المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه إذا كان صاحب الحق قد أسهم بخطئه - سلباً أو إيجابياً - في ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه، للشواهد المحيطة بهذا المركز، والتي من شأنها أن تولد الاعتقاد الشائع بموافقة هذا المظهر للحقيقة، فإن جزاء ذلك أن ينفذ التصرف المبرم بعوض بين صاحب الوضع الظاهر الغير حسن النية في مواجهة صاحب الحق.
وقررت محكمة النقض في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهما الأول والثانية أقاما الدعوى 522 لسنة 1988 دمنهور الابتدائية على مورث الطاعنين والمطعون ضده الأخير بطلب الحكم ببطلان عقد الإيجار الصادر من مورث الطاعنين للمطعون ضده الأخير واعتباره كأن لم يكن وطرده من العين المبينة بالصحيفة والتسليم وقالوا بياناً لذلك إن مورث الطاعنين أجر لهم عين النزاع بعقد مؤرخ 1/ 1/ 1974 ثم قام بتأجير ذات العين للمطعون ضده الأخير بعقد لاحق، ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن أودع تقريره حكمت لهما بطلباتهما واستأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف 610 لسنة 51 ق الإسكندرية "مأمورية دمنهور" وبتاريخ 29/ 5/ 1996 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف - طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب ذلك أنهم طلبوا إحالة الدعوى للتحقيق لإثبات أن العقدين المؤرخين 1/ 1/ 1974 بتأجير عين النزاع إلى كل من المطعون ضدهما الأولين والمطعون ضده الثالث شقيق ثانيهما هما في حقيقتهما عقد إيجار واحد أُضيفت آثاره إلى المطعون ضده الثالث واستوفاه وذلك في مواجهة المطعون ضدهما الأولين وبرضاهما وساقوا عدة قرائن على ذلك ورفض الحكم المطعون فيه طلبهم إحالة الدعوى للتحقيق وأعرض عن تقدير ما طرحوه من قرائن استناداً إلى أنه لا يجوز إثبات ذلك بغير الكتابة مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، وذلك أن النص في المادة 106 من القانون المدني على أنه "إذا لم يعلن العاقد وقت إبرام العقد أنه يتعاقد بصفته نائباً فإن أثر العقد لا يضاف إلى الأصيل دائناً أو مديناً إلا إذا كان من المفروض حتماً أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة, أو كان يستوي عنده أن يتعامل مع الأصيل أو النائب" وفي المادة 333 على أنه "إذا كان الوفاء لشخص غير الدائن أو نائبه، فلا تبرأ ذمة المدين إلا إذا أقر الدائن هذا الوفاء أو عادت عليه منفعة منه، وبقدر هذه المنفعة، أو تم الوفاء بحسن نية لشخص كان الدين في حيازته" وما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أنه - إذا كان صاحب الحق قد أسهم بخطئه - سلباً أو إيجاباً - في ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه - مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه، للشواهد المحيطة بهذا المركز، والتي من شأنها أن تولد الاعتقاد الشائع بموافقة هذا المظهر للحقيقة، فإن جزاء ذلك أن ينفذ التصرف المبرم بعوض بين صاحب الوضع الظاهر الغير حسن النية في مواجهة صاحب الحق - فكل ذلك يدل على أن المشرع للاعتبارات سالفة البيان حرص المشرع على انصراف آثار التصرفات لأصحاب الحق فيها ووضع قاعدة عامة حاصلها - أنه في عقود المعاوضة المالية التي يستوي فيها أن يتعامل المتعاقد مع من أبرم معه العقد بحسبانه أصيلاً أو نائباً سواء كانت علاقة الوكالة ظاهرة أو مستترة يجوز لأي من المتعاقدين متى كان حسن النية, كما يجوز للغير أن يثبت بكافة طرق الإثبات أن من أبرم العقد كان نائباً عن غيره لكي تضاف آثار العقد إلى الأصيل، وللمتعاقد أن يثبت أن خطأ المتعاقد الآخر قد أسهم في ظهوره بمظهر الوكيل المستتر ومكن الغير من الظهور صاحب الحق المتعاقد عليه كي يصح الوفاء بالدين للأصيل أو لصاحب الحق الظاهر في استيفائه ولا يغير من ذلك وجود عقد مكتوب لم يرد فيه أن العاقد نائب عن غيره لأن إثبات هذه النيابة لا تخالف ولا تجاوز ما اشتمل عليه الدليل الكتابي وإنما هي إثبات لوجود عقد آخر بين النائب والأصيل يع من تعاقد مع النائب من الغير بالنسبة له. فيجوز له إثباته بكافة طرق الإثبات والغير لا يتقيد بشرط الكتابة في إثبات العقود. لما كان ذلك، وكان تطبيق القانون على وجهه الصحيح لا يتوقف على طلب الخصوم وكان تكييف طلبات الخصوم ودفوعهم واجب المحكمة تقوم به غير مقيدة بوصف الخصوم لها. لما كان ذلك، وكان الثابت في الأوراق أن الطاعنين تمسكوا أمام محكمة الموضوع بأن المطعون ضدهما الأولين وقت إبرام عقدهما المؤرخ 1/ 1/ 1974 كانا نائبين عن المطعون ضده الثالث الذي استصدر عقداً في التاريخ ذاته باسمه واستلم عين النزاع وشغلها منذ هذا التاريخ وزودها بالمياه والكهرباء. وظل ينتفع بها قرابة خمسة عشر عاماً برضاء المطعون ضدهما الأولين وساقوا على ذلك عدة قرائن وطلبوا إحالة الدعوى للتحقيق فثبات هذه النيابة وأن وفاءهم بتسليم العين المؤجرة للمطعون ضده الأخير الذي ظهر بمظهر صاحب الحق مبرئ لذمتهم فرفض الحكم المطعون فيه إحالة الدعوى للتحقيق ولم يمحص ما ساقوه من قرائن متقيداً بما أسبغه الطاعنون على دفاعهم بأنه دفع بصورية عقد المطعون ضدهما الأولين وأنه لا يجوز لهم إثبات ما يخالف عقد مكتوب إلا بالكتابة دون أن يلتزم التكييف الصحيح لهذا الدفاع فخالف الحكم بذلك القانون وأخطأ في تطبيقه وجره ذلك إلى القصور والإخلاء بحق الدفاع بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.