من الضوابط المقررة في تحديد مرض الموت - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون المرض مما يغلب فيه الهلاك ويشعر معه المريض بدنو أجله وأن ينتهي بوفاته، فإذا استطال المرض لأكثر من سنة فلا يعتبر مرض موت مهما يكن من خطورة هذا المرض واحتمال عدم برء صاحبه منه، وتكون تصرفاته المريض في هذه الفترة صحيحة، ولا تعد استطالة المرض حالة من حالات مرض الموت إلا في فترة تزايدها واشتداد وطأتها، إذ العبرة بفترة الشدة التي تعقبها الوفاة، وقيام مرض الموت أو عدم قيامه هو من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع
وقررت محكمة النقض في حكمها بعد الاطلاع على الأوراق وسماع القرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة. حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية. وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليها الأولى عن نفسها وبصفتها وصية على ابنتها القاصر المطعون عليها الثانية أقامت الدعوى رقم 1 سنة 1968 مدني كفر الشيخ الابتدائية ضد باقي المطعون عليهن والمرحومة نفيسة السنهوري مورثة الطاعنين بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقدي البيع المؤرخين 1/ 10/ 1966 المتضمن بيع المرحوم عباس السنهوري مورث الطرفين لهما العقارات المبينة في الأوراق مقابل ثمن قدره 2996 جنيه والتسليم. كما أقامت المطعون عليها الأولى بصفتها آنفة البيان الدعوى رقم 2 لسنة 1968 مدني كفر الشيخ الابتدائية ضد المطعون عليهن الثلاث الأخيرات والمرحومة نفيسة السنهوري بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 1/ 10/ 1966 المتضمن بيع المطعون عليهن المذكورات والمرحوم عباس السنهوري للمطعون عليها الثانية الأرض الزراعية المبينة بالأوراق لقاء ثمن قدره 300 جنيه والتسليم، وقامت المطعون عليهن الثالثة والرابعة والخامسة الدعوى رقم 899 سنة 1970 مدني كفر الشيخ الابتدائية ضد المطعون عليهما الأولى والثانية والمرحومة نفيسة السنهوري بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 1/ 10/ 1966 المتضمن بيع المرحوم عباس السنهوري لهن أرضاً زراعية مبينة بالأوراق نظير ثمن قدره 2700 جنيه. وبتاريخ 24/ 2/ 1971 حكمت المحكمة في هذه الدعوى الأخيرة بصحة ونفاذ عقد البيع المشار إليه بها. وبتاريخ 12/ 3/ 1983 حكمت المحكمة في كل من الدعويين الأولى والثانية بإحالتها إلى التحقيق لإثبات صورية عقود البيع الثلاثة - موضوع الدعويين - وأنها في حقيقتها وصية، وبعد سماع شهود الطرفين حكمت المحكمة بتاريخ 5/ 11/ 1973 بصحة ونفاذ العقود الثلاثة والتسليم. استأنف الطاعنون الثلاثة الأول والمرحوم شوقي نعيم مورث الطاعنة الرابعة الحكم الصادر في كل من الدعوى الثلاث لدى محكمة استئناف طنطا (مأمورية كفر الشيخ) بالاستئنافات أرقام 118 سنة 6 ق مدني، 119 سنة 6 ق مدني، 144 سنة 7 ق مدني، وبعد أن أمرت المحكمة بضم الاستئنافات الثلاثة ليصدر فيها حكم واحد حكمت بتاريخ 22/ 6/ 1975 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن عقود البيع الأربعة موضوع الدعاوى الثلاث قد صدرت من المورث في مرض الموت، وبعد أن استمعت المحكمة إلى شهود الطرفين حكمت بتاريخ 7/ 3/ 1979 بتأييد الأحكام الثلاثة المستأنفة. وطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها. وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعنون بالأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقولون أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه لأسبابه قضى بأن التصرفات محل النزاع منجزة ولا تخفي وصية استناداً إلى ما شهد به أحد شهود المطعون عليهن في حين أن مصدر أقواله هو المورث البائع، وأطرح الحكم ما شهد به شاهدا الطاعنين من أن قصد المورث من العقود محل النزاع هو التحايل على قواعد الإرث، وإذ أيد الحكم المطعون فيه الحكم الابتدائي فيما ذهب إليه من أن حيازة المورث للأعيان المبينة حال حياته إنما كانت بالنيابة عن المطعون عليهن رغم تعارض ذلك مع ما هو ثابت بالشهادتين الصادرتين من الجمعية التعاونية الزراعية والمقدمتين لمحكمة الاستئناف، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، وخالف الثابت بالأوراق. وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن تقدير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدان محكمة الموضوع ولا سلطان لأحد عليها في ذلك إلا أن تخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها، فلمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في الأخذ بما تطمئن إليه من أقوال بعض الشهود ما دامت لم تخرج عن مدلولها، ولها أن تطرح أقوال باقي الشهود دون حاجة منها إلى الرد استقلالاً على من لم تأخذ بشهادتهم أو تورد العلة في ذلك، ولها أن تأخذ بالشهادة السماعية إذ هي جائزة حيث تجوز الشهادة الأصلية، وكلتاهما تخضع لتقدير قاضي الموضوع لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال أسبابه قد نفى احتفاظ المورث لنفسه بحيازته للأعيان المتصرف فيها واعتبر أن وضع يده عليها إنما كان بطريق الإنابة عن المتصرف لهن وقضى باعتبار العقود موضوع النزاع بيوعاً منجزة مستوفية أركانها القانونية ولا يقصد بها الوصية، وذلك تأسيساً على ما اطمأنت إليه محكمة الموضوع من أقوال أحد شهود المطعون عليهن، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في شأن أقوال هذا الشاهد لا خروج فيه عن مدلولها، وكان ما خلصت إليه محكمة الموضوع في حدود سلطتها في فهم الواقع في الدعوى وتقدير أقوال الشهود لا يتجافى مع هذه الأقوال، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أقام قضاء على أسباب سائغة تكفي لحمله. لما كان ما تقدم فإن هذا النعي لا يعدو أن يكون في حقيقته جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة وهو ما لا يجوز أمام محكمة النقض. وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثالث من الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الإقرارات الثلاثة الصادرة من المطعون عليهن الثلاث الأخيرات والمقدمة لمحكمة الاستئناف تضمنت أن عقود البيع محل النزاع صورية ولم يدفع فيها ثمن والقصد منها حرمان مورثة الطاعنين من نصيبها في الميراث، وإذ لم يطعن على هذه الإقرارات فهي حجه بما دون فيها. وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن الطاعنين لم يعيبوا الحكم المطعون فيها فيما جاء بالأسباب التي أقام عليها قضاءه في شأن إقرارات المطعون عليهن الثلاث الأخيرات، ولم يبينوا بسبب النعي الآثار التي تنسب إلى الحكم أنه رتبها على هذه الإقرارات فجاء نعيهم مجهلاً غير مقبول. وحيث إن حاصل النعي بالسبب الرابع أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون. وفي بيان ذلك يقول الطاعنون أنهم تمسكوا أمام محكمة الاستئناف بأن عقود البيع صدرت من المورث في مرض الموت وقدموا للتدليل على ذلك شهادة طبية تفيد أنه كان يعالج من حالة (تليف بالكبد واستسقاء بطني وضعف شيخوخة) وإذ شهد شاهدان لهم بأن العقود صدرت في وقت اشتدت فيه وطأة المرض على المورث، ومع ذلك ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن مرض الكبد ليس من الأمراض الخطيرة التي يغلب فيها الموت ودون أن يستعين بأهل الخبرة، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن من الضوابط المقررة في تحديد مرض الموت - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون المرض مما يغلب فيه الهلاك ويشعر معه المريض بدنو أجله وأن ينتهي بوفاته فإذا استطال المرض لأكثر من سنة فلا يعتبر مرض موت مهما يكن من خطورة هذا المرض واحتمال عدم برء صاحبه منه، وتكون تصرفات المريض في هذه الفترة صحيحة، ولا تعد استطالة المرض حالة من حالات مرض الموت إلا في فترة تزايدها واشتداد وطأتها، إذ العبرة بفترة الشدة التي تعقبها الوفاة، لما كان ذلك وكان قيام مرض الموت أو عدم قيامه هو من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف تحقيقاً لدفاع الطرفين أصدرت حكما بإحالة الدعوى إلى التحقيق كلفت فيه الطاعنين بإثبات أن العقود موضوع النزاع صدرت من المورث وهو في مرض موته، وبعد سماع أقوال الشهود إثباتاً ونفياً عرض الحكم المطعون فيه لدفاع الطرفين وأقوال شهودهما والمستندات المقدمة في الدعوى وناقش كل ذلك وانتهى إلى أن الطاعنين قد عجزوا عن إثبات أن العقود المشار إليها صدرت من المورث وهو في مرض موته، وخلص مما شهد به شاهداً المطعون عليهن أن المورث وقت إصداره العقود لم يكن مريضاً مرضاً شديداً يغلب فيه الهلاك بل كان بصحة معادية بعد أن أكدت الشهادة الطبية المقدمة من الطاعنين أن المرض استطال بالمورث لأكثر من سنة دون أن تشتد وطأته عليه وهذا الذي أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه صحيح في القانون ويكفي لحمله، ومن ثم فإن تعييبه فيما استطرد إليه من أن مرض الكبد ليس من الأمراض الخذيرة التي يغلب فيها الموت - أياً كان وجه الرأي فيه - يكون نعياً غير منتج. وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
|
|