إذ كان الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بأن الثمن الحقيقي للعقار المشفوع فيه هو ثمانية وعشرون ألفاً وأربعمائة جنيه وأن المطعون ضده الأول (الشفيع) يعلم بحقيقة هذا الثمن ودلل الطاعن على ذلك بقرائن منها عدم مناسبة الثمن المودع لثمن المثل للأرض موضوع الشفعة وقدم أصل عقد العقار المشفوع فيه ثابتاً به أن الثمن ثمانية وعشرون ألفاً وأربعمائة جنيه وطلب إحالة الدعوى للتحقيق أو ندب خبير لإثبات ذلك بيد أن الحكم المطعون فيه لم يأبه لهذا الدفاع ولا إلى طلب تحققه وأقام قضاءه على أن الثمن الحقيقي للعقار المشفوع هو خمسة آلاف جنيه استناداً من الحكم المطعون فيه إلى صورة ضوئية لعقد البيع وطلب شهر العقد المقدم من وكيل الطاعن ذكر فيه أن الثمن خمسة آلاف جنيه، وكان الثابت بالأوراق أن الطاعن قد جحد الصورة الضوئية للعقد المشار إليه بما تنحسر به حجيتها في الإثبات، وكان طلب شهر العقد لا يفيد بذاته انتفاء علم المطعون ضده الأول (الشفيع) بالثمن الحقيقي للعين المشفوع فيها فإن الحكم المطعون فيه في التفاته عن تحقيق دفاع الطاعن في هذا الخصوص رغم جوهرية هذا الدفاع وفي قضائه من بعد التفاته بأحقية المطعون ضده الأول في أخذ العقار المشفوع فيه بالشفعة بالثمن الوارد في الصورة الضوئية المجحودة لعقد البيع فإن يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع مما أسلسه للخطأ في تطبيق القانون.
وقررت الهيئة العامة لمحكمة النقض في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر وبعد المرافعة والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول في الطعنين أقام الدعوى رقم 235 لسنة 1994 أمام محكمة البدرشين الجزئية - والتي قيدت فيما بعد برقم 5141 لسنة 1998 مدني الجيزة الابتدائية على الطاعن والمطعون ضده الثاني ثم أدخل باقي المطعون ضدهم بطلب أحقيته في أخذ قطعة الأرض المبينة بالصحيفة بالشفعة مقابل الثمن الذي قام بإيداعه خزانة محكمة البدرشين الجزئية في 18 من مايو سنة 1994 ومقداره خمسة آلاف جنيه والتسليم. ندبت المحكمة خبيراً في الدعوى وبعد أن قدم تقريره حكمت بعدم اختصاصها قيمياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة الجيزة الابتدائية التي حكمت بالأحقية في الأخذ بالشفعة والتسليم. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 8133 لسنة 118 ق القاهرة فقضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين رقمي 5085، 5789 لسنة 72 ق، وقدمت النيابة مذكرة ارتأت فيها نقض الحكم، وإذ عرض الطعنان على الدائرة المختصة في غرفة المشورة قررت ضمهما وحددت لنظرهما جلسة وفيها التزمت النيابة رأيها.
حيث إن الدائرة المختصة رأت بجلستها المنعقدة بتاريخ 4 مارس سنة 2004 العدول عن الأحكام السابقة من الدوائر المدنية فيما انتهت إليه من اشتراط أن يكون إيداع الشفيع للثمن الحقيقي للعقار المشفوع فيه خزانة المحكمة المختصة قيمياً بنظر الدعوى، ومن ثم رأت إحالة الطعنين إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية للفصل فيهما عملاً بالفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 وإذ حددت الهيئة جلسة لنظر الطعنين قدمت النيابة مذكرة تكميلية رأت فيها نقض الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن نص المادة 942/ 2 من القانون المدني يوجب على الشفيع خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من تاريخ إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة أن يودع خزانة المحكمة الكائن بدائرتها العقار المشفوع فيه كل الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع مع مراعاة أن يكون هذا الإيداع قبل رفع دعوى الشفعة، فإن لم يتم الإيداع في هذا الميعاد على الوجه المتقدم سقط حق الأخذ بالشفعة. وقد أبانت مناقشات لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب ولجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ على هذا النص قبل إقراراه أن اشتراط إيداع الثمن خزانة المحكمة الكائن بدائرتها العقار قد جاء بغرض التأكيد على أن دعوى الشفعة دعوى عينية، وأن اشتراط إيداع كل الثمن الحقيقي خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من تاريخ إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة ورد ضماناً لجدية دعوى الشفعة ونأياً بها عن مجال المضاربة أو الاستغلال من جانب الشفيع وذلك بقصد تقييد دعوى الشفعة لصالح المشتري. لما كان ذلك، وكانت القواعد المنظمة للاختصاص القيمي للمحاكم الواردة في قانون المرافعات - والتي أعيد النظر فيها أكثر من مرة على ضوء التغيير الذي لحق قيمة العملة - لا تستهدف حماية خاصة لأحد أطراف الخصومة وإنما أراد بها المشرع أن تكون الدعاوى قليلة القيمة من اختصاص القاضي الجزئي بينما يختص بالدعاوى عالية القيمة الدائرة الكلية بالمحكمة الابتدائية المشكلة من ثلاثة قضاة لهم مجتمعين من الخبرة والدراية ما يناسب أهمية الدعاوى عالية. لما كان ذلك، وكانت المواد المنظمة لحق الشفعة في القانون المدني لا يوجد فيها ولا في قانون المرافعات نص صريح يشترط أن يكون إيداع الشفيع للثمن في خزانة المحكمة الواقع في دائرتها العقار والمختصة في ذات الوقت قيمياً بنظر دعوى الشفعة وإنما ورد بنص المادة 942/ 2 من القانون المدني لفظ المحكمة الكائن بدائرتها العقار عاماً يصدق على المحكمة الجزئية كما يصدق على المحكمة الكلية بمفهوم أن النطاق المكاني للمحكمتين واحد باعتبار أن النطاق المكاني للمحكمة الجزئية هو جزء من النطاق المكاني للمحكمة الكلية لأنه متى جاء لفظ المحكمة عاماً ولم يقم الدليل على تخصيصه وجب حمله على عمومه، لذلك إن إيداع الثمن أياً من خزانتي المحكمة الجزئية أو الكلية الواقع في دائرتها العقار يحقق ذات غرض المشرع من توافر جدية الشفيع وليس فيه ما ينال من توجه المشرع إلى تقييد الحق في الشفعة ومن ثم فلا يقبل أن يكون الإيداع في خزانة المحكمة الجزئية - التي قد تكون هي الأقرب للعقار من المحكمة الكلية المختصة قيمياً بنظر الدعوى - سبباً في سقوط حق الشفيع الذي لا ينبغي أن يتحقق إلا من خطأ يستأهله أو نص يوجبه، ويؤكد هذا النظر أن المشرع في قانون المرافعات لم يرتب سقوط الحق في أي دعوى - بما فيها دعوى الشفعة - إذا ما رفعت إلى محكمة غير مختصة قيمياً بنظر النزاع ومن ثم فإنه لا يكون مقبولاً أن يكون إيداع الثمن في دعوى الشفعة والذي هو من إجراءاتها ولا يرقى لأهمية رفع الدعوى نفسها لا يساغ أن يكون هذا الإيداع في محكمة غير مختصة قيمياً بنظر الدعوى سبباً في سقوط حق الشفعة لأن هذا السقوط عندئذ سيأتي على غير خطأ يستأهله وبغير نص يوجبه. لما كان ما تقدم، وكانت الأحكام السابق صدورها من الدوائر المدنية قد ذهبت إلى وجوب إيداع الثمن الحقيقي للعقار المشفوع فيه خزانة المحكمة المختصة قيمياً بنظر الدعوى دون اكتفاء بأن يكون الإيداع في خزانة المحكمة الواقع في دائرتها العقار وإلا سقط الحق في الأخذ بالشفعة، فإنه يتعين بعد توافر الأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 العدول عن هذا المبدأ ولتفصل الهيئة في الطعنين وفق هذا العدول.
ومن حيث إنه قد سبق للدائرة الفصل في شكل الطعنين بقبولهما.
ومن حيث إن حاصل النعي بالوجه الثاني من السبب الثالث من الطعن رقم 5789 لسنة 72 ق أن الحكم المطعون فيه خالف القانون لعدم قضائه بسقوط الحق في الأخذ بالشفعة لمخالفة نص المادة 942/ 2 من القانون المدني التي توجب إيداع ثمن العقار المشفوع فيه خزانة المحكمة المختصة بنظر دعوى الشفعة وهي محكمة الجيزة الابتدائية التي أحيلت إليها دعوى الشفعة لاختصاصها قيمياً بنظرها والذي كان قد أودعه الشفيع خزانة محكمة البدرشين الجزئية التي أقيمت الدعوى أمامها، وأن الإيداع أمام المحكمة المختصة قيمياً يتعلق بالنظام العام تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ويجوز طرحه لأول مرة أمام محكمة النقض، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه معيباً مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن مفاد نص المادة 942/ 2 من القانون المدني أن المشرع لم يشترط في المحكمة الواجب إيداع ثمن العقار المشفوع فيه خزانتها إلا أن يكون العقار واقع في دائرتها، وإذ كان لفظ المحكمة الكائن في دائرتها العقار وعلى ما انتهت إليه الهيئة قد جاء عاماً يصدق على المحكمة الجزئية والمحكمة الابتدائية باعتبار أن النطاق المكاني للمحكمتين واحد لأن المحكمة الجزئية جزء من النطاق المكاني للمحكمة الكلية، وأنه متى جاء لفظ المحكمة عاماً ولم يقم الدليل على تخصيصه وجب حمله على عمومه، ومن ثم فإن إيداع الثمن خزانة المحكمة الجزئية يحقق ذات غرض المشرع في إيداع الثمن خزانة المحكمة الواقع في دائرتها العقار ويتحقق به أيضاً مقصود المشرع في توافر الجدية لدى الشفيع، وإذ تم هذا العقار الإجراء صحيحاً على هذا النحو فلا يزول أثره لقضاء المحكمة الجزئية بعدم اختصاصها قيمياً بنظر الدعوى، ومن ثم يبقى الحق في الأخذ بالشفعة بمنأى عن السقوط، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإن النعي بخصوص ذلك يكون على غير أساس.
ومن حيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه البطلان لخلو الحكم التمهيدي الصادر من محكمة البدرشين الجزئية - قبل الإحالة - والحكم الابتدائي الصادر في 24 من يونيو سنة 2001 من أسماء المطعون ضدهم من الثالث للأخيرة وإذ عول الحكم المطعون فيه على الإجراءات التي تمت بمقتضى الحكمين رغم بطلانها فإنه يكون معيباً مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن النقص أو الخطأ في أسماء الخصوم وصفاتهم الذي لا يكون من شأنه التشكيك في الخصم واتصاله بالخصومة في الدعوى لا يعتبر نقصاً أو خطأً جسيماً مما قصدته المادة 178 من قانون المرافعات ولا يترتب عليه بطلان الحكم، لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الحكم الصادر من محكمة البدرشين الجزئية بتاريخ 25 من يونيو سنة 1995 والقاضي بندب خبير وإن خلا من أسماء بعض الخصوم إلا أن الثابت من الأوراق أنه قد تم اختصامهم في الدعوى من قبل المطعون ضده الأول بما لا يشكك في صفاتهم كخصوم فيها واتصالهم حقيقة بالخصومة فيها، ومن ثم فإن إغفال بعض أسمائهم لا يعدو أن يكون خطأ مادياً لا يترتب عليه بطلان. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي الصادر في 24 من يونيو سنة 2001 قد تضمن أسماء جميع الخصوم فإن النعي عليه بالبطلان يكون غير صحيح.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه بالسبب الثاني والرابع والخامس من أسباب الطعن الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأن الثمن الحقيقي لأرض النزاع هو الثمن الوارد بعقد البيع المؤرخ 24 من إبريل سنة 1990 ومقداره ثمانية وعشرون ألفاً وأربعمائة جنيه وأن المطعون ضده الأول (الشفيع) يعلم بحقيقة هذا الثمن وقد أيد الطاعن دفاعه بمستندات قدمها وطلب إحالة الدعوى للتحقيق أو ندب خبير في هذا الخصوص إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع وذهب إلى أن الثمن الحقيقي للعقار المبيع هو خمسة آلاف جنيه استناداً منه لصورة من عقد البيع قدمها المطعون ضده الأول رغم جحدها من الطاعن، وأنه لما كان هذا الدفاع جوهرياً يمكن عند ثبوته أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد التفت عن تحقيقه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه وانتهى إلى تأييد الحكم الابتدائي في أحقية المطعون ضده الأول في أخذ العقار بالشفعة فإنه يكون معيباً مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الشفيع بحكم كونه صاحب حق في أخذ العقار بالشفعة يعتبر من الغير بالنسبة لطرفي عقد البيع وبالتالي يحق له أن يتمسك بالعقد الظاهر فلا يحتج عليه بالعقد المستتر، إلا أن شرط ذلك أن يكون حسن النية أي لا يكون عالماً بصورية العقد الظاهر وقت إظهار رغبته في الأخذ بالشفعة. لما كان ذلك، وكان طلب الخصم تمكينه من إثبات أو نفي دفاع جوهري بوسيلة من وسائل الإثبات الجائزة قانوناً هو حق له إذا كانت هي الوسيلة الوحيدة في الإثبات، وكان الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بأن الثمن الحقيقي للعقار المشفوع فيه هو ثمانية وعشرون ألفاً وأربعمائة جنيه وأن المطعون ضده الأول (الشفيع) يعلم بحقيقة هذا الثمن ودلل الطاعن على ذلك بقرائن منها عدم مناسبة الثمن المودع لثمن المثل للأرض موضوع الشفعة وقدم أصل عقد العقار المشفوع فيه ثابتاً به أن الثمن ثمانية وعشرون ألفاً وأربعمائة جنيه وطلب إحالة الدعوى للتحقيق أو ندب خبير لإثبات ذلك بيد أن الحكم المطعون فيه لم يأبه لهذا الدفاع ولا إلى طلب تحقيقه وأقام قضاءه على أن الثمن الحقيقي للعقار المشفوع هو خمسة آلاف جنيه استناداً من الحكم المطعون فيه إلى صورة ضوئية لعقد البيع وطلب شهر العقد المقدم من وكيل الطاعن ذكر فيه أن الثمن خمسة آلاف جنيه، وكان الثابت بالأوراق أن الطاعن قد جحد الصورة الضوئية للعقد المشار إليه بما تنحسر به حجيتها في الإثبات، وكان طلب شهر العقد لا يفيد بذاته انتفاء علم المطعون ضده الأول (الشفيع) بالثمن الحقيقي للعين المشفوع فيها فإن الحكم الطعون فيه في التفاته عن تحقيق دفاع الطاعن في هذا الخصوص رغم جوهرية هذا الدفاع وفي قضائه من بعد التفاته بأحقية المطعون ضده الأول في أخذ العقار المشفوع فيه بالشفعة بالثمن الوارد في الصورة الضوئية المجحودة لعقد البيع فإنه يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع مما أساسه للخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث سائر أسباب الطعنين.
فلهذه الأسباب
حكمت الهيئة في الطعنين بنقض الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة وألزمت المطعون ضده الأول المصروفات في الطعنين ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.