بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن المسألة القانونية المثارة تنحصر فيما إذا كان ميعاد إقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة يبدأ أو يستكمل بحسب الأحوال من تاريخ انقضاء الستين يوماً المقررة لإصدار لجنة التوفيق في بعض المنازعات لتوصيتها، أم أن ميعاد رفع الدعوى لا يبدأ إلا من التاريخ الذي تصدر فيه اللجنة توصيتها وليس بعد انقضاء الستين يوماً المقررة لإصدار التوصية.
ومن حيث إن المادة السادسة من القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات تنص على أن "يقدم ذو الشأن طلب التوفيق إلى الأمانة الفنية للجنة المختصة، ويتضمن الطلب....... وتقرر اللجنة عدم قبول الطلب إذا كان متعلقاً بأي من القرارات الإدارية النهائية المشار إليها في الفقرة (ب) من المادة (12) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بالقانون رقم 47 لسنة 1972 إلا إذا قدم خلال المواعيد المقررة للطعن فيه بالإلغاء. وبعد تقديم التظلم منه وانتظار المواعيد المقررة للبت فيه وفق أحكام الفقرة المذكورة". وتنص المادة السابعة على أن: "يحدد رئيس اللجنة ميعاداً لنظر الطلب يخطر به أعضاءها، ويكون له تكليف أي من طرفي النزاع بتقديم ما يراه لازماً من الإيضاحات والمستندات قبل الميعاد المحدد لنظر الطلب ولكل من طرفي النزاع أن يحضر أمام اللجنة بشخصه أو بوكيل عنه لتقديم دفاعه. وتنظر اللجنة طلب التوفيق دون تقيد بالإجراءات والمواعيد المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية إلا ما تعلق منها بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضي".
وتنص المادة التاسعة على أن "تصدر اللجنة توصيتها في المنازعة، مع إشارة موجزة لأسبابها تثبت بمحضرها وذلك في ميعاد لا يجاوز ستين يوماً من تاريخ تقديم طلب التوفيق إليها. وتعرض التوصية - خلال سبعة أيام من تاريخ صدورها - على السلطة المختصة والطرف الآخر في النزاع، فإذا اعتمدتها السلطة المختصة وقبلها الطرف الآخر كتابة خلال الخمسة عشر يوماً التالية لحصول العرض قررت اللجنة إثبات ما تم الاتفاق عليه في محضر يوقع من الطرفين ويلحق بمحضرها وتكون له قوة السند التنفيذي، ويبلغ إلى السلطة المختصة لتنفيذه".
وتنص المادة العاشرة على أنه "إذا لم يقبل أحد طرفي النزاع توصية اللجنة خلال المدة المشار إليها في المادة التاسعة من هذا القانون أو انقضت هذه المدة دون أن يبدي الطرفان أو أحدهما رأيه بالقبول أو الرفض، أو لم تصدر اللجنة توصيتها خلال ميعاد الستين يوماً يكون لكل من طرفي النزاع اللجوء إلى المحكمة المختصة.
ويترتب على تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وقف المدد المقررة قانوناً لسقوط وتقادم الحقوق أو لرفع الدعوى بها، وذلك حتى انقضاء المواعيد المبينة بالفقرة السابقة...".
وتنص المادة الحادية عشرة على أنه "عدا المسائل التي يختص بها القضاء المستعجل، ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بالأوامر على العرائض، والطلبات الخاصة بأوامر الأداء وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ، لا تقبل الدعوى التي ترفع ابتداءً إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية، أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول وفقا لحكم المادة السابقة".
ومن حيث إن مفاد النصوص السابقة أن المشرع حين أصدر القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تنشأ بين الجهات الإدارية وبين العاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الخاصة كان ذلك بغرض التخفيف من عبء القضايا وكثرتها أمام جهات القضاء فأسند إلى هذه اللجان إصدار التوصيات بحل تلك المنازعات، ونص على كيفية تشكيلها وحدد الإجراءات أمامها على نحو يكفل سرعة الفصل فيما يطرح عليها من طلبات.
وحين نص في المادة التاسعة من هذا القانون على أن تصدر اللجنة توصيتها في المنازعة مع إشارة موجزة لأسبابها تثبت بمحضرها وذلك في ميعاد لا يجاوز ستين يوماً من تاريخ تقديم طلب التوفيق إليها إنما هو في حقيقته خطاب من المشرع إلى هذه اللجان لحثها على سرعة الفصل في هذه الطلبات على النحو الذي يحقق الغرض من إنشائها، وهذا الخطاب من المشرع إلى اللجنة أتبعه بقيامها بعرض التوصية خلال سبعة أيام من تاريخ صدورها على السلطة المختصة وعلى الطرف الآخر في النزاع، فإذا اعتمدتها السلطة المختصة وقبلها الطرف الآخر كتابة خلال الخمسة عشر يوماً التالية لحصول العرض قررت اللجنة إثبات ما تم الاتفاق عليه في محضر يوقع من الطرفين ويلحق بمحضرها وتكون له قوة السند التنفيذي ويبلغ إلى السلطة المختصة لتنفيذه، فالخطاب موجه إلى اللجنة وليس لمقدم الطلب لتنظيم العمل داخل اللجنة حتى تصدر توصيتها في وقت مناسب وتحقيقاً للغرض من إنشائها.
وإذا كان القانون المشار إليه قد نص في المادة العاشرة منه على أنه في حالة قبول طرفي النزاع لتوصية اللجنة خلال المدة المشار إليها في المادة التاسعة أو انقضت هذه المدة دون أن يبدي الطرفان أو أحدهما رأيه بالقبول أو بالرفض أو لم تصدر اللجنة توصيتها خلال ميعاد الستين يوماً يكون لكل من طرفي النزاع اللجوء إلى المحكمة المختصة، فهذه المواعيد على ما يبين من سياق النصوص والغرض من إنشاء اللجنة هي مواعيد تنظيمية لحسن قيام اللجنة بعملها، خاصة أن اختصاص اللجنة يشمل المنازعات الإدارية والمدنية والتجارية - على تفاوت إجراءات ومواعيد كل نوع من تلك الدعاوى، وآية القول بأنها مواعيد تنظيمية أن المشرع لم يرتب أثراً أو جزاء على عدم عرض التوصية خلال سبعة أيام من تاريخ صدورها هذا من ناحية ومن ناحية أخرى كان نص المادة العاشرة صريحاً "يكون لكل من طرفي النزاع اللجوء إلى المحكمة المختصة" فجعلها لإرادة صاحب الشأن وليس بصيغة اللزوم، كذلك فإن المتأمل لبعض النصوص التشريعية ومنها على سبيل المثال نص المادة (25) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 بإلزام قلم الكتاب بإعلان عريضة الدعوى ومرفقاتها إلى الجهة الإدارية المختصة وإلى ذوي الشأن في ميعاد لا يجاوز سبعة أيام من تاريخ تقديمها والملاحظ عدم التزام قلم الكتاب بهذا النص بهذا الميعاد في العديد من الدعاوى ولم ترتب أحكام المحكم على هذا الإخلال بالميعاد ثمة أثراً.
ويتساند أيضاً مع ما تقدم أنه بالنسبة للتظلمات الإدارية وخاصة الوجوبية منها والتي جعل المشرع في نص صريح وقاطع بأن ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستون يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة بنص المادة 24 من قانون مجلس الدولة المشار إليه ومع ذلك فإن بعض أحكام المحكمة الإدارية العليا خرجت على هذه المواعيد حين تكون الجهة الإدارية وهي تبحث تظلم صاحب الشأن في سبيل الاستجابة لطلباته حتى لو تراخت الجهة الإدارية في بحث التظلم شهوراً ومع ذلك حكمت بقبول الدعوى شكلاً بالمخالفة لهذه المواعيد، بل أن القضاء الإداري عموماً إذا أقام صاحب الشأن طلباً بإعفائه من الرسوم القضائية يقبل دعواه خلال ستين يوماً من تاريخ البت في طلب الإعفاء ولو تراخى الفصل فيه شهوراً وسنوات.
كل ذلك يؤكد ميل المشرع والقضاء الإداري عموماً إلى التيسير على أصحاب الشأن فيما يتعلق بميعاد إقامة الدعوى خاصة أن الأمر ينصرف في معظمه إلى بحث مدى مشروعية القرارات الإدارية أو عدم مشروعيتها بما لا يوصد الباب أمام أصحاب الشأن في الالتجاء إلى القضاء.
وبالإضافة إلى ما تقدم فإذا لوحظ أن عمل اللجان المشار إليها وما يتضمنه من تقديم الطلب من صاحب الشأن مصحوباً ببيانات ومستندات وتحديد ميعاد لنظره وما قد يستلزمه من آجال وتكليف أي من طرفي النزاع بالمثول أمام اللجنة لتقديم الإيضاحات والمستندات، وما يستوجبه المشرع من ضرورة حضور أعضاء اللجنة حضوراً صحيحاً بجميع أعضائها، وكتابة المحضر وأسبابه متضمناً التوصية، كل هذه الإجراءات مع ما هو معلوم من بطء الإجراءات الإدارية وتراخيها يجعل من هذه المواعيد مواعيد تنظيمية، فإذا ألزم صاحب الشأن - أخذاً بعكس هذا النظر - بضرورة إقامة دعواه بعد انقضاء ميعاد الستين يوماً المشار إليه فإن ذلك يعني تحول عمل هذه اللجان إلى مجرد إجراء شكلي لقبول الدعوى وتجريد هذا العمل من الهدف الذي تغياه المشرع من إنشائها للمساهمة في حل المنازعات وتخفيف العبء عن كاهل القضاء، مع ما في ذلك أيضاً من إعنات لصاحب الشأن وتكليفه بما يجاوز السعة بالتربص باللجنة وترصد خطواتها وقد لا يكون ذلك في مكنته لعدم معرفته بتاريخ إصدار التوصية وتاريخ إخطار طرفي النزاع - لكل ذلك فإن ما يتفق وهدف المشرع من إنشاء هذه اللجنة وأخذاً بنصوص القانون رقم 7 لسنة 2000 في مجموعها وعلى وجهها الصحيح يجعل من المواعيد المقررة في نص المادة التاسعة من هذا القانون مجرد مواعيد تنظيمية لعمل اللجان وليست مواعيد سقوط.
ومن حيث إنه لا يحاج في هذا الشأن بأنه يترتب على الأخذ بهذا النظر عدم استقرار المراكز القانونية إذا تراخت اللجنة في إصدار التوصية إلى ما بعد الستين يوماً المشار إليها وتراخى صاحب الشأن بالتالي في اللجوء للقضاء ذلك أن الوقت لن يطول بصدور التوصية أو اللجوء للقضاء على نحو يؤدي إلى عدم استقرار المراكز القانونية، كما أن البت في مشروعية القرارات الإدارية - وهي أهم المنازعات التي تطرح على اللجنة يعلو في هذا الشأن ووصم القرارات الإدارية بالمشروعية هو الذي يؤدى بالضرورة إلى استقرار المراكز القانونية على الوجه المقرر قانوناً.
من كل ما تقدم فإن ميعاد الستين يوماً المقررة في المادة التاسعة من القانون المشار إليه إنما هو ميعاد تنظيمي في خطاب من المشرع إلى اللجنة ويكون ميعاد رفع الدعوى طعناً على القرارات الإدارية من تاريخ صدور توصية من اللجنة بشأن هذه القرارات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
بأن ميعاد رفع الدعوى طعناً على القرار المطعون فيه يكون من تاريخ إصدار اللجنة توصيتها في المنازعة المعروضة عليها وليس من تاريخ انتهاء ميعاد الستين يوماً المشار إليها بالمادة التاسعة من القانون رقم 7 لسنة 2000 وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.