|
لما كان الحكم قد عرض للطعن بتزوير دفاتر قوات الأمن والعبث بها واطرحه في قوله: "...... إن الطعن بالتزوير على ورقة من أوراق الدعوى هو من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لا تلتزم بإجابته لأن الأصل أن للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهى الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع لتقديرها ما دامت المسألة المطروحة عليها ليست من المسائل الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء رأيها فيها، ولما كان طلب الطعن على الدفاتر قد ورد مجهلاً لم يحدد أي الدفاتر المراد الطعن فيه بالتزوير على وجه جازم قاطع، فضلاً عن أنه بما للمحكمة من سلطة تقديرية في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى فإنها ترى بأن العبث الذي حدث في البند بأحد الدفاتر غير مؤثر في مجريات الدعوى لا سيما وأن البيانات المثبتة في الدفاتر جاءت متفقة مع ماديات الدعوى وما قرره شهودها وأن العبث كان مجرد محاولة من المتهم الثاني لدرء المتهم به عن نفسه ". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بالتزوير هو من وسائل الدفاع الموضوعية التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع والتي لا تلتزم بإجابته لأن الأصل أن المحكمة لها كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة عليها على بساط البحث، وأن طلب المتهم تمكينه من الطعن بالتزوير هو من قبيل طلبات التأجيل لاتخاذ إجراء بما لا تلتزم المحكمة بالاستجابة إليه طالما خلصت من واقعات الدعوى وعناصرها إلى عدم الحاجة إليه، فمتى انتهت إلى رأى معين واطمأنت إليه فلا معقب عليها في ذلك، وكان ما أورده الحكم من انتهاء المحكمة إلى قناعتها بسلامة بيانات دفاتر قوات الأمن التي شاء الطاعن الطعن عليها بالتزوير وردت على طلبه في هذا الشأن - على السياق المتقدم - ردًا سائغًا، فإن دعوى الإخلال بحق الدفاع تكون غير مقبولة.
وقررت محكمة النقض في حكمها
بمقتضى القانون, وثانيهم - بالاشتراك مع الأول - بجريمة الحصول لغيره - بغير حق - على ربح من أعمال وظيفته, والإضرار عمدًا بالمال العام, واستخدام أشخاص جَمعهم في غير ما جُمعوا له قانونيًا, وثالثهم بجريمة الاشتراك في التربح, واستخدام أشخاص في غير ما جُمعوا له قانونًا, قد شابه القصور والتناقض في التسبيب, وران عليه البطلان والفساد في الاستدلال وعابه الإخلال بحق الدفاع, والخطأ في تطبيق القانون, ومخالفة الثابت في الأوراق, ذلك أنه خلا من بيان واقعة الدعوى وأدلتها, وأركان الجرائم التي أسندت إليهم وعناصرها, وجاء في عبارة عامة مرسلة مجهلة, فضلاً عن تناقضها واضطرابها بما يكشف عن اختلال فكرة الحكم عن عناصر الدعوى, ولم يدلل على اشتراك الأول والثاني بالاتفاق والمساعدة دون استظهار عناصر ذلك الاتفاق وتلك المساعدة, ومدى توافر قصد الاشتراك بما ينبئ عن عدم إحاطة المحكمة بواقعة الدعوى والإلمام بها عن بصر وبصيرة, كما لم يدلل الحكم على اشتراك الثالث مع الثاني في ارتكاب جريمة التربح, فلا صفة للثالث ولا اختصاص بتشغيل الأفراد والسيارات التي يختص بها الثاني والذي لم يكلف من الأول بذلك مما دعاه للدفع بانتفاء أركانها, فضلاً عن قيام الأول والثالث بسداد كافة النفقات والأجور التي قررتها لجان الخبرة المختلفة, باعتبار أن القائمين بالعمل مدنيون لا علم للطاعنين بكونهم من أفراد أو سيارات الشرطة مما ينفي القصد الجنائي لديهما, فضلاً عن بطلان تحقيقات النيابة وأمر الإحالة, وأعرض الحكم عن الدفع ببطلان الدليل المستمد من أقوال المجندين, وكذا أقوال كل من ...., ..... لصدورها عن إكراه معنوي وتهديد ووعيد بغية العبث بالأدلة والشهادة على نحو معين, وكذا طلب سماع شهود ولم يحقق ذلك أو يرد عليه, وكذلك الدفع باستحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود, ولم يورد أقوال الشاهد ..... الذي لم يجزم بعلم الأول بالجريمة أو القائمين بالعمل وأحال في بيانها لأقوال الشاهد الثالث رغم اختلافها, وحصّل أقوال الشاهد/.... على نحو يخالف صريح عبارتها, كما اجتزأ أقوال الطاعنين الأول والثالث, كما أن واقعة الدعوى لا تعدو أن تكون مخالفة إدارية انضباطية, وأن بالأوراق جريمة واحدة هي تربح الطاعن الأول, وقصّر الحكم في بيان أركان جريمة السخرة المؤثمة بالمادة 131 من قانون العقوبات وأسماء المجني عليهم بها, ولم يحدد النشاط المؤثم الذي أتاه الأول والثالث ونية التربح والإضرار بالمال العام لديهما وهو ما تمسكوا به في دفاعهم فضلاً عن أن أقوال الثاني تنبئ عن أنه كان يريد تلفيق الاتهام للثالث والأول, وعوّل على أقوال الشاهد/...... الذي قرر أن الطاعن الثاني هو من أمره بإحضار المجندين وأن ينسب ذلك للطاعن الأول, كما أن الشهود من الثامن حتى الرابع عشر لم يجزم أيهم أن الأول يعلم بطبيعة العاملين أو قيام الثاني باستخدام سيارات الشرطة والمجندين بلا أجر, كما لم يجزم الشاهد/ ...... بذلك, وعوّل الحكم على أقوال شهود نفي كل منهم حصوله على أجر وهو ما لا يكفي دليلاً على مساهمة الطاعن الثاني في تربيح الغير والإضرار بالمال العام, ولم يقدم الشاهد/ ..... دليلاً على ثبوت الاتهام وجاءت تحرياته غير الجادة ترديدًا لأقوال الشاهد/ ...... والطاعن الثاني الذي ظهر خلافه مع الطاعن الأول, ومن ثم دفع بعدم جديتها فضلاً عن دفاتر وصور تم العبث بها طعن عليها بالتزوير وأيضًا لبطلان تحريزها, كما لم تتوصل تلك التحريات لدليل على الاتفاق على ارتكاب الثاني لتلك الجرائم أو ما حصله من تكاليف وأجور وكُنه خلافه مع الأول, والتفت الحكم عن دفعه بانعدام مسئوليته للإكراه الذي وقع عليه ويمثل أحد حالات الضرورة المنصوص عليها في المادة 61 من قانون العقوبات, فضلاً عن انتفاء رابطة السببية بين ما نسب للأول والثاني وما قارفه الآخرون, وعوّل الحكم على أقوال رئيس وأعضاء لجنة خبراء وزارة العدل رغم عدم دقتها, وكذا تقرير خبراء وزارة الداخلية, وخبراء إدارة الكسب غير المشروع والأموال العامة التي لم تحدد المبالغ موضوع التربح ودون إيراد ما يكفي من مضمونهما, وكذا تقرير قطاع التفتيش بوزارة الداخلية رغم بطلان تشكيل اللجنة وعدم حلفهم اليمين ومن ثم دفع ببطلان تلك التقارير التي اعتمدت على أسس حسابية غير دقيقة وأدلة ظنية وفنية طالها العبث, وهو ما حدا بالأول والثالث لطلب لجنة خبراء مغايرة - لم تجبه المحكمة, كما اطرح الحكم بما لا يسوغ دفع الثاني بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى لكون المتهمين ضباط شرطة, والأول بعدم اختصاصها نوعيًا بنظر جريمة المادة 131 من قانون العقوبات فهي لا تعدو جنحة تختص بها محكمة الجنح, وكذا دفع الثاني والثالث بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بقرار ضمني بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل ضباط نسبت لهم وقائع مماثلة نُفذت امتثالاً لأمر رؤسائهم, فضلا عن إغفال دفاع الثاني باعتقاده بمشروعية ما قام به نفاذًا لأمر رؤسائه وهو سبب من أسباب الإباحة المنصوص عليها بالمادة 63 من قانون العقوبات, هذا وقد دفع الطاعن الثالث أيضًا بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية قبله لسبق صدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية من شعبة الفحص والتحقيق بجهاز الكسب غير المشروع في الشكوى رقم .... لسنة ....سرى دلالة على انتفاء حصوله على منفعة لنفسه أو لغيره استغلالاً لوظيفته, كما أعرض الحكم عن الدفع بتناقض الدليل الفني (تقرير إدارة الكسب غير المشروع) مع الدليل القولي(شهادة الثالث), هذا إلى أن جريمة الاشتراك في التربح قد انقضت بالتصالح عملاً بنص المادتين 18 مكررًا فقرة "أ" من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 7 مكررًا من القانون رقم 8 لسنة 1997 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 2012 بشأن ضمانات وحوافز الاستثمار لرد الأموال موضوع الاتهام, وأخيرًا لم تعرض المحكمة للدفاع المبدي في المذكرات وحوافظ المستندات بخصوص الاختصاص الوظيفي وأركان الجرائم موضوع الاتهام, كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه. ومن حيث إن الحكم المطعون فيه حصّل واقعة الدعوى بما مفاده أنه في الفترة ما بين شهر سبتمبر سنة 2007 وحتى يناير سنة 2011 وبناء على اتفاق المتهمين الأول والثاني- الطاعنين الأول والثاني - عن استخدام الضباط والمجندين والأفراد رئاسة المتهم الثاني بوزارة الداخلية وكذلك معدات وسيارات الشرطة التابعة لقطاع .... التي تولاها شهود الإثبات من السابع بعد المائة حتى السابع والثلاثين بعد المائة وغيرهم, في إقامة منشآت وزراعات في الأرض المملوكة للمتهم الأول, إذ قام المتهم الثاني بصفته مساعد وزير الداخلية لقطاع ...... بتكليف الشاهد الخامس عشر وهو مهندس بإدارة ..... وعدد كبير من أفراد ومجندي القطاع بتنفيذ إنشاءات وزراعات بأرض المتهم الأول وتمثل ذلك في إقامة "فيلا" وإنشاءات وزراعات بأراضي المتهم المذكور, كما كلفه بتشطيب "فيلا" سكنية وإنشاءات وزراعات في أراضي خاصة ومملوكة للمتهم الثالث - الطاعن الثالث - .........., وقد تأكد تنفيذ تلك الأعمال بمعرفة الشهود من الخامس عشر حتى السادس بعد المائة وآخرين من مجندي وأفراد قوات الأمن, وأن المتهم الثاني تردد بنفسه على مواقع العمل بمتابعة الأعمال التي تتم بها, والتي أعد بعض تصميماتها ورسوماتها الشاهد الثاني, كما أشرف على تنفيذها, وأن أياً من القائمين بتلك الأعمال لم يحصل على ثمة أجر مقابل عمله, وأن لجنة من خبراء إدارة الكسب غير المشروع والأموال العامة بمصلحة خبراء وزارة العدل - منتدبة من النيابة العامة - أثبتت أن قطعة أرض مساحتها, 15 فدان, وأخرى مساحتها 17.2 فدان مملوكة أيضًا للمتهم الأول وعلى تلك المساحات تمت الأعمال والإنشاءات والزراعات محل الاتهام ومجمل ما تم من أعمال وإنشاءات قام بها المجندون بلغت قيمتها 436280 جنيهًا كما أثبتت اللجنة أن قطعة أرض مساحتها خمسة أفدنة مملوكة للمتهم الثالث تمت بها أعمال وإنشاءات وزراعات متنوعة قدرت قيمتها 54420 جنيهًا, وخلصت اللجنة من ذلك إلى تطابق أقوال الشهود مع ما انتهت إليه, كما ثبت من تقرير لجنة قطاع التفتيش والرقابة بوزارة الداخلية وبحثها في الفترة من 18 سبتمبر سنة 2007 وحتى 25 يناير سنة 2011 أن قيمة تشغيل سيارات وزارة الداخلية وأجور السائقين والعاملين وهو ما حصل عليه المتهمان الأول والثالث في هذا المجال بلغ 1871120 جنيهًا دون وجه حق يضاف إليها نسبة 10% مصروفات إدارية ليكون إجمالي المبلغ 2058232 جنيه يخص المتهم الأول منها مبلغ 1801496 جنيه ويخص المتهم الثالث مبلغ 256735 جنيه, وقد ثبت للجنة المذكورة أن دفاتر تحركات السيارات تتوافق وجهاتها وأوقات عملها إجمالاً مع ما قرره الشهود, وقد أقام الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة وصحة نسبتها إلى المتهمين أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت بتقريري لجنة خبراء إدارة الكسب غير المشروع والأموال العامة بوزارة العدل ولجنة قطاع التفتيش والرقابة بوزارة الداخلية, وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، وكان البين مما أورده الحكم على السياق المتقدم أنه أورد واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجرائم التربح والإضرار عمدًا بأموال الجهة التي يعملون بها، وأورد على ثبوتها في حق المتهمين أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلمامًا شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، مما ينفي عن الحكم شائبة الإبهام والتعميم والإجمال والتجهيل، وعدم الإلمام بوقائع الدعوى ومستنداتها. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن جناية التربح المنصوص عليها في المادة 115 من قانون العقوبات تتحقق متى استغل الموظف العام أو من في حكمه بالمعنى الوارد في نص المادة 119 مكررًا من قانون العقوبات وظيفته، بأن حصل أو حاول أن يحصل لنفسه على ربح أو منفعة بحق أو بغير حق أو لغيره بدون حق وذلك من عمل من أعمال وظيفته ففي هذه الجريمة يتمثل استغلال الوظيفة العامة من خلال العمل على تحقيق مصلحة خاصة من ورائها فهناك تعارض لا شك فيه بين المصلحة الخاصة التي يستهدفها الموظف العام لنفسه أو لغيره، وبين المصلحة العامة المكلف بها وتحقيقها في نزاهة وتجرد غير مبتغ لنفسه أو لغيره ربحًا أو منفعة فهذه الجريمة من جرائم الخطر الذي يهدد نزاهة الوظيفة العامة لأنها تعرض المصلحة العامة للخطر من تربح الموظف العام من ورائها، ولا يحول دون توافر هذا الخطر ألا يترتب عليه ضرر حقيقي أو لا يتمثل في خطر حقيقي فعلى، فهو خطر مجرد بحكم التعارض بين المصلحتين العامة والخاصة، كما لا يشترط لقيام جريمة التربح الحصول فعلاً على الربح أو المنفعة، وإنما يكفى لقيامها مجرد محاولة ذلك حتى ولو لم يتحقق الربح أو المنفعة، ومن ثم فإن الحكم إذ أثبت أنه قد استخدم الأفراد سالفى الذكر ومنهم الشهود من الرابع عشر وحتى السابع والثلاثون بعد المائة، والسيارات والجرارات والمقطورات وهى مملوكة لوزارة الداخلية بناء على تعليمات مباشرة من المتهم الثاني نفاذًا لاتفاقه مع المتهم الأول، والذي زاد على ذلك عرضه على المتهم الثالث استغلال بعض ما سلف في أرضه لإنشاءات وتشطيبات سبق بيانها وقام فعلاً بتنفيذ ذلك دون أن يدفع مقابلاً نقديًا لذلك، إضافة إلى المهمات الخاصة بوزارة الداخلية واستغلالها في تلك الأعمال، وذلك توصلاً لشغل مناصب أعلى في هيئة الشرطة أعلى من أقرانه إضافة لعمله، ثم مد خدمته في الدرجة التي يشغلها لمدة سنتين بعد بلوغه السن القانونية للتقاعد، كما أثبت الحكم أن إرادة المتهمين قد اتجهت إلى تحقيق منفعة خاصة لهم على حساب المصلحة العامة رغم تعارض المصلحتين بدلالة تردد المتهم الأول على موقع العمل واتفاق المتهم الثاني مع الثالث على إتمام الإنشاءات لديه لتحقيق منفعة خاصة للأول والثالث، فضلاً عما قرره الشاهد السادس عشر من أنه كان يتم استبدال اللوحات المعدنية لسيارات الشرطة التي استخدمت في أرض المتهمين الأول والثالث بالتنسيق بين المتهمين الثاني والثالث لإخفاء أمر استخدام سيارات الشرطة في أعمال لا يجوز استعمالها فيها، وعند اكتشاف ذلك حاول المتهم الثاني إخفاء الأدلة، وطلب ذلك هاتفيًا من الشاهد الخامس عشر حال سؤاله أمام النيابة العامة وتأسيسًا على ذلك انتهت المحكمة إلى أنه قد ثبت لديها أن المتهم الأول استغل سلطاته وحصل لنفسه دون وجه حق على منفعة من عمل من أعمال وظيفته، وأن المتهم الثاني مكّنه من ذلك بالاتفاق معه ومساعدته بإصدار أوامر تشغيل الأفراد والمجندين ومهمات وزارة الداخلية مخالفة للقوانين واللوائح المعمول بها، وكذلك الأمر بالنسبة للعمل في أرض المتهم الثالث بصفته ضابط شرطة وقائد حراسة المتهم الأول، وهو ما ترتب عليه ضررًا عمديًا حقيقيًا حالاً ومؤكدًا وثابتًا على وجه اليقين بأموال جهة عملهم، إضافة إلى أن من عملوا بتلك الأرض لم يتقاضوا أجرًا، الأمر الذي قرره الشهود من الرابع عشر حتى السابع والثلاثين بعد المائة، وهو ما تتوافر به سائر الأركان القانونية لجناية التربح المنصوص عليها في المادة 115 من قانون العقوبات في حق الطاعنين. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن إعمال حكم المادة 116مكررًا من قانون العقوبات يتطلب توافر أركان ثلاثة الأول: أن يكون المتهم موظفا عامًا بالمعنى الوارد في المادة 119 مكررًا من قانون العقوبات، والثاني: الإضرار بالأموال والمصالح المعهودة إلى الموظف سواء كانت تلك الأموال والمصالح للجهة التي يعمل بها أو للغير المعهود بها إلى تلك الجهة ولو لم يترتب على الجريمة أي نفع شخصي له، والثالث: القصد الجنائي وهو اتجاه إرادة الجاني إلى الإضرار بالمال أو بالمصلحة، فلا تقع الجريمة إذا حصل الضرر بسبب الإهمال وإذ أثبت الحكم في حق الأول والثاني توافر أركان تلك الجريمة ودلل على ثبوتها في حقهما بما لا يمارى الطاعن في أن له أصله الثابت في الأوراق، وكان ما أورده الحكم سائغًا ويستقيم به قضاؤه، فإن ما يثار من منازعة في سلامة ما استخلصه الحكم من واقع أوراق الدعوى لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا في تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان الحكم قد دان الطاعنين الأول والثاني بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات، وهى عقوبة تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة التربح التي دانهما الحكم عنها، ولا مجال لمناقشة القصور في بيان أركان جريمتي الإضرار عمدًا بالمال العام أو استخدام أشخاص في غير الأعمال التي جُمعوا لها قانونيًا, كما أن السداد اللاحق على قيام جريمة التربح لا يؤثر على المسئولية الجنائية. لما كان ذلك, وكان البين من مدونات الحكم أن ما أورده بيانًا لواقعة الدعوى والظروف التي أحاطت بها والأدلة التي ساقها وعول عليها في الإدانة وما خلص إليه في مقام التدليل على قيام الجرائم في حق الطاعنين، يتوافر به قيام القصد الجنائي لتلك الجرائم التي دانهم بها، ويستقيم به اطراح ما أثير في هذا الشأن، ذلك أنه من المقرر أن تقدير قيام القصد الجنائي أو عدم قيامه يعد مسألة متعلقة بالوقائع وتفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب، وينحل ما يثار في هذا الشأن جدلاً موضوعيًا في وقائع الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض, هذا إلى أن الحكم قد دان الطاعن الأول بوصفه فاعلاً أصليًا في الجريمة فلا يقبل ما يثار عن معاقبته باعتباره شريكًا وانتفاء أركان الاشتراك في حقه. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن الاتفاق على ارتكاب الجرائم لا يقتضى في الواقع أكثر من تقابل إرادة المساهمين ولا يشترط لتوافره مضى وقت معين ومن الجائز عقلاً وقانونًا أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقًا لقصد مشترك بين المساهمين هو الغاية النهائية من الجريمة أي أن يكون كل منهم قد قصد قصّد الآخر في إيقاع الجريمة المعينة واسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة، وأنه يكفى في صحيح القانون لاعتبار الشخص فاعلاً أصليًا أن يساهم في الجريمة بفعل من الأفعال المكونة لها، وكان ما أورده الحكم كافيًا بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على ارتكاب الجرائم المسندة إليهم، من صدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها، وأن كل منهم قصد قصّد الآخر في إيقاعها وقارف فعلاً من الأفعال المكونة لها, كما أنه من المقرر أن الاشتراك بطريق الاتفاق إنما يكون باتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية فمن حق القاضي إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه، وكان الحكم قد دلل في أسباب سائغة وبأدلة قولية وفنية على ما يكشف عن اعتقاد المحكمة باشتراك الطاعن الثاني مع الأول ومعهما الطاعن الثالث في ارتكاب جريمة التربح المنصوص عليها في المادة 115 من قانون العقوبات، فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه، وليس على المحكمة أن تدلل على حصول الاشتراك بطريق الاتفاق بأدلة مادية محسوسة بل يكفيها للقول بقيام الاشتراك أن تستخلص حصوله من وقائع الدعوى وملابساتها ما دام في تلك الوقائع ما يسوغ الاعتقاد بوجوده، وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره. لما كان ذلك, وكان الدفع بتلفيق الواقعة أو استحالة حصولها على نحو معين من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل ردًا صريحًا من المحكمة ما دام الرد يستفاد ضمنًا من القضاء بالإدانة استنادًا إلى أدلة الثبوت التي يوردها الحكم، فضلاً عن أن المحكمة عرضت لما أثير في هذا الشأن واطرحته برد سائغ. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة والذي من شأنه أن يجعل الدليل متساقطا لا شئ فيه باقيًا يمكن أن يعتبر قواما لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليه، وإذ اعتنق الحكم صورة واحدة لواقعة الدعوى ثم ساق أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته دون تناقض، فإن ما أثير في هذا لا يكون سديدًا. لما كان ذلك, وكان دور الطاعن الثالث قد اقتصر على الاشتراك في جريمة التربح ولا محل لتوافر صفة ما في حقه أو وجوب التحقق من اختصاصه أو حصوله على ربح أو منفعة من وراء ذلك, هذا فضلاً الدفع بأن الثالث لم يستخدم أشخاصًا بغير حق في غير ما جُمعوا له قانونًا وأن المسئول عن ذلك هو الثاني، مردود بأن نفى التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل ردًا طالما كان الرد عليها مستفادًا من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم, وبحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على سلامة ما استخلصه من وقوع الجريمة وإسنادها إلى المتهم، ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها، ولا يعدو ما يثار في هذا الشأن أن يكون جدلاً موضوعيًا في تقدير الدليل وسلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يقبل أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تُنزله المنزلة التي تراها وتُقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهى متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان ما أشير إليه بأسباب الطعن - والمفردات المنضمة - في مذكرة قدمها الدفاع لمحكمة الموضوع نعيًا على الحكم بأنه عول على أقوال المجندين، وكذا أقوال كل من/ .......،....... وهما التاسع والخامس عشر من بين شهود الإثبات رغم أن أقوالهم صدرت تحت تأثير إكراه معنوي وتهديد ووعيد وقع عليهم من قبل الطاعن الثاني، وهو قول مرسل لا يسانده دليل، ولا يؤكد وجود ثمة إكراه مبطل لأقوال الشهود المذكورين معنىً ولا حكمًا، ما لم تكن محكمة الموضوع قد استخلصت من ظروف الدعوى وملابساتها تأثير ذلك على إرادة الشهود - وهو ما لم يحدث - إذ مرجع الأمر في ذلك هو تلك المحكمة باعتبار أن أقوال الشهود دليل من الأدلة المطروحة في الدعوى وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه إلى أقوال الشهود المذكورين بالتحقيقات معرضًا عن دعوى إكراههم. على أداء الشهادة على نحو معين يفيد أنه لم يستبن وقوع أي تأثير عليهم يعد إكراهًا، وكان الثابت من الإطلاع على المفردات أن الشهود المذكورين تم سؤالهم في غير موضع من تحقيقات الدعوى بعيدًا عن مظنة التأثير عليهم أو الإكراه، ومثل بعضهم بجلسات المحاكمة وشهدوا بما عنّ لهم من أقوال في ظروف شابتها الطمأنينة وبغير خوف أو رهبة ولم يشر أيهم إلى أن إكراهًا ما قد وقع عليهم وفى حضور المدافعين عن الطاعنين، ومن ثم تكون دعوى الإكراه التي تثار نعيًا على الحكم دفاعًا مرسلاً عاريًا من دليل يظاهره أو واقع يسانده لا على المحكمة إن هي التفتت عنه ولم تورده أو ترد عليه، فضلاً عن أن الدفاع لم يحدد ماهية الإكراه الذي تعرض له الشهود ومداه ومصدره، ويكون ما أثير في هذا الشأن لا محل له. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة الدعوى وعناصرها، وأن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تعرض عما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، هذا فضلاً عما سلف بيانه من أنه لتلك المحكمة وزن أقوال الشهود وتقديرها تنزلها المنزلة التي تراها وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وهى متى أخذت بأقوال شاهد دل على اطرحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وأن تناقض الشاهد واختلاف رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته، مادامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه - كحال الحكم في الدعوى المطروحة. 17 - من المقرر أنه للمحكمة أن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالفت أقواله أمامها, كما أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث يُنبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها منتجة في اكتمال اعتقاد المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، ولا يشترط في الدليل أن يكون صريحًا دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، وكان جماع ما أورده الحكم من أدلة وقرائن اطمأنت إليها المحكمة يسوغ ما رُتب عليه ويصح استدلال الحكم به على ثبوت وقائع التربح والإضرار عمدًا بالمال العام واستخدام أشخاص جُمعوا قانونًا في غير ما جُمعوا له بغير حق، ومن ثم يكون ما يثار في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك, وكان لا يلزم قانونًا إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد التي اعتمد عليها الحكم بل يكفى أن يورد مضمونها، فلا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعنى أنها أطرحت ما لم تشر إليه منها، لما للمحكمة من حرية تجزئة الدليل والأخذ منه بما ترتاح إليه الالتفات عما لا ترى الأخذ به، مادامت أنها قد أحاطت بأقوال الشهود ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها - كحال الحكم المطعون فيه - وينحل ما يثار في هذا الصدد إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض، كما أنه لا يصح النعي على الحكم أنه اجتزأ أقوال الأول والثالث مادام لم يعوّل على ما تضمنته تلك الأقوال، وخلا محضر الجلسات من ثمة دفاع لهما في هذا الخصوص. لما كان ذلك, وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيانه لشهادة شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر مادامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وأن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود - إن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، ولا يؤثر في هذا النظر اختلاف الشهود في بعض التفصيلات التي لم يوردها الحكم، إذ لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه واطراح ما عداها دون أن يعد هذا تناقضًا في حكمها، فلا ضير بعد الإحالة في بيان أقوال الشاهد الرابع إلي ما أورده من أقوال الشاهد الثالث، ولا تأثير لكون الشاهد الرابع لم يشترك في التحريات التي أجراها الشاهد الثالث عن ما تم من أعمال بأرض الطاعن الثالث بفرض صحته، إذ مفاد الإحالة في بيان أقواله إلى ما ورد من أقوال الشاهد الثالث فيما اتفقا فيه أنه التفت عما عدا ذلك. لما كان ذلك, وكان ما يثيره الطاعنان الأول والثاني بأن ما نسب إليهما - بفرض صحته - يعد أخطاء ومخالفات إدارية انضباطية، وأن حقيقة الواقعة تهمة واحدة هي تربح المتهم الأول، لا يعدو ذلك أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة ودفاعًا موضوعيًا لا تلتزم المحكمة بتعقبه، وفي اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها ما يدل على اطرحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، فإن ما أثير في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك, وكان البين من الحكم أنه دان الطاعن الثالث بجرائم الاشتراك في التربح واستخدام أشخاص - بغير حق - في غير ما جُمعوا له قانونًا، دون جريمة الإضرار عمدًا بالمال العام، فإن نعيه بشأن الأخيرة لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان البين أن الحكم أورد أسماء المجني عليهم في جريمة السخرة، كما بين مفردات المبالغ موضوع التربح. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن أمر الإحالة عمل من أعمال التحقيق ولا محل لإخضاعه لما يجرى على الأحكام من قواعد البطلان، ومن ثم فإن القصور في أمر الإحالة لا يبطل المحاكمة ولا ينال من صحة الإجراءات، كما أن إبطال أمر إحالة الدعوى إلى محكمة الموضوع بعد اتصالها بالدعوى يقتضى إعادتها إلى مرحلة الإحالة وهو أمر غير جائز باعتبار تلك المرحلة لا تخرج عن كونها جهة تحقيق، فلا يجوز إعادة الدعوى إليها بعد دخولها في حوزة المحكمة, هذا فضلاً عن أن ما يثار بشأن إجراءات وتحقيقات النيابة لا يعدو أن يكون تعييبًا للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سببًا للنعي على الحكم لما كان ذلك, وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وكانت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية قد اطمأنت إلى سلامة التحريات والإجراءات التي قام بها مأمورو الضبط القضائي وصحتها، فإن ما أثير نعيًا على الحكم في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا في تقدير أدلة الدعوى ومصادرة على حق محكمة الموضوع في تكوين عقيدتها مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض فضلاً عن أن المحكمة قد عرضت لدفع الطاعنين في هذا الصدد واطرحته برد كافٍ وسائغ, كما أنه من المقرر أنه للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية، ولا يجدي في ذلك الاستناد إلى أن الضابط لم يفصح عن مصدر تحرياته للقول بعدم جديتها. لما كان ذلك, وكان الحكم قد عرض للطعن بتزوير دفاتر قوات الأمن والعبث بها واطرحه في قوله: "...... إن الطعن بالتزوير على ورقة من أوراق الدعوى هو من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لا تلتزم بإجابته لأن الأصل أن للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهى الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع لتقديرها ما دامت المسألة المطروحة عليها ليست من المسائل الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء رأيها فيها، ولما كان طلب الطعن على الدفاتر قد ورد مجهلاً لم يحدد أي الدفاتر المراد الطعن فيه بالتزوير على وجه جازم قاطع، فضلاً عن أنه بما للمحكمة من سلطة تقديرية في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى فإنها ترى بأن العبث الذي حدث في البند بأحد الدفاتر غير مؤثر في مجريات الدعوى لا سيما وأن البيانات المثبتة في الدفاتر جاءت متفقة مع ماديات الدعوى وما قرره شهودها وأن العبث كان مجرد محاولة من المتهم الثاني لدرء المتهم به عن نفسه ". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بالتزوير هو من وسائل الدفاع الموضوعية التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع والتي لا تلتزم بإجابته لأن الأصل أن المحكمة لها كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة عليها على بساط البحث، وأن طلب المتهم تمكينه من الطعن بالتزوير هو من قبيل طلبات التأجيل لاتخاذ إجراء بما لا تلتزم المحكمة بالاستجابة إليه طالما خلصت من واقعات الدعوى وعناصرها إلى عدم الحاجة إليه، فمتى انتهت إلى رأى معين واطمأنت إليه فلا معقب عليها في ذلك، وكان ما أورده الحكم من انتهاء المحكمة إلى قناعتها بسلامة بيانات دفاتر قوات الأمن التي شاء الطاعن الطعن عليها بالتزوير وردت على طلبه في هذا الشأن - على السياق المتقدم - ردًا سائغًا، فإن دعوى الإخلال بحق الدفاع تكون غير مقبولة. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن إجراءات التحريز إنما قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ولم يرتب القانون على مخالفتها بطلانًا، بل ترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الأحراز في الدعوى وأنها لم يمتد إليها العبث, كما أن الثابت من مدونات الحكم أن المحكمة لم تبنِ قضاءها بصفة أصلية على ثمة دليل ناتج عن الصور الفوتوغرافية التي قدمها الشاهد الأول لكنها استندت إلى تلك الصور كقرينة تعزز أدلة الثبوت، ولا جناح على الحكم إن هو عوّل على تلك القرينة تأييدًا وتعزيزًا للأدلة الأخرى التي عول عليها في قضائه ما دام لم يتخذ من نتاج تلك الصور دليلاً أساسيًا على ثبوت الاتهام قبل المتهم، وإذ كانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت في منطقٍ سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن الأول - وكذا الثاني والثالث - وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنيًا على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم يكن حكمها مؤسسًا على الفرض والظن حسبما ذهب الأول، فإن ما أثاره لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعيًا لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بحال إلى ارتكاب الجرائم، وليس على المرؤوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه، وكان ما يدعيه الطاعن الثاني خاصًا بانعدام مسئوليته عما اقترفه من جرائم، مردود بأن الأفعال التي أسندت إليه ودانته عنها المحكمة غير مشروعة ونية الإجرام فيها واضحة مما لا يشفع للطاعن فيما يدعيه، ويكون الحكم إذ اطرح دفاعه بأنه انصاع لأمر رؤسائه قد بريء من قالة الخطأ في تطبيق القانون، فلا يقدح في سلامة الحكم إعراضه عن دفاع ظاهر البطلان, هذا فضلاً عن أن ما أثاره الطاعن الثاني من أن إكراها أدبيًا ومعنويًا وماديًا قد وقع عليه إذ إن أولاده الثلاثة يعملون بالشرطة ويخشى عليهم من سلطان الأول، هو في حقيقته دفع بامتناع المسئولية الجنائية لقيام حالة الضرورة المنصوص عليها في المادة 61 من قانون العقوبات، وكان من المقرر أن الأصل في القانون أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بالشخص وتدفعه إلى ارتكاب الجريمة وقاية لنفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله، وكان ما يدعيه الطاعن لا تقوم به حالة الضرورة، فلا على الحكم إن هو التفت عنه. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن علاقة السببية مسألة موضوعية ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها، ومتى فصل فيها إثباتًا أو نفيًا فلا رقابة لمحكمة النقض عليه، مادام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إليه. لما كان ذلك, وكان الأصل أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع وأنها الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها ولها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، وهى لا تلتزم بندب خبير آخر في الدعوى أو إعادة المأمورية أو الرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء مادامت قد أخذت بما جاء بها لأن مؤدى ذلك أنها تستحق التفاتها إليه، ومع ذلك فقد أطرحت المحكمة طلب الطاعنين إعادة المأمورية إلى الخبراء بأسباب سائغة. لما كان ذلك, وكانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى تقرير خبراء إدارة الكسب غير المشروع والأموال العامة بمصلحة خبراء وزارة العدل وأخذت به، فإن النعي بعدم كفاية ونزاهة وموضوعية أعضائها يعد منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات، ولا يخرج عن كونه جدلاً موضوعيًا في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان المشرع فيما نص عليه بالفصل الثالث من الباب الثالث من قانون الإجراءات الجنائية الخاص بندب الخبراء أو بالباب الثامن من قانون الإثبات الخاص بالخبرة قد خلا مما يلزم بندب خبراء الجدول بوزارة العدل دون غيرهم فيما ترى المحكمة تحقيقه من مسائل متعلقة بالفصل فيما يطرح عليها من أقضيه عن طريق أهل الخبرة. لما كان ذلك, وكان الحكم قد أورد مضمون تقريري لجنة خبراء إدارة الكسب غير المشروع والأموال العامة بمصلحة خبراء وزارة العدل واللجنة المشكلة من قطاع التفتيش والرقابة بوزارة الداخلية في معرض بيانه لواقعة الدعوى وسرد أقوال واضعيهما خلافًا لما زعمه الطاعنان الأول والثالث، كما أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل أجزائه، هذا إلى أنه لما كان عدم حلف أعضاء اللجنة المشكلة من قطاع التفتيش والرقابة بوزارة الداخلية اليمين القانونية - إن صح - ليس من شأنه أن ينال من عملها, لما هو مقرر من أن عضو النيابة العامة بوصف كونه صاحب الحق في إجراء التحقيق ورئيس الضبطية القضائية له من الاختصاص ما خوله قانون الإجراءات الجنائية لسائر مأموري الضبط القضائي في الفصلين الأول والثاني من الباب الثاني منه، بما في ذلك ما تجيزه لهم المادة 29 من هذا القانون أثناء جمع الاستدلالات من الاستعانة بأهل الخبرة وطلب رأيهم شفاهة أو بالكتابة بغير حلف يمين ولا على المحكمة إن هي أخذت به بحسبانه من أوراق الاستدلال في الدعوى المقدمة لها وعنصرا من عناصرها ما دامت مطروحة على بساط البحث وكان يسع الدفاع تناولها بالمناقشة والتفنيد، وما دام أن النيابة العامة قد باشرت تحقيق الواقعة بوصفها جناية فتحقق بذلك ما يشترطه القانون في مواد الجنايات من إيجاب تحقيقها قبل المحاكمة، ومن ثم يكون ما يثيره الطاعنان الأول والثالث في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي تربح منه وتربيح الغير هو من الأمور الموضوعية التي يترك تقديرها لمحكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغًا مستندًا إلى أصل ثابت في الأوراق، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن الأول أنه يعمل موظفا عامًا - وزير الداخلية - وكذلك الثاني - يعمل ..............- قد اتفقا وأصدر الثاني أوامره بتشغيل عدد من ضباط وأفراد الشرطة ومهمات الوزارة بأرض المتهمين الأول والثالث بالمخالفة للقوانين واللوائح واستظهر في مدوناته اختصاصهما بالعمل الذي تربح منه الأول والثالث، وكان لا يشترط في جريمة التربح أن يكون الموظف مختصًا بالعمل الذي تربح منه والغير، بل يكفى أن يكون مختصًا بجزء منه بأي قدر من الاختصاص ولو كان يسيرًا يكفى ويستوفى الصورة التي يتخذها اختصاصه بالنسبة للعمل، ومن ثم فإن ما أثير في شأن اختصاص الأول والثاني بالعمل والصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد استند في رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة نوعيًا بنظر الدعوى إلى قوله: "... وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة نوعيًا بنظر الدعوى لانعقاد الاختصاص لمحكمة الجنح لكون أن الجريمة جنحة مؤثمة بالمادة 131 من قانون العقوبات فمردود بأنه من المقرر عملاً بالمادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية بأن من واجب المحكمة أن تطبق على الواقعة وصفها الصحيح دون أن تتقيد بوصف النيابة العامة لأنه بطبيعته ليس نهائيًا، ومن ثم فإن المحكمة بعد تمحيصها للوصف القانوني الذي أسبغته النيابة العامة على الدعوى ترى انطباقه على الوقائع المطروحة عليها لما له من أصل ثابت بالأوراق وعليه يكون اختصاص هذه المحكمة قد صادف صحيح القانون وأن منعي الدفاع في هذا الشأن يكون غير سديد ". ومن ثم فإن ما أورده الحكم يكفى ردًا على الدفع بعدم الاختصاص ويسوغ به رفضه, هذا إلى أن النعي بأن الواقعة مجرد جنحة مؤثمة بالمادة 131 من قانون العقوبات لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب طالما أنها تناولت دفاعه وردت عليه ردًا سليمًا يسوغ به اطرحه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كما أن المحكمة غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ في قضائها بالإدانة استنادًا إلى أدلة الثبوت التي أوردتها مما يفيد ضمنًا أنها اطرحتها ولم تعول عليها، ومن ثم يكون ما يثار في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك, وكانت المادة 99 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة إذ نصت على أنه: ".... يخضع الضباط بالنسبة للأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية، كما يخضع للقانون المذكور أمناء ومساعدو الشرطة وضباط الصف والجنود ورجال الخفر النظاميين في كل ما يتعلق بخدمتهم وتوقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية ويحدد وزير الداخلية بقرار منه بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور والجهات المبينة فيه، كما يصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة.... ". فقد دلت بذلك أنها خاصة بالجرائم النظامية فحسب وليس أدل على ذلك من النص على أن توقيع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية والجزاءات المنصوص عليها في قانون هيئة الشرطة سواء المتعلقة بالضباط أو بغيرهم كلها جزاءات تأديبية بحتة حتى جزاء الحبس أو السجن وفقًا لقانون الأحكام العسكرية المنصوص عليه في الفقرة 11 من المادة 81 التي عددت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على أمناء الشرطة، والفقرة 11 من المادة 92 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها علي ضباط الصف وجنود الدرجة الأولى وكذلك الفقرة 11 من المادة 96 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على رجال الخفر النظاميين، ولا يقدح في ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 99 من القانون بأنه "..... وتوقع المحاكم العسكرية متى انعقد لها الاختصاص الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية فلها اختصاص تأديبي إلى ما لها من اختصاص جنائي.... " ذلك أن الإحالة إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1968 بما فيها من جزاءات شبه جنائية إنما يشمل فقط تلك الجزاءات المقررة للجرائم النظامية البحتة وليست العقوبات الجنائية بالمعنى الصحيح والمقررة لجرائم القانون العام، وهذا المعنى واضح من صريح عبارات نص المادة 99 من القانون المذكور والتي لا لبس فيها ولا غموض بل وهو ما يؤكده نص المادة الأولى من قانون هيئة الشرطة والذي جاء فيه أن الشرطة هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية، وما ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذه المادة والتي جاء بها: " اختصت المادة الأولى من المشروع بتعريف هيئة الشرطة الواردة في المادة رقم 1 من القانون رقم 61 لسنة 1964 من أن الشرطة هيئة مدنية نظامية وبذلك أكدت أن هيئة الشرطة هي هيئة مدنية، فهي جهاز من الأجهزة المدنية بالدولة وليس جهازًا عسكريًا إلا أنها تفترق عن غيرها من الأجهزة المدنية في أنها ليست مدنية بحتة وإنما هي هيئة نظامية يسود تكوينها علاقات تختلف عن العلاقات المدنية البحتة وخاصة واجب المرؤوس في طاعة رئيسه وواجب الرئيس في قيادة مرؤوسيه والسيطرة على القوة الموضوعة تحت قيادته.... " وإذن فمتى كان ذلك، وكانت المادة 99 سالفة الذكر قد أتاحت لوزير الداخلية - بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة - تحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور، كما ناطت به إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة، فإن هذا التفويض التشريعي ينحصر فيما نصت عليه هذه المادة ولا يجوز لوزير الداخلية أن يتعدى نطاقه بخلق اختصاصات أخرى غير المنصوص عليها في القانون رقم 992 لسنة 1973 الصادر بتاريخ 24 من أبريل سنة 1977 في شأن تنظيم القضاء العسكري متضمنًا في المادة الأولى منه النص على اختصاص إدارة القضاء العسكري بتنفيذ قانون الأحكام العسكرية بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة، ومن ذلك إجراء التحقيق في جرائم القانون العام في الأحوال المنصوص عليها في المادة المذكورة، والتصرف في هذه القضايا، كما نصت في المادة الثالثة على أن تتولى فروع الادعاء العسكري اختصاصات النيابة العسكرية المنصوص عليها في القانون رقم 25 لسنة 1966 وكذلك على اختصاص المحكمة العسكرية العليا بنظر الجنايات التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري واختصاص المحكمة المركزية بنظر كافة الجنح والمخالفات التي تقع في اختصاصها طبقًا للقانون العام، فإنه يكون قد خرج بذلك عن حدود التفويض التشريعي في كل ما نص عليه متعلقًا بجرائم القانون العام. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي رهين بعدم وجود تضاد بينه ونص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه، وأنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحته التنفيذية، فإن النص الأول هو الواجب تطبيقه باعتباره أصلاً للائحة، ومن ثم فإن ما ورد في قرار وزير الداخلية - على نحو ما سبق بيانه - يعد خروجًا عن التفويض المرسوم له في القانون لا يعتد به ولا يكون له أي أثر على اختصاصات النيابة العامة كاملة، كما لا يكون له أدنى أثر على اختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة - دون سواها - بالفصل في كافة الجرائم إلا ما استثنى بنص خاص عملاً بالفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972، ليستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقبًا عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص, وإذ كان من المقرر أن التشريع لا يلغي إلا بتشريع لاحق عليه أعلى منه أو مساوٍ له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع، وإذ كان الثابت أن قانونًا لاحقًا لم يصدر يستثنى أفراد هيئة الشرطة من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم القانون العام، فإن القول بعدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدعوى استنادًا إلى القرار الوزاري سالف الذكر والقرارات المعدلة له غير جائز، وإذا أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن الجهل بالقانون أو الغلط في فهم تفسير نصوصه يعدم القصد الجنائي باعتبار أن العلم بالقانون وفهمه الصحيح أمر مفترض في الناس كافة وأن كان هذا الاقتراض يخالف الواقع في بعض الأحيان من أنه افتراض تمليه الدواعي العملية لحماية مصلحة الجموع والذي جرى قضاء - هذه المحكمة - محكمة النقض على أن العلم بالقانون الجنائي والقوانين العقابية المكملة له مفترض في حق الكافة ومن ثم فلا يقبل الدفع بالجهل أو الغلط كذريعة لنفى القصد الجنائي. لما كان ذلك، وكان الطاعنون قد حكم عليهم عن جرائم نص عليها قانون العقوبات ولا يعتد بالجهل بأحكامها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون غير قويم وبفرض إبداء هذا الدفاع أمام محكمة الجنايات فلا يعدو أن يكون دفعا بالجهل بأحكام قانون العقوبات انزله منزلة الجهل بالواقع الذي ينفي القصد الجنائي، وهو بهذه المثابة دفاع قانوني ظاهر البطلان. لما كان ذلك, وكان الحكم قد حصّل الدفع المبدي من الثاني بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بقرار ضمني بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية من النيابة العامة، واطرحه في قوله " من المقرر أن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الذي يحوز الحجية التي تمنع من العودة إلي الدعوى العمومية هو الذي تصدره سلطة التحقيق بعد اتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق وأنه وإن جاز أن يستفاد الأمر استنتاجًا من تصرف أو أي إجراء آخر إذا كان هذا التصرف أو الإجراء يترتب عليه حتمًا وبطريق اللزوم العقلي ذلك الأمر. لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن النيابة العامة لدى مباشرتها للتحقيق لم توجه ثمة اتهام للآخرين الذين سئلوا في تحقيقاتها في الدعوى المطروحة، وإنما وجهت الاتهام إلى المتهمين أثناء استجوابهم والوارد أسماؤهم بأمر الإحالة لأنهم ضالعون في الاتهام وارتكبوا الوقائع المبينة به وأن الأوراق لا تشير من قريب أو بعيد لصدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى صريحًا مدونًا بالكتابة أو تدل ظروف الحال استنتاجًا أن رأيها قد خلص إلى عدم إقامة أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في ذات الدعوى قبل متهمين آخرين مماثلين لحالة المتهم الثاني ومن ثم يكون ما أثاره الدفاع في هذا الشأن غير سديد ". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه إذا كان تصرف النيابة العامة لا يفيد على وجه القطع استقرار الرأي على عدم رفع الدعوى الجنائية فإنه لا يصح اعتبار تصرفها أمر بألا وجه لإقامة الدعوى لأن الأصل في هذا الأمر أن يكون صريحًا ومدونًا بالكتابة فلا يصح استنتاجه من تصرف أو إجراء آخر إلا إذا كان هذا التصرف أو الإجراء يترتب عليه حتما وبطريق اللزوم العقلي أن ثمة أمر بألا وجه لإقامة الدعوى وإذ كانت النيابة - بفرض صحة ما أثاره الطاعن - لم تحرك الدعوى الجنائية ضد آخرين شملتهم التحقيقات، فإن ذلك بمجرده لا يفيد على وجه القطع واللزوم أن النيابة العامة قد ارتأت إصدار أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بالنسبة لباقي المتهمين وأن تصرفاتهم صحيحة ومشروعة، ويكون ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه في هذا الشأن صحيحًا, هذا إلى أنه لا يجدي الطاعن النعي بمساهمة آخرين في الجريمة - بفرض صحته - مادام ذلك لم يكن ليحول دون مساءلته عن الجرائم المسندة إليه والتي دلل الحكم على مقارفته إياها تدليلاً سائغًا، فضلاً عن أن عدم توجيه الاتهام إلى ضباط آخرين ليس من شأنه أن يحول دون مساءلته عن الجرائم التي دين بها. لما كان, وكان الحكم - أيضًا - قد عرض لدفع الطاعن الثالث بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بصدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وأطرحه في قوله " وحيث أنه عن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية ضد المتهم الثالث المذكور لسبق صدور أمر من جهة الفحص والتحقيق بإدارة الكسب غير المشروع بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الشكوى رقم.... لسنة... سرى كسب غير المشروع فهو من قبيل الدفع بقوة الشئ المحكوم فيه ويتعلق بالنظام العام. ولما كان من المقرر أن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الذي يحوز الحجية التي تمنع من العودة إلى الدعوى العمومية هو الذي تصدره سلطة تحقيق بعد اتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق ولا يصح افتراضه أو أخذه بالظن وكان قرار هيئة الفحص والتحقيق بحفظ الشكوى هو أمر حفظ غير ملزم ولها حق الرجوع فيه. ولما كان ذلك، وكان الثابت بالشكوى المقدمة لهيئة الفحص في الكسب غير المشروع لم يتم التحقيق فيها ولم تكن مسبوقة بأي إجراء من إجراءات التحقيق وتم حفظها، ثم فإن هذه القرارات الصادرة بشأنها لا تعدو أن تكون أوامر بالحفظ غير ملزمة لجهة التحقيق، بل لها حق الرجوع فيها بلا قيد أو شرط بالنظر إلى طبيعتها الإدارية، يضاف إلى ذلك اختلاف وحدة الخصوم والموضوع والسبب في الشكوى المشار إليها عن الدعوى الماثلة، وعليه يكون هذا الدفع قائم على غير أساس.. ". لما كان ذلك، وكان الأمر الصادر من سلطة التحقيق بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية له حجيته التي تمنع من العودة إلى الدعوى الجنائية ما دام قائمًا لم يلغ فلا يجوز مع بقائه قائمًا إقامة الدعوى الجنائية عن ذات الواقعة التي صدر فيها لأن له في نطاق حجيته المؤقتة ما للأحكام من قوة الأمر المقضي، والأصل أن الأمر بعدم وجود وجه يجب أن يكون صريحًا ومدونًا بالكتابة، إلا أنه قد يستفاد استنتاجًا من تصرف أو إجراء آخر إذ كان هذا التصرف أو الإجراء يترتب عليه حتمًا - وبطريق اللزوم العقلي - ذلك الأمر. لما كان ذلك, وكان البين من الإطلاع على - المفردات المنضمة - وكتاب هيئة الفحص والتحقيق بإدارة الكسب غير المشروع بوزارة العدل أنه لم يجر ثمة تحقيق - بالمعنى سالف البيان - في الشكوى التي قدمت ضد الطاعن وآخرين - ليس من بينهم الطاعنان الأول والثاني - وأنها أمرت بحفظ تلك الشكوى، وكان من المقرر أن الأمر الصادر من سلطة التحقيق - بغير تحقيق قضائي بالمعنى المشار إليه - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - لا يكون ملزمًا لها بل لها حق الرجوع عنه بلا قيد أو شرط بالنظر إلى طبيعته الإدارية، وهو على هذه الصورة يتمايز عن الأمر الصادر من سلطة التحقيق بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بعد أن تباشر تحقيقا فيها، فالأخير هو الذي يمنع من رفع الدعوى إلا إذا ظهرت أدلة جديدة أو تم إلغاؤه، وإذ كانت المحكمة قد اعتنقت هذا النظر في الرد على الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها - على نحو ما تقدم - فإنها تكون قد التزمت بصحيح القانون. لما كان ذلك, وكان الأصل أنه ليس لازمًا أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضًا يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وإذ كانت أقوال شاهد الإثبات الثالث التي لا ينازع الطاعن في أن لها سندها من الأوراق، لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله الحكم عن تقرير لجنة خبراء إدارة الكسب غير المشروع والأموال العامة بمصلحة خبراء وزارة العدل، وخلا الحكم مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين الفني والقولي، كما أنه لا يلتزم بمتابعة دفاع الطاعن في هذا الشأن والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح واطرحه في قوله: " عن طلب انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح عملاً بنص المادتين 18 مكررًا فقرة أ من قانون الإجراءات الجنائية المعدل والمادة رقم 7 من القانون رقم 8 لسنة 1997 المعدل بالرسوم بقانون رقم 4 لسنة 2012 بشأن قانون ضمانات وحوافر الاستثمار فمردود بأنه من المقرر بنص المادة 18 مكررًا ( أ ) من القانون المشار إليه أنه يجوز للمتهم التصالح في المخالفات والجنح الواردة على سبيل الحصر في تلك المادة كما أنه يجوز التصالح مع المستثمر في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات التي ترتكب منه بصفته أو بشخصه أو التي اشترك في ارتكابها وذلك في نطاق الأنشطة المنصوص عليها في هذا القانون، ولما كان الثابت بالأوراق أن الجرائم المسندة للمتهمين جنايات لا ينطبق عليها نص المادة 18 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية وليست من بين الجرائم سالفة البيان أما بالنسبة للمادة 7 مكرر فهي تنطبق على المستثمر سواء بصفته أو بشخصه أو المشترك في ارتكابها شريطة أن تكون في نطاق الأنشطة المنصوص عليها في قانون الاستثمار، في حين أن الجرائم التي ارتكبها المتهمون تخرج عن أنشطة هذا القانون وعن طبيعة وظائفهم وهو ما لا ينطبق على الواقعة محل الاتهام ومن ثم يكون الدفع غير سديد... ". لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم على النحو المتقدم يكفى لاطراح هذا الدفع، وإذ كان ما أورده الحكم في مدوناته تتوافر به جريمة الإضرار عمدًا بالمال العام بكافة أركانها والمؤثمة بنص المادة 116 مكررًا من قانون العقوبات، كما هي معرفة به في القانون، فإن النعي بأن الواقعة لا تشكل جريمة الإضرار عمدًا بالمال العام لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة. لما كان ذلك, وكان البين أن الحكم قد استبعد قيمة 10% مصروفات إدارية لانتفاء ما يوجبها، وكان من الثابت أن الطاعنين الأول والثالث لم يبينا أسماء الشهود الذين طلبا سماعهم وسبب طلبهم للشهادة، بل جاء قولهما مرسلاً غير محدد، فإن نعيهما لا يكون مقبولاً لما هو مقرر من أن شرط قبول وجه الطعن أن يكون واضحًا محددًا. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى. لما كان ذلك, وكان ما أثير في شأن القضاء في دعوى مماثلة ببراءة شخص آخر مردودًا بأن تقدير الدليل في دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى لأن قوة الأمر المقضي للحكم في منطوقة دون الأدلة المقدمة في الدعوى، ولانتفاء الحجية بين حكمين في دعويين مختلفتين من حيث الخصوم أو الموضوع أو السبب في كل منهما. لما كان ذلك, وكان لا يعيب الحكم إغفاله الرد على دفاع الطاعن ببطلان تحقيقات النيابة بدعوى عدم اختصاصها لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بالرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان. لما كان ذلك, وكان الحكم قد أغفل فيما قضى به القضاء بقيمة الأجور المستحقة لمن استخدموا بغير حق كعقوبة تكميلية تحمل فكرة التعويض المدني، بيد أن هذه المحكمة - محكمة النقض - لا تملك تصحيح هذا الخطأ - مع كون الطاعنين هم المحكوم عليهم - لما في ذلك من إضرار بهم، إذ من المقرر أنه لا يصح أن يضار الطاعن بطعنه. لما كان ذلك, وكان باقي ما يثيره الطاعنون في أسباب طعنهم إما دفاع قانوني ظاهر البطلان بعيد عن محجة الصواب لا على محكمة الموضوع إن هي التفتت عنه أو خطأ في الإسناد غير مؤثر في عقيدة المحكمة أو دفاع موضوعي لا يعيب حكمها إن هي لم تورده أو ترد عليه اكتفاء منها بما أوردته من أدلة الثبوت السائغة التي عولت عليها في قضائها بالإدانة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.
|
|