مؤدى نص المادة 31/ 3 من القانون 49 لسنة 1977 - الذي رفعت الدعوى في ظله - أن المشرع اشترط أن يكون الترخيص الصادر من المؤجر للمستأجر بالتنازل كتابة ليحول دونه ودون طلب الإخلاء بما مؤداه أنه في الأصل لا يجوز عند المنازعة في حصوله إثباته بغير هذه الوسيلة التي حددها المشرع، فإثبات الإذن بالتنازل الصريح يجب أن يكون بالكتابة أو ما يقوم مقامها من يمين أو إقرار، إلا أن الكتابة في الإذن الخاص ليست ركناً شكلياً بل هي مطلوبة لإثبات التنازل عن الشرط المانع لا لصحته فيمكن الاستعاضة عنها بالبينة أو القرائن في الحالات التي تجيزها القواعد العامة. استثناء، فيجوز إثبات التنازل الضمني بالبينة باعتبار أن الإرادة الضمنية تستمد من وقائع مادية وهي تثبت بجميع الوسائل.
وقررت محكمة النقض في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضدهما الأولين أقاما الدعوى رقم 2562 سنة 1979 مدني جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 23/ 4/ 1950 وإخلاء الطاعنين والمطعون ضده الثالث من العين المؤجرة وتسليمها لهما خالية، وقالا بياناً للدعوى أن المطعون ضده الأخير استأجر من مورثهما المرحوم...... شقة النزاع لاستعمالها عيادة طبية وأنه في شهر نوفمبر سنة 1978 أخطرهما الطاعنان بشرائهما العين المؤجرة من المطعون ضده الثالث بالجدك بعقد مؤرخ 21/ 10/ 1978 وإذ لم يستوف هذا العقد شروط البيع بالجدك فقد أقاما الدعوى بطلباتهما السالفة البيان. قضت محكمة الدرجة الأولى برفض الدعوى. استأنف المطعون ضدهما الأولان هذا الحكم بالاستئناف رقم 2116 سنة 97 ق القاهرة وبتاريخ 10/ 2/ 1981 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ويفسخ عقد الإيجار وإخلاء العين وتسليمها خالية للمطعون ضدهما الأولين. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم. وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب من وجهين، وفي بيان ذلك يقولان أنهما تمسكا أمام محكمة الموضوع باعتبار الاستئناف كأن لم يكن لعدم إعلانهما بصحيفته في خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تقديمها إلى قلم الكتاب إلا أن الحكم المطعون فيه لم يضمن منطوقة قضاءه برفض الدفع أو قبوله كما ورد بأسبابه ما قرره المطعون ضدهما الأولان بعدم تقيدهما في توجيه الإعلان في الميعاد للنيابة العامة لإتمامه عن طريق القضاء العسكري دون اشتراط وصول الإعلان إلى شخص المعلن إليه - وهو ما لم يتم حتى الآن - ومن ثم كان الحكم معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والقصور بما يستوجب نقضه.
وحيث إن النعي في وجهيه غير صحيح، ذلك لأن من المقرر في قضاء هذه للمحكمة - أن قضاء الحكم صراحة في مسألة ما بأسبابه التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمنطوق وتكمله بحيث لا يمكن فصلها عنه يغني عن إيراده بالمنطوق، كما أن إعمال الجزاء الوارد بالمادة 70 من قانون المرافعات بعد تعديلها بالقانون رقم 75 لسنة 1976 أصبح جوازياً للمحكمة لها أن تعمله أو تعفي المدعي - ومثله المستأنف منه إذا ما رأت في حدود سلطتها التقديرية أن تأخر إتمام الإعلان في خلال الثلاثة أشهر المقررة في تلك المادة لم يكن راجعاً إلى فعله لما كان ذلك وإذ كان البين من محضر جلسة 3/ 11/ 1980 إقرار محامي المستأنف الثاني - الطاعن الأول - بأنه تم إعلانه بأصل الصحيفة فيما بعد وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه تناول الرد على الدفع باعتبار الاستئناف كأن لم يكن بأنه لم يكن للمستأنفين يد في تأخير الإعلان بالنسبة للمستأنف ضده الثاني - الطاعن الأول - إذ أعلنت إليه بصحيفة الاستئناف في 31/ 3/ 1980 في مواجهة النيابة لإعلانه عن طريق القضاء العسكري ولا يد لهما في تأخير تمامه لانعدام صلتهم بإرادة القضاء العسكري وبالإجراءات التالية لإعلان النيابة وهي أسباب سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق أن تكفي لحمل قضاء الحكم المطعون فيه في استعمال الرخصة المخولة للمحكمة في رفض الدفع كما أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمنطوق والذي جاء قاصراً على القضاء في الموضوع وتكمله ولا يمكن فصلها عنه باعتباره نتيجة طبيعية ومنطقية لرفض الدفع الشكلي صراحة بالأسباب، ومن ثم كان النعي بهذا السبب غير صحيح.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الأول من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم أغفل الرد على طلب المطعون ضده الثالث إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات واقعة موافقة المطعون ضدهما الأولين على بيع العيادة بالجدك، إذ بهذه الموافقة ولو كانت ضمنية يعتبر متنازلاً عن الشرط المانع من التنازل عن عقد الإيجار ويجوز إثبات هذه الواقعة بكافة طرق الإثبات عن طريق إثبات الوقائع المادية التي تستخلص منها الموافقة الضمنية، وإذ كانا خلفاً لسلفهما المطعون ضده الثالث ويحق لهما الاستفادة بما تمسك به، وهو دفاع جوهري ومن ثم كان إغفاله ما يصم الحكم بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك لأنه ولئن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدفاع الذي تلتزم به محكمة الموضوع بالرد عليه هو الدفاع الجوهري الذي من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، ويكون مدعيه قد أقام عليه الدليل أمام المحكمة أو طلب منها وفقاً للأوضاع المقررة في القانون تمكينه من إثباته وإلا فلا عليها إن أغفلته ولم ترد عليه، ولئن كان من المقرر كذلك أن مؤدى نص المادة 31/ 3 من القانون 49 لسنة 1977 - الذي رفعت الدعوى في ظله - أن المشرع اشترط أن يكون الترخيص الصادر من المؤجر للمستأجر بالتنازل كتابة ليحول دونه ودون طلب الإخلاء بما مؤداه أنه في الأصل لا يجوز عند المنازعة في حصول إثباته بغير هذه الوسيلة التي حددها المشرع، فإثبات الإذن بالتنازل الصريح يجب أن يكون بالكتابة أو ما يقوم مقامها من يمين أو إقرار إلا أن الكتابة في الإذن الخاص ليست ركناً شكلياً بل هي مطلوبة لإثبات التنازل عن الشرط المانع لا لصحته فيمكن الاستعاضة عنها بالبينة والقرائن في الحالات التي تجيزها القواعد العامة استثناء فيجوز إثبات التنازل الضمني بالبينة باعتبار أن الإرادة الضمنية تستمد من وقائع مادية وهي تثبت بجميع الوسائل، وإذ كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة كذلك أن الحق في الإجارة ليس من الحقوق المتعلقة بشخص المستأجر خاصة وإنما هو حق مالي يجوز التصرف فيه والحجز عليه فإن التنازل عنه يعني حوالة في الحقوق وفي الالتزامات فتئول إلى المتنازل إليه حقوق المستأجر الأصلي والتزاماته، كما أنه يعتبر خلفاً خاصاً للمستأجر الأصلي (المتنازل) فإن من المقرر أيضا - في قضاء هذه المحكمة - أن ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 594 من القانون المدني إنما هو استثناء من الأصل المقرر بالتزام المستأجر باحترام شرط حظر التنازل عن الإيجار وأن هذا الاستثناء يقتصر على الأماكن التي تمارس فيها الأعمال ذات الصبغة التجارية والتي ينطبق عليها وصف المصنع أو المتجر دون سواهما، ولا يجوز التوسع في تفسيره أو القياس عليه، ومن ثم فلا ينصرف حكمه إلى بيع عيادة الطبيب إذ تجرى فيها ممارسة مهنة لا تعتبر من قبل الأعمال التجارية في مفهوم قانون التجارة وإنما تقوم أساساً على النشاط الذهني واستثمار الملكات الفكرية والمعلومات المكتسبة لصاحبها ولا تدر عليه ربحاً وإنما يحصل من جهده المبذول فيها على أجر يدخل في تقديره ظروفه الشخصية وظروف عمله والظروف العامة التي تحيط بممارسته لأعمال مهنته ومن ثم لا يشملها البيع بالجدك المنصوص عليه بالمادة 594 من القانون المدني ولا تعتبر مشروعاً تجارياً ولا تدخل ضمن تعبير المصنع أو المتجر، ولذلك فإن بيعها لا يعدو في حقيقته أن يكون تنازلاً عن الإيجار بمقابل ويعتبر المتنازل له خلفاً خاصاً للمستأجر الأصلي تبلغيه عن الأخير حقاً معيناً بالذات كان قائماً ومستقراً في ذمته أي فيما كان للمتنازل من مركز قانوني موضوعي وهو الحق في الإجازة، أما ما يحمي هذا المركز الموضوعي من أداة تتمثل في الخصومة أمام المحكمة فلا خلافة بها إذ للخلف العام إذا ما توفى الخصم أو انقضت شخصيته القانونية فيواصل الخلف العام السير في الخصومة وإذ كان تعدد الخصوم ولو كان إجبارياً في الخصومة الواحدة أمام المحكمة لا ينال كل منهم ومسلكه فيها وحريته في إبداء ما يراه من دفوع ووسائل دفاع والطعن على ما يصدر فيها من أحكام ويعد هذا منه من قبيل مباشرة الإجراءات ولا يعتبر في ذلك ممثلاً للآخرين، وبالتالي فليس لأي من الخصوم الاحتجاج بدفاع خصم مثل معه في ذات الخصومة طالما لم يتبن هو هذا الدفاع أو يشارك زميله فيه، وليس له كذلك الطعن في الحكم الصادر ضد هذا الخصم في هذا الخصوص باعتبار أن الطعن ولو بالطرق غير العادية لا يجوز إلا للدائن العادي إذا ما توافرت في ذلك شروط الدعوى غير المباشرة، إذ يقوم الدائن به نيابة عن مدينه المحكوم عليه، لما كان ما تقدم جميعه، وكان البين أن الطاعنين - وهما المتنازل لهما عن الإيجار - قد أقاما الطعن الماثل وحدهما، وهما لا يمثلان في ذلك المطعون ضده الثالث، وقد أبديا هذا النعي كخلف له لتخطئة الحكم المطعون فيه في دفاع أبداه المذكور وهو يباشر إجراءات الخصومة أمام محكمة الموضوع ولم يشاركاه أو ينضما إليه فيه، ولم يطعن هو في الحكم الصادر ضده بشأن هذا الدفاع الذي انفرد به دونهما ومن ثم فليس لها استعمال حقه أو الخلافة فيه بالنعي بهذا السبب ويضحى الطعن منهما بهذه المثابة سبباً جديداً لم يسبق لهما عرضه على محكمة الموضوع ومن ثم غير مقبول منهما التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسببين الثاني والرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولان إن العيادة الطبية مما يجوز بيعها بالجدك وقد استدل حكم محكمة الدرجة الأولى على ذلك بأسباب سائغة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر مقرراً أنها ليست عملاً تجارياً ودون أن يناقش أسباب الحكم الابتدائي في هذا الصدد فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وعابه القصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي - بسببه - في غير محله، ذلك لأن العيادة الطبية لا تسري عليها أحكام البيع بالجدك حسبما سبق تفصيله في الرد على السبب الأول من أسباب الطعن، كما أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن محكمة الاستئناف غير ملزمة بأن ترد على ما جاء بحكم محكمة أول درجة الذي ألغته طالما أقامت قضاءها على أسباب كافية لحمل حكمها، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد ألغى الحكم الابتدائي على سند من القول بأن "عيادة الطبيب ليست مشروعاً تجارياً ولا تدخل ضمن تعبير المصنع أو المتجر في المادة 594 مدني لأن هذا النص استثنائي إنما قصد به الإبقاء على الرواج المالي ولا محل للقول بأن مزاولة الطبيب لعمله يعد عملاً تجارياً وبالتالي فإن عيادة الطبيب لا يزاول فيها أي نشاط تجاري أو صناعي ومن ثم فلا تعتبر متجراً أو مصنعاً في حكم الفقرة الثانية من المادة 594 مدني" وكانت هذه الأسباب تتفق وصحيح القانون ولها أصلها الثابت بالأوراق وكافية لحمل قضائه وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها فلا عليه من بعد إن لم يرد على أسباب الحكم الابتدائي الذي ألغاه، ويضحى النعي عليه بهذين السببين في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.