إذ كان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده الأول - المضرور - وإن تصالح مع المطعون ضده الثانى - قائد السيارة أداة الحادث - وتنازل عن حقوقه المدنية قبله، ومن ثم فإن أثر هذا التنازل لا يمتد إلى الشركة الطاعنة وتظل ملتزمة بتعويض المطعون ضده الأول عن الأضرار التى حاقت به من الحادث المؤمن عليه (إجباريًا) لديها، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون
وقررت محكمة النقض في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضى المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الواقعات - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق، وبالقدر اللازم للفصل فى الطعن - تتحصل فى أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم... لسنة 2007 مدنى كلى طنطا، على الشركة الطاعنة، والمطعون ضده الثانى، بطلب الحكم بإلزامهما بأن يؤديا إليه مبلغ مائتى ألف جنيه تعويضًا ماديًا وأدبيًا، عن الإصابات التى أحدثها به المذكور أخيرًا من حادث سيارة مؤمن من مخاطرها لدى الشركة الطاعنة. رفضت المحكمة الدعوى بحكم استأنفه المطعون ضده الأول بالاستئناف رقم.... لسنة 58 ق طنطا، وبتاريخ 15/ 12/ 2009 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف، و بإلزام الشركة الطاعنة والمطعون ضده الثانى بأن يدفعا بالتضامم فيما بينهما للمطعون ضده الأول مبلغ سبعين ألف جنيه تعويضًا، طعنت الشركة الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرض الطعن على الدائرة المدنية المختصة، رأت بجلستها المعقودة بتاريخ 21 من مارس سنة 2011 إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها للفصل فيه، عملاً بالفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل؛ إذ ذهبت بعض الأحكام إلى امتداد أثر تنازل المضرور من حوادث السيارات المؤمن من مخاطرها، عن حقوقه المدنية قبل المسئول عنها، إلى الشركة المؤمن لديها من مخاطر تلك السيارات، بينما ذهبت أحكام أخرى إلى عدم امتداد أثر هذا التنازل إلى الشركة المؤمن لديها، وإذ حددت الهيئة جلسة لنظر الطعن، قدمت النيابة مذكرة عدلت فيها عن رأيها السابق، ارتأت فيها رفض الطعن.
وحيث إن المشرع قد أنشأ للمضرور من حوادث السيارات دعوى مباشرة قبل المؤمن، بمقتضى المادة الخامسة من القانون رقم 652 لسنة 1955 - بشأن التأمين الإجبارى من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات المنطبق على واقعة النزاع - يستطيع بمقتضاها المضرور من الحادث، الذى يقع من السيارة المؤمن من مخاطرها، الرجوع مباشرة على شركة التأمين لاقتضاء التعويض عن الضرر الذى أصابه نتيجة لهذا الحادث، فكل ما يلزم لقيام مسئولية شركة التأمين عن تعويض المضرور، أن يثبت نشوء الضرر عن سيارة مؤمن عليها لديها مع انتفاء السبب الأجنبى، وسواء كان طالب التأمين هو المسئول عن الحادث أو غيره، وسواء كان هو المتولى حراستها أم غيره، فلا تلازم بين مسئولية شركة التأمين تجاه المضرور، ومسئولية مالك السيارة أو قائدها، ومن ثم فإن دعوى المضرور المباشرة قبل شركة التأمين، ليس باعتبارها مسئولة عن دين المسئول عن الحقوق المدنية الناشئ عن خطئه فحسب، بل باعتبارها مدينة أصلية بدين ناشئ عن عقد التأمين، ومن ثم لا يلزم اختصام المضرور لمالك السيارة أو غيره فى دعواه المباشرة قبل شركة التأمين، ومع التسليم بأن التأمين من مخاطر السيارات فيما يخص العلاقة بين الشركة المؤمن لديها وبين المؤمن له مالك السيارة هو تأمين من المسئولية المدنية التى قد تشغل ذمته من تلك المخاطر، ومؤدى ذلك أن حق المضرور من حوادث السيارات، فى اقتضاء حقه فى التعويض من شركة التأمين، هو حق مستقل عن حقه فى اقتضاء ذلك التعويض من المسئول عن الحقوق المدنية، والذى قد يتعذر التعرف عليه أو الوصول إليه، فلا يبقى من سبيل أمام المضرور للحصول على حقه فى التعويض سوى شركة التأمين، وهو ما هدف إليه المشرع، من تقنين هذا النوع من التأمين؛ ولما كان محل حق المضرور واحدًا، وهو اقتضاء التعويض الجابر للضرر، وكان القانون قد أوجد له مدينين أحدهما المسئول عن الحقوق المدنية، والآخر هو شركة التأمين المؤمن لديها، وأعطى للمضرور الخيار فى مطالبة أيهما بالتعويض، فإن استوفاه من أحدهما برئت ذمة الآخر، ولكن إسقاطه لحقه قبل أيهما أو إبراءه لذمته لا يترتب عليه إبراء ذمة الآخر. لما كان ذلك، وكانت بعض أحكام هذه المحكمة قد ذهبت إلى امتداد أثر تنازل المضرور عن حقه فى التعويض قبل المسئول عن الحقوق المدنية إلى الشركة المؤمن لديها من مخاطر السيارة أداة الحادث، فقد رأت الهيئة بالأغلبية المنصوص عليها فى الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية،الصادر بالقرار بالقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل، العدول عن هذا الرأى والأحكام التى اعتدت به، والفصل فى الطعن على هذا الأساس.
وحيث إنه سبق القضاء فى شكل الطعن وقبوله.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد تنعى به الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه، مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه، وفى بيان ذلك تقول: إن الحكم ألزمها بمبلغ التعويض المقضى به للمطعون ضده الأول، برغم تنازله عن جميع حقوقه المترتبة عن الحادث للمطعون ضده الثانى، بموجب محضر الصلح المبرم بينهما، والمقدم فى الدعوى الجنائية، وهذا التنازل يتعدى أثره إليها فتبرأ ذمتها، بحسبان أن التزامها - كمؤمن - مرتبط بالتزام قائد السيارة مرتكب الحادث، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون معيبًا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى غير سديد، ذلك بأن المقرر - وعلى ما انتهت إليه الهيئة - أن إسقاط المضرور من حوادث السيارات، لحقه فى التعويض قبل المسئول عن الحقوق المدنية أو إبراءه لذمته، لا يترتب عليه بالضرورة إبراء ذمة شركة التأمين المؤمن لديها، من دين التعويض المستحق له. لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده الأول - المضرور - وإن تصالح مع المطعون ضده الثانى - قائد السيارة أداة الحادث - وتنازل عن حقوقه المدنية قبله، ومن ثم فإن أثر هذا التنازل لا يمتد إلى الشركة الطاعنة وتظل ملتزمة بتعويض المطعون ضده الأول عن الأضرار التى حاقت به من الحادث المؤمن عليه لديها، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون، ويكون النعى عليه بهذا السبب على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.