اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات وعرض توصيات اللجنة على جهة الإدارة والموافقة عليها يغني عن تقديم التظلم مباشرة إليها - أساس ذلك: أن لجان التوفيق في المنازعات المنشأة بالقانون رقم 7 لسنة 2000 يدخل ضمن تمثيلها ممثل للجهة الإدارية تختاره السلطة المختصة طبقًا لنص المادة الثانية من القانون المشار إليه، الأمر الذي يكون معه اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات يحقق الغاية من التظلم المنصوص عليه في المادة 12/ ب من قانون مجلس الدولة - ترتيبًا على ذلك: اشتراط تقديم التظلم مباشرة إلى جهة الإدارة كشرط لقبول الطلب بعد أن تحقق علمها به يعد من قبيل الإغراق في الشكليات التي تتجاوز قصد المشرع، وتحجب المواطن عن القضاء بالمخالفة لحكم المادة (68) في الدستور
وقررت المحكمة الادارية العليا في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانونًا.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن المطعون ضدهم سبق أن أقاموا الطعن رقم 295 لسنة 31ق أمام المحكمة التأديبية بالمنصورة بتاريخ 21/ 5/ 2003 لوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 194 الصادر في 22/ 1/ 2003 فيما تضمنه من مجازاة الأول بخصم ثلاثين يومًا من راتبه، الثاني والثالث بخصم عشرة أيام من راتب كل منهما. وذكروا أن الأول كاتب ومسئول صرف بمعهد طنامل الإعدادي والثانوي الأزهري، وأن الثاني مسئول عن الصادر والوارد بالمعهد، والثالث كاتب مسئول مالي وإداري، ونسب للأول اختلاس قيمة شيك، والثاني أنه لم يحافظ على دفتر الوارد عهدته، وأن الثالث وجدت بعهدته قسائم توريد غير مؤرخة. وذكروا أنهم علموا بالقرار المطعون فيه بتاريخ 2/ 2/ 2003 وتظلموا منه لشيخ الأزهر ورفض تظلمهم في 22/ 2/ 2003 وتظلموا إلى لجنة التوفيق في المنازعات ورفض تظلمهم. وأضافوا أن الشيك المشار إليه بمبلغ 346.6 جنيهًا قيمة مصروفات لبعض الطلاب الأيتام، ووصل إلى المعهد دون استمارة أو حافظة تفيد أنه خاص بهذا الغرض، ولم تدون عليه عبارة (مندوب صرف) مما جعل الطاعن الأول يتسلمه بحسن نية لأنه محرر باسمه، وأنه بمجرد علمه بأنه يخص بعض الطلاب الأيتام سارع بتوريد المبلغ كاملاً علاوة على غرامة التأخير طبقًا للقسائم المرفق صورتها بالأوراق، وأن الشيك المشار إليه لم يصل إلى الطاعن الثاني وصولاً قانونيًا، ولو وصل إليه لسجله بسجل الوارد لأنه لا مصلحة له في عدم تسجيله، وأن مجهولا هو الذي قام بقيده في السجل بطريق التحشير وبتسلسل وتاريخ غير صحيحين، وأن الطاعن الثالث يعمل بجمع المصروفات من الطلبة وتوريدها، ونظرًا لكثرة عدد الطلاب وجدت بعض القسائم غير مؤرخة بسبب السهو والنسيان.
وبجلسة 21/ 11/ 2004 أصدرت المحكمة التأديبية حكمها المطعون فيه بعدم قبول الطعن شكلاً لعم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه تأسيسًا على حكم المادة (12) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1978، وأن الطاعنين لم يتقدموا بما يحزم أو يقطع بتقديمهم تظلمات من القرار المطعون فيه، وأن الصور الضوئية للتظلمات المقدمة من الطاعنين جاءت خلوًا مما يفيد تقديمها للأزهر الشريف، وأنها مؤرخة 1/ 11/ 2002 وأثبت بها أنها تظلم من القرار المطعون فيه المؤرخ 22/ 1/ 2003، وهو الأمر الذي يؤكد اصطناع تلك الصور الضوئية لإلباسها صفة التظلم على خلاف الحقيقة، وقد جحدتها جهة الإدارة، الأمر الذي تكون معه أوراق الطعن قد خلت مما يفيد سابقة التظلم من القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون؛ لأن الطاعنين قدموا أمام محكمة أول درجة ما يفيد أنهم تظلموا للأزهر ورفضت تظلماتهم، كما أنهم لجأوا إلى لجنة فض المنازعات بالأزهر، لكن المحكمة طرحت ذلك؛ الأمر الذي يعيب حكمها بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
ومن حيث إن المادة (10) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن "تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية:..... تاسعًا: الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية".
وتنص المادة (12) من ذات القانون على أنه "لا تقبل الطلبات الآتية: أ - .... ب - الطلبات المقدمة رأسًا بالطعن في القرارات الإدارية النهائية المنصوص عليها في البنود ثالثًا ورابعًا وتاسعًا من المادة (10) وذلك قبل التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئاسية وانتظار المواعيد المقررة في هذا التظلم...".
ومن حيث إنه ولئن كان المشرع قد نص على عدم قبول طلبات الطعن في القرارات الإدارية النهائية للسلطات التأديبية قبل التظلم منها، وكانت غايته من ذلك هي منح جهة الإدارة الفرصة لإعادة النظر في قراراتها غير المشروعة؛ احترامًا منها لمبدأ المشروعية وتقليلاً لعدد المنازعات التي تعرض على القضاء، إلا أنه يتعين النظر إلى التظلم على هدي المادة (68) من الدستور التي تنص على أن "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي". فالتظلم كإجراء سابق على الالتجاء إلى القضاء أوجبه المشرع، ليس كمجرد شكل لا يتحقق إلا بتقديمه لمصدر القرار أو السلطة الرئاسية له، وإنما ينظر إلى توافره من عدمه في ضوء الغاية منه كإجراء، فهو يتحقق بكل طريقة أو إجراء أو وسيلة تمثل اعتراضًا من صاحب الشأن على القرار قبل أن يتقدم بدعواه إلى القضاء، بحيث يصل اعتراضه إلى علم جهة الإدارة على نحو يمكنها من مراجعة قرارها.
ومن حيث إنه ولئن كان صحيحًا ما تضمنه الحكم المطعون فيه من أن الصور الضوئية التي استشهد بها الطاعنون على تقدمهم بتظلمات من القرار المطعون فيه مصطنعة؛ لأن التاريخ الذي دون عليها هو 1/ 11/ 2002 وهو تاريخ سابق على تاريخ صدور القرار المطعون فيه في 22/ 1/ 2003، وأن جهة الإدارة أنكرت تقديم هذه التظلمات إليها، إلا أنه الثابت من الأوراق أن الطاعنين تقدموا إلى لجنة التوفيق في المنازعات بطلبات لإلغاء القرار المطعون فيه في 1/ 3/ 2003 و2/ 3/ 2003 و3/ 3/ 2003، وقيدت بأرقام 1073 لسنة 2003 و1075 لسنة 2003 و1078 لسنة 2003، وصدرت فيها توصية اللجنة بعدم القبول بالنسبة للطلب رقم 1075 لسنة 2003 بتاريخ 19/ 4/ 2003، وبالرفض بالنسبة للطلبين الآخرين في 20/ 4/ 2003 و27/ 4/ 2003، وعرضت التوصيات المشار إليها على شيوخ الأزهر الذي وافق عليها في 21/ 4/ 2003، 22/ 4/ 2003، 4/ 5/ 2003.
ولما كانت لجان التوفيق في المنازعات المنشأة بالقانون رقم 7 لسنة 2000 يدخل ضمن تمثيلها ممثل للجهة الإدارية تختاره السلطة المختصة طبقًا لنص المادة الثانية من القانون المشار إليه، كما أن جهة الإدارة تخطر بالطلب المقدم إلى اللجنة وتوصيتها، الأمر الذي يكون معه لجوء الطاعنين إلى لجنة التوفيق في المنازعات على النحو المشار إليه قد تحققت به الغاية من التظلم المنصوص عليه في المادة 12/ ب من قانون مجلس الدولة، ويكون اشتراط تقديم التظلم مباشرة إلى جهة الإدارة في هذه الحالة، كشرط لقبول الطلب بعد أن تحقق علمها بمظلمتهم، من قبيل الإغراق في الشكليات التي تتجاوز قصد المشرع، وتحجب المواطن عن القضاء بالمخالفة لحكم المادة (68) من الدستور.
ومن حيث إن لجوء الطاعنين إلى لجنة التوفيق في المنازعات في خصوص القرار المطعون فيه، وعرض توصيات اللجنة على شيخ الأزهر وموافقته عليها على النحو المشار إليه يغني عن تقديم التظلم مباشرة لشيخ الأزهر، وقد خلت الأوراق مما يثبت علم الطاعنين بالقرار المطعون فيه علمًا يقينيًا قبل لجوئهم إلى لجنة التوفيق في المنازعات في 1، 2، 3/ 3/ 2003، وإذ أقاموا طعنهم أمام المحكمة التأديبية بتاريخ 21/ 5/ 2003 فإنه أقيم في الميعاد.
ولما كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بغير هذا النظر وقضى بعدم قبول الطعن شكلاً لعدم سابقة التظلم، فإنه يكون قد خالف أحكام القانون ويتعين القضاء بإلغائه والحكم بقبول الطعن شكلاً.
ومن حيث إن الطعن قد تهيأ للفصل فيه فإن المحكمة تتصدى للحكم في موضوعه. ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن تحقيقات النيابة الإدارية في القضية رقم 51 لسنة 2002 القسم الأول بالمنصورة أنه نسب إلى الطاعن الأول الكاتب ومندوب الصرف بمعهد طنامل الأزهري أنه اختلس لنفسه قيمة الشيك الوارد إلى المعهد بمبلغ 346.60 جنيهًا قيمة مصروفات عدد سبعة عشر طالبًا يتيمًا، ونسب إلى الطاعن الثاني الكاتب بالمعهد المشار إليه أنه أهمل المحافظة على سجل الوارد عهدته مما مكن مجهولاً من إثبات الشيك المشار إليه بسجل الوارد بطريق التحشير وفي تاريخ مغاير لتاريخ وروده إلى المعهد، ونسب إلى الطاعن الثالث الكاتب بالمعهد أنه أهمل استخراج قسائم 123 تربية وتعليم الخاصة بمصروفات الطلاب، مما ترتب عليه عدم إثبات تواريخ بعضها وعدم جمع ورصد البعض الآخر.
ومن حيث إنه عن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن الأول فإنه أفاد في محضر التحقيق أن الشيك المشار إليه ورد من المنطقة الأزهرية إلى المعهد مع..... مندوب المعهد الذي سلمه إلى شيخ المعهد الذي أعطاه له باعتباره خاصًا به شخصيًا، لأنه كان محررًا باسمه ولم ترد معه حافظة تفيد أنه خاص بمصروفات الطلاب الأيتام، وأنه اعتقد أنه خاص به وصرفه على هذا الأساس، وبمجرد علمه بأنه لا يخصه قام برد قيمته في 12/ 6/ 2001، والثابت من شهادة الشيخ/ ....... شيخ معهد طنامل الأزهر أن الشيك المشار إليه ورد إليه باسم الطاعن الأول، وأنه ورد من دون حافظة ولم يكن واضحًا أنه خاص بالطلاب الأيتام، ولذلك سلمه للطاعن الأول باعتباره يخصه شخصيًا. والثابت من شهادة...... مدير حسابات منطقة المنصورة الأزهرية أنه كان على محرر الشيك أن يرفق به بيانًا يسمى "حافظة" توضح رقم الشيك والمستحق له، ويرفق معها الشيك ولكن ذلك لم يحدث، كما أن الثابت من شهادة...... المفتش الأول بالمديرية المالية بالدقهلية أنه بالرجوع إلى الوحدة الحسابية تبين أن الشيك محل الواقعة غير مدون بالدفتر أنه مرفق به إيصالات تسلم، وأنه كان ينبغي أن يرفق به نموذج يتضمن رقمه ومبلغه واسم الجهة المتعلق بها وعنوانها واسم المستحق، وأنه تبين أن الدفتر مدون به رقم الشيك فقط، وأنه لا يمكن القول بوجود مرفق بالشيك.
ومن حيث إن الثابت من صورة الشيك المشار إليه المرفقة بأوراق التحقيق أنه محرر باسم الطاعن الأول، ولم يقم دليل من الأوراق على أن الطاعن الأول كان يعلم بأن هذا الشيك لا يخصه عند قيامه بصرفه، حتى يمكن أن ينسب إليه اختلاسه، وإنما الثابت من أقوال الشهود المشار إليهم أن الشيك ورد إلى المعهد دون حافظة تبين أن قيمته خاصة بالمعهد لسداد مصروفات الطلاب الأيتام، وان شيخ المعهد اعتقد أنه شيك شخصي للطاعن الأول وسلمه له، وأن الطاعن قام بصرفه على هذا الأساس، والثابت من الأوراق أن الطاعن بمجرد علمه بعدم استحقاقه له قام برد قيمته والفوائد القانونية لجنة الإدارة بالحوالتين البريديتين رقمي 883203 في 12/ 6/ 2001 و883575 في 1/ 7/ 2001 ومن ثم فإنه لم يتوافر في جانب الطاعن الأول قصد الاختلاس، لأنه لم يكن يعلم أن النقود المبينة بالشيك خاصة بجهة الإدارة، ولم يهدف إلى الاستيلاء عليها لنفسه بقصد إضاعتها على جهة الإدارة، وتكون المخالفة المنسوبة إليه غير ثابتة في جانبه، ويكون ما تضمنه القرار المطعون فيه رقم 194 لسنة 2003 من مجازاته بخصم ثلاثين يومًا من مرتبه قد صدر غير قائم على سبب صحيح ويتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إنه عن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن الثاني الخاصة بإهماله المحافظة على سجل الوارد عهدته، مما مكن مجهولاً من إثبات الشيك المشار إليه بسجل الوارد بطريق التحشير وفي تاريخ مغاير لتاريخ وروده إلى المعهد، فإن تحقيقات النيابة الإدارية في القضية المشار إليها استندت في إسناد هذه المخالفة إليه على ما ورد بمذكرة الإدارة العامة للتفتيش المالي والإداري بالأزهر فرع المنصورة التي أعدها المفتش المالي والإداري/ ..... وعلى أقواله في التحقيقات، وتضمنت المذكرة المشار إليها أنه تم تحشير مكاتبة الشيك الوارد للمعهد بسجل الوارد تحت رقم 17 في 20/ 12/ 2000، بالتحايل لأن تاريخ المكاتبة السابقة عليها بتاريخ 18/ 12/ 2000 والثانية لها بتاريخ 18/ 12/ 2000 والثابت من أوراق التحقيق أنه أرفق بها صورة ضوئية لصفحة من دفتر الوارد قيد في آخرها الشيك المشار إليه برقم 17 بتاريخ 20/ 12/ 2000، ولم يرفق بالتحقيق صورة الصفحة التالية للصفحة المشار إليها حتى يمكن التأكد من صحة ما ورد بمذكرة المفتش المالي والإداري المشار إليها وفي أقواله من أن المكاتبة الواردة من تسجيل الشيك كانت بتاريخ 18/ 12/ 2000، ولم تتضمن تحقيقات النيابة الإدارية ما يثبت اطلاع المحقق على دفتر الوارد للتأكد من صحة ما ورد بمذكرة المفتش المالي المذكور وبأقواله في التحقيق، كما لم يثبت من التحقيق أن سجل الوارد بالمعهد مسند إلى الطاعن الثاني وحده دون سواه، وأنه تحت سيطرته ورقابته على نحو يمنع غيره من الوصول إليه والعبث به حتى يمكن أن ينسب إليه الإهمال في المحافظة عليه، ومن ثم فإن المحكمة لا تطمئن إلى ثبوت المخالفة المنسوبة إلى الطاعن الثاني، ويكون القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاته بخصم عشرة أيام من مرتبه قد صدر غير قائم على سبب صحيح ويتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إنه في شأن ما نسب إلى الطاعن الثالث من أنه أهمل في استخراج القسائم 123 تربية وتعليم الخاصة بمصروفات الطلاب، مما ترتب عليه عدم إثبات تواريخ بعضها وعدم جمع ورصد البعض الآخر، فإن هذه المخالفة ثابتة في جانبه باعترافه في تحقيقات النيابة الإدارية في القضية المشار إليه، وبشهادة المفتش المالي/ ...... ومن واقع صور بعض القسائم المشار إليها المرفقة بأوراق التحقيق، ويكون القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن الثالث بخصم عشرة أيام من مرتبه قد صدر سليمًا متفقًا وأحكام القانون، ويكون طعنه على هذا القرار غير قائم على سند من القانون ويتعين رفضه.