إن الأمر الصادر من النيابة العامة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى
الجنائية في الجريمة المبلغ عنها ليس له حجية أمام المحاكم الجنائية في دعوى البلاغ
الكاذب عن هذه الجريم
وقررت محكمة النقض في حكمها
من حيث إنه وإن كان الطعن قد قرر به محام نيابة عن الطاعنين بموجب
التوكيلات المرفقة التي اقتصرت عباراتها على التقرير بالمعارضة وبالاستئناف إلا أنه
لما كان الحكم المطعون فيه قد صدر في 25 نوفمبر سنة 1989 وكانت هذه التوكيلات قد أجريت
في 31 من ديسمبر سنة 1989 و1 من يناير سنة 1990 أي تاريخ لاحق لصدور الحكم السابق على
تاريخ التقرير بالطعن بالنقض الحاصل في 2 من يناير سنة 1990 فإن ذلك يدل بجلاء على
انصراف إرادة الطاعنين إلى توكيل محاميهم بالتقرير بالطعن بالنقض في هذا الحكم، ومن
ثم يكون الطعن قد استوفي الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون - المدعون بالحقوق المدنية - على الحكم المطعون فيه أنه
إذ قضي ببراءة المطعون ضده من تهمة البلاغ الكاذب ورفض دعواهم المدنية قد شابه قصور
في التسبيب ذلك بأنه اكتفى في تبرير قضائه بالبراءة بعبارة عامة مجملة وإلى سبق صدور
أمر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى بالرغم من عدم حجية ذلك في دعوى البلاغ
الكاذب مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه ببراءة المطعون ضده ورفض الدعوى المدنية بقوله
"وحيث إنه من المقرر أن حق الإبلاغ عن جريمة هو حق مقرر لكل شخص ولا يسأل عن ذلك الحق
طالما أنه لم ينحرف به وحتى ولو لم يتمكن من إثبات ما أبلغ به ولما كان الثابت أن بلاغ
المتهم حفظ لعدم كفاية الأدلة أي أن الواقعة لم تكن مكذوبة وأن الأدلة الجنائية لم
تبلغ حد الكفاية لتقديم المتهمين للمحاكمة الجنائية ومن ثم يكون المتهم لم يبلغ كذباً
ولا يتوافر في حقه ثمة خطأ وتكون التهمة غير ثابتة في حقه وتقضي معه المحكمة بالبراءة
ورفض الدعوى المدنية". لما كان ذلك، وكان الشارع يوجب في المادة 310 من قانون الإجراءات
الجنائية أن يشتمل الحكم - ولو كان صادراً بالبراءة - على الأسباب التي بني عليها وإلا
كان باطلاً، والمراد بالتسبيب المعتبر تحديد الأسانيد والحجج المبني عليها والمنتجة
هي له سواء من حيث الواقع أو من حيث القانون، ولكي يحقق الغرض منه يجب أن يكون في بيان
جلي مفصل يستطاع الوقوف على مسوغات ما قضى به، أما إفراغ الحكم في عبارة عامة معماة
أو وضعه في صورة مجهلة فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من استجاب تسبيب الأحكام ولا
يمكن محكمة النقض من مراقبة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم، كما
أن محكمة الموضوع وإن كان لها أن تقضي بالبراءة متى شككت في صحة إسناد التهمة إلى المتهم
أو لعدم كفاية أدلة الثبوت غير أن ذلك مشروط بأن يشتمل حكمها على ما يفيد أن المحكمة
محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت
بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات.
وكان يشترط لتحقق جريمة البلاغ الكاذب توافر ركنين هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها
وأن يكون الجاني عالماً بكذبها ومنتوياً السوء والإضرار بالمجني عليه وأن يكون الأمر
المخبر به مما يستوجب عقوبة قائله ولو لم تقم دعوى به، وكان من المقرر أيضاً أن الأمر
الصادر من النيابة العامة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الجريمة المبلغ
عنها ليس له حجية أمام المحاكم الجنائية في دعوى البلاغ الكاذب عن هذه الجريمة، ولما
كان الحكم المطعون فيه أغفل الواقعة المنسوبة إلى المطعون ضده فلم يبينها وتجاهل أدلة
الاتهام التي ساقها المدعون بالحقوق المدنية في حقه فلم يورد أياً منها وبين حجته في
إطراحها ولم يورد مؤدى القضية التي استخلص منها عدم ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها ضد
الطاعنين ولم يشر حتى إلى رقمها ومن ثم فإنه يكون قد استند في إطراح أدلة الثبوت إلى
عبارات مجملة لا يبين منها أن المحكمة حين استعرضت الدليل المستمد من تلك القضية المشار
إليها كانت ملمة بهذا الدليل إلماماً شاملاً يهيئ لها أن تمحصه التمحيص الكافي الذي
يدل على أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، هذا فضلاً عن أن
الحكم وقد بني قضاءه بالبراءة على صدور أمر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى
الجنائية لعدم كفاية الأدلة في شأن البلاغ المقدم من المطعون ضده قبل المدعين بالحقوق
المدنية حال أن هذا الأمر لا يشكل رأياً فاصلاً للمحكمة التي نظرت دعوى الواقعة موضوع
البلاغ في شأن صحة هذه الواقعة أو كذبها وبالتالي فما كان يصح لمحكمة دعوى البلاغ الكاذب
أن تلتزم به من حيث صحة الواقعة على نحو ما التزمت بل كان من المتعين عليها ألا تعترف
له بحجية ما وأن تتصدى لواقعة البلاغ وتقدر بنفسها مدى صحة التبليغ عنها أو كذبه أما
وهى لم تفعل فإن قضاءها يكون معيباً. لما كان ما تقدم، فإن الحكم يكون معيباً بالقصور
في التسبيب والخطأ في القانون مما يتعين نقضه فيما قضي به في الدعوى المدنية والإحالة
بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن وألزمت المطعون ضده المصروفات المدنية.