أنه لما كان الدستور هو القانون الوضعي الأسمى، صاحب الصدارة فكان على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها، ويستوي في ذلك أن يكون التعارض سابقاً أو لاحقاً على العمل بالدستور، فإذا أما أورد الدستور نصاً صالحاً بذاته للأعمال بغير حاجة إلى سن تشريع أدنى، لزم إعمال هذا النص من يوم العمل به، ويعتبر الحكم المخالف له في هذه الحال قد نسخ صمناً بقوة الدستور نفسه. لما كان ذلك، وكان ما قضى الدستور في المادة 44 من صون حرمة المسكن وحظر دخوله أو تفتيشه إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون، إنما هو حكم قابل للإعمال بذاته فيما أوجب في هذا الشأن من أمر قضائي مسبب، ذلك بأنه ليس يجوز البتة للمشرع من بعد أن يهدر أياً من هذين الضمانين – الأمر القضائي والمسبب – اللذين قررهما الدستور لصون حرمة المسكن، فيسن قانوناً يتجاهل أحد هذين الضمانين أوكليهما، وإلا كان هذا القانون على غير سند من الشرعية الدستورية، أما عبارة "وفقاً لأحكام القانون" الواردة في عجز هذا النص فإنما تعني أن دخول المساكن، أو تفتيشها لا يجوز إلا في الأحوال المبينة في القانون، من ذلك ما أفصح عنه المشرع في المادة 45 من قانون الإجراءات الجنائية سالفة البيان من حظر دخول المسكن إلا في الأحوال المبينة في القانون أو في حالة طلب المساعدة من الداخل أو ما شابه ذلك وأما ما نصت عليه المادة 191 من الدستور من أن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحاً نافذاً، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور فإن حكمها لا ينصرف بداهة إلا إلى التشريع الذي لم يعتبر ملغياً أو معدلاً بقوة نفاذ الدستور ذاته، بغير حاجة إلى تدخل من المشرع، ومن ثم يكون تسبيب الأمر بدخول المسكن أو تفتيشه، إجراء لا مندوحة عنه، منذ العمل بأحكام الدستور دون تربص صدور قانون أدنى، ويكون ما ذهبت إليه النيابة العامة من نظر مخالف غير سديد
وقررت محكمة النقض في حكمها
حيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة إحرازه – في 24 من سبتمبر سنة 1972 – جوهراً مخدراً بقصد الاتجار قد ابتنى على خطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه أقام قضاءه على بطلان أمر النيابة العامة بتفتيش مسكن المطعون ضده لعدم تسبيب الأمر، في حين أن حكم المادة 44 من دستور جمهورية مصر العربية الصادر والمعمول به في 21 من رجب سنة 1391 المرافق 11 من 11 سبتمبر سنة 1971 فيما قضى من حظر دخول المساكن أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب لم يعمل به إلا من يعمل – في 28 من سبتمبر سنة 1972 – بالقانون رقم 37 لسنة 1972 الصادر في الثالث والعشرين من هذا الشهر بتعديل بعض النصوص المتعلقة بضمان حريات المواطنين في القوانين القائمة ومنها المادة 91 من قانون الإجراءات الجنائية – من يعد وقوع الواقعة مثار الاتهام.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن – رئيس المباحث قد سطر في محضره المؤرخ 23 من سبتمبر سنة 1972 أن تحرياته قد دلته على أن المطعون ضده وآخرون يتجرون في المواد المخدرة ويحرزون كمية منها فاستأذن النيابة العامة في اليوم ذاته في تفتيش أشخاصهم ومساكنهم وملحقاتها فأذنت في ذلك اليوم له ولمن يعاونه أو يندبه من مأموري الضبط القضائي وصدرت إذنها بعبارة "بعد الاطلاع على محضر التحريات عاليه" وفي الغد انتقل مأمور الضبط القضائي المندوب إلى مسكن المطعون ضده واقتحمه فألفاه فيه وإذ فتشه عثر بجيب صديريه على قطعة من الحشيش، وقد أقام الحكم المطعون فيه قضائه على قوله أن "إذن النيابة بتفتيش مسكن المتهم – المطعون ضده – الصادر في 23 من سبتمبر سنة 1972 في ظل الدستور المعمول به وبعد تعديل المادة 91 من قانون الإجراءات الجنائية قد جاء خلواً من الأسباب المبررة لصدوره، ذلك أن مصدره قد اكتفى في إصداره على مجرد إثبات اطلاعه على محضر التحريات وهو ما لا يعتبر تسبيباً للإذن طالما أنه لم يفصح عن اقتناعه بجدية الاستدلالات التي بني عليها الأمر ولم يقل كلمته في كفايتها لتسويغ إصداره ومن ثم فإن إذن النيابة بتفتيش مسكن المتهم يكون باطلاً لعدم تسبيبه ويكون دخول الضابط منزل المتهم لإجراء التفتيش استناداً إلى هذا الإذن الباطل قد تم بوجه غير قانوني لعدم مشروعيته نظراً لمساسه حرمة المنزل مما يصم هذا الإجراء بالبطلان الذي يمتد أثره إلى ما أسفر عنه من ضبط وحيث إن المادة 44 من الدستور قد نصت على أن "للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون" كما نصت المادة 45 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "لا يجوز لرجال السلطة العامة الدخول في أي محل مسكون إلا في الأحوال المبينة في القانون أو في حالة طلب المساعدة من الداخل أو في حالة الحريق أو الغرق أو ما شابه ذلك كما نصت المادة 91 من هذا القانون والمعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 سالف الذكر – على أن تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الالتحاء إليه إلا بمقتضى أمر من قاضي التحقيق بناءً على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المنزل المراد تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو باشتراكه في ارتكابها أو إذا وجدت قرائن تدل على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة. ولقاضي التحقيق أن يفتش أي مكان ويضبط فيه الأوراق – والأسلحة وكل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو وقعت عليه وكل ما يفيد في كشف الحقيقة. وفي جميع الأحوال يجب أن يكون أمر التفتيش مسبباً" ونصت المادة 119 منه على أنه "فيما عدا الجرائم التي يختص قاضي التحقيق بتحقيقها تباشر النيابة العامة التحقيق في مواد الجنح والجنايات طبقاً للأحكام المقررة لقاضي التحقيق مع مراعاة ما هو منصوص عليه في المواد التالية".
وحيث إنه لما كان الدستور هو القانون الوضعي الأسمى، صاحب الصدارة فكان على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها، ويستوي في ذلك أن يكون التعارض سابقاً أو لاحقاً على العمل بالدستور، فإذا ما أورد الدستور نصاً صالحاً بذاته للأعمال بغير حاجة إلى سن تشريع أدنى، لزم إعمال هذا النص من يوم العمل به، ويعتبر الحكم المخالفة له في هذه الحال قد نسخ ضمناً بقوة الدستور نفسه. لما كان ذلك، وكان ما قضى الدستور في المادة 44 من صون حرمة المسكن وحظر دخوله أو تفتيشه إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون، إنما هو حكم قابل للإعمال بذاته فيما أوجب في هذا الشأن من أمر قضائي مسبب، ذلك بأنه ليس يجوز البتة للمشرع من بعد أن يهدر أياً من هذين الضمانين – الأمر القضائي والمسبب اللذين قررهما الدستور لصون حرمة المسكن، فيسن قانوناً يتجاهل أحد هذين الضمانين أو كليهما، وإلا كان هذا القانون على غير سند من الشرعية الدستورية، أما عبارة "وفقاً لأحكام القانون" الواردة في عجز هذا النص فإنما تعني أن دخول المساكن أو تفتيشها لا يجوز إلا في الأحوال المبينة في القانون، من ذلك ما أفصح عنه المشرع في المادة 45 من قانون الإجراءات الجنائية سالفة البيان من حظر دخول المسكن إلا في الأحوال المبينة في القانون أو في حالة طلب المساعدة من الداخل أو ما شابه ذلك وما ما نصت عليه المادة 191 من الدستور من أن "كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحاً نافذاً، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور فإن حكمها لا ينصرف بداهة إلا إلى التشريع الذي لم يعتبر ملغياً أو معدلاً بقوة نفاذ الدستور ذاته، بغير حاجة إلى تدخل من المشرع، ومن ثم يكون تسبيب الأمر بدخول المسكن أو تفتيشه، إجراء لا مندوحة عنه، منذ العمل بأحكام الدستور دون تربص صدور قانون أدنى، ويكون ما ذهبت إليه النيابة العامة من نظر مخالف غير سديد. لما كان ذلك وكانت المادة 44 من الدستور فيما استحدثت من تسبيب الأمر بدخول المسكن أو تفتيشه لم ترسم شكلاً خاصاً للتسبيب، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لتسويغ إصدار الأمر بالتفتيش إنما هو من المسائل الموضوعية التي توكل إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فإذا كانت هذه السلطة قد أصدرت أمر بالتفتيش من بعد إطلاعها على محضر التحريات المقدم إليها من طالب الأمر بالتفتيش فإن الاستجابة لهذا الطلب يعني أن تلك السلطة لم تصدر أمرها إلا بناءً على اقتناعها بجدية وكفاية الأسباب التي أفصح عنها طالب الأمر في محضره، على اتخاذها بداهة هذه الأسباب أسباباً لأمرها هي، دون حاجة إلى تصريح بذلك لما بين المقدمات والنتيجة من لزوم، وإذ كانت الحال في الدعوى الماثلة على ما يبين من مدونات الحكم المطعون فيه – أن النيابة العامة حين أصدرت في 23 من سبتمبر سنة 1972 أمرها بالتفتيش مثار الطعن – في ظل العمل بالدستور - إنما أصدرته من بعد اطلاعها على محضر التحريات المقدم إليها من رئيس المباحث - طالب الأمر – وما تضمنه من أسباب توطئة وتسويغاً لإصداره – ألمع إليها الحكم المطعون فيه – فإن بحسب أمرها ذلك كي يكون محمولاً على هذه الأسباب بمثابتها جزءاً منه وبغير حاجة إلى إيراد تلك الأسباب في الأمر نفسه ومن ثم يكون هذا الأمر مسبباً في حكم المادة 44 من الدستور ويكون ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه – من بطلان الأمر وما أسفر عنه لخلوه من الأسباب المبررة لإصداره – قد ابتنى على خطأ في تأويل القانون، فيتعين نقضه، وإذ كان هذا الخطأ قد حجب المحكمة عن نظر موضوع الدعوى وقول كلمتها فيه فيتعين أن يكون النقض مقروناً بالإعادة.