من المقرر أن الأصل هو أن لرجال السلطة العامة في دوائر اختصاصهم دخول الأماكن العامة لمراقبة تنفيذ القوانين واللوائح وهو إجراء إداري مقيد بالغرض سالف البيان ولا يجاوزه إلى التعرض إلى حرية الأشخاص واستكشاف الأشياء المغلقة غير الظاهرة ما لم يدرك الضابط بحسه وقبل التعرض لها كنه ما فيها مما يجعل أمر حيازتها أو إحرازها جريمة تبيح التفتيش، فيكون هذا التفتيش في هذا الحالة قائماً على حالة التلبس لا على حق ارتياد المحال العامة والإشراف على تنفيذ القوانين واللوائح.
وقررت محكمة النقض في حكمها
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تسهيل تعاطي المواد المخدرة بغير مقابل فقد جاء مشوباً بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن دفع ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس وقد أطرح الحكم هذا الدفع بما لا يسوغ به إطراحه، معتنقاً في ذلك تصويراً للواقعة كما رواها الضابط شاهد الإثبات الأول رغم أن ما قرره من أن الطاعن في اشتهر عنه تسهيل تعاطي المخدرات لرواد مقهاه لو صح لا ستصدر أذناً من النيابة العامة بتفتيشه وهو ما يقطع بعدم معقولية روايته، وتساند الحكم في الإدانة إلى معاينة النيابة العامة التي أجريت في تاريخ لاحق على واقعة الضبط، ولا تفيد بحكم اللزوم العقلي والمنطقي ارتكاب الطاعن للفعل المسند إليه، كما دانه الحكم دون أن يستظهر ما آلت إليه الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهمين الآخرين اللذين نسب الحكم إليه أنه سهل لهما التعاطي إذ عدم ثبوت واقعة التعاطي يستتبع حتماً انتفاء تسهيله هذا إلى أن الحكم التفت عن دفاعه القائم على انتفاء التهمة في حقه لعدم تواجده بمقهاه وقت الضبط. وذلك كله مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مفاده أنه لدى مرور الضابطين........ و........ على المقاهي بدائرة بندر.......... شاهداً بعزبة......... مقهى مضاءة في الساعة 2.45 صباحاً فدخلاها حيث شاهدا الطاعن يقف ممسكاً بنرجيلة عليها حجر مشتعل ويجلس أمامه شخصان وتنتهي فوهة بوصة النرجيلة في فم أحدهما الذي كان يتعاطاها ويتصاعد منها دخان يشتم منه رائح احتراق المواد المخدرة وأمامهم منضدة خشبية عليها حامل خشبي (تابلوه) به تسعة حجارة فخارية خمسة منها يعلو كل منها كمية من المعسل غير المحترق وقطعة صغيرة من مخدر الحشيش وعلى كل من الأربعة الأخرى كمية من المعسل المحترق فقام الضابط الأول بضبطهم وتفتيشهم، وثبت من تحليل المضبوطات أن المادة المضبوطة على الحجارة وما يعلوها من معسل محترق وغير محترق والنرجيلة وقلبها الخشبي وغابتها ومستخلص مياهها تحتوي على آثار الحشيش، كما أن القطعة
المضبوطة مع الثاني لمخدر الحشيش. وأقام الحكم على صحة الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة سائغة مستمدة من أقوال الضابطين شاهدي الإثبات ومن تقرير معامل التحليل وما تبين من معاينة النيابة العامة للمقهى، وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفاع ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس ولعدم صدور إذن من النيابة العامة بذلك في قوله "وحيث إنه عن الدفع ببطلان القبض والتفتيش فهو دفع مردود بأنه لما كان قد ثبت لدى المحكمة من أدلة الثبوت المار بيانها أن الضابطين إذ دخلا المقهى شاهدا المتهم الماثل يمسك بالنرجيلة وعليها حجر مشتعل وفوهة غابتها في فم آخر يتعاطاها ويتصاعد منها الدخان وأن الضابطين قد اشتما منه رائحة المخدر المحترق كما أنهما شاهدا على كل من خمسة من الحجارة المضبوطة قطعة صغيرة من مادة داكنة تشبه مخدر الحشيش الأمر الذي يدل على وقوع جريمة إحراز المخدرات وتعاطيها وقد شاهدها الضابطان بنفسيهما مما تقوم به إحدى حالات التلبس المنصوص عليها في المادة 30 إجراءات جنائية - وكانت مشاهدة المتهم ممسكاً بالنرجيلة التي يتصاعد منها الدخان الذي يشتم منه رائحة الحشيش وأمامه (والآخرين) الحجارة التي يعلوها مخدر الحشيش تنبئ أيضاً على أن المتهم مقارف لهذه الجريمة المتلبس بها - فإذا كان الضابطان قد قاما بضبطه وقام أولهما النقيب......... بتفتيشه فإنهما يكونا قد أصابا صحيح القانون ويكون الدفع قائماً على غير أساس من الواقع أو القانون" وهذا الذي انتهى إليه الحكم صحيح في القانون، ذلك أنه من المقرر أن الأصل هو أن لرجال السلطة العامة في دوائر اختصاصهم دخول الأماكن العامة لمراقبة تنفيذ القوانين واللوائح وهو إجراء إداري مقيد بالغرض سالف البيان ولا يجاوزه إلى التعرض إلى حرية الأشخاص واستكشاف الأشياء المغلقة غير الظاهرة ما لم يدرك الضابط بحسه وقبل التعرض لها كنه ما فيها مما يجعل أمر حيازتها أو إحرازها جريمة تبيح التفتيش، فيكون هذا التفتيش في هذا الحالة قائماً على حالة التلبس لا على حق ارتياد المحال العامة والإشراف على تنفيذ القوانين واللوائح، وكان يكفي لقيام حالة التلبس أن تكون هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة، وكان الثابت من مدونات الحكم، أنه انتهى إلى قيام هذا الحالة استناداً إلى ما أورده في هذا الخصوص - على النحو المتقدم - من عناصر سائغة لا يماري الطاعن في أن لها معينها من الأوراق، وكان تقدير الظروف التي تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها، أو بعد ارتكابها، وتقدير كفايتها لقيام حالة التلبس، أمراً موكولاً إلى محكمة الموضوع، دون معقب عليها، ما دامت الأسباب والاعتبارات التي بنت عليها هذا التقدير صالحة لأن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها. لما كان ذلك، وكانت الحالة من حالات التلبس، فلا على مأمور الضبط القضائي إن هو لم يسع للحصول على إذن من سلطة التحقيق بالقبض والتفتيش لم يكن في حاجة إليه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مؤدى قضاء المحكمة بإدانة الطاعن استناداً إلى أقوال شاهدي الإثبات هو إطراح ضمني لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان لمحكمة الموضوع في حدود سلطتها في وزن عناصر الدعوى وأدلتها أن تبين الواقعة على حقيقتها كما ارتسمت في وجدانها وتردها إلى صورتها الصحيحة من جماع الأدلة المطروحة عليها فإذا هي أطرحت دفاع الطاعن المخالف لهذا التصوير فلا يقبل منه مجادلتها في عناصر اطمئنانها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينة فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينة لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات فإن ما يثيره الطاعن بشأن الدليل الذي عول عليه الحكم المطعون فيه في إدانته عن الجريمة المسندة إليه والمستمد من معاينة النيابة العامة للمقهى لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها مما لا يقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت جريمة تسهيل تعاطي المواد المخدرة بغير مقابل المسندة إلى الطاعن هي جريمة مستقلة عن جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي، وتختلف كل منهما عن الأخرى في مقوماتها وعناصرها الواقعية والقانونية بحيث يمكن أن تنهار إحداهما بتخلف كل أو بعض أركانها القانونية دون أن يؤثر ذلك حتماً في قيام الثانية، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم - من عدم استظهاره ما آلت إليه الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهمين الآخرين اللذين نسب للطاعن أنه سهل لهما التعاطي - يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان النعي بالتفات الحكم عن دفاع الطاعن من أنه لم يكن متواجداً بالمقهى حال الضبط وهو ما تنتفي به التهمة في حقه - مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها، ومن ثم فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ومن ثم فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.