مفاد النص في المادة 178 من القانون المدني يدل على أن المشرع قصد بهذا النص أن يدفع ظلماً يمكن أن يحيق بطائفة من المضرورين، فلم يشترط وقوع ثمة خطأ من المسئول عن التعويض وفرض على كل من أوجد شيئاً خطراً ينتفع به أن يتحمل تبعة ما ينجم عن هذا الشيء من أضرار سواء كان مالكاً أو غير مالك، فحمل الحارس هذه المسئولية وأسسها على خطأ مفترض يكفي لتحققه أن يثبت المضرور وقوع الضرر بفعل الشيء، ولا يملك المسئول لدفع المسئولية إلا أن يثبت أن الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه
وقررت محكمة النقض في حكمها بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر وبعد المرافعة والمداولة. وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهما أقاما الدعوى رقم 5759 لسنة 1999 مدني الإسكندرية الابتدائية على الشركة الطاعنة بطلب الحكم بإلزامها بالتعويض عما لحقهما من ضرر بسبب وفاة مورثهما نتيجة صعقة من تيار كهربائي من سلك بارز من أحد صناديق الكهرباء بالطريق العام ومحكمة أول درجة حكمت بما قدرته من تعويض، استأنف المطعون ضدهما هذا الحكم بالاستئناف رقم 1665 لسنة 56 ق الإسكندرية. كما استأنفته الشركة الطاعنة بالاستئناف رقم 2063 لسنة 56 ق الإسكندرية، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين قضت في استئناف المضرورين بزيادة التعويض وفي استئناف الشركة برفضه، طعنت الشركة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه، وعرض الطعن على الدائرة المختصة التي رأت بجلستها المعقودة في 6 من مايو سنة 2004 بعد أن قضت بقبول الطعن شكلاً أحالته إلى الهيئة العامة للمواد التجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 المعدل للأخذ بأحد المبادئ التي قررتها أحكام سابقة والعدول عما يخالفه ويقضي أولهما بمسئولية وحدات الحكم المحلي عن حراسة شبكات الكهرباء وبالتالي مسئوليتها عن الأضرار التي تحدثها إعمالاً لأحكام قانون الحكم المحلي وتعديلاته والقرارات التنفيذية الصادرة في هذا الشأن، وعدم مسئولية الجهات القائمة على إنتاج وبيع الطاقة الكهربائية من مؤسسات أو هيئات أو شركات بحسبان أن مهمتها تنحصر في إنتاج الطاقة وبيعها مقابل جعل مادي وهذا ليس من شأنه إخراج الشبكات من السلطة الفعلية للحكم المحلي، بينما ذهبت أحكام أخرى إلى مسئولية هيئة كهرباء مصر عن الصيانة باعتبارها حارسة على شبكات الكهرباء طبقاً لقانون إنشائها، وذهب اتجاه ثالث إلى مسئولية شركات الكهرباء القائمة على توزيع وبيع الطاقة وبالتالي مسئوليتها عن عملية الصيانة كل في دائرة اختصاصها المحلي كما ذهب رأي رابع إلى التفرقة في المسئولية بين شبكة الإنارة العامة التي أسندها إلى الحكم المحلي، وبين شبكة الكهرباء التي تقوم الشركة عن طريقها بتوزيع وبيع الطاقة الكهربائية إلى المستهلكين حيث أسند المسئولية عنها إلى شركة الكهرباء لأنها المسئولة عن حراستها. وأخيراً ذهب حكم آخر إلى مسئولية هذه الجهات مجتمعة "الإدارة المحلية والشركة القابضة لكهرباء مصر وشركات توزيع وبيع الطاقة الكهربائية" كل في حدود اختصاصها المكاني بحسبان أن كلاً منهما يعتبر حارساً على منشآت الطاقة الكهربائية والأسلاك التي تسري فيها. وحيث إن الهيئة حددت جلسة لنظر الطعن وقدمت النيابة مذكرة تكميلية رأت فيها الأخذ بالمبدأ الأخير. وحيث إن النص في المادة 178 من القانون المدني على أن "كل من تولى حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة آلات ميكانيكية يكون مسئولاً عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر، ما لم يثبت وقوع الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه...." يدل على أن المشرع قصد بهذا النص أن يدفع ظلماً يمكن أن يحيق بطائفة من المضرورين، فلم يشترط وقوع ثمة خطأ من المسئول عن التعويض وفرض على كل من أوجد شيئاً خطراً ينتفع به أن يتحمل تبعة ما ينجم عن هذا الشيء من أضرار سواء كان مالكاً أو غير مالك، فحمل الحارس هذه المسئولية وأسسها على خطأ مفترض يكفي لتحققه أن يثبت المضرور وقوع الضرر بفعل الشيء، ولا يملك المسئول لدفع المسئولية إلا أن يثبت أن الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه، ويقصد بالحارس الذي يفترض الخطأ في جانبه هو ذلك الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي تكون له السيطرة على الشيء، على أنه يمكن أن يتعدد الحراس متى ثبت أن الحراسة قد تحققت لأكثر من شخص على نفس الشيء وتساوت سلطاتهم في الاستعمال والإدارة والرقابة بشرط قيام السلطة الفعلية لهم جميعاً على الشيء نفسه، ويبقى حقهم في توزيع المسئولية فيما بينهم أو رجوع أحدهم على الآخر مردوداً للقواعد العامة في القانون المدني. ولما كانت المادة 178 من القانون المدني قد اشترطت لمسئولية الحارس عن الشيء أن يكون هذا الشيء آلة ميكانيكية أو شيئاً تقتضي حراسته عناية خاصة، وكان مكمن الخطر في الشبكة الكهربائية ليس فيما تتكون منه من أعمدة وأسلاك ممدودة، ولكن فيما يسري خلالها من طاقة كهربائية وهذه الطاقة لا تقبل بطبيعتها التجزئة، ولا يتصور تسليمها من يد إلى يد شأن الأشياء المادية، ولأهمية الطاقة فقد أنشأت الدولة لإنتاجها ونقلها وتوزيعها شخصيات اعتبارية بمقتضى قوانين وقرارات متعددة حددت فيها حقوقها وطبيعة العلاقة بينها ويتضح من الاطلاع عليها أن المشرع اعتبر أن إنتاج الطاقة الكهربائية ونقلها وتوزيعها من المنافع العامة التي تخضع دائماً للإشراف المباشر للدولة وما يستتبع ذلك من اعتبار منشأتها من الأموال العامة وقد نصت المادة 87 من القانون المدني على أن (تعتبر أموالاً عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزر المختص..." وهذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم وهذه الشخصيات الاعتبارية التي أنشأتها الدولة لإنتاج ونقل وتوزيع الطاقة هي في حقيقة الواقع مملوكة للدولة لأنها تابعة للشركة القابضة ووزير الكهرباء والطاقة هو الذي يرأس جمعيتها العمومية كما أن الشركة القابضة هي المالكة لكل الشركات المتفرعة عنها. مما مفاده أن كل هذه الشركات وكذلك وحدات الحكم المحلي ما هي إلا أجهزة أنشأتها الدولة وأعطت لها الشخصية الاعتبارية لكي تستعين بها في إدارة هذا المرفق بقصد إحكام سيطرتها عليه، ولما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تمثيل الدولة هو نوع من النيابة القانونية وأن الوزير هو الذي يمثل الدولة في الشئون المتعلقة بوزارته بحسبانه هو المشرف على تنفيذ السياسة العامة للدولة. كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن قانون الحكم المحلي إذ أعطى للمحافظ... أو رؤساء الوحدات سلطة على العاملين في المرافق العامة بما يجعلهم تابعين له إلا أنه لم يسلب الوزراء صفتهم في تمثيل هذه المرافق مما يجعلهم تابعين لوحدات الحكم المحلي والوزير المختص في آن - فإن لازم ذلك أن تكون للشركة القابضة والشركات التابعة لها ووحدات الحكم المحلي الحراسة على الطاقة الكهربائية والمنشآت التابعة لها كل في حدود اختصاصها الوظيفي والمكاني، فتبقى السيطرة الفعلية عليها للمنتج والناقل الموزع معاً ولا ينفرد بها أحدهم وإنما لابد من تعاون كافة الأجهزة القائمة على إنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها في حراستها وإدارتها والشبكة التي تنقلها وتقوم بتشغيلها وصيانتها واستغلالها في شتى الاستخدامات خدمة للمواطنين نيابة عن الدولة المالك الحقيقي للطاقة الكهربائية والشبكة التي تقوم على إدارة خدماتها، كل يسيطر على جزء من الشبكة فيكونون جميعاً حراساً على هذه الأشياء متضامنين في تعويض الأضرار الحاصلة من استعمالهم لها طبقاً لقاعدة (الغرم بالغنم) التزاماً بنهج المشرع وما استهدفته المادة 178 من القانون المدني والمادة 115 من قانون المرافعات من الاكتفاء عند اختصام أي شخص اعتباري عام أو خاص في تحديد الصفة أن يذكر اسم الجهة المدعى عليها في صحيفة الدعوى فيستطيع المضرور أن يقيم دعواه قبل أي منهم أو عليهم جميعاً وإذا استوفى حقه في التعويض من أحدهما برئت ذمة الباقين عملاً بنص المادة 284 من القانون المدني. لما كان ما تقدم، فإن الهيئة تنتهي إلى الأخذ بالمبدأ الأخير بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية المعدل، والعدول عن الأحكام الأخرى التي ارتأت غير ذلك والفصل في الطعن على هذا الأساس. وحيث إن حاصل ما تنعاه الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه بأسباب الطعن الثلاثة مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك تقول أنها دفعت أمام محكمة الموضوع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة لانتفاء مسئوليتها عن صيانة شبكة الكهرباء ومسئولية وحدات الحكم المحلي عنها بمقتضى القانون رقم 43 لسنة 1979 ولائحته التنفيذية، مما تعتبر معه تلك الوحدات هي الحارسة على هذه الشبكة ووقوف مسئوليتها عند حد توزيع وبيع الطاقة الكهربائية بمقتضى قرار إنشائها رقم 222 سنة 1978 غير أن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفاع وأسس قضاءه بإلزامها بالتعويض على سند من مسئوليتها عن حراسة صناديق الكهرباء دون أعمدة الإنارة وهو ما لا يؤدي إلى ثبوت مسئوليتها الأمر الذي يعيب الحكم ويستوجب نقضه. وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن المقرر - وعلى ما انتهت إليه الهيئة - أنه يجوز تعدد الحراس، ويقصد بذلك أن تثبت الحراسة لأكثر من شخص على نفس الشيء إذا تساوت سلطاتهم في الاستعمال والإدارة والرقابة بشرط قيام السلطة الفعلية لهم جميعاً، ويبقى حقهم في توزيع المسئولية فيما بينهم أو رجوع أحدهم على الآخر مردوداً إلى القواعد العامة في القانون المدني، كما أن النصوص القانونية التي تنظم عمل الشركات والهيئات العامة القائمة على إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية قاطعة الدلالة على أن المشرع اعتبر أن عمل هذه المؤسسات من المنافع العامة التي تخضع دائماً للإشراف المباشر للدولة وما يستتبع ذلك من اعتبار منشأتها من الأموال العامة مما مفاده أن كل هذه الشركات ووحدات الحكم المحلي القائمة على هذا الأمر ما هي إلا أجهزة أنشأتها الدولة وأعطت لها الشخصية الاعتبارية لكي تستعين بها في إدارة هذه المرافق بقصد إحكام سيطرتها عليها، فإن لازم ذلك أن تكون للشركة القابضة والشركات التابعة لها ووحدات الحكم المحلي الحراسة على الطاقة الكهربائية والمنشآت التابعة لها كل في حدود اختصاصها الوظيفي والمكاني، فيستطيع المضرور أن يقيم دعواه قبل أي منهم أو عليهم جميعاً وإذ استوفى حقه في التعويض من أحدهما برئت ذمة الباقين عملاً بالمادة 284 من القانون المدني وكل وجهة وشأنها في الرجوع على شركائها في الحراسة عملاً نص المادة 169 من القانون المدني، لما كان ذلك، وكان الحادث قد نجم عن بروز أحد أسلاك الكهرباء من أحد صناديق توزيع الكهرباء الموجودة في الطريق العام مما أدى إلى وفاة المجني عليه، وكانت هذه الصناديق وما فيها من أسلاك تحوي التيار الكهربائي تخضع وقت الحادث لحراسة الشركة الطاعنة وهيئة كهرباء مصر ووحدات الحكم المحلي، فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض دفع الشركة الطاعنة بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وإلزامها بالتعويض، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه ويضحى النعي عليه بأسباب الطعن على غير أساس. ولما تقدم يتعين رفض الطعن. لذلك رفضت الهيئة الطعن وألزمت الطاعنة المصاريف مع مصادرة الكفالة.
|
|