مفاد نصوص المواد 141, 142, 143 من قانون المرافعات أن ترك الخصومة هو تنازل أو إسقاط لها يترتب عليه زوالها وتتحقق آثاره القانونية بمجرد إبدائه دون توقف على صدور حكم به فلا يمنع من ترتيب هذه الآثار تراخي القاضي في الحكم بإثبات الترك إذ أن هذا الحكم ليس قضاء في خصومة بل هو مجرد إعلان من القاضي بنفض يده من الدعوى
وقررت محكمة النقض في حكمها
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليهم الثلاثة الأوائل أقاموا الدعوى رقم 1116 لسنة 1986 مدني دمنهور الابتدائية "مأمورية كفر الدوار الكلية" بتاريخ 23/ 12/ 1986 على الطاعنة وباقي المطعون عليهم بطلب الحكم بإلزامهم بأن يؤدوا لهم مبلغ 40000 جنيه وقالوا بياناً لذلك إنه بتاريخ 22/ 3/ 1982 تسبب المطعون عليه الرابع - تابع المطعون عليهما الخامس والسادس - بخطئه في موت مورثهم "........." حال قيادته السيارة رقم............ محافظة الشرقية - المؤمن عليها لدى الطاعنة - وضبط عن هذه الواقعة قضية الجنحة رقم 1778 سنة 1982 مركز أبو حمص, وقضى بإدانته, وتأيد ذلك استئنافياً في 8/ 11/ 1983 ولم يطعن عليه بالنقض, وإذ لحقتهم من جراء ذلك أضرار مادية وأدبية يقدرون التعويض عنها فضلاً عن التعويض الموروث بالمبلغ المطالب به فقد أقاموا الدعوى, وجه المطعون عليهما الخامس والسادس دعوى ضمان فرعية إلى المطعون عليه الرابع بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدي لهما مع عسى أن يحكم به في الدعوى الأصلية. وبجلسات 10/ 10/ 1987, 11/ 6/ 1988, 3/ 12/ 1988 ترك المضرورون الخصومة في الدعوى قبل الطاعنة, وبتاريخ 17/ 11/ 1990 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها محلياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة الزقازيق الابتدائية حيث قيدت أمامها برقم 10821 سنة 1990 مدني كلي الزقازيق ثم عاد المدعون بتاريخ 15/ 12/ 1991 وأدخلوا الطاعنة خصماً في الدعوى بطلب إلزامها بالتعويض المطالب به. وبتاريخ 31/ 3/ 1991 حكمت المحكمة في الدعوى الأصلية بإثبات ترك الخصومة قبل الشركة الطاعنة وبرفضها. وفي الدعوى الفرعية بعدم قبولها. استأنف المطعون عليهم الثلاثة الأوائل هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة "مأمورية الزقازيق" بالاستئناف رقم 734 سنة 36 ق ودفعت الطاعنة بسقوط حق المضرورين في الرجوع عليها لاقتضاء التعويض بالتقادم الثلاثي وبتاريخ 25/ 1/ 1995 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من إثبات ترك الخصومة قبل الشركة الطاعنة ورفض الدعوى بالنسبة لها وبإلزامها بأن تدفع للمضرور مبلغ 20000 جنيه تعويضاً. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه, وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعي الطاعنة بالوجه الأول من السبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك تقول إن المطعون عليهم الثلاثة الأوائل تركوا الخصومة قبلها أمام محكمة أول درجة وإذ كانوا قد أدخلوها مرة ثانية فقد عادوا إلى ترك الخصومة وأعلنوها بذلك لجلسة 9/ 12/ 1992 ومن ثم لم تعد خصماً في الدعوى بما لازمه عدم الحكم عليها. وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلغاء الحكم الابتدائي الذي قضى بإثبات ترك الخصومة قبلها وألزمها بالتعويض المحكوم به فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود, ذلك أن مفاد نصوص المواد 141, 142, 143 من قانون المرافعات أن ترك الخصومة هو تنازل أو إسقاط لها يترتب عليه زوالها وتتحقق آثاره القانونية بمجرد إبدائه دون توقف على صدور حكم به فلا يمنع من ترتيب هذه الآثار تراخي القاضي في الحكم بإثبات الترك إذ أن هذا الحكم ليس قضاء في خصومة بل هو مجرد إعلان من القاضي بنفض يده من الدعوى وأن مؤدى المادة 144 من ذات القانون أنه إذا كان الترك ينصب على إجراء من إجراءات الدعوى فإنه ينتج أثره بمجرد التصريح به لأنه يعد في هذه الحالة نزولاً عن حق يتم وتتحقق آثاره بغير حاجة إلى قبول الخصم الآخر ولا يملك المتنازل أن يعود فيما أسقط فيه ويعتبر الإجراء كأن لم يكن، أما إذا كان الترك منصباً على الخصومة برمتها فإنه لا يتم بمجرد التصريح به طالما أنه لا يتضمن إسقاطاً لأصل الحق المرفوع به الدعوى أو مساساً به فيجوز للتارك أن يرجع عن طلب الترك صراحة أو ضمناً ما دام خصمه لم يقبله. لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن المطعون عليهم الثلاثة الأوائل قرروا أمام محكمة أول درجة بترك الخصومة في الدعوى دون أن يتنازلوا عن أصل الحق المدعى به - بالنسبة للطاعنة - وإذ تبين لهم أن السيارة أداة الحادث مؤمن عليها لديها أعادوا اختصامها مما يعد منهم بمثابة رجوع صريح عن ذلك الترك, وكان البين من الأوراق أن ترك المطعون عليهم المذكورين الخصومة قبل الطاعنة لم يتضمن إسقاطاً لأصل الحق المرفوعة به الدعوى أو مساساً به, وأن الإعلان الموجه منهم للطاعنة لجلسة 9/ 12/ 1992 لا يتناول تركهم الخصومة قبلها بل يتضمن إعلانها بترك الخصومة قبل المطعون عليه السابع وكان الحكم قد انتهى إلى جواز الإدخال بعد الترك وهي نتيجة صحيحة في القانون فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيقه - ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير ِأساس.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة بباقي أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون إذ قضى برفض الدفع المبدي منها بسقوط حق المضرورين في الرجوع عليها بما يستحق من تعويض بالتقادم الثلاثي على ما ذهب إليه من أن الدعوى تتقادم تبعاً لسقوط العقوبة الجنائية بانقضاء خمس سنوات من تاريخ صدور الحكم الجنائي النهائي في 18/ 11/ 1983 فيكون بدء مدة السقوط من 9/ 11/ 1988 وأن دعوى التعويض أقيمت من المضرورين بتاريخ 23/ 12/ 1986 في حين أن تقادم الدعوى الناشئة عن عقد التأمين وفقاً للمادة 752 من القانون المدني يتم بانقضاء ثلاث سنوات تسري من تاريخ صدور الحكم الجنائي البات وإذ صدر الحكم الجنائي النهائي بجلسة 8/ 11/ 1983 ولم يطعن عليه بالنقض فإنه بفوات ميعاده يبدأ سريان تقادم دعوى المضرورين قبلها وكان المذكورين لم يرفعوا الدعوى إلا بتاريخ 23/ 12/ 1986 وبعد انقضاء أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ الحكم الجنائي البات فإن حقهم في رفعها قد سقط بالتقادم, وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد, ذلك أن المشرع بمقتضى المادة الخامسة من القانون رقم 652 لسنة 1955 "بشأن التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات" - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - للمضرور في هذا الحوادث دعوى مباشرة قبل المؤمن ونص على أن تخضع هذه الدعاوى للتقادم المنصوص عليه في المادة 752 من القانون المدني وهو التقادم الثلاثي المقرر للدعاوى الناشئة عن عقد التأمين, ولو لا هذا النص لسرى على تلك الدعوى المباشرة التقادم العادي لأنها لا تعتبر من الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين المنصوص عليها في المادة 752. وإذ كان حق المضرور قبل المؤمن ينشأ من وقت وقوع الحادث الذي ترتبت عليه مسئولية المؤمن له مستقلاً عن حق المؤمن له قبل المؤمن لأن المضرور يستمد حقه المباشر بموجب النص القانوني من نفس العمل غير المشروع الذي أنشأ حقه قبل المؤمن له, فإنه بذلك يستطيع أن يرفع دعواه المباشرة على المؤمن من وقت وقوع الفعل الذي سبب له الضرر مما يترتب عليه أن مدة الثلاث سنوات المقررة لتقادم هذه الدعوى تسري من هذا الوقت وهي في هذا تختلف عن دعوى المؤمن له قبل المؤمن التي لا يبدأ سريان تقادمها إلا من وقت مطالبة المضرور للمؤمن له بالتعويض، إلا أنه لما كان التقادم المقرر لدعوى المضرور المباشرة تسري في شأنه القواعد العامة فيما يتعلق بوقف التقادم وانقطاعه، فإنه متى كان الفعل غير المشروع الذي سبب الضرر والذي يستند إليه المضرور في دعواه قبل المؤمن هو جريمة ورفعت الدعوى الجنائية على مقارفها سواء كان هو بذاته المؤمن له أو أحداً ممن يعتبر المؤمن له مسئولاً عن الحقوق المدنية عن فعلهم فإن سريان التقادم بالنسبة لدعوى المضرور قبل المؤمن يقف طوال المدة التي تدوم فيها المحاكمة الجنائية ولا يعود التقادم إلى السريان إلا منذ صدور الحكم الجنائي البات أو انتهاء المحاكمة بسبب آخر لأن رفع الدعوى الجنائية يكون في هذه الحالة مانعاً قانونياً يتعذر معه على المضرور مطالبة المؤمن بحقه مما ترتب عليه المادة 382 من القانون المدني وقف سريان التقادم ما دام المانع قائماً, وبالتالي يقف سريان التقادم بالنسبة لدعوى المضرور قبل المؤمن طوال المدة التي تظل فيها الدعوى الجنائية قائمة ولا يزول إلا بانقضاء هذه الدعوى بصدور حكم بات فيها أو بانقضائها بعد رفعها بسبب آخر من أسباب الانقضاء ولا يعود سريان التقادم إلا من تاريخ هذا الانقضاء. لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الحكم الجنائي النهائي صدر حضورياً بإدانة مقترف الفعل المكون للجريمة موضوع القضية رقم 3981 سنة 1983 جنح مستأنف دمنهور بتاريخ 8/ 11/ 1983 وصار باتاً بفوات مواعيد الطعن فيه بالنقض اعتباراً من 18/ 12/ 1983 وانقضت به الدعوى الجنائية في ذلك التاريخ فإنه منذ ذلك الانقضاء يزول المانع القانوني الذي كان سبباً في وقف دعوى المضرورين المدنية قبل المؤمن - الشركة الطاعنة - وكان المضرورين قد رفعوا دعواهم على الطاعنة في 23/ 12/ 1986 فدفعت بسقوطها بالتقادم طبقاً للمادة 752 من القانون المدني. وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه برفض هذا الدفع على سند من المادة 528 من قانون الإجراءات الجنائية وما ذهب إليه من أن الدعوى المضرور المباشرة قبل المؤمن تسقط تبعاً لسقوط العقوبة بالتقادم بانقضاء خمس سنوات من تاريخ صدور الحكم الجنائي النهائي في حين أن المضرورين أقاموا دعواهم بعد انقضاء أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ صدور الحكم الجنائي البات في الجنحة أنفة الذكر وعلى ما سلف بيانه مما يترتب عليه سقوط الدعوى بالتقادم وإذ حجب الحكم نفسه عن بحث دفاع الطاعنة وتحقيقه فإنه يكون فضلاً عن قصوره قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه فيما قضى للمضرورين من تعويض على الطاعنة دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن