من المقرر أن القصد الاحتمالي هو نية ثانوية تختلج بها نفس الجاني، قوامه أن يتوقع أن فعله يمكن أن يحدث النتيجة الإجرامية التي لا يتغياها بالدرجة الأولى، فيمضي مع ذلك في تنفيذ الفعل، مستوياً لديه حصول هذه النتيجة أو عدم حصولها بما يوفر لديه قبول تحققها، ومن ثم يجب لتوفر القصد الاحتمالي في جريمة القتل العمد أن يكون الجاني قد توقع وفاة المجني عليه كأثر ممكن لفعله، وأن يقبل ويرضى بتحقق هذه النتيجة، وينبغي على الحكم الذي يقضي بإدانة متهم في هذه الجناية استناداً إلى توافر القصد الاحتمالي لديه أن يعنى بالتحدث استقلالاً عن اتجاه إرادته نحو إزهاق روح المجني عليه، متمثلاً في قبوله تحقق هذا الغرض إلى جانب الغرض الأول الذي استهدفه بفعله، وأن يورد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه، فلا يكفيه في هذا المقام التحدث عن استطاعة المتهم التوقع أو وجوبه بل يجب عليه أن يدلل على التوقع الفعلي وقبول إزهاق روح المجني عليه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد تحدث عن نية القتل بقوله: "وحيث إن جريمة القتل العمد فقد تطلب الشارع قصداً خاصاً فيها وهو ضرورة توافر نية القتل كما تقوم ذات الجريمة إذا ما توافر القصد الاحتمالي وهو الحالة الذهنية للشخص الذي يتمثل النتائج الممكنة أو المحتملة لفعله أو الذي يعلم أن وضعاً إجرامياً معيناً يمكن أن ينشأ من نشاطه بحيث لا يكون تحقق هذه النتائج أو هذا الوضع داخلاً في الهدف أو الدافع إلى النشاط ولكنه يريده أي يريد النشاط، وعلى ذلك فإن الجاني قد يتعمد جريمة معينة فتتحقق بدلاً منها جريمة أخرى أو قد تتحقق الجريمة المقصودة ومعها جريمة ثانية فطبقاً لنظرية القصد الاحتمالي ينبغي مساءلة الجاني عن جميع النتائج التي تحصل إذا كانت مقبولة أو بالأقل متوقع حدوثها. وإذ كان ذلك، وكان المتهم قد جذب المجني عليها داخل المنزل المهجور لهتك عرضها وحال تنفيذه لتلك الجريمة وضع يده على فيها وأنفها فإن ذلك الفعل من جانب المتهم هو الذي أدى إلى وفاة المجني عليها نتيجة اسفكسيا كتم النفس كما أورى تقرير الصفة التشريحية وأن تلك النتيجة التي ترتبت علي فعل المتهم مألوفة ومتوقعة نتيجة وضع اليد على فاها وأنفها وكتم نفسها وبالتالي حقق جريمته المقصودة وهي هتك العرض كما تحقق معها جريمة أخرى كنتيجة للأولى وهي جريمة القتل العمد لتوافر القصد الاحتمالي في حقه". ولما كان ما أورده الحكم في هذا الخصوص، وما ساقه من أدلة الثبوت استدلالاً منه على توافر نية القتل في حق الطاعن قد وقف عند حد التدليل على إمكان توقع تحقق وفاة المجني عليه كأثر لفعل الطاعن - باعتبار أن ذلك من النتائج المألوفة - دون أن يعني بالكشف عن توافر التوقع الفعلي لدى الطاعن واتجاه إرادته نحو إزهاق روح المجني عليه فإنه يكون مشوباً بالقصور.
|