لا يعيب الحكم ما استطرد إليه من تقرير قانوني خاطئ لم يكن له أثر في منطقه عند عرضه لدفاع الطاعن من قوله "وكان الشاهدان اللذان استمعت إليهما المحكمة قد ذكرا أن المتهم حرر الشيك بالفعل ثمناً للبضاعة التي اشتراها ومن ثم فإن القول بأن المتهم كان ضحية جريمة نصب لا يؤثر على قيام الجريمة إذ لا مبرر للبواعث التي حدت بالمتهم إلى تحرير الشيك بلا رصيد لما هو مقرر من أنه لا يؤثر في سلامة الحكم أن يكون قد انطوى على تقريرات قانونية خاطئة ما دامت لم تمس جوهر قضائه وكانت النتيجة التي خلص إليها صحيحة تتفق والتطبيق القانوني السليم.
وقررت محكمة النقض في حكمها
حيث إن مبنى الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إعطاء شيك بدون رصيد قد شابه خطأ في تطبيق القانون وانطوى على خطأ في الإسناد، ذلك بأنه أطرح دفاعه القائم على أن تحريره الشيك كان نتيجة جريمة نصب وقعت عليه من جانب الشركة المدعية بالحقوق المدنية بقالة أنه لا تأثر لهذا الدفاع على قيام الجريمة، إذ لا عبرة بالأسباب والبواعث التي حدت بالطاعن إصدار الشيك، دون أن يلقى بالاً للاستثناء الذي يقوم على سبب من أسباب الإباحة والذي يبيح للساحب حق المعارضة في الوفاء بقيمة الشيك بغير حاجة إلى دعوى، وخلط بينه وبين البواعث التي تدفع إلى إصدار الشيك، فضلاً عن أنه أسند إلى شاهدي نفى الطاعن أنهما قررا بوجود تلف في بعض البضاعة المحرر الشيك وفاء لثمنها – على خلاف ما شهدا به من تلفها جميعها. مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الأصل الذي جرى عليه قضاء النقض أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتحقق متى أعطى الساحب شيكاً لا يقابله رصيد أو أعطى شيكاً له مقابل ثم أمر بعدم السحب أو سحب الرصيد أو سحب من الرصيد مبلغاً بحيث يصبح الباقي غير كاف لسداد قيمة الشيك، إذ أنه بمجرد إعطاء شيك على وضع يدل مظهره وصيغته على أنه مستحق الأداء بمجرد الاطلاع وأنه أداة وفاء لا أداة ائتمان يتم طرحه في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها الشارع على الشيك بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات. والقصد الجنائي في هذه الجريمة هو القصد الجنائي العام والذي يكفي فيه علم من أصدره بأنه إنما يعطل الوفاء بقيمة الشيك الذي أصدره من قبل – فلا يستلزم فيها قصد جنائي خاص، ويتوافر هذا القصد الجنائي بإعطاء الشيك مع علمه بعدم وجود رصيد قائم له وقابل للسحب أو بإصدار أمر إلى المسحوب عليه بعدم الدفع حتى ولو كان هناك سبب مشروع، إذ أن مراد الشارع من العقاب هو حماية الشيك في التداول وقبوله في المعاملات على اعتبار أن الوفاء به كالنقود سواء ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب التي دعت صاحب الشيك إلى إصداره إذ أنها لا أثر لها على طبيعته وتعد من قبيلة البواعث التي لا تأثير لها في قيام المسئولية الجنائية التي لم يستلزم الشارع لتوافرها نية خاصة. وسوء النية في جريمة إصدار شيك بدون رصيد يتوفر بمجرد علم مصدره بعدم وجود مقابل وفاء له في تاريخ إصداره وهو علم مفترض في حق الساحب وعليه متابعة حركات رصيده لدى المسحوب عليه للاستيثاق من قدرته على الوفاء حتى يتم صرفه. كما أن الأصل أن سحب الشيك وتسليمه للمسحوب له يعتبر وفاء كالوفاء الحاصل بالنقود بحيث لا يجوز للساحب أن يسترد قيمته أو يعمل على تأخير الوفاء به لصاحبه. إلا أن ثمة قيد يرد على هذا الأصل هو المستفاد من الجمع بين حكمي المادتين 60 من قانون العقوبات و148 من قانون التجارة التي جرى نصها بأنه "لا تقبل المعارضة في دفع الكمبيالة إلا في حالتي ضياعها أو تفليس حاملها فيباح للساحب أن يتخذ من جانبه إجراء يصون به ماله بغير توقف على حكم القضاء تقديراً من الشارع بعلو حق الساحب في تلك الحال على حق المستفيد وهو ما لا يصدق على الحقوق الأخرى التي لابد لحمايتها من دعوى ولا تصلح مجردة سبباً للإباحة. كما أنه من المسلم به أنه يدخل في حكم الضياع والسرقة والحصول على الورقة بطريق التهديد وحالتي تبديد الشيك والحصول عليه بطريق النصب، من حيث حق المعارضة في الوفاء بقيمته، فهي بها أشبه على تقدير أنها جميعاً من جرائم سلب المال وأن الورقة فيها متحصلة من جريمة. وهذا القيد لا يمس الأصل الذي جرى عليه قضاء هذه المحكمة في تطبيق أحكام المادة 337 من قانون العقوبات وإنما يضع استثناء يقوم على سبب الإباحة فمجال الأخذ بهذا الاستثناء أن يكون الشيك قد وجد في التداول عن طريق جريمة من جرائم سلب المال سالفة الذكر. ومن ثم فلا قيام له في حالة إصدار الشيك مقابل ثمن لصفقة حقيقة مهما وجد بها من عيوب تجارية لأن الأمر لا يرقى إلى جريمة النصب، بل هو لا يعدو إخلالاً من المستفيد بالالتزام الذي سحب الشيك بناء عليه. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وارد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال ممثل الشركة المجني عليها ومطالعة الشيك وإفادة البنك المسحوب عليه بعدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب وما شهد به....... شاهدا نفي الطاعن من أن الشيك موضوع الاتهام حرر ثمناً لصفقة حقيقية وردت بضائعها للطاعن، فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من إدانة الطاعن يكون صحيحاً. ولا يجدي الطاعن ما يثيره حول الأسباب والظروف التي أحاطت بإصدار الشيك أو الدوافع التي أدت به إلى سحب الرصيد، كما أنه لا يجديه ما تذرع به في صدد نفي مسئوليته الجنائية بقالة أنه كان ضحية جريمة نصب من جانب الشركة المدعية بالحقوق المدنية بسبب اكتشافه تلف البضاعة المحرر الشيك وفاء لثمنها، لأن هذه الحالة – وفى خصوصية الدعوى المطروحة – لا تدخل في حالات الاستثناء التي تندرج تحت مفهوم حالة ضياع الشيك وهى الحالات التي يتحصل فيها على الشيك عن طريق إحدى جرائم سلب المال ولا يعيب الحكم ما استطرد إليه من تقرير قانوني خاطئ لم يكن له أثر في منطقه عند عرضه لدفاع الطاعن من قوله "وكان الشاهدان اللذان استمعت إليهما المحكمة قد ذكرا أن المتهم حرر الشيك بالفعل ثمناً لبضاعة اشتراها ومن ثم فإن القول بأن المتهم كان ضحية جريمة نصب لا يؤثر على قيام الجريمة إذ لا مبرر للبواعث التي حدت بالمتهم إلى تحرير الشيك بلا رصيد" لما هو مقرر من أنه لا يؤثر في سلامة الحكم أن يكون قد انطوى على تقريرات قانونية خاطئة ما دامت لم تمس جوهر قضائه وكانت النتيجة التي خلص إليها صحيحة تتفق والتطبيق القانوني السليم لما كان كان ذلك، وكان ما نعاه الطاعن على الحكم من خطئه في الإسناد فيما نقله عن شاهدي نفيه بخصوص تلقي البضاعة التي حرر الشيك ثمناً لها، فمردود بما هو ثابت من أن ما أورده الحكم في مدوناته من أقوال هذين الشاهدين له معينة الصحيح من الأوراق، ومن ثم فإنه تنحسر عنه قاله الخطأ في الإسناد. هذا فضلاً عن أنه – بفرض قيام هذا الخطأ فإنه لا يعيبه، لما هو مقرر من أن خطأ المحكمة في الإسناد لا يعيبه ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة. ولما كان هذا الخطأ – على فرض وجوده – لم يكن له أثر في منطق الحكم أو في النتيجة التي انتهى إليها، إذ هو لم يعول على أقوال الشاهدين المذكورين إلا خصوص كون الشيك موضوع الاتهام حرر ثمناً للبضاعة التي وردت للطاعن، ومن ثم يكون هذا النعي غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض موضوعاً.