لا تشترط الأدلة الكتابية ليثبت الأفراد سبق اعتقالهم، ولا تشترط
الإصابة لإثبات وقوع التعذيب، وليست الكتابة شرطاً لإثبات الإصابة.
إن حق الإنسان في سلامة جسمه من الحقوق التي كفلها الدستور والقانون، وجرم التعدي عليه،
بما مؤداه أن المساس بسلامة الجسم بأي أذى، من شأنه الإخلال بهذا الحق، ويتوافر به
الضرر المادي المستوجب للتعويض، سواء نتجت عنه إصابة أم لا، وهو من الوقائع المادية
التي يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات ومنها البينة.
وقررت محكمة النقض في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة
وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في
أن الطاعن أقام على المطعون ضدهم بصفاتهم الدعوى رقم 19102 لسنة 1991 مدني جنوب القاهرة
الابتدائية للحكم بإلزامهم أن يؤدوا له ثلاثمائة ألف جنيه، وقال في بيان الدعوى، إنه
اعتقل عامي 1954، 1965 لائتمانه إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأودع بسجون تابعة للمطعون
ضدهما الأخيرين، وقد سامه أتباعهما صنوف العذاب الجسدي والنفسي، مما أصابه بأضرار يقدر
التعويض الجابر لها بالمبلغ المطالب به، فأقام الدعوى للحكم بطلبه سالف البيان. أحالت
المحكمة الدعوى للتحقيق، وبعد سماعها شاهدي الطاعن حكمت بتاريخ 25/ 6/ 1992 بعدم قبول
الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمطعون ضده الأول، وبإلزام المطعون ضدهما الأخيرين
بأن يؤديا للطاعن تعويضاً مقداره خمسة آلاف جنيه. استأنف المطعون ضدهما الثاني والثالث
هذا الحكم بالاستئناف رقم 9809 لسنة 109 ق القاهرة، كما استأنفه الطاعن بالاستئناف
رقم 9816 لسنة 109 ق القاهرة. وبعد أن أمرت المحكمة بضمهما حكمت بتاريخ 14/ 1/ 1993
بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة
مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم. عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت
جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بأولهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في
تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك ببطلان إعلانه
بصحيفة الاستئناف رقم 9809 لسنة 109 ق القاهرة في موطنه المختار رغم بيان محل إقامته
بصحيفة افتتاح الدعوى وبالتالي يكون هذا الإعلان باطلاً، وإذ لم يتم إعلانه إعلاناً
صحيحاً خلال ثلاثة أشهر التالية لإيداع الصحيفة، فقد دفع باعتبار الاستئناف كأن لم
يكن عملاً بنص المادة 70 مرافعات، وإذ لم يقض الحكم المطعون فيه ببطلان إعلانه بالصحيفة
أو اعتبار الاستئناف كأن لم يكن، يكون معيباً مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن الثابت بمحضر جلسة 14/ 12/ 1992 أمام المحكمة
الاستئنافية، أن الطاعن دفع باعتبار الاستئناف كأن لم يكن لعدم إعلان صحيفته خلال ثلاثة
أشهر، وقد رد الحكم المطعون فيه على الدفع بأنه غير صحيح إذ تم الإعلان على الموطن
المختار خلال الميعاد، وكان الطاعن لم يتمسك ببطلان إعلانه في هذا الموطن أمام محكمة
الاستئناف، فإنه لا يجوز له التمسك به - لأول مرة - أمام هذه المحكمة، لما هو مقرر
- في قضائها - من أن بطلان أوراق التكليف بالحضور لعيب في الإعلان هو بطلان نسبي مقرر
لمصلحة من شرع لحمايته، وليس متعلقاً بالنظام العام، وبالتالي فلا يجوز للمحكمة أن
تقضي به من تلقاء نفسها، وإنما يجب على الخصم الذي تقرر هذا البطلان لمصلحته أن يتمسك
به أمام محكمة الموضوع.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه، مخالفة القانون والخطأ في
تطبيقه والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول، إن الحكم أطرح
أقوال شاهديه بتعذيبه خلال فترة اعتقاله، تأسيساً على أن الأوراق قد خلت من دليل على
اعتقالهما معه في ذات السجون، والمعتقلات ومشاهدتهما بالتالي ما وقع عليه من تعذيب،
وأنه لم يقدم دليلاً فنياً على حدوث الإصابة من جراء هذا التعذيب، في حين أنه يتعذر
عليه تقديم دليل كتابي يفيد اعتقاله مع الشاهدين، كما أن أفعال التعذيب وقائع مادية
يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات ومنها البينة، وأنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطة تقدير
أقوال الشهود، إلا أن ذلك مشروط بألا يخالف الثابت بالأوراق، وكان المطعون ضدهم قد
وقفوا في بيان أسباب استئنافهم عند المنازعة في مقدار التعويض، دون أن يتناولوا أقوال
الشهود بثمة مطعن، بما يكون الحكم المطعون فيه معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه ولئن كانت محكمة الموضوع غير ملزمة بإيراد أسباب
عدم اطمئنانها لأقوال الشهود، إلا أنها إذا أوردت أسباباً لذلك يتعين أن تكون سائغة،
وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى
على ما أورده من قول ".... لما كان المدعي أرتكن في إثبات مدعاة إلى شهادة شاهديه،
اللذان سمعا أمام محكمة أول درجة والتي أقامت عليها المحكمة قضائها، فإن هذه المحكمة
لا تطمئن إلى شهادتهما، ذلك أن أوراق الدعوى قد خلت منذ بدايتها وحتى تاريخ حجزها للحكم
أنهما اعتقلا مع المستأنف ضده في ذات السجون والمعتقلات، وما صاحب هذا الاعتقال من
تعذيب، خاصة وأن الأوراق قد خلت من دليل فني على وجود آثار لهذا التعذيب...... وكانت
الأوراق قد خلت من دليل على واقعة الاعتقال أصلاً ثم ما صاحب هذا الاعتقال من تعذيب
بعد طرح الشاهدين التي لم تطمئن إليها المحكمة....." وكان هذا الذي أورده الحكم، وأقام
عليه قضاءه غير سائغ، إذ لا تشترط الأدلة الكتابية ليثبت الأفراد سبق اعتقالهم، ولا
تشترط الإصابة لإثبات وقوع التعذيب، وليست الكتابة شرطاً لإثبات الإصابة، كما وأن حق
الإنسان في سلامة جسمه من الحقوق التي كفلها الدستور والقانون، وجرم التعدي عليه، بما
مؤداه أن المساس بسلامة الجسم بأي أذى، من شأنه الإخلال بهذا الحق، ويتوافر به الضرر
المادي المستوجب للتعويض، سواء نتجت عنه إصابة أم لا، وهو من الوقائع المادية التي
يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات ومنها البينة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر،
فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون فضلاً عن الفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه،
على أن يكون مع النقض الإحالة.