من المقرر أن القانون لا يشترط لثبوت جريمة القتل والحكم بالإعدام على مرتكبها وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة بل للمحكمة أن تكوِّن اعتقادها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها، ومتى رأت الإدانة كان لها أن تقضي بالإعدام على مرتكب الفعل المستوجب القصاص دون حاجة إلى إقرار منه أو شهود رؤية حال وقوع الفعل منه
وقررت محكمة النقض في حكمها وحيث ينعي الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد المرتبطة بجنحة سرقة قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع؛ ذلك بأنه لم يلم وبواقعة الدعوى عن بصر وبصيرة، ولم يستظهر أركان الجريمة ولم يدلِّل على توافر قصد السرقة لديه، واعتنق تصوير الشاهد الأول مجري التحريات للواقعة رغم كونه افتراضي وظني لا يسانده دليل في الواقع، وأخذ بأقوال الشاهدة الثانية رغم كونها شهادة سماعية شابها الإكراه وعدلت عنها، وببطلان أقوالها إعمالاً لنص المادة 67 من قانون الإثبات، وعوَّل على اعتراف الطاعن رغم كونه وليد إكراه من ضابط الواقعة، ولم تجبه المحكمة لطلب مناقشة الشاهدة الثانية، وجاء القبض على الطاعن باطلاً لوقوعه قبل الإذن به، وأن للواقعة صورة أخرى مغايرة للصورة التي قال بها الشهود بدلالة وجود مبالغ مالية بمسكن المجني عليها بما ينفي قصد السرقة ووجود كوبين من الشاي بما يدل على أن مرتكب الواقعة شخص آخر كان بزيارة المجني عليها، وأن معاينة النيابة العامة لا تدل على الواقع لدخول العديد إلى مسكن المجني عليها بعد الحادث وبعثرة محتوياته، كل ذلك مما يعيب الحكم يستوجب نقضه. وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن لم يقنع ويرضى برزقه ولم يحسن تدبير أمره والاستغناء عن غيره, وتساهل الاستدانة، ولم يجتهد في قضاء دينه سريعًا حتى تبرأ ذمته، وراح يماطل ويحاول أكل أموال الناس بالباطل، واعتاد الاستدانة من المجني عليها، وكانت تستجيب لطلبه لصلة القرابى بينهما، ولما ماطلها في السداد توجهت إليه في مسكنه وطالبته بما عليه أمام أهله وذويه مما أثار حنقه وحفيظته، وأسرَّها الطاعن في نفسه، غير أنه عاود التردد على المجني عليها طالبًا إقراضه مبلغًا من المال إلا أنها رفضت، ولكونه يعلم أنها تمتلك مبالغ مالية كبيرة، تحتفظ بها في مسكنها نتيجة تجارتها في المواد الغذائية والماشية فقد بيَّت النية وأعد العدة وصمَّم على سرقة أموالها وقتلها حتى لا يفتضح أمره وتوجَّه إليها في مسكنها وطرق عليها الباب ففتحت له، ودخل الطاعن إليها وطلب منها مبلغًا من المال وعندما رفضت التقط قطعة من الخشب وهوى بها على مؤخرة رأسها فانكسرت قطعة الخشب إلى ثلاث قطع وسقطت المجني عليها وارتطمت بحائط وجثم الطاعن فوقها وخنقها بغطاء رأسها وأحكم الخنق على عنقها قاصدًا قتلها ولم يرحم شيخوختها ولم تشفع له قرابتها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها ثم قام بسرقة مبلغ خمسين جنيها منها، وساق الحكم على ثبوت الجريمة على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة استمدها من اعتراف الطاعن شفاهة بتحقيقات النيابة العامة، ومن شهادة الرائد/ .....، وزوجته ...... ومن معاينة النيابة العامة وتقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليها وتقرير المعامل الكيماوية وقطعة الخشب - أداة الجريمة - المضبوطة وهي أدلة سليمة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء بيانه لأدلة الدعوى وأركان الجريمة على نحو كاف يدل على أن المحكمة محصت الدعوى التمحيص الكافي وألمت بها إلمامًا شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة بما يكفي لتحقيق حكم القانون في تسبيب الأحكام بالإدانة، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك, وكان الحكم قد دلَّل على توافر نية القتل والسرقة معًا وارتباطهما بما مؤداه ذهاب الطاعن للمجني عليها بمسكنها لاقتراض مبلغ مالي لعلمه أنها تحتفظ بمبالغ مالية بمسكنها لقيامها بالاتجار في المواد الغذائية والماشية وعندما رفضت التقط قطعة خشب كانت بالمنزل وهوى بها على مؤخرة رأسها فسقطت أرضًا ثم لفَّ قماش رداء الرأس الذي كانت ترتديه وخنقها به على رقبتها ولم يتركها إلى بعد التأكد من وفاتها وباتت جثة هامدة محدثًا بها الإصابات الواردة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها ليتمكن من سرقة نقودها فقام بعد قتلها بتفتيشها وتفتيش مسكنها ولم يعثر سوى على مبلغ خمسين جنيهًا قام بسرقتها مع علمه أن المال مملوك لها واتجهت إرادته إلى سرقته على غير إرادة مالكه وإضافته إلى ملكه بنية تملكه وتتوافر في حقه جناية القتل العمد المرتبطة بجنحة السرقة المنصوص عليها بالمادة 234/ 3، 1 من قانون العقوبات بركنيها المادي والمعنوي، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرج بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه وأن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان الحكم قد ساق على قيام هذه النية تدليلاً سائغًا واضحًا في إثبات توافرها لدى الطاعن على النحو السابق بيانه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول. لما كان ذلك, وكان شرط إنزال العقوبة المنصوص عليها في المادة 234 من قانون العقوبات هو أن يكون وقوع القتل لأحد المقاصد المبينة بها ومن بينها التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل، وعلى محكمة الموضوع في حالة ارتباط القتل بجنحة سرقة أن تبيِّن غرض المتهم من القتل وأن تقيم الدليل على توافر رابطة السببية بين القتل والسرقة، وكان ما أورده الحكم على النحو سالف البيان يتحقق به ظرف الارتباط المشدِّد لعقوبة القتل العمد المرتبطة بجنحة سرقة كما هي معرفَّة به في القانون؛ إذ أوضح رابطة السببية بين القتل وارتكاب جنحة السرقة التي كانت الغرض المقصود منه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك, وكان القانون لا يشترط لثبوت جريمة القتل والحكم بالإعدام على مرتكبها وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة بل للمحكمة أن تكوِّن اعتقادها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها، ومتى رأت الإدانة كان لها أن تقضي بالإعدام على مرتكب الفعل المستوجب القصاص دون حاجة إلى إقرار منه أو شهود رؤية حال وقوع الفعل منه. لما كان ذلك, وكان المقرر أن للمحكمة أن تعوِّل في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدل مادامت تلك التحريات قد عُرِضت على بساط البحث، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بعدم جدية التحريات وأقوال مجريها واطراحه باطمئنان المحكمة لما جاء بتلك التحريات وأقوال محرِّرُها بالتحقيقات وجديتها وكفايتها للأسباب السائغة التي أوردها، فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم جدية التحريات وأقوال مجريها لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا حول سلطة المحكمة في وزن أدلة الدعوى واستنباط معتقدها منها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت سماعية طالما اطمأنت إليها ولها أن تأخذ بأقواله في أي مرحلة من مراحل التحقيق والمحاكمة دون بيان العلة في ذلك ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى مادام له أصل فيها - ولو عدل عنها فيما بعد - وكان الحكم قد عرض لما دفع به المدافع عن الطاعن من بطلان أقوال الشاهدة الثانية لكونها وليدة إكراه مادي ومعنوي واطرحه باطمئنانه إلى شهادتها وكونها صادرة عن إرادة حرة واعية دون إكراه وأنها مطابقة لحقيقة الواقع في الدعوى, فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديًا من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح وهو ما لا يُقبَل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان أقوال الشاهدة الثانية إعمالاً لنص المادة 286 من قانون الإجراءات الجنائية واطرحه بما مؤداه أن نص المادة سالفة الذكر أن الشاهد لا يمتنع عن الشهادة بالوقائع التي رآها أو سمعها ولو كان من يشهد ضده قريبًا أو زوجًا له، وإنما أُعفى من أداء الشهادة إذا أراد ذلك وأن الثابت من الأوراق أن أحدًا لم يجبر الشاهدة على الشهادة ضد زوجها وأدلت بها طواعية وهو رد سائغ من الحكم، كما أن نص المادة 67 من قانون الإثبات تمنع أحد الزوجين من أن يفشي بغير رضاء الآخر ما عسى يكون أبلغه به أثناء قيام الزوجية ولو بعد انقضائها إلا في حالة رفع دعوى من أحدهما بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على الآخر، وكان الثابت أن المجني عليها جدة الشاهدة والطاعن زوجها هو مرتكب الجريمة وأنها أدلت بأقوالها دون أن يبين الطاعن عدم رضاه عن ذلك بالتحقيقات. لما كان ذلك, وكان للمحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمنًا، وكان الثابت من محضر جلسة المرافعة الأخيرة أن النيابة والدفاع اكتفيا بأقوال الشهود الواردة بالتحقيقات والمحكمة أمرت بتلاوتها وتُلِيت ولم يثبت أن اعترض على ذلك واختتم المدافع عنه مرافعته طالبًا البراءة ودون أن يصمم على سماع الشاهدة الثانية، فليس له من بعد أن ينعي على المحكمة قعودها عن سماعها أو إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها لزومًا لإجرائه فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون له محلاً. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية باعتباره عنصرًا من عناصر الاستدلال يخضع لتقدير المحكمة والتي لها الأخذ باعتراف المتهم على نفسه في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت لصحة هذا الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع في الدعوى، وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان اعتراف الطاعن شفاهة بتحقيقات النيابة العامة واطرحه بما مؤداه أنه يطمئن إلى ذلك الاعتراف لصدوره عن إرادة حرة واعية دون إكراه أو وعيد ومطابقته لأقوال الشهود وتقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليها، هذا فضلاً عن أن الثابت من المفردات المضمومة أن اعتراف الطاعن تم في حضور محاميه، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك, وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان القبض لحصوله قبل صدور إذن النيابة العامة واطرحه باطمئنان المحكمة لضبط وإحضار المتهم نفاذًا للأمر الصادر من النيابة العامة فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول. لما كان ذلك, وكان ما يثيره الطاعن من أن للواقعة صورة أخرى والتشكيك في الدليل المستمد من المعاينة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقد, فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا. وحيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 المعدل بالقانون رقم 23 لسنة 1992 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض فإن المحكمة تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها طبقًا لنص المادة سالفة الذكر وتفصل فيها لتستبين عيوب الحكم من تلقاء نفسها سواء قدَّمت النيابة مذكرة برأيها أو لم تقدِّم، وسواءً قدَّمت هذه المذكرة قبل فوات الميعاد المحدد للطعن أو بعده. لما كان ذلك, وكان يبين إعمالاً لنص المادة 35 من القانون المذكور أن الحكم المعروض قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دين المحكوم عليه بالإعدام بها، وجاء خلوًا من قالة مخالفة القانون، أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله، وقد صدر من محكمة مشكلة وفقًا للقانون، ولها ولاية الفصل في الدعوى، وصدر بإجماع الآراء، وبعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية، ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير ما انتهى إليه الحكم بالنسبة إلى المحكوم عليه، فإنه يتعين إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه .... . |
|