من المقرر أنه يكفي في جريمة شهادة الزور أن يكون من شأنها أن تؤثر
في الحكم ولو لم يتحقق ذلك بالفعل
وقررت محكمة النقض في حكمها
حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهما من
قيمة الشهادة الزور ورفض الدعوى المدنية قبلهما قد شابه القصور والفساد في الاستدلال
والخطأ في تطبيق القانون وانطوى على الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يبين وقائع الدعوى
والأسباب التي أقام عليها قضاؤه بياناً كافياً، كما خلص إلى حسن نية المطعون ضدهما
باستنتاج غير سائغ وبما لا سند له من الأوراق ورغم ما ساق الطاعن تدليلاً على كذب شهادتهما،
فضلاً عن أن القانون لا يستلزم للعقاب على الشهادة زوراً أن تكون لدى الشاهد نية الإيقاع
بمن شهد عليه بأن يكفي أن يكون من شأن الشهادة أن تسبب له ضرراً وهو الأمر المتحقق
في الدعوى المطروحة، كما عول الحكم في قضائه على أن الحكم في القضية... لسنة 1977 أحوال
شخصية الدقي - المنسوب للمطعون ضدهما أنهما شهدا زوراً بمحاضرها لم يعتمد في قضائه
على أقوال المطعون ضدهما وهو أمر غير لازم لتأثيم الشهادة الزور فضلاً عن أنه يخالف
الثابت من هذا الحكم إذ عول على شهادة المطعون ضدهما. كما التفتت المحكمة عن طلب الطاعن
سماع شهود الإثبات رغم تمسكه بهذا الطلب أمام درجتي التقاضي ولم يعرض الحكم لأوجه الدفاع
التي أبداها الطاعن في مذكراته التي قدمها بالإيراد أو الرد وكل ذلك مما يعيب الحكم
ويوجب نقضه.
وحيث إن الواقعة تتحصل في أن الطاعن أقام دعواه المباشرة ضد المطعون ضدهما بأنهما شهدا
كذباً وبسوء القصد أمام محكمة الأحوال الشخصية بأن نسبا إليه أموراً كاذبة في صورة
وقائع صحيحة وذلك لصالح زوجته في الدعوى.. لسنة 77 أحوال شخصية الدقي إذ أدليا بمعلومات
غير صحيحة عن تركه لها بغير نفقه في المدة المبينة بالصحيفة، وحكم ابتدائياً بالبراءة
ورفض الدعوى المدنية وإلزام المدعي بالحقوق المدنية بالمصروفات، فاستأنف الطاعن وقضي
استئنافياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
وحيث إن الحكم المستأنف بعد أن استعرض ظروف الدعوى وملابساتها عرض إلى التهمة المنسوبة
إلى المطعون ضدهما وأرسى براءتهما منها على قوله "...... ومن حيث إن الأبجديات في القانون
هو عدم مساءلة الشاهد عما شهد به في حدود علمه والشهادة المطلوبة منه متى كان حسن النية
وكان الثابت من محضر جلسة 29/ 11/ 1977 في القضية..... لسنة 1977 ش الدقي أن المتهمين
قد شهدا في حدود علمهما بحالة المدعي "المدعي المدني" المالية والعائلية وبعده تركه
للمدعية وقد أشهد المدعى عليه شاهد نفي وأن المحكمة في حكمها لم تعول على شهادة المتهمين
وأخذت في تقرير النفقة بالتحريات وأقوال شاهد المدعي المدني وهو شقيقه وغني عن البيان
أن محكمة..... وقد كشفت في قضائها عن حالة المدعى عليه ومدة تركه للمدعية وإن كانت
تؤسس حكمها على أقوال المتهمين إلا أن أقوال المتهمين لا تتعارض مع هذا القضاء الأمر
الذي ينقطع بصحتهما وينفي عن المتهمين سوء النية وهي دعامة جريمة الشهادة الزور....".
وكان الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم المستأنف واعتنق أسبابه واستطرد إلى القول أن
الحكم المستأنف قد أثبت أن المتهمين "... قد شهدا بما تنطق به شواهد الحال وبحسن نية
فإن محكمة أول درجة إذ قضت ببراءة الشاهدين من جريمة الشهادة الزور ورفض الدعوى المدنية
تكون قد أصابت صحيح القانون...".
لما كان ذلك وكان القانون يشترط لمسئولية الشاهد زوراً جنائياً قصده إلى الكذب وتعمده
قلب الحقيقة بحيث يكون ما يقوله محض افتراء في مجلس القضاء وبسوء نية، وكان الفصل في
مخالفة الشهادة للحقيقة أمر يتعلق بالوقائع موكول إلى قاضي الموضوع يستخلصه من أقوال
الشهود المختلفين وقرائن الأحوال وفي الجلسة من ظروف الدعوى المختلفة، وكان الحكم المطعون
فيه قد نفى هذا الوصف عن شهادة الشاهدين وأثبت أنهما شهدا بما تنطق به شواهد الحال
وظاهر المستندات - لما كان ذلك فإن شهادتهما لا تتوافر فيها أركان جريمة الشهادة الزور،
وتكون المحكمة إذ حكمت ببراءة المطعون ضدهما لم تخطئ في تطبيق القانون.
ولئن كان من المقرر أنه يكفي في جريمة شهادة الزور أن يكون من شأنها أن تؤثر في الحكم
ولو لم يتحقق ذلك بالفعل، وكان الحكم المطعون فيه قد استند - ضمن ما استند إليه - في
براءة المطعون ضدهما إلى أن الحكم في دعوى الأحوال الشخصية لم يعول على أقوالهما فإن
خطؤه في هذا الصدد لا يعيبه لما انتهى إليه - فيما تقدم - من تقرير صحيح كاف لحمل قضاءه.
لما كان ذلك وكان الثابت من محضر جلسة 8/ 12/ 1979 التي حجزت فيها محكمة ثاني درجة
الدعوى للحكم أن الحاضر عن الطاعن ترافع دون طلب سماع الشهود فإنه لا على المحكمة إذ
هي لم تستجب إلى طلبه إعادة الدعوى إلى المرافعة لهذا الغرض - بفرض صحة ما ذهب إليه
من أنه تمسك به في مذكرته المصرح بها - ذلك أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة طلب
التحقيق الذي يبدى في مذكرة مقدمه بعد حجز الدعوى للحكم. سواء بتصريح منها أو بغير
تصريح - ما دام قد سبقهما دفاع شفوي بجلسة المحاكمة لم يتمسك فيه الطاعن بهذا الطلب.
لما كان ذلك وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، وكان الطاعن
لم يفصح عن ماهية أوجه الدفاع التي يقول إنه أثارها في مذكرته التي قدمها إلى محكمة
وأغفل الحكم التعرض لها، وذلك حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة، فإن ما يثيره
الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً، وبالتالي يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً
رفضه موضوعاً مع مصادرة الكفالة وإلزام الطاعن المصاريف.