مجرد تخوف المتهم وخشيته من رجلي الشرطة وتوهمه بأن أحدهما قد يقدم على القبض عليه أو التعرض لحريته، لا يصح اتخاذه ذريعة لإزالة الأثر القانوني المترتب على تخليه الصحيح عن المخدر، ومن ثم يكون الحكم إذ قضى برفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش قد أصاب صحيح القانون
وقررت محكمة النقض في حكمها
حيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ذلك بأن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش استناداً إلى أن المخبرين قبضا على الطاعن بعد أن تخلى بإرادته واختياره عن المخدر في حين أن تخليه كان خشية القبض عليه وتفتيشه من المخبرين ولم يكن هناك ما يدعوهما للاشتباه فيه وهما من غير رجال الضبطية القضائية فلا يحق لهما القبض عليه. هذا إلى أن الحكم أطرح دفاعه بإعفائه من العقاب طبقاً للفقرة الثانية من المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 استناداً إلى أن الإعفاء الوارد بها قاصر على العقوبات المقررة في المواد 33 و34 و35 من القانون المذكور على الرغم من أن النيابة كانت قد أقامت الدعوى الجنائية عليه بوصف أنه أحرز المخدر بقصد الاتجار وطلبت عقابه بالمادة 34 من ذلك القانون وهو بهذا الوصف الذي ورد بأمر الإحالة وجرت في شأنه المرافعة يمكن أن يستفيد من الإعفاء الذي نظمته تلك المادة ولا عبرة بما انتهت إليه المحكمة من إسباغ وصف إحرازه للمخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي ومعاقبته بالمادتين 37 و38 من هذا القانون فضلاً عن خطأ الحكم في رده على هذا الدفع بأن الطاعن كان قد ارتكب جريمته وتمت فعلاً قبل أن يرشد عن المتهم الثاني ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 48 سالفة الذكر يتحقق بموجبها الإعفاء إذا حصل الإبلاغ بعد علم السلطات العامة بالجريمة طالما أنه وصل فعلاً إلى ضبط باقي الجناة وقد أرشد الطاعن عن المتهم الثاني وتم ضبطه وتقديمه للمحاكمة بناء على إبلاغه مما لازمه إعفائه من العقاب.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله "أن النقيب أحمد إبراهيم العزب رئيس مكتب مكافحة مخدرات الصف بتاريخ 7/ 10/ 1966 كلف المخبرين فرج محمد فرج وعبد الفتاح سلطان بمأمورية سرية خاصة بالمكتب وأثناء ركوبهما سيارة الأتوبيس صعد إلى السيارة المتهم الأول (الطاعن) وهو من رجال الشرطة ولما كان غريبان عن المنطقة والسابق علمهما بأن هناك بعض رجال الشرطة يقومون بنقل المخدرات فقد أفهماه شخصيتهما وسألاه عن سبب تواجده بالبلدة فقدم لهما قطعتين من الحشيش أخرجهما من جيب سرواله الأيسر فلما سألاه عن مزيد أخرج لهما قطعتين آخريتين من الحشيش من الأتوبيس عند بلدة البراجيل وتوجهوا إلى النقطة وأبلغوا رئيس المكتب الذي حضر لتوه وقام بتفتيش المتهم الأول فلم يعثر معه على مخدرات أخرى وبسؤاله عن مصدر الحشيش المضبوط معه اعترف له بأنه تسلمه من المتهم الثاني فتوجه الضابط ومعه أفراد القوة إلى مسكن المتهم الثاني الذي خرج منه محاولاً الفرار عندما شعر بهم وتمكن الشرطيان السريان فرج محمد فرج وعبد الفتاح سلطان من اللحاق به وقام الضابط بتفتيشه فعثر بجيب صديريه الأيسر على لفافة من ورق المجلات تحوي نصف طربة حشيش بغلافها". ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش ورد عليه وفنده بقوله "ولا ينال من ثبوت التهمة قبل المتهم الأول - الطاعن - ما ذهب إليه الدفاع عنه بالجلسة من محاولة التشكيك فيها بمقولة إن الإجراءات باطلة لعدم توافر السند القانوني وعدم صحة الوقائع وهذا القول مردود بأن المحكمة لا ترى في الأوراق ما يدل على صحته إذ الثابت مما اطمأنت إليه واستقر في اقتناعها من شهادة الشرطيين السريين أن المتهم الأول (الطاعن) قد تخلى بإدارته واختياره عن المخدر المضبوط معه وسلمه إلى أحد الشرطيين المذكورين باعتبارهما زملاءه في المهنة بعد أن أفهماه شخصيتهما وقد اعتقد أنه بذلك قد يخليان سبيله إلا أنهما تحفظا عليه إثر اعترافه بجريمته إلى أن حضر الضابط وتسلمه وقام بتفتيشه وواجهه بالحشيش المضبوط فاعترف له بإحرازه وأرشد عن المتهم الثاني الذي سلمه إياه وقد تم ضبط المتهم الثاني ومن ثم يبين مما تقدم أن الإجراءات فيما بدأت به وانتهت إليه قد تمت صحيحة في الواقع والقانون وما خلص إليه الحكم فيما تقدم صحيح في القانون ذلك بأن الواقعة كما صار إثباتها بالحكم - وهو ما لا ينازع الطاعن فيه - تدل على تخلي الطاعن عن المخدر من تلقاء نفسه طواعية واختياراً ولم يكن نتيجة إجراء غير مشروع وقع من رجلي الشرطة مما يوفر حالة التلبس التي تبيح لغير رجال الضبط القضائي التحفظ على المتهم واقتياده إلى مأمور الضبط القضائي المختص أما مجرد تخوف المتهم وخشيته من رجلي الشرطة وتوهمه بأن أحدهما قد يقدم على القبض عليه أو التعرض لحريته فلا يصح اتخاذه ذريعة لإزالة الأثر القانوني المترتب على تخليه الصحيح عن المخدر، ومن ثم يكون الحكم إذ قضى برفض الدفع قد أصاب صحيح القانون وينحل ما يثيره الطاعن في هذا الشأن إلى جدل موضوعي حول واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعن والمتهم الثاني بوصف أنهما أحرزا جواهر مخدرة بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي وعاقبهما بالمواد
1 و2 و37 و38 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند 12 من الجدول رقم 1 المرافق، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن المؤسس على إعفائه من العقاب طبقاً للمادة 48 من ذلك القانون ورد عليه بقوله أن هذا الدفاع "مردود بأن مناط الإعفاء بالمادة 48 من القانون 182 لسنة 1960 قاصر بصريح نص المادة على الإعفاء من العقوبات المقررة في المواد 33 و34 و35 من هذا القانون وهو ما لم تأخذ به المحكمة في حق المتهم فضلاً عن أن المتهم الأول كان قد ارتكب جريمته وتمت فعلاً قبل أن يرشد عن المتهم الثاني". لما كان ذلك، وكان الأصل وفقاً للمادة 48 من هذا القانون أن الإعفاء قاصر على العقوبات الواردة بالمواد 33 و34 و35 منه، وكان تصدي المحكمة لبحث توافر عناصر هذا الإعفاء أو انتفاء مقوماته إنما يكون بعد إسباغها الوصف القانوني الصحيح على واقعة الدعوى فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل. ولا يؤثر في سلامة الحكم أن يكون قد انطوى على تقريرات قانونية خاطئة في شأن قصره الإعفاء على حالة المبادرة بالإخبار قبل علم السلطات العامة بالجريمة المنصوص عليه بالفقرة الأولى من المادة 48 سالفة الذكر مغفلاً حكم الفقرة الثانية منها التي لا تستلزم ذلك، ما دامت النتيجة التي خلص إليها الحكم صحيحة وتتفق والتطبيق القانوني السليم. ومع ذلك فإن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه ما دام أنه لا أثر له في النتيجة التي انتهى إليها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.