من المقرر أن نية الإضرار بالمصالح القومية للبلاد ليست ركناً من
أركان جريمة التخابر المنصوص عليها في المادة 77/ د من قانون العقوبات، وإذ التزم الحكم
المطعون فيه هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف القانون.
وقررت محكمة النقض في حكمها
من حيث إن الحكم المطعون فيه صدر حضورياً بتاريخ 20 من مارس سنة 1983، وقرر الطاعن
بالطعن فيه بطريق النقض بتاريخ 2 من إبريل سنة 1983، وقدم مذكرة أسباب طعنه بتاريخ
30 من إبريل سنة 1983، ولما كانت المادة 34 من القانون 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات
الطعن أمام محكمة النقض تنص على وجوب التقرير بالطعن وإيداع الأسباب التي بني عليها
في ظرف أربعين يوماً من تاريخ الحكم الحضوري، وكان هذا الميعاد ينقضي بالنسبة للحكم
المطعون فيه في 29 من إبريل سنة 1983 - بيد أنه لما كان اليوم الأخير يوم جمعه - وهو
عطلة رسمية - ومن ثم فإن ميعاد الطعن يمتد إلى يوم 30 من إبريل سنة 1983 - لما كان
ذلك، فإن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونا قد تما في الميعاد القانوني، وإذا استوفى
الطعن أوضاعه المقررة في القانون فهو مقبول شكلاً.
وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم الاشتراك في اتفاق جنائي،
والتخابر، والحصول ممن يعملون بمنظمة الصاعقة السورية التي تعمل لصالح الجمهورية العربية
السورية على مبالغ بغرض ارتكاب عمل ضار بالمصالح القومية للبلاد وحيازته لمفرقعات بغير
ترخيص، وتقديمه وهو أجنبي - إلى السلطات المختصة أوراقاً غير صحيحة مع علمه بذلك، لتسهيل
دخوله إلى البلاد وإقامته بها, فقد شابه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون
والإخلال بحق الدفاع، وران عليه البطلان، ذلك بأن الحكم لم يعن ببيان أركان جريمة الاتفاق
الجنائي التي ساءله عنها خاصة وقد خلت الأوراق من تلاقي إرادة الطاعن مع إرادة العاملين
بالمنظمة - واعتبر الحكم المنظمة التي يتبعها الطاعن في حكم الدولة الأجنبية انبنى
على هذا النظر الخاطئ من الحكم أنه أعمل في حقه المادة 85 من قانون العقوبات. كما فات
الحكم استظهار قصد الإضرار بالبلاد، بل إن الثابت من أقوال شاهد الإثبات واعتراف المتهم
انتفاء هذا القصد، ولم يعرض الحكم لطلب إعفائه من العقاب على مقتضى المادة 48 من قانون
العقوبات بالرغم من أن الطاعن بادر بتسليم ما معه من متفجرات لرجال الشرطة. كما أغفل
الحكم بعض أقوال شاهد الإثبات التي تتعلق بإسهامه في الإفراج عن رهائن السفارة المصرية
بتركيا وإدلائه بمعلومات عن مخططات المنظمة الإرهابية وحادث تفجير فندق شيراتون وأسماء
القائمين على العمليات الحربية - هذا إلى قصور الحكم في بيان كيفية التفتيش - الذي
لم يحرر محضر بإجراءاته - وطريقة العثور على المضبوطات بحقيبة الطاعن. كما أغفلت المحكمة
طلب سماع شهادة الرائد..... الذي شهد واقعة تسليمه ما معه من متفجرات، ولم تستجب المحكمة
لطلبه ضم القضية 1079 لسنة 1979 كلي بنها للتدليل على تناقض رواية شاهد الإثبات، وندبت
المحكمة محامياً للدفاع عن الطاعن وفوتت عليه فرصة الاتصال بمحاميه فلم يتمكن من الدفاع
عنه وأخيراً فإن البطلان آيته اشتراك أحد رؤساء المحكمة الابتدائية بهيئة المحكمة التي
سمعت المرافعة بجلسة 24/ 2/ 1983 بدلاً من المستشار عضو اليسار مما يبطل تشكيلها. كما
أثبت اسم المستشار..... بديباجة الحكم المطعون فيه رغم تخلفه عن الحضور بجلسة النطق
به - كل هذا مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن - وهو من أم مصرية
وأب لبناني - انضم إلى منظمة الصاعقة السورية التي تعد الجناح العسكري لحزب البعث السوري
والتي تشرف السلطات السورية على نشاطها مهيمنين عليها وترسم سياستها العامة - كما تقوم
السلطات السورية بإمدادها بالسلاح ودفع أجور أعضائها، واتخذت المنظمة ببيروت مقراً
لها وسمت باسم نور الثورة الفلسطينية، واتخذ النظام السوري موقفاً عدائياً ضد مصر خاصة
في أعقاب إبرام معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل، فدفعت تلك المنظمة إلى القيام بأعمال
التخريب داخل البلاد وخارجها للإضرار بمصالحها القومية وإضعاف الثقة بالدولة, ومحاولة
التأثير على الجبهة الداخلية للحد من تأييدها للقيادة المصرية والنيل من هبة مصر وعرقلة
جهود السلام الرامية لحل المشكلة الفلسطينية - وكان من نتيجة هذه الأعمال انفجار قنبلة
داخل فندق..... في فبراير سنة 1976، ووضع عبوة ناسفة بمخزن الودائع بفندق..... وانفجار
عبوة ناسفة بمقر..... ومقر...... بنيقوسيا بقبرص مما أسفر عن إصابة الكثيرين ووفاة
عدد منهم، وأعلنت منظمة نور الثورة الفلسطينية مسئوليتها عن تلك الحوادث. وبتاريخ 15/
4/ 1979 وصل الطاعن إلى مطار القاهرة الدولي قادماً من بيروت منتحلاً اسم..... وكان
يحمل جواز سفر بذات الاسم الوهمي, وطلب تأشيرة لدخول البلاد للسياحة، وحرر إقراراً
جمركياً بأنه لا يحوز سوى دولار واحد, ونظراً للاشتباه في أمره وعجزه عن إثبات المبررات
المقبولة لقدومه للأراضي المصرية, فقد حرر على نفسه إقراراً كتابياً بالسماح بتفتيشه
وتفتيش حقيبته فعثر فيها على مبالغ من النقد الأمريكي واللبناني. كما عثر بجيب سري
بها على خمس قوالب من مادة الـ TNT شديدة الانفجار، واعترف فور الضبط بأنه من أعضاء
منظمة الصاعقة السورية وأنه قدم إلى القاهرة للقيام بعملية تخريبية مستخدماً المتفجرات
التي أحضرها معه داخل فندق..... أو في أحد الأماكن التي تحوي تجمعاً جماهيرياً بناء
على طلب قادة المنظمة، وأنه تسلم مبلغ..... ليرة لبنانية في مقابل أداء هذه المهمة
مستخدماً الجواز المزور إلا أن أمره اكتشف بعد تفتيشه وضبط المواد المتفجرة بحقيبته.
وساق الحكم في التدليل على هذه الواقعة ما ينتجها من وجوه الأدلة وهي شهادة.... واعتراف
المتهم بالتحقيقات وبجلسة المحاكمة في المساق المتقدم وما قرره خبير المفرقعات ومما
جاء بتقرير شركة مصر للطيران في نيقوسيا، وبعد أن أورد الحكم مؤدى هذه الأدلة وأثبت
دفاعه ودفوع المدافع عنه انتهى الحكم إلى إدانة الطاعن بمواد الاتهام مع أعمال المادة
32/ 2 من قانون العقوبات لتوافر الارتباط غير القابل للتجزئة بين تلك الجرائم. لما
كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وأدلتها - على نحو ما سلف بيانه
- تتوافر به العناصر القانونية لجريمة الاتفاق الجنائي كما هي معرفة في القانون، ذلك
أنه لا يشترط لتكوين جريمة الاتفاق الجنائي المنصوص عليها في المادة 48 من قانون العقوبات
أكثر من اتحاد إرادة شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما سواء أكانت معينة أم
غير معينة أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها سواء وقعت الجريمة المقصودة
بالاتفاق أو لم تقع، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن والمسئولين بالمنظمة التي يتبعها
إن إرادتهما قد اتحدت على ارتكاب الجرائم المنسوبة إليه وأعدوا العدة للأمر ونفذوا
الأعمال المجهزة والمسهلة لارتكابها وبدأوا في تنفيذها فعلاً بأن تم تفجير عبوة ناسفة
بمكتب شركة مصر للطيران بقبرص، وتوجه الطاعن إلى الأراضي المصرية بتوجيههم ومعه المتفجرات
حيث تم ضبطه بمطار القاهرة الدولي ومعه جواز سفره المزور وحقيبته التي أخفيت بها المتفجرات
بجيب سري بها, وأجهزة التفجير اللازمة لتنفيذ الجريمة, فإن هذا حسبه لتندفع عن الحكم
دعوى القصور في بيان أركان جريمة الاتفاق الجنائي. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أعمل
في حق الطاعن حكم المادة 85 من قانون العقوبات بعد أن خلص إلى انطباقها على منظمة الصاعقة
السورية التي يتبعها ورد على دفاعه في هذا الصدد بما مؤداه أن تلك المنظمة هي الجناح
العسكري لحزب البعث السوري طبقاً لما جاء باعتراف الطاعن - وأنها جزء من دولة سوريا
والسلطات الحاكمة بها - وإلى واقع الحال من قطع سوريا للعلاقات الدبلوماسية مع مصر
ومناصبة حزب البعث السوري العداء لمصر - وكان الشارع لم يشترط في الجماعة السياسية
لكيما تصير في حكم الدولة طبقاً للمادة 85/ أ/ د من قانون العقوبات أن تكون جماعة معادية
لمصر، وإنما أحال في شأنها - إذ اعتبرها في حكم الدولة - إلى أحكام الباب الأول من
الكتاب الثاني من قانون العقوبات برمته - بما في ذلك جريمة التخابر سواء تم مع دولة
معادية وفقاً للمادة 77/ هـ أ ومع مجرد دولة أجنبية. ولو لم تكن معادية وفقاً للمادة
77/ د، بما مفاده وجوب تطبيق البندين جـ د، من المادة سالفة الذكر - حسبما يقتضيه الحال
على الجماعات السياسية. لما كان ذلك، فإن رمي الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والقصور
في التسبيب في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن نية الإضرار
بالمصالح القومية للبلاد ليست ركناً من أركان جريمة التخابر المنصوص عليها في المادة
77/ د من قانون العقوبات، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف
القانون. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تفصل في مدى تحقيق موجب
الإعفاء من العقاب متى كانت تقيمه على ما ينتجه، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن في
هذا الشأن وخلص فيما استخلصه من عناصر الدعوى إلى أنه لم يخبر السلطات بما في حوزته
إذ قدم إقراراً جمركياً خلا من حقيقة ما يحمله من متفجرات، وظل متمسكاً بالاسم الوهمي
الثابت بجواز سفره المزور المقدم لسلطات المطار حتى تم تسليمه لجهاز مباحث أمن الدولة،
ثم حرر على نفسه إقراراً كتابياً بتفتيشه وتفتيش حقيبته حيث عثر بها على تلك المتفجرات
في جيب سري بها - فإن الحكم يكون قد أصاب صحيح القانون فيما انتهى إليه من عدم تحقق
موجب الإعفاء برد سائغ يحمله، ولا محل لتعيبه في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان من المقرر
أن محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تورد من أقوال الشاهد إلا ما تقيم عليه قضاءها ولها
في سبيل استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى أن تجزئ أقواله فتأخذ بما تطمئن إليه
منها وتطرح ما عداه دون إلزام عليها ببيان العلة، وكانت المحكمة في حدود هذا الحق قد
اطمأنت إلى ما حصلته من أقوال شاهد الإثبات، فإن ذلك يدخل ضمن حقها في تقدير الدليل
وأقوال الشاهد مما تستقل به دون معقب عليها. وكان لا ينال من سلامة التفتيش عدم قيام
الضابط الذي أجراه بتحرير محضر بذلك إذ أن إفراد محضر بالتفتيش ليس بلازم لصحته ولا
يترتب على فرض حصوله - البطلان، وإذ أفصح الحكم في مدوناته عن كيفية إتمام إجراءات
التفتيش وتحديد مكان العثور على المضبوطات كما سلف البيان - فإن ما يثيره الطاعن في
هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة الأخيرة أن
الدفاع عن الطاعن اختتم مرافعته طالباً الحكم ببراءته مما أسند إليه دون أن يتمسك بسماع
الرائد.... - فإن المحكمة لا تكون مخطئة إذا لم تسمع هذا الشاهد أو ترد على طلب سماعه
- لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بالرد إلا على الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه
ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية. ولما كان الثابت من أسباب
الطعن ومرافعة الدفاع بمحاضر جلسات المحاكمة أن طلب ضم القضية 1079 سنة 1979 كلي بنها
لم يكن إلا لإثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة، وكانت المحكمة
لا تلتزم بإجابة هذا الطلب ولا عليها إن هي أعرضت عنه والتفتت عن إجابته دون رد، إذ
الرد يستفاد دلالة من الحكم بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها. لما كان
ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة في...... أن المتهم حضر وقرر أن صلته بمحاميه
قد انقطعت وطلب من المحكمة ندب محام للدفاع عنه فقررت المحكمة ندبه للدفاع عنه بعد
أن أعادت القضية للمرافعة، وتمسك الحاضر مع المتهم بالدفوع المبداة وعددها وشرح ظروف
الدعوى واختتم مرافعته طالباً الحكم بالبراءة، وكان البين من ذلك أن ندب المحكمة لمحام
للدفاع عن الطاعن لم يكن إلا بعد انقطاع صلته بمحاميه الأصيل وإقراره بعدم وجود محام
موكل من قبله للدفاع عنه وكان استعداد المدافع عن المتهم أو عدم استعداده موكول إلى
تقديره هو حسبما يوحي به ضميره واجتهاده وتقاليد مهنته. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن
من دعوى الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان حضور أحد رؤساء المحكمة
الابتدائية إحدى جلسات المحاكمة لا ينطوي على أية مخالفة للقانون، فقد نصت المادة 367
من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتها الثالثة على أنه يجوز عند الاستعجال إذا حصل
مانع لأحد المستشارين المعينين لدور من أدوار انعقاد محكمة الجنايات أن يجلس مكانه
- رئيس المحكمة الابتدائية - الكائنة بالجهة التي تنعقد بها محكمة الجنايات على ألا
يشترك في الحكم المذكور أكثر من واحد من غير المستشارين. ومن ثم فإن النعي ببطلان تشكيل
المحكمة لا يكون من وجه. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة..... - والتي صدر فيها
الحكم المطعون فيه - أن الهيئة المشكلة هي التي سمعت المرافعة وأصدرت الحكم، كما يبين
من الاطلاع على قائمة الحكم أن الثلاثة - أعضاء تلك الهيئة - قد وقعوا على مسودة منطوقه.
ومن ثم لا يكون منعى الطاعن في هذا الصدد سديداً، إذ لا يعدو أن يكون ما أثبته الكاتب
المختص بديباجة الحكم من حيث اسم عضو اليسار مجرد خطأ مادي بحت لا ينال من سلامته.
لما كان ما تقدم, جميعه فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.