المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحائز الذي يقيم منشآت على أرض مملوكة لغيره، يفترض فيه أنه كان حسن النية وقت أن أقام هذه المنشآت، والمقصود بحسن النية في تطبيق المادة 925 من القانون المدني أن يعتقد الباني أن له الحق في إقامة المنشآت، ولا يلزم أن يعتقد أنه يملك الأرض، فإذا ادعى مالك الأرض أن الباني سيئ النية، فعليه حسبما تقضي به المادة 924 من القانون المدني أن يقيم الدليل على أن الباني كان يعلم وقت أن أقام المنشآت أن الأرض مملوكة لغيره، وأنه أقامها دون رضاء مالك الأرض
وقررت محكمة النقض في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى 273 لسنة 1984 مدني كلي أبو تيج على المطعون ضدهم الأول والسادس بطلب الحكم بتثبيت ملكيتها لقطعة الأرض المبينة بصحيفة الدعوى، وبإزالة المباني المقامة عليها على نفقتيهما. وقالت شرحاً لدعواها إنها تملك قطعة أرض مساحتها 12 س 1 ط تعادل 262.50 م2 بالعقد المسجل برقم...... لسنة 1960 توثيق أسيوط، وإذ اغتنم المدعى عليهما فرصة إقامتها بالقاهرة، فاغتصبا الأرض حيث أقام أولهما ثلاثة منازل على جزء منها، وأدخل الثاني باقي المساحة ضمن شارع عمومي دون اتباع الإجراءات القانونية لنزع الملكية فقد أقامت الدعوى للحكم لها عليهما بطلبيها سالفي الذكر. وبعد أن ندبت محكمة أول درجة خبيراً في الدعوى أودع تقريره، أدخلت الطاعنة المطعون ضدهم من الثانية حتى الخامس ورئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة أبو تيج - المطعون ضده السابع - خصوماً في الدعوى وطلبت الحكم في مواجهة المطعون ضدهم جميعاً بثبوت ملكيتها لقطعة الأرض موضوع النزاع، وبإزالة ما أقامه الأربعة الأوائل من مبان على نفقتهم، وبإلزام المطعون ضدهما السادس والسابع بأن يدفعا إليها مبلغ 1328 جنيهاً تعويضاً عن الاستيلاء على الجزء من الأرض الذي تداخل في الشوارع، وبمقابل الانتفاع به في المدة من تاريخ الاستيلاء حتى أداء التعويض بواقع 53.120 جنيهاً سنوياً. ومحكمة أول درجة حكمت بتثبيت ملكية الطاعنة لقطعة الأرض محل النزاع ورفضت باقي طلباتها. استأنفت الطاعنة الحكم بالاستئناف رقم 457 لسنة 65 ق، كما استأنفه المطعون ضده الأول بالاستئناف رقم 492 لسنة 65 ق أسيوط، وبعد أن ضمت محكمة الاستئناف الاستئنافين حكمت بتاريخ 24/ 11/ 1992 برفضهما وبتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيه الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول منهما الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ انتهى إلى تأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم قبول طلب التعويض ومقابل الانتفاع تأسيساً على أنه يختلف موضوعاً وسبباً عن طلب تثبيت الملكية والإزالة، في حين أنه - في ضوء ما أظهره الخبير المندوب في الدعوى - يتضمن تصحيحاً لهذا الطلب حيث تستحيل إزالة طريق اقتطع من ملك الطاعنة، وإنما يصار إلى طلب التعويض عن غصبه، ومقابل الانتفاع به حتى يستوفى في هذا التعويض، الأمر الذي يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أن المشرع وإن كان قد أوجب على المدعي أن يبين في صحيفة دعواه وقائع هذه الدعوى وطلباته فيها وأسانيدها بياناً وافياً تتحدد به معالمها وخطوطها الرئيسية تحديداً يتسم بقدر من الثبات لا يسمح بأن تصبح صراعاً بين طرفيها يطول أجله ولا يسهل فضه - إلا المشرع وقف من مبدأ ثبات الدعوى موقفاً مرناً فجعله يلين لضرورة تمليها ظروف الدعوى وما آلت إليه من ناحية، ومصلحة التقاضي من ناحية أخرى، فنص في المادة 124 من قانون المرافعات على أن للمدعي أن يقدم من الطلبات العارضة ما يتضمن تصحيح الطلب الأصلي، أو تعديل موضوعه لمواجهة ظروف طرأت أو تبينت بعد رفع الدعوى، وما يكون مكملاً لهذا الطلب أو مترتباً عليه، أو متصلاً به اتصالاً لا يقبل التجزئة، طالما كان كل من الطلبين الأصلي والعارض يستدان إلى السبب نفسه باعتبار أنهما يستهدفان تحقيق الغاية ذاتها التي أقيمت الدعوى من أجلها - كما أتاح للمدعي أن يقدم من الطلبات العارضة ما يتضمن إضافة أو تغييراً في سبب الدعوى، مع بقاء موضوع الطلب الأصلي على حاله، باعتبار أن تأسيس الطلب على سبب بعينه لا يمنح - عند رفضه - من إعادة الادعاء به بناءً على سبب آخر، وتوفيراً للجهد والوقت ارتأى المشرع أن يسمح للمدعي أن يغير سبب دعواه أو أن يعدله مع بقاء موضوعها كما هو. لما كان ذلك، وكان الثابت في الأوراق وحصًله الحكم المطعون فيه - أن الطاعنة استهدفت بطلبها الأصلي "طلب ثبوت الملكية وإزالة ما على قطعة الأرض موضوع النزاع من منشآت" إضفاء حماية قضائية على ملكيتها الثابتة بالعقد المسجل برقم..... لسنة 1960 توثيق أسيوط، ورد التعدي الذي قالت إنه وقع على هذه الأرض بطريق الغصب من جانب خصومها المطعون ضدهم، فإن دعواها تكون مقامة على سبب واحد هو ملكيتها للأرض المغتصبة، ومن ثم يجوز لها - طبقاً للمادة 124 من قانون المرافعات أن تطلب تعويضاً عن الغصب، ومقابل الانتفاع بالأرض بعد أن كانت قد طلبت الإزالة أو الطرد أو التسليم باعتبار أن كلاً من هذه الطلبات يستهدف الغاية ذاتها التي أقيمت من أجلها الدعوى، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أخطأ في فهم حقيقة العلاقة بين الطلب الأصلي الذي أقيمت به الدعوى والطلب العارض، وجره هذا الفهم الخاطئ إلى القضاء بعدم قبول الطلب العارض، فإن ذلك مما يعيبه ويوجب نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب إذ أقام قضاءه برفض طلب إزالة المنشآت التي أقامها المطعون ضدهم الأربعة الأوائل على سند من أنهم كانوا حسنى النية حيث اشتروا الأرض موضوع النزاع بموجب عقود عرفيه دون أن يعلموا بأنها مملوكة للطاعنة التي لم تستند في دعواها إلى أنهم سيئوا النية في حين أنها - الطاعنة - تمسكت في صحيفة الدعوى بأن الخبير المندوب فيها أثبت أن عقود شرائهم تقع محالها بالقطعة 57 البعيدة عن القطعة 58 المشتملة على أرض النزاع، مما ينبئ عن سوء نياتهم، وإذ لم يفطن الحكم إلى ذلك الدفاع الجوهري فإن هذا مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحائز الذي يقيم منشآت على أرض مملوكة لغيره، يفترض فيه أنه كان حسن النية وقت أن أقام هذه المنشآت، والمقصود بحسن النية في تطبيق المادة 925 من القانون المدني أن يعتقد الباني أن له الحق في إقامة المنشآت، ولا يلزم أن يعتقد أنه يملك الأرض، فإذا ادعى مالك الأرض أن الباني سيئ النية، فعليه حسبما تقضي به المادة 924 من القانون المدني أن يقيم الدليل على أن الباني كان يعلم وقت أن أقام المنشآت أن الأرض مملوكة لغيره، وأنه أقامها دون رضاء مالك الأرض. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنة قد تمسكت في صحيفة استئنافها بأن تقرير الخبير المندوب في الدعوى تضمن أن عقود شراء المطعون ضدهم الأربعة الأوائل تنصب على القطعة 57 وليس على القطعة 58 التي تقع فيها أرض النزاع مما ينبئ عن سوء نياتهم، وكان البين من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه لم يفطن لذلك الدفاع الجوهري ويوفيه حقه من التمحيص للاستيثاق من حسن أو سوء نية من أقاموا تلك المنشآت، فإنه يكون معيباً بقصور يبطله ويوجب نقضه.