إذا اشترطت الزوجة في التفويض الصادر لها أن تطليق نفسها "متى شاءت وكيف شاءت" فلها أن تطلق نفسها مرة واحدة طلقة رجعية لأن هذه العبارة وفقاً للمذهب الحنفي وقواعد فقه اللغة لا تفيد التكرار ذلك أن كلمة (متى) تفيد تعميم الزمن فقط فلها أن تختار أي وقت للطلاق، وعبارة (كيف شاءت) تدل على تعميم الحال التي يقع عليها الطلاق من غير أن يقتضي شيء من ذلك تكرار الطلاق، مع وقوعه رجعياً على النحو سالف البيان. أما إذا اشترطت الزوجة أن تطلق نفسها "كلما شاءت" فلها أن تطلق نفسها مرة بعد أخرى حتى تستكمل الثلاث وليس لها أن تجمع الطلقات الثلاث في مرة واحدة ذلك أن كلمة (كلما) تفيد التكرار وتعميم الفعل لا عموم الاجتماع فلها مشيئة بعد مشيئة ولا يملك عليها زوجها حينئذ سوى الرجعة بعد الطلقة الأولى أو الثانية
وقررت محكمة النقض في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 1903 لسنة 1989 كلي أحوال شخصية جنوب القاهرة على الطاعنة بطلب الحكم ببطلان تطليقها له الصادر في 25/ 11/ 1989، وبطلان التصادق على الزوجية المؤرخ 13/ 2/ 1989. وقال بياناً لدعواه أنه تزوجها بموجب عقد رسمي مؤرخ 30/ 8/ 1978 ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج، وبتاريخ 13/ 2/ 1989 تم إبرام عقد تصادق على هذا الزواج اشترطت فيه الطاعنة أن تكون العصمة بيدها تطلق نفسها "متى شاءت وكيف شاءت" وإعمالاً لهذا الشرط طلقت نفسها بإشهاد رسمي في 4/ 10/ 1989، فأعادها إلى عصمته في فترة العدة بإشهاد الرجعة المؤرخ 3/ 11/ 1989. وبتاريخ 25/ 11/ 1989 قامت بتطليق نفسها مرة ثانية، وإذا انتهى التفويض المخول لها بإيقاع طلاقها الأول في 4/ 10/ 1989 يكون الطلاق الثاني قد صدر ممن لا يملكه وتعين الحكم ببطلانه, ومن ثم فقد أقام دعواه وبتاريخ 19/ 5/ 1990 حكمت المحكمة غيابياً ببطلان الطلاق الثاني الصادر في 25/ 11/ 1989, فعارضت الطاعنة في هذا الحكم ثم أقامت الدعوى رقم 356 لسنة 1991 كلي أحوال شخصية جنوب القاهرة بطلب الحكم ببطلان الرجعة المؤرخة 3/ 11/ 1989 تأسيساًً على أن الطلاق الصادر منها بتاريخ 4/ 10/ 1989 كان بائناًً. ضمت المحكمة الدعويين، وبتاريخ 15/ 6/ 1991 حكمت في الدعوى رقم 1903 لسنة 1989 كلي أحوال شخصية جنوب القاهرة برفض المعارضة، وفي الدعوى رقم 356 لسنة 91 كلي جنوب القاهرة برفضها استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 869 لسنة 108 ق القاهرة وقضى بتاريخ 27/ 1/ 1993 بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله والقصور في التسبيب، وفي بيان تقول: إن الحكم اعتبر الطلاق الصادر منها بتاريخ 4/ 10/ 1989 رجعياً استناداً إلى ما جاء بإقرار وكليها في إشهاد الطلاق، وما ورد بالمادة الخامسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 من أن كل طلاق يقع رجعياً إلا ما استثنى بنص خاص في هذا القانون وفي القانون رقم 25 لسنة 1920 وقد خلا كل منهما من النص على أن طلاق الزوجة لنفسها بناء على تفويض من زوجها يقع بائناً. في حين أن القانون اقتصر على تنظيم أحوال الطلاق الذي يقع من الزوج ولم يتعرض لأحوال الطلاق الذي توقعه الزوجة على نفسها بناء على تفويض، وكان يتعين على الحكم المطعون فيه - والحال كذلك - الأخذ بأرجح الأقوال في المذهب الحنفي الذي اعتبر طلاق الزوجة لنفسها طلاقاً بائناً وذلك عملاً بنص المادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 المشتمل على لائحة ترتيب المحاكم الشرعية كما أن صيغة التفويض في عقد التصادق تجيز للطاعنة أن تطلق نفسها مرة بعد أخرى حتى تستكمل الثلاث طلقات. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الأصل في الطلاق أنه ملك للزوج وحده وقد أجيز له شرعاً تفويض زوجته في تطليق نفسها وحينئذ يكون لها أن تطلق نفسها بهذا التفويض بحسب صيغته وحدوده مقيدة في ذلك بما يقيد الزوج لا تملك أكثر مما يملكه. وإذ جرى نص المادة الخامسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 على أن: "كل طلاق يقع رجعياً إلا المكمل للثلاث والطلاق قبل الدخول والطلاق على مال وما نص على كونه بائناً في هذا القانون والقانون رقم 25 لسنة 1920" بما مفاده أن كل طلاق يقع رجعياً ما لم يكن مكملاً للثلاث أو قبل الدخول أو على مال أو وقع بائناً بحكم من القاضي طبقاً لأحكام القانونين رقميّ 25 لسنة 1920 و25 لسنة 1929، وبات الأصل أن يقع طلاق الرجل لزوجته رجعياً إلا ما استثنى بنص خاص في القانون، ومن ثم لا يملك الزوج تفويض زوجته في إيقاع الطلاق على نفسها إلا في هذا النطاق. فإذا اشترطت الزوجة في التفويض الصادر لها أن تطلق نفسها "متى شاءت وكيف شاءت" فلها أن تطلق نفسها مرة واحدة طلقة رجعية لأن هذه العبارة وفقاً للمذهب الحنفي وقواعد فقه اللغة لا تفيد التكرار ذلك أن كلمة (متى) تفيد تعميم الزمن فقط فلها أن تختار أي وقت للطلاق، وعبارة (كيف شاءت) تدل على تعميم الحال التي يقع عليها الطلاق من غير أن يقتضي شيء من ذلك تكرار الطلاق، مع وقوعه رجعياً على النحو سالف البيان. أما إذا اشترطت الزوجة أن تطلق نفسها (كلما شاءت) فلها أن تطلق نفسها مرة بعد أخرى حتى تستكمل الثلاث وليس لها أن تجمع الطلقات الثلاث في مرة واحدة ذلك أن كلمة (كلما) تفيد التكرار وتعميم الفعل عموم الانفراد لا عموم الاجتماع فلها مشيئة بعد مشيئة ولا يملك عليها زوجها حينئذ سوى الرجعة بعد الطلقة الأولى أو الثانية. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنة قد اشترطت في عقد التصادق المؤرخ 13/ 2/ 1989 أن تكون العصمة بيدها تطلق نفسها "متى شاءت وكيف شاءت" وطلقت نفسها بمقتضى هذا التفويض في 4/ 10/ 1989، ووقع هذا الطلاق رجعياً على النحو سالف الذكر، وكانت صيغة التفويض المذكورة لا تفيد تكرار حقها في إيقاع الطلاق وبالتالي انتهى التفويض المخول لها بتطليقها نفسها في 4/ 10/ 1989 طلقة أولى رجعية، فإنها لا تملك إيقاع الطلاق مرة ثانية بعد أن راجعها المطعون ضده في عدتها بتاريخ 3/ 11/ 1989 ويكون الطلاق الثاني باطلاً لصدوره ممن لا يملكه. وإذ التزم الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد طبق صحيح القانون ويكون النعي على غير أساس وتعين رفض الطعن.