إنه يشترط في الاعتراف الذي يؤدي إلى إعفاء الراشي أو الوسيط من
العقوبة وفقاً لنص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات، أن يكون صادقاً كاملاً يغطي
جميع وقائع الرشوة التي ارتكبها الراشي أو الوسيط، دون نقص أو تحريف، وأن يكون حاصلاً
لدى جهة الحكم حتى تتحقق فائدته، فإذا حصل الاعتراف لدى جهة التحقيق ثم عدل عنه لدى
المحكمة، فلا يمكن أن ينتج الإعفاء
وقررت محكمة النقض في حكمها
من حيث إن الطاعن الأول... وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد القانوني إلا أنه لم يقدم
أسباباً بالطعن. ولما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التقرير بالنقض في الحكم
هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بنى عليها الطعن في الميعاد الذي
حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية
لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه، فإن الطعن يكون غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثاني علي إسماعيل علي منصور قد استوفى الشكل المقرر
في القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة رشوة قد أخطأ في
تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب ذلك بأن الواقعة المنسوبة إليه لا تعتبر جريمة
رشوة ولا عقاب عليها إذ أن مجرد نقل المتهم الأول كمية من القصب لآحاد الناس بالسيارة
الحكومية المخصصة لقيادته من المراغة إلى القاهرة لا يعد إخلالاً بواجبات وظيفته كما
أن الثابت من ظروف الواقعة وملابساتها أن القصد الجنائي للجريمة منعدم لدى الطاعن لأنه
لم يكن يعلم أن المتهم الأول موظف عمومي وأن السيارة حكومية خاصة وأنه مجرد وسيط في
أمر النقل وحرر عنه اتفاقاً كتابياً وعلنياً نظير أجر المثل مما يدل على حسن نيته ثم
إن الفعل الذي ارتكبه المتهم الأول وهو نقل القصب لآحاد الناس لا يدخل في اختصاص وظيفته
العمومية، كما أن المحكمة برأت المتهمين الرابع والخامس من واقعة الرشوة ذاتها بالرغم
من تماثل الظروف وأخيراً فإن الحكم المطعون فيه لم يعف الطاعن من العقاب عملاً بحكم
المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات مع أنه اعترف بالواقعة وما ساقه الحكم من أسباب
لتبرير عدم أخذه بالإعفاء لا يؤدي إلى النتيجة التي رتبها عليها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية
لجريمة تقديم الرشوة لموظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته التي دان الطاعن الثاني بها
وأورد على ثبوتها في حقه أدلة استمدها من اعتراف الطاعن والمتهمين الآخرين بالتحقيقات
وأقوال تباع السيارة ومن التعهد المأخوذ على المتهم الأول بالنقل وأمر تشغيل السيارة
وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن ورد عليه
في قوله "وحيث إن المحكمة لا تعول كذلك على إنكار المتهم الثالث (الطاعن الثاني) ودفاعه
اللذين يعدا من قبيل الدفاع المرسل الذي قصد به التخلص من الاتهام دون أن يقوم عليه
ثمة دليل ونجد أن ما أثاره الدفاع حول التكييف القانوني للواقعة تكييف غير سليم ذلك
أن الشارع عدد في المادة 104 من قانون العقوبات صور الرشوة على الإخلال بواجبات الوظيفة
كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة للموظف ومن في حكمه أسوة بامتناعه عن عمل من أعمال
الوظيفة وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقاً من التقييد بحيث يتسع مدلوله
لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف وكل تصرف أو سلوك ينسب إلى هذه الأعمال
ويعد من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل لها دائما أن تجرى على سنن قويمة
وقد استهدف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً
عاماً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث تشمل
أمانة الوظيفة ذاتها فكل انحراف عن واجب من تلك الواجبات أو امتناع عن القيام به يجرى
عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه المشرع في النص فإذا تعاطى الموظف جعلاً
على هذا الإخلال كان فعله ارتشاء ويكون من عرض عليه الجعل لهذا الغرض راشياً مستحقاً
للعقاب" ثم خلص الحكم إلى ثبوت جريمة تقديم رشوة لموظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته
في حق الطاعن الثاني بقوله "إن هذا الطاعن اتفق مع المتهم الأول مع علمه بصفته على
منحه مبلغ عشرين جنيهاً على سبيل الرشوة نظير استعمال السيارة الحكومية قيادته وسيارة
أخرى في نقل قصب" وعاقبه بالمواد 103 و104 و107 مكرراً من قانون العقوبات. ولما كان
ما أورده الحكم فيما تقدم سديداً ويتفق مع صحيح القانون فقد استهدف المشرع من النص
في المادة 104 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 على مخالفة واجبات
الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً عاماً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين
واللوائح والتعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها وليس من الضروري في جريمة الرشوة
أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي
أن يكون له بها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وأن يكون الراشي قد اتجر
معه على هذا الأساس. ولما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن أنه وعد المتهم الأول السائق
بوزارة السد العالي وهو موظف عام بمنحه مبلغاً من المال لنقل كمية من القصب بالسيارة
الحكومية المخصصة لقيادته واستظهر الحكم أن عمل المتهم الأول هو قيادة تلك السيارة
وهو قدر من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة، وكانت أمانة الوظيفة
تفرض على سائق السيارة الحكومية ألا يستعملها إلا في الغرض المخصصة له لقضاء مصالح
الجهة التابعة لها وأن ينأى عن السعي لاستغلالها لمصلحته الشخصية، فإن ما وقع من المتهم
الأول يعد إخلالاً بواجبات وظيفته في حكم المادة 104 من قانون العقوبات ويكون ما يثيره
الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن في شأن
انعدام القصد الجنائي لديه ورد عليه في قوله "إن هذا المتهم يصر على إنكاره معرفته
أن المتهم يعمل سائقاً بوظيفة حكومية على سيارة حكومية بينما الثابت أن هذا المتهم
يعمل سمساراً للنقل بالسيارات مما لا يخفي عنه أن السيارة قيادة المتهم الأول ورقمها
المميز الذي عقد صفقة الحمولة بشأنها وأصر على إثباته بالسند المضبوط المأخوذ على السائق
والموقع عليه منه وذكر به صراحة أن رقم السيارة "حكومة" كما ذكر بنهاية السند رقم السيارة
الأخرى ووصف كذلك بأنه "حكومة" فلا يقبل من المتهم الثالث بعد ذلك الزعم بعدم علمه
أن السيارة قيادة المتهم الأول سيارة "حكومية" ولما كان القصد الجنائي في جريمة تقديم
الرشوة يتحقق بمجرد علم الراشي بصفة المرتشي وأن الرشوة التي عرضها أو قدمها إليه مقابل
اتجار الأخير بوظيفته واستغلاله إياها وهو ما أثبته الحكم المطعون فيه في حق الطاعن،
ولم يخطئ في تقديره للأسباب السائغة التي ساقها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا
يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد خلص إلى تبرئة المتهمين الرابع والخامس المالكين
للرسائل المحملة بالسيارة استناداً إلى عدم علمهما بأن هذه السيارة حكومية وإلى انقطاع
صلة المتهم الرابع - مالك القصب - بالاتفاق الذي تم مباشرة بين المتهم الأول والطاعن
دون سعي مستقل من جانبه وكان لا تعارض بين تبرئة الحكم لهذين المتهمين من جريمة عرض
الرشوة لعدم ثبوتها في حقهما وبين إدانة الطاعن بهذه الجريمة لثبوت وقوعها منه، فإن
ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان يشترط
في الاعتراف الذي يؤدي إلى إعفاء الراشي أو الوسيط من العقوبة وفقاً لنص المادة 107
مكرراً من قانون العقوبات أن يكون صادقاً كاملاً يغطي جميع وقائع الرشوة التي ارتكبها
الراشي أو الوسيط دون نقص أو تحريف وأن يكون حاصلاً لدى جهة الحكم حتى تتحقق فائدته
فإذا حصل الاعتراف لدى جهة التحقيق ثم عدل عنه لدى المحكمة فلا يمكن أن ينتج الإعفاء.
وإذ كان الثابت بالحكم ومحضر الجلسة أن المتهم أنكر التهمة أمام المحكمة ولم يعترف
بها وكانت أقواله التي حصلها الحكم لا تفيد معنى الاعتراف بجريمة الرشوة بل على العكس
من ذلك تؤدي إلى تنصله منها بعد أن تمسك في دفاعه بعدم علمه أن المتهم الأول موظف عمومي
أو أن السيارة التي يقودها حكومية فإن الحكم لا يكون مخطئاً إذا لم يعمل في حقه الإعفاء
المنصوص عليه في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات. لما كان ما تقدم، فإن الطعن
برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.