الصفـحة الرئيـسية باحث التشريعات باحث النقض باحث الدستورية باحث الإدارية العليا
إيقافتشغيل / السرعة الطبيعيةللأعلىللأسفلزيادة السرعة تقليل السرعة

بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس الدولة
محكمة القضاء الإداري
دائرة المنازعات الاقتصادية و الاستثمار
الدائرة السابعة .
الحكم الصادر في الدعوى رقم 4669 لسنة 55 ق
 بجلسة 20/ 12/ 2014

المقامة من /
" كمال علي محمد معوض " - بصفته الممثل القانوني لشركة فاروس للصرافة - .
ضد /
وزير الإقتصاد والتجارة الخارجية (بصفته) .


الوقائع

أقام المدعي بصفته دعواه الماثلة بموجب صحيفة معلنة قانونًا أودعت قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 28/ 3/ 2001 و طلب في ختامها الحكم " بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار الوزاري رقم 103 لسنة 2001، و في الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، و إلزام جهة الإدارة المصروفات " .
و ذكر المدعي شرحًا لدعواه، أنه بتاريخ 29/ 1/ 2001 صدر قرار وزير الإقتصاد و التجارة الخارجية رقم 103 لسنة 2001 في شأن تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 38 لسنة 1994 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي وتضمن في مادته الثانية النص علي زيادة رأس مال الشركات المدفوع إلي عشرة ملايين جنيه مصري وإلزام الشركات العاملة في هذا المجال بتوفيق أوضاعها وفقًا لأحكام تلك المادة خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بهذا القرار، و قد ارتأى المدعي أن القرار صادر بالمخالفة للقانون و مشوبًا بالتعسف في استعمال السلطة، لأن النصوص القانونية المنظمة لزيادة رأس مال شركات المساهمة و منها شركات الصرافة جعلت هذه الزيادة خاضعة لإمكانيات الشركة وإرادتها المنفردة دون تدخل من جهة الإدارة، كما أنه لا يجوز لوزير الاقتصاد زيادة رأس مال الشركات بموجب قرار صادر منه، حيث إنه غير مخول لاتخاذ تلك القرارات لمخالفتها للقانون رقم 38 لسنة 1994، و قد أقام المدعي بصفته دعواه الماثلة، و اختتمها بطلباته سالفة البيان .
وقد نظرت المحكمة الشق العاجل من الدعوى علي النحو الثابت بمحاضر جلسات المرافعة، و بجلسة 24/ 4/ 2001 أصدرت المحكمة حكمها في الشق العاجل من الدعوى بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار الطعون فيه فيما تضمنته مادته الثالثة من إلزام الشركات المرخص لها بالتعامل بالنقد الأجنبي القائمة وقت العمل به بتوفيق أوضاعها وفقًا لأحكام المادة الثانية منه خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به بزيادة رأس مالها المدفوع إلي عشرة ملايين جنيه مصري و ما يترتب علي ذلك من آثار، و ألزمت الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بغير إعلان، و بإحالة الدعوى إلي هيئة مفوضي الدولة، لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها " .
وحيث لم يلق هذا القضاء في الشق العاجل من الدعوي قبولاً لدي جهة الإدارة، الأمر الذي حدا بها للطعن علي ذلك الحكم بموجب الطعن رقم 8888 لسنة 47 ق . ع و بجلسة 5/ 1/ 2013 قضت دائرة فحص الطعون " بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا " .
ونفاذًا للحكم الصادر بجلسة 24/ 4/ 2001 أحيلت الدعوى إلي هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء، و قد أعدت الهيئة تقريرًا مسببًا بالرأي القانوني خلصت فيه لطلب الحكم " بإلغاء القرار الطعين، علي النحو المبين بالأسباب، مع ما يترتب علي ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة مصروفات هذا الطلب " .
وقد تدوول نظر الشق الموضوعي من الدعوى أمام المحكمة على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 8/ 11/ 2014 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه عند النطق به .

المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونًا .
ومن حيث أن المدعي يطلب الحكم - في الشق الموضوعي من الدعوى - " بإلغاء قرار وزير الاقتصاد و التجارة الخارجية رقم 103لسنة 2001 فيما تضمنته مادته الثالثة من إلزام الشركات المرخص لها بالتعامل في النقد الأجنبي القائمة وقت العمل به بتوفيق أوضاعها وفقًا لأحكام المادة الثانية منه خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به بزيادة رأس مالها المدفوع إلي عشرة ملايين جنيه مصرى، وما يترتب علي ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات ".
و حيث أنه عن شكل الدعوى، فقد سبق للمحكمة التصدي لبحثه لدى نظرها الشق العاجل من الدعوى، فلا مجال لمعاودة بحثه مرة أخري منعًا للتكرار، ولحجية الحكم فى هذا الصدد .
و من حيث أنه عن موضوع الدعوى، فإن المادة (2) من القانون رقم 38 لسنة 1994 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي - قبل إلغائه بالقانون رقم 88 لسنة 2003 بشأن البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي والنقد - كانت تنص على أن " تضع اللائحة التنفيذية لهذا القانون القواعد والأسس المتعلقة بتنظيم سوق الصرف الأجنبي وذلك بالتنسيق مع البنك المركزي المصري وفى إطار السياسة العامة للدولة وبما لا يخل بأحكام هذا القانون، وللمصارف المعتمدة القيام بأية عملية من عمليات النقد الأجنبي بما في ذلك قبول الودائع والتعامل والتحويل للداخل والخارج والتشغيل والتغطية فيما تحوزه من أرصدة بالنقد الأجنبى، ويجوز للوزير المختص أن يرخص بالتعامل في النقد الأجنبي لجهات أخرى غير المصارف المعتمدة، ويحدد قرار الوزير الصادر في هذا الشأن قواعد وإجراءات هذا التعامل، وله في حالة مخالفة هذه الجهات للقواعد والإجراءات المشار إليها إيقاف الترخيص لمدة لا تجاوز سنة، كما يكون له إلغاؤه في حالة تكرار المخالفة، وفى هذه الحالة يتم شطب قيدها من السجل المقيدة فيه في البنك المركزي".
وتنص المادة (15) منه على أن " يصدر الوزير المختص اللائحة التنفيذية لهذا القانون خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نشره " .
ونصت المادة (9) من اللائحة التنفيذية للقانون المشار إليه الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 331 لسنة 1994 على أن " يرخص بالتعامل في النقد الأجنبي للجهات غير المصرفية وفقا للشروط التي يقررها الوزير المختص وعلى الأخص الشروط الآتية:
1 - أن تكون الجهة متخذة شكل شركة مساهمة مصرية وفقا لأحكام قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981 0
2 - أن تكون أسهم الشركة إسمية ومملوكة جميعا لمصريين دائما سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين 0
3 - ألا يقل رأس مالها المدفوع عن مليون جنية مصرى 0
4 - أن يكون غرض الشركة الوحيد بصفة دائمة ممارسة النشاط المنصوص عليه في المادة "11" من هذه اللائحة 0
5 - أن يتوافر لدى الشركة الخبرة الإدارية والكفاءة اللازمة في مجال عملها وذلك وفقا للضوابط التي يعتمدها الوزير المختص .
6 - يجب أن تستوفى الشركة الاشتراطات والتجهيزات الفنية اللازمة لممارسة النشاط طبقا لما يصدر به قرار من الوزير المختص بعد أخذ رأى محافظ البنك المركزي المصري " .
كما تنص المادة (10) من اللائحة على أن " يقدم طلب الترخيص بالتعامل في النقد الأجنبي للجهات غير المصرفية إلى قطاع النقد الأجنبي بالوزارة المختصة، ويصدر به قرار من الوزير المختص بعد أخذ رأى البنك المركزي المصرى، ويتضمن هذا القرار تحديد مقر المركز الرئيسي للشركة، ويتم تسجيل الشركات التي يرخص لها بالتعامل في النقد الأجنبي في سجل خاص لدى البنك المركزي المصري قبل مزاولة النشاط، ويجوز لهذه الشركات إنشاء فروع لها داخل البلاد وفقا للقواعد التي يضعها البنك المركزي المصري ويتم تسجيل هذه الفروع في السجل المشار إليه قبل مزاولة النشاط، وتلتزم هذه الشركات وفروعها بإمساك الدفاتر والسجلات وفقا للتنظيم الذي يضعه البنك المركزي المصري" .
وحيث إن المادة الثانية من قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 103 لسنة 2001 في شأن تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 38 لسنة 1994 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي تنص على أن " تستبدل بنص البند الثالث من المادة التاسعة من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 38 لسنة 1994 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي النص التالي: (ألا يقل رأس مالها المدفوع عن عشرة ملايين جنيه مصرى) " .
كما تنص المادة الثالثة منه على أنه " على الشركات القائمة وقت العمل بهذا القرار توفيق أوضاعها وفقا لأحكام المادة الثانية من هذا القرار وذلك خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر تبدأ من تاريخ العمل بهذا القرار " .
و تنص المادة السادسة من القرار المشار إليه على أن " ينشر هذا القرار في الوقائع المصرية ويعمل به من تاريخ نشره " .
ومن حيث إن من المستقر عليه فقهًا وقضاءًا أن الأصل في نفاذ القرارات الإدارية تنظيمية أو فردية أن يقترن بتاريخ صدورها بحيث تسرى بالنسبة للمستقبل ولا تسرى بأثر رجعى إلا إذا نص القانون على ذلك وذلك تطبيقًا لمبدأ إحترام الحقوق المكتسبة وإستقرار المعاملات لذلك فقد جاء الدستور مؤكدًا لهذا الأصل الطبيعي بحظر المساس بالحقوق المكتسبة أو بالمراكز القانونية التي تمت إلا بقانون، وذلك بأن جعل تقرير الرجعية رهنًا بنص خاص في قانون .
" يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 6748 لسنة 42 ق.ع. - جلسة 11/ 3/ 2001 " .
كما قضى بأن القرار الإداري لا ينتج أثره إلا من تاريخ صدوره، ذلك أن الأصل العام هو عدم المساس بالحقوق المكتسبة أو المراكز القانونية التي تمت و تكاملت إلا بقانون، وبما مؤداه عدم رجعية القرارات الإدارية، ولزوم عدم سريانها بأثر رجعى حتى و لو نص فيها على هذا الأثر ".
"حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 790 لسنة 22 ق.ع.، جلسة 23/ 6/ 1984 - سنة المكتب الفني 29 "
وحيث إن المستفاد من النصوص المتقدمة البيان أن المشرع في قانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي أحال إلى لائحته التنفيذية في شأن القواعد والأسس المتعلقة بتنظيم سوق الصرف الأجنبي بحيث يتم وضعها بعد التنسيق مع البنك المركزي المصري في إطار السياسة العامة للدولة،وفى حدود أحكام القانون المشار إليه دون إخلال بها، وأجاز المشرع الترخيص بالتعامل في النقد الأجنبي لجهات أخرى غير المصارف المعتمدة، ويصدر بهذا الترخيص قرار من الوزير المختص بحيث يكون مشتملا على قواعد وإجراءات هذا التعامل، والذي يحق له في حالة مخالفتها إيقاف الترخيص لمدة لا تجاوز سنة، فإذا ما تكررت المخالفة كان له إلغاؤه، ويترتب على هذا الإلغاء وجوب شطب قيد الجهة المرخص لها من السجل المقيدة فيه في البنك المركزى، وقد صدرت اللائحة التنفيذية من الوزير المختص وتضمنت المادة (9) منها الشروط الواجب توافرها، على وجه الخصوص، لمنح الترخيص بالتعامل في النقد الأجنبي للجهات غير المصرفية، حيث حددت هذه المادة من الشروط ستة منها أن تكون الجهة طالبة الترخيص متخذة شكل شركة مساهمة مصرية وفقا للقانون المنظم لتأسيس هذه الشركات، وبحيث تكون أسهمها اسمية ومملوكة لمصريين على الدوام سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين، وألا يقل رأس مالها المدفوع عن مليون جنيه مصرى، وأن يكون غرضها بصفة دائمة ممارسة النشاط المنصوص عليه في المادة (11) من اللائحة، ويصدر هذا الترخيص من الوزير المختص بعد أخذ رأى البنك المركزي المصري وفقا للإجراءات الواردة في المادة (10) منها وبحيث تسجل الشركة، متى رخص لها، في السجل المعد لذلك لدى البنك المركزى، وتلتزم حينئذ بإمساك الدفاتر
والسجلات وفقا لما يضعه البنك المذكور من تنظيم، ثم صدر القرار المطعون عليه رقم 103 لسنة 2001 بتعديل بعض أحكام هذه اللائحة متضمنا في مادته الثانية تعديلاً للشرط الخاص بالحد الأدنى لرأس المال المدفوع المنصوص عليه في البند "3" من المادة (9) وذلك برفع هذا الحد من مليون جنيه مصري إلى عشرة ملايين جنيه مصري، وملزما في مادته الثالثة الشركات القائمة وقت العمل به بتوفيق أوضاعها وفقًا للمادة الثانية خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به، وهو تاريخ نشره في الوقائع المصرية.
وحيث إن مقتضى ما سلف ذكره، في نطاق الترخيص لجهات غير مصرفية بالتعامل في النقد الأجنبى، أن القواعد والإجراءات التي يمنح الترخيص على أساسها منها ما هو منصوص عليه باللائحة التنفيذية لقانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي كما هو الشأن بالنسبة لما ورد في المادتين (9) و (10) سالفتي الذكر، ومنها ما يتضمنه ذات القرار الصادر بالترخيص، و الذي يتسم بصفة الديمومة ارتفاقا لطبيعة هذا الترخيص وإعمالا لصريح دلالة النصوص المنظمة لإصداره، و التي لا يمكن بحال صرف دلالتها إلى التأقيت خاصة ما تطلبته اللائحة من اتخاذ الجهة طالبة الترخيص شكل شركة مساهمة مصرية محددة الغرض بممارسة ذلك النشاط المنصوص عليه في المادة (11) على سبيل الدوام، وبحيث لا يتأتى نقض بنية هذا الترخيص إلا بتكرار مخالفة الشركة للقواعد والإجراءات الخاصة بالتعامل المرخص لها به تحت رقابة القضاء متى استنهضت من ذوى الشأن 0
ومن حيث أنه بالبناء على ما سلف ذكره، فإن الترخيص الذي يصدر لشركة تكونت لممارسة نشاط التعامل في النقد الأجنبي استمدادًا من أحكام تلك القواعد التنظيمية، إنما هو ترخيص دائم ينشئ القرار الصادر بمنحه مركزا قانونيا ذاتيا للممنوح له يكسبه حقا من غير الجائز المساس به إلا في حدود تلك القواعد، ويخرج بالتالي - بذلك - عن نطاق تلك التراخيص التي تمنحها الإدارة للأفراد على سبيل التسامح والتي تكون بطبيعتها مؤقتة لا تكسب الممنوحة له أي مركز قانوني ذاتي كشأن التراخيص التي تمنح للأفراد للانتفاع بجزء من المال العام، فإذا كان الأمر كذلك فإنه يتعين النأي بتلك التراخيص عما يزعزع المراكز القانونية المستقرة المترتبة على منحها، وذلك أيا ما كان طريق هذا المساس بها بما في ذلك تعديل القواعد أو الشروط التي منح الترخيص في ظل العمل بها طالما سيكون أثره المساس بكيان المركز القانوني الذاتي المستقر الذي تكون وفقا لقاعدة قانونية معينة، ذلك أنه ولئن كان ثمة تسليم بجواز استبدال قاعدة قانونية بأخرى، إلا أنه مما لا جدال فيه أنه يلزم ألا تمس القاعدة الجديدة الكيان القانوني الذي نشأ واكتمل تكوينه في ظل القاعدة المعدلة إلا لضرورة تستلزم ذلك كطريق استثنائي وأن يكون ذلك بقانون وليس بأداة أدنى منه، وفقا للأصل الدستوري الوارد في المادة (187) من الدستور والتي نصت على أنه " لا تسرى أحكام القوانين .... إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، ومع ذلك يجوز في غير المواد الجنائية النص في القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب " وترتيبا على ذلك فإن القرارات الإدارية التنظيمية يجب ألا تطبق إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها دون أن ترتب أثرًا فيما وقع قبلها، لأنه إذا كانت هذه هي القاعدة بالنسبة للقوانين الأعلى مرتبة من تلك القرارات، فهي القاعدة الواجبة التطبيق، اتباعا، بالنسبة لما هو أدنى مرتبة في مدارج القاعدة القانونية، و إلا لكان في القول بغير ذلك تطبيق لها بأثر رجعى بما في ذلك من المساس بالمراكز القانونية الذاتية المكتسبة طبقا لقاعدة قانونية سابقة وبما يعد إهدارًا لكليهما دون مسوغ، ولما فيه من رفع لمظلة قانونية استظلت بها تلك المراكز القانونية في نطاق تطبيقها الزمني دون ما مبرر، إذ المستقر عليه أن قاعدة سريان القانون، وما هو أدنى منه كاللوائح، لها وجهان أحدهما سلبي يتمثل في انعدام أثره الرجعى، والآخر إيجابي ينحصر في أثره المباشر بألا يحكم ما تم في ظل الماضي سواء فيما يتعلق بتكوين أو انقضاء الوضع القانوني أو ما يترتب فعليًا من آثار على هذا الوضع القانوني أو ذاك، فإذا ما برح هذا الأثر المباشر النطاق المذكور بأن تعدى أثره إلى ما تم في ظل الماضي من وضع قانونى، تكوينًا أو انقضاءً أو ترتيبًا لآثار خلاف ما ترتب منها بالفعل، كان ذلك افتئاتًا على تلك القاعدة الدستورية، سواء كان الإنعطاف إلى الماضي بالنسبة لأي مما ذكر بصريح النص أو بمضمونه طالما أنه سيؤدى حتما وبالضرورة إلى ذلك، دون أن ينال من ذلك القول بأنه ليست ثمة معنى لتعديل اللوائح التنظيمية طالما أن المراكز القانونية التي استمدت منها قبل تعديلها لن تعدل طبقا لها و بالتالي ينحسر مضمونها واقعا، لأن هذا القول يناهض ذلك الأصل الدستوري الآنف ذكره، ولما فيه من خلط، لا مراء فيه، بين إمكانية تعديل القاعدة اللائحية وكذا المركز اللائحى، وبين الأثر المباشر لتطبيقها على نحو ما سلف ذكره، كما أنه ليست ثمة محاجة فيما يثار من أن ثمة سوابق تشريعية بشأن المساس بمراكز قانونية ذاتية نشأت وتكونت في ظل قانونية بمحض تعديل لهذه القواعد، إذ أن هذا القول على إطلاق الأصل الدستوري السالف ذكره والذي مؤداه جواز الرجعية إستثناء بقانون وليس بأداة أدنى منه كاللائحة، مع وجوب مراعاة الشكل الذي تطلبه الدستور في شأن إصداره بأن يكون ذلك بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب ، وهذا ما يعنى أنه يتعين لإمكان تطبيق القاعدة القانونية بأثر رجعى أن تكون ثمة ضرورة تستلزم ذلك وألا يتم ذلك إلا بقانون، وإن يصدر هذا القانون بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب، ولا مريه في أن أيًا من هذه الضوابط غير متوافر بالنسبة للائحة التنظيمية إلا إذا كانت الرجعية فيها مستمدة من رجعية قانون وفى نطاقه دون خروج عنه أو جنوح 0
" حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 4216 لسنة 55 ق - جلسة 8 / 11/ 2008" .
وتأسيسًا على ما تقدم، فإن الثابت من الأوراق، أن المدعي حصل على تراخيص بالتعامل في النقد الأجنبي طبقًا لأحكام قانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 331 لسنة 1994، و التي تضمنت المادة (9) في البند (3) منها الشرط الخاص بالحد الأدنى لرأس المال المدفوع وهو مليون جنية مصري والذي استوفته الشركة التي يمثلها المدعي آنذاك كشرط لمنحها ترخيص ممارسة نشاطها، و تم تسجيل هذه الشركة في السجل الخاص لدى البنك المركزي المصرى، وبناء عليه زاول نشاطه تحت مظلة رقابة البنك المذكور والوزارة المختصة وفق أحكام القانون المشار إليه، بيد أنه فوجئ بصدور القرار الوزاري رقم 103 لسنة 2001 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية المنوه بها، والذي تضمن في مادته الثانية تعديلاً في الحد الأدنى لرأس المال المدفوع بالزيادة من مليون جنيه إلى عشرة ملايين جنيه، وتضمن في مادته الثالثة مد نطاق ما تضمنته المادة الثانية إلى الشركات القائمة وقت العمل بهذا القرار بحيث تقوم وجوبا بتوفيق أوضاعها بزيادة الحد الأدنى لرأس مالها المدفوع من الحد الذي منحت الترخيص على أساسه إلى الحد الذي أوجبه القرار بمقتضى هذا التعديل .
وحيث أن من المستقر عليه أنه ليس ثمة ما يحول قانونًا من تعديل القاعدة التنظيمية ذات العمومية والتجريد مواكبة للمصلحة العامة، إلا أنه يتعين ألا تكون هناك مجاوزة للحدود التي تم ترسيمها أنفًا من عدم جواز تطاول القاعدة اللائحية المعدلة لتنال من تلك المراكز القانونية التي تكونت صحيحة في ظل القاعدة قبل تعديلها، و إلا لكان في هذا زيغ عن أصل دستوري مقرر، وجنوحًا عن مبدأ قانوني مستقر، وبالتالي فإن كان سائغًا تعديل الحد الأدنى بالزيادة وإلزام من يريد الترخيص بالتعامل بالنقد الأجنبي بها، فليس بسائغ مد هذا التعديل لشركات استوفت هذا الحد الأدنى لرأس المال المدفوع طبقا للقاعدة السارية وقت إصدار التراخيص لها بممارسة نشاطها، إذ أنه من غير الجائز دستوريًا المساس بتلك المراكز القانونية التي تكونت إلا في الحدود و وفقًا لما ورد بذات المادة من لزوم أن يكون ذلك بقانون مراعى في إصداره ما أنف ذكره من إجراءات مع توافرما يدعو حتما وضرورة إلى ذلك، وإذ تحلل القرار المطعون فيه من ربقة هذا الأصل الدستوري حيث انثنى بما تضمنته مادته الثانية إلى الماضي بمضمون ما أوجبته مادته الثالثة من قيام الشركات المدعية، بحسبانها قائمة وقت العمل به، بتوفيق أوضاعها بزيادة الحد الأدنى لرأس مالها المدفوع إلى عشرة ملايين جنيه مصري بدلا من مليون الجنيه الحد المستوفى وقت الترخيص لها بمباشرة نشاطها، فمن ثم يكون هذا القرار فيما تضمنه من ذلك مخالفا لمبدأ وأصل دستوري أصيل، ومفتئتًا على تلك المراكز القانونية الذاتية الثابتة لهذه الشركات إلتصاقًا بحكم القانون , وحيث إن القرار الطعين قد تضمن شروطًا باطلة - على نحو ما تقدم - مما يستوجب القضاء بإلغاء القرار الطعين مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وحيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة 184 / 1من قانون المرافعات المدنية و التجارية .

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة " بإلغاء القرار الطعين - علي النحو المبين بالأسباب - مع ما يترتب علي ذلك من آثار، و ألزمت جهة الإدارة المصروفات ".