من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة جلب وحيازة مواد مخدرة باعتبارها ركنًا من أركان الجريمة يجب أن يكون ثبوته فعليًا لا افتراضيًا فهو لا يتوافر بمجرد تحقق الحيازة المادية بل يجب أن يقوم الدليل على علم الجاني بأن ما يحوزه هو من الجواهر المخدرة المحظور جلبها وإحرازها قانونًا وإلا كان ذلك إنشاء لقرينة قانونية مبناها افتراض العلم بالجوهر المخدر من واقع حيازته , وهو ما لا يمكن إقراره قانونًا.
وقررت محكمة النقض في حكمها
حيث إن النيابة العامة أسندت إلى المتهم وترتيبه كما ورد في قرار الاتهام الثاني أنه والأول: 1 - كونا وأدارا فيما بينهما تشكيلاً عصابيًا من أغراضه الاتجار في الجواهر المخدرة وتقديمها للتعاطي داخل البلاد. 2 - جلبا إلى البلاد جوهرًا مخدرًا " كوكايين " قبل الحصول على ترخيص بذلك من الجهة الإدارية المختصة. 3 - حازا بقصد الاتجار جوهرًا مخدرًا " كوكايين " في غير الأحوال المصرح بها قانونًا، وطلبت عقابه طبقًا لمواد الاتهام وقد ركنت النيابة العامة في إثبات الاتهام قبله إلى ما ورد بقائمة أدلة الإثبات. من أقوال .... والمقدم .... وما ورد بتقرير المعامل الكيماوية بمصلحة الطب الشرعي. فقد شهد ..... بأنه ولدى وجوده بمطار مدينة ..... سعيًا للعودة إلى القاهرة تعرف عليه المتهم الأول عارضًا عليه مساعدته في تدبير عودته مستضيفًا إياه بمسكنه نحو يومين أجرى خلالهما تعارفًا هاتفيًا بينه وبين المتهم الثاني بزعم مساعدة الأخير له في البحث عن عمل، وقبيل استقلاله الطائرة للعودة إلى القاهرة، سلمه المتهم الأول حقيبة طلب منه تسليمها لشخص من ذويه سيكون في انتظاره خارج صالة الوصل بمطار القاهرة، وفي أثناء الرحلة الجوية تبين وجود المتهم الثاني على متن الطائرة التي تقله، ولدى وصولهما معًا إلى البلاد ووجودهما بأرض المطار وقبيل إنهائهما لإجراءات التفتيش الجمركي تقدم ناحية المتهم الثاني محاولاً أن يجرى معه حوارًا إلا أن الأخير أعرض عنه ونأى بجانبه، فأتم إجراءاته وتوجه إلى خارج صالة الوصول بحثًا عن الشخص الذي كان مقررًا استلامه حقيبة المتهم الأول، فتبين له عدم وجوده، وأثناء ذلك تقدم إليه المتهم الثاني طالبًا استلام الحقيبة فرفض أن يسلمه إياها دون تحريره إيصالاً باستلامها، ونشبت بينهما مشادة كلامية انصرف على أثرها المتهم الثاني من غير أن يتسلمها، وإذ عاد إلى مسكنه مسترجعًا ما كان من أمر المتهمين معه، ارتاب في شأنهما، فقام بفتح الحقيبة فعثر بداخلها على أربعة أكياس بلاستيكية تحوي كل منها مسحوقًا مشابهًا لمسحوق الهيروين المخدرة فأبلغ سلطات ميناء ...... الجوي بالواقعة كما أضاف أن المتهم الثاني ألح عليه في طلب الحقيقة من خلال اتصاله به هاتفيًا وإرساله رسولاً لاستلامها، وأنه قام بتسليم الحقيبة له من خلال كمين أعد لضبطه. وشهد المقدم ..... رئيس فرع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بميناء القاهرة الجوي بتلقيه بلاغًا من الشاهد الأول بمضمون ما أورده بشهادته، فاستصدر إذنًا من النيابة العامة بضبط المتهم الثاني لدى تسليمه الحقيبة التي تحوي المخدر المضبوط وتنفيذًا لهذا الإذن مكن الشاهد الأول من الاتصال هاتفيًا بالمتهم الثاني للحضور لاستلام الحقيبة وفي الزمان والمكان المحددين حضر المتهم الثاني وجلس مع الشاهد الذي قام بتسليمه الحقيبة وتم ضبطه أثناء ذلك، وأضاف أنه تم ضبط المتهم الأول بعد عدة أيام قادمًا من مدينة ..... وهو محرزًا لمسحوق الهيروين المخدر، وأنه بإجرائه التحريات حول العلاقة القائمة بين المتهمين أسفرت عن صحة بلاغ الشاهد الأول وأن المتهمين كونا فيما بينهما تشكيلاً عصابيًا يهدف إلى جلب المواد المخدرة داخل البلاد. وأثبت تقرير المعامل الكيماوية أن اللفافات المضبوطة بالحقيبة تحوي كمية من المسحوق الأبيض ثبت أنه لمادة الكوكايين المدرج بالجدول الأول من جداول المخدرات.
وحيث إن ممثل النيابة العامة الحاضر بالجلسة صمم على معاقبة المتهم طبقًا لمواد الاتهام.
وحيث إن المتهم أنكر بالجلسة ما أسند إليه من اتهام وأبدى المحامي الحاضر معه دفاعه وأنهاه بطلب الحكم ببراءته.
وحيث إنه من المقرر أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع بها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته، صادرًا في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من تحقيق، مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره، ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاءه أو بعدم صحتها حكمًا لسواه وكان من المقرر أنه وإن كان يجوز للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات بحسبانها قرينة تعزز ما ساقته من أدلة، إلا أنها لا تصلح بمجردها أن تكون دليلاً كافيًا بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام، وهي من بعد لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدرها ويتحدد، حتى يتحقق القاضي بنفسه من هذا المصدر ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته القانونية في الإثبات، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة جلب وحيازة مواد مخدرة باعتبارها ركنًا من أركان الجريمة يجب أن يكون ثبوته فعليًا لا افتراضيًا فهو لا يتوافر بمجرد تحقق الحيازة المادية بل يجب أن يقوم الدليل على علم الجاني بأن ما يحوزه هو من الجواهر المخدرة المحظور جلبها وإحرازها قانونًا وإلا كان ذلك إنشاء لقرينة قانونية مبناها افتراض العلم بالجوهر المخدر من واقع حيازته , وهو ما لا يمكن إقراره قانونًا. وكان من المقرر كذلك أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى بالجزم واليقين على الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس بالظن والاحتمال على الفروض والاعتبارات المجردة. لما كان ذلك، فإن المحكمة لا تسترسل بثقتها إلى ما ركنت إليه النيابة العامة في سبيل التدليل على صحة الاتهام وصحة إسناده إلى المتهم لقصوره عن بلوغ حد الكفاية لإدراك القصد الجنائي وذلك لخلو أوراق الدعوى من الدليل اليقيني على علم المتهم بأمر المخدر ذلك أن الشاهد الأول أسس بنيان شهادته على شفا جرف هار من الريب والظنون والافتراضات من قوله إن المحكوم عليه الآخر، عرفه بالمتهم هاتفيًا. وأن الأخير عاد معه على ذات الرحلة وأنه امتنع عن محادثته داخل صالة الوصول وأنه طلب منه الحقيبة بعدما تخلف من كان في انتظاره رافضًا تحرير إيصال بها. وهي جميعها لا تغنى من الحق شيئًا. وجاءت شهادة الثاني دون زيادة عن سابقتها إلا بورًا. حيث يقرر صاحبها في بداية تحقيقات النيابة أن تحرياته استقاها من ظنون وافتراضات الشاهد الأول. وفي نهاية التحقيقات - يزيد شهادته وهنًا على وهن - بتجهيل نسب تحرياته ومصدرها، فخابت وخاب مسعاها حيث لا تستطيع المحكمة أن تحكم على صحة تلك التحريات من عدمه إلا من مصدرها. وعليه فإن المحكمة لا تجد فيما ركنت إليه النيابة من تدليل على صحة الاتهام قبل المتهم ما يكفي لإقناعها أن المتهم كان على علم بوجود المخدر ومن ثم فإن أركان جريمة جلب المخدر لا تكون متوافرة في حقه ويتعين لذلك القضاء ببراءته منها عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية.