك نقض الحكم بصحته ونفاذه باعتباره
مؤسساً عليه, وذلك دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.