إن عدول الشريك عن ارتكاب الجريمة لا تأثير له على مسئوليته الجنائية
إذا وقعت الجريمة فيؤاخذ عليها بصفته شريكاً، ذلك بأن إسهامه في الجريمة تتم بمجرد
قيامه بالأفعال المكونة للاشتراك وعدوله بعد ذلك لا يفيده إلا إذا كان قد استطاع أن
يزيل كل أثر لتدخله في ارتكاب الجريمة قبل وقوعها، ولما كانت جريمة السرقة التي اتفق
عليها الطاعن قد وقعت فعلاً، وكان ما أورده الحكم يتضمن الرد على ما أثاره الطاعن في
هذا الخصوص فضلاً عن أن المحكمة لم تكن ملزمة بالرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان.
فلا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الشأن.
وقررت محكمة النقض في حكمها
أولاً: عن الطعن المقدم من الطاعنين الأول والثاني:
من حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذا دانهما بجريمة القتل العمد
المرتبط بجنحة سرقة قد شابه التناقض والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، والخطأ
في تطبيق القانون، والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه بعد أن أورد في استخلاصه للواقعة
أن الطاعن الثاني طعن المجني عليها بسكين عاد وعول على تقرير الصفة التشريحية الذي
أثبت به أن إصابات المجني عليها رضية تحدث من المصادمة - وليس الطعن - بجسم صلب حاد
رغم ما بين التصويرين من خلاف هذا إلى أن الثابت باعتراف الطاعنين المؤيد بتقرير الصفة
التشريحية أن الطاعن الثاني ضرب المجني عليها بالجانب غير الحاد من السكين كما نسب
الحكم إلى الطاعن الثاني قيامه بكتم أنفاس المجني عليها مع أن الثابت باعتراف الطاعنين
بالتحقيقات أن كلاً منهما أسند للآخر القيام بهذا الفعل، والتفتت المحكمة عن دفاع الطاعنين
بعدم توافر الاتفاق بينهما على القتل فلا يسأل كل منهما إلا عن فعله وحده، فضلاً عن
أن ما قام عليه استدلال الحكم على قصد القتل لا يوفره، وأخيراً فإن المحكمة لم تلتزم
صورة الواقعة ووصفها القانوني كما ورد بأمر الإحالة وأجرت تعديلاً مما كان يتعين معه
لفت نظر الدفاع، كل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة
القتل العمد بقصد تسهيل ارتكاب جنحة سرقة التي دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها
في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليه. لما كان ذلك، وكان من
المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها
ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان الحكم المطعون فيه قد
اعتنق صورة واحدة لكيفية وقوع الحادث وحاصلها أن الطاعنين قتلا المجني عليها بطريق
الخنق وذلك لتسهيل سرقة نقودها ومصوغاتها، ثم ساق الحكم أدلة الثبوت التي استمد منها
عقيدته ومن بينها تقرير الصفة التشريحية للمجني عليها الذي نقل عنه أن أصابتها بالعنق
حيوية حديثة ورضية وتحدث نتيجة للضغط على العنق ويعزى سبب الوفاة إلى إصابتها بالعنق
وما أدت إليه من اسفكسيا الخنق وصدمة، فإن ما يثيره الطاعنان من دعوى التناقض في التسبيب
يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم بصدد استخلاصه لواقعة الدعوى له معينه
من الأوراق - على ما يبين من المفردات المضمومة - فلا يؤثر في صحته إنه قد نسب إلى
الطاعن الثاني إنه طعن المجني عليها بسكين طالما أن الطاعن أقر بالتحقيقات بأنه ضرب
المجني عليها بالجانب غير الحاد من السكين وهو ما يتحقق به الإسهام في الجريمة التي
دين بها. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم في حقه نفسه وفي حق
غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع فإن منعى الطاعن الثاني في
شأن القوة التدليلية لأقوال الطاعن الأول لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير
المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة
النقض. لما كان ذلك، وكان ما أثبته الحكم كافياً بذاته للتدليل على اتفاق الطاعنين
على القتل بقصد تسهيل ارتكابه جنحة سرقة من معيتهما في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهما،
وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههما معاً وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلا منهما قصد
الآخر في إيقاعها وقارف أفعالاً من الأفعال المكونة لها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى
عليه، ويصح من ثم طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهما فاعلين أصليين في جناية
القتل العمد المرتبط بجنحة سرقة ويرتب بينهما في صحيح القانون تضامناً في المسئولية
عرف محدث الإصابة القاتلة منهما أو لم يعرف، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الخصوص
يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر
وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني
وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع
في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان الحكم قد ساق على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً
واضحاً في إثبات توافرها لدي الطاعنين بقوله: "...... والمحكمة يطمئن وجدانها في هذا
الصدد بتوافر هذه النية لدى المتهمين الأول والثاني كفاعلين أصليين إذ أنهما فضلاً
عن اعتدائهما بسكين على جسم المجني عليها وذلك بالضرب به على رأسها عدة ضربات وفي أجزاء
أخرى من جسدها في بطنها ورقبتها رغم شل حركتها بعد أن أوثقا يديها بحبل من خلف ظهرها
وقيدا رجليها وهي ممدة على الأرض وتكميم فاها بشريط لاصق. ثم قام أحدهما بخنقها بقطعة
قماش مبللة كتم بها أنفاسها كما ضغط عمداً بعنف على عنقها، وكسر العظم اللامي بها مما
أدى إلى وفاتها باسفكسيا الخنق وهو ما يقطع بأن المتهمين لم يتركاها إلا جثة هامدة
قبل أن يبرحا مكان الحادث وقد فارقت الحياة التي عمدا إلى إزهاقها وكان ذلك كله لتسهيل
ارتكاب جريمة السرقة وإتمامها بالفعل". ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في
شأن استدلاله على توافر نية القتل يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الأصل أن المحكمة
لا تتقيد بالوصف القانون الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن
هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن
ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني السليم الذي ترى انطباقه على الواقعة،
وإذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها
التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان به الطاعنين، وكان مرد
التعديل هو استبعاد الحكم لركن الإكراه في السرقة واعتبار ما وقع منهما من اعتداء على
المجني عليها يكون جريمة القتل العمد المسندة إليهما، ومؤاخذتهما عن جريمة القتل العمد
المرتبط بجنحة سرقة بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 234 من قانون العقوبات بدلاً من
الفقرة الثانية منها، الواردة بأمر الإحالة، وهو ما يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع
دون حاجة إلى لفت نظر الدفاع، ومن ثم فإن تعييب الحكم في هذا الخصوص بأنه انطوى على
إخلال بحق الدفاع لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير
أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: عن الطعن المقدم من الطاعن الثالث:
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بالاشتراك في جريمة القتل
العمد المرتبط بجنحة سرقة قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون والفساد
في الاستدلال ذلك بأنه لم يستظهر بالنسبة للطاعن عناصر الاشتراك في الجريمة وركن العلم
ولم يدلل على توافرها في حقه، كما لم يستظهر الحكم رابطة السببية بين فعل الاشتراك
والجريمة التي وقعت، هذا إلى أن المسئولية الجنائية قد انحسرت عن الطاعن لعدوله عن
اقتراف الجريمة قبل وقوعها، كما عول الحكم على أقوال الطاعنين الأول والثاني بالتحقيقات
ولم يورد مضمون ومؤدى تلك الأقوال ووجه استدلاله بها على ثبوت التهمة في حقه، وعول
الحكم في الإدانة على شهادة المقدم مصطفى عبد العال محمد رغم خلوها من إسناد أي دور
له في ارتكاب الجريمة، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به عناصر القانونية للجريمة
التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما
رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك
على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التي لا تقع
عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة، كما أن الاشتراك بالتحريض قد لا تكون له سمات
أو شواهد ظاهرة تدل عليه، ويتحقق الاشتراك بالمساعدة بتدخل الشريك مع الفاعل تدخلاً
مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله ويتحقق فيه معنى تسهيل ارتكاب الجريمة الذي جعله الشارع
مناطاً لعقاب الشريك وللقاضي الجنائي إذا لم يقم على الاتفاق أو التحريض أو المساعدة
دليل مباشر أن يستدل على ذلك بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه ما دام هذا الاستنتاج
سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يبرره وكان الحكم في سرده لوقائع الدعوى ومؤدى أدلة الثبوت
فيها قد أورد أن الطاعن الثالث قد حرض الطاعن الأول على ارتكاب الجريمة واتفق معه على
ذلك ليسار المجني عليها ثم قام بإرشاد الطاعنين الأول والثاني إلى العقار الكائن به
هذه الشقة وحدد مداخلها ومخارجها والوقت الذي تغادر فيه ابنة المجني عليها الشقة متجهة
إلى عملها وكان سابقاً على ارتكاب الجريمة التي وقعت فعلاً بناء على تحريضه واتفاقه
ومساعدته لهما، فإن الحكم إذ استخلص من ذلك اشتراك الطاعن الثالث مع الأول والثاني
بالاتفاق والتحريض والمساعدة في ارتكاب جريمة القتل العمد المرتبط بجنحة سرقة فإنه
يكون استخلاصاً سائغاً مؤدياً إلى ما قصد الحكم وينحل ما يثيره الطاعن الثالث في هذا
الصدد إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. لما كان
ذلك، وكان من المقرر أن اعتبار جريمة معينة نتيجة محتملة للاتفاق على جريمة أخرى طبقاً
لنص المادة 43 من قانون العقوبات هو أمر موضوعي تفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب ولا
رقابة لمحكمة النقض عليها ما دام حكمها يساير التطبيق السليم للقانون. وكان البين من
الحكم المطعون فيه أنه إنما عاقب المطعون الثالث على الاشتراك في قتل المجني عليها
على أساس أن القتل كان نتيجة محتملة لاتفاقه مع الطاعنين الأول والثاني على ارتكاب
السرقة بظروفها التي وقعت فيها ولم تقع إلا تسهيلاً لارتكابها أثناء قيام الطاعنين
بتنفيذها بما يجعله في صحيح القانون مسئولاً عن فعل القتل المرتكب ولو لم يكن باشر
بنفسه بل ارتكبه آخر من المتفقين معه على ارتكاب جريمة السرقة. وهو ما لا ينازع الطاعن
في صحة ما أورده الحكم في شأنه، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من خطأ في تطبيق القانون
في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان عدول الشريك عن ارتكاب الجريمة لا
تأثير له على مسئوليته الجنائية إذا وقعت الجريمة فيؤاخذ عليها بصفته شريكاً، ذلك بأن
إسهامه في الجريمة تتم بمجرد قيامه بالأفعال المكونة للاشتراك وعدوله بعد ذلك لا يفيده
إلا إذا كان قد استطاع أن يزيل كل أثر لتدخله في ارتكاب الجريمة قبل وقوعها، ولما كانت
جريمة السرقة التي اتفق عليها الطاعن قد وقعت فعلاً، وكان ما أورده الحكم يتضمن الرد
على ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص فضلاً عن أن المحكمة لم تكن ملزمة بالرد على دفاع
قانوني ظاهر البطلان. فلا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الشأن. لما كان ذلك،
وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تورد في حكمها من مؤدى الأدلة ما يكفي لتبرير
اقتناعها بالإدانة ما دامت قد اطمأنت إلى هذه الأدلة واعتمدت عليها في تكوين عقيدتها،
وكان ما أورده الحكم بالنسبة لاعتراف الطاعنين الأول والثاني بالتحقيقات يحقق مراد
الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من دعوى بيان مؤدى
الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في
بيان دليل الإثبات الذي استمده منها لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة
الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك،
وكان الحكم المطعون فيه قد حصل أقوال الشاهد...... بما مؤداه أن تحرياته السرية دلت
على أن الطاعنين الأول والثاني هما مرتكبا حادث القتل والسرقة وإذ ألقى القبض عليهما
- بعد استئذان النيابة العامة - وواجهما بالتحريات أقرا له بارتكابهما الحادث وأن الطاعن
الثالث حرضهما على سرقة مسكن المجني عليهما واتفق مع أولهما على ذلك واصطحبهما للإرشاد
عن المسكن قبل ارتكاب الجريمة وأن الجريمة وقعت منهما تنفيذاً لهذا الاتفاق وذلك التحريض،
وهو ما أورده الطاعن في مذكرة أسباب طعنه، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع
أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة
الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها
سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، فإن ما يثيره
الطاعن من دعوى الفساد في الاستدلال يكون غير صحيح. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته
يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعياً.