الصفـحة الرئيـسية باحث التشريعات باحث النقض باحث الدستورية باحث الإدارية العليا
إيقافتشغيل / السرعة الطبيعيةللأعلىللأسفلزيادة السرعة تقليل السرعة

إذا كنت

(محامياً ، قاضياً ، أو تعمل في الحقل القانوني، نتعهد بنقل معلوماتكم القانونية إلى مستويات قياسية)

لم تكن شيماء الطفلة الصغيرة ذات 12 ربيعا، التي لا تزال تراودها أحلام الطفولة البريئة، تعلم أن القتل سيكون نهاية أحلامها البسيطة في الحياة، علي يد أشقائها الثلاثة الذين كونوا "محكمة عائلية" للإعدام، وأصدروا حكما بقتلها والتخلص منها لسوء سلوكها.

عثر علي جثتها ملقاة في مقلب قمامة، بطريق المناشي بأوسيم منذ أيام، وعندما تتبع رجال المباحث طرف الخيط، توصلوا إلي أن الأشقاء الثلاثة ارتكبوا الحادث، وبتضييق الخناق عليهم اعترفوا بتفاصيل الجريمة، بشجاعة يحسدون عليها وبدون مواربة، فالجريمة "جريمة شرف"، لا يتنصل الرجال من ارتكابها، دفاعاً عن كرامتهم وعرضهم، يغسلون بالدم سمعتهم وشرفهم، دون أن يشعروا بالخجل أو الخوف.

قد تكون جريمة الشرف منتشرة بشكل واسع في المجتمع، ولكن لا يعرف أحد حجمها، لعدم وجود إحصائيات محددة، وهذا ما توصل إليه الصحفي الإنجليزي "روبرت فيسك"، في سلسلة التحقيقات التي نشرها، عن جريمة الشرف حول العالم بصحيفة "الاندبندنت" البريطانية، وجاء في تحقيقه بعنوان " ما وراء الانتحار الجماعي لشابات مصر"، إن هذا التحقيق يفضح كذب مزاعم المسئولين في مصر، بأنه لا توجد جرائم شرف تقع علي أرضها.

استعان "فيسك" بملفات موجودة في مراكز "حقوق المرأة"، والتي تمتلئ بجرائم متنوعة عن الشرف، ففي صعيد مصر قام مزارع بقطع رأس ابنته بعد أن اكتشف أن لها حبيبًا، وفي كفر الشيخ اعترف رجل بقيامه بصعق ابنته بالكهرباء، بعد أن تلقت مكالمة عاطفية من حبيبها، وفي مدينة السادس من أكتوبر قذف أب بابنته من شرفة المنزل، عندما دخل عليها غرفتها ووجدها تتحدث مع شاب غريب.

وقائع كثيرة استعان بها "فيسك"، ليؤكد أن "جريمة الشرف" موجودة في مصر، ولكن يتم التستر عليها لطبيعة المجتمع، الذي يحتفظ بعادات وتقاليد، ويعتبرها خطا أحمر لا يمكن لأحد أن يتخطاه، بدفن الجميع رأسه في التراب لعدم الاعتراف بوجودها أو انتشارها، وفي كثير من الأحيان يحاول الجاني الهروب بجريمته، بدعوى انتحار الفتاة أو بإخفاء جريمته عن طريق إلقاء جثتها في النيل أو مقلب قمامة، وهذا ما حدث في حادثة شيماء.

لم تكن قضية شيماء القضية الأولي، فسجلات الحوادث متخمة بمثل هذه الحوادث، ففي محافظة "بني سويف" قامت أسرة بالكامل مكونة من أب وأم وثلاثة أشقاء، بخنق شقيقتهم وتدعي " سيدة .ف. ص" 26 عاما بنفس الطريقة، وإلقاء جثتها في النيل لإخفاء جريمتهم، بسبب الشك في سلوكها، وظنت الأسرة وقتها أنه تم إخفاء الجريمة، وقامت بتحرير المحضر رقم 3 / 308 لسنة 2015 أحوال مركز إهناسيا بتغيب الفتاة.

ولكن جثة الفتاة التي طفت علي النيل، الذي يخفي في قاعه الكثير من هذه القضايا، كانت بداية الخيط لرجال المباحث، فعندما حضرت الأم للتعرف علي الجثة، انهارت بعد أن تم استجوابها وتضييق دائرة الخناق حولها، واعترفت الأم بتفاصيل الجريمة الغريبة.

الغريب في الأمر أن الأم وتدعي "نعمة ع. ط"، 52 سنة، قد تزعمت كتيبة الإعدام بنفسها وأحضرت أشقاءها الذكور الثلاثة وزوجها، واتفقت الأسرة علي قتل الفتاة لسوء سلوكها وغسل العار، وقاموا بالهجوم عليها بشكل مفاجئ وشلوا حركتها، وربطت الأم طرف إيشارب حول رقبة ابنتها، وتجاذبه كل أفراد الأسرة للتخلص من الفتاة وقتلها، بسبب معايرة الجيران في محيط الأسرة.

وفي مركز "الفشن" بمحافظة بني سويف أيضًا، تكررت الجريمة بنفس الأسلوب، تخلص شقيقان مع ابن خالتهما، من شقيقتهما، عن طريق الخنق بالإيشارب وإلقاء الجثة في النيل أيضًا، وجدت المباحث جثة الفتاة وبتضيق دائرة البحث تم التوصل إلي الجناة الثلاثة.

في البداية حاولت الفتاة الهروب من القتل، عندما طاردتها شائعات سوء سلوكها، وعلمت بأن مصيرها المحتوم هو الموت، فقامت بالهروب إلى منزل شقيقتها المقيمة في مدينة العاشر من رمضان، وعندما نمى إلي علم الأشقاء محمد وجلال، خبر وجودها توجههوا إليها، ووعدوها بعدم الإيذاء أو الاقتراب منها، وأثناء رحلة العودة لقريتهم، استدرج الثلاثة الفتاة لمكان مهجور، قاموا بقتلها بغطاء الرأس" الشال" الذي كانت ترتديه وألقوها في النيل، الذي فضح الجريمة بعد أن طفت الجثة ليعترف الأشقاء بالجريمة بعد استجوابهم.

وفي محافظة المنيا بمركز "ملوي"، كانت الأم هي بطلة القصة أيضًا، عن طريق تحريض الأب علي قتل ابنتهما، بعد أن اكتشفت حملها سفاحًا بدون زواج، ووجدت جثة الفتاة وتدعى "ع. ع" 18 عامًا ملفوفة وملقاة في النيل أيضاً، فبعد أن لاحظت الأم وتدعى "شربات .ع" التغير الجسماني علي ابنتها وانتفاخ بطنها، راودتها الشكوك وقررت قطع الشك باليقين، واصطحبتها إلي أحد الأطباء، والذي أكد ان "الفتاة حامل".

بعد تردد قررت الأم إخلاء مسئولتها، ورمي المصيبة بأكملها للأب للتصرف، لم يفكر الأب كثيرا في الأمر، قام باستدراج الفتاة إلي الزراعات القريبة من المنزل وقتلها، وألقاها في النيل، وتوجه لقسم الشرطة لتحرير محضر بتغيبها، ولكن النيل كعادته فضح الجريمة واعترف الأب بتفاصيل الحادث، وتمت إحالته للجنايات لتموت الفتاة ويضيع مستقبل الأسرة.

تحمل سجلات الشرطة، وملفات المراكز الحقوقية المدافعة عن المرأة، الكثير من جرائم القتل، التي تمت بدم بارد للدفاع عن الشرف، ولكن لا يتم تسليط الضوء علي مثل تلك الجرائم ومعرفة أسبابها النفسية وكيف يتجرد الأهل من مشاعرهم ويقتلون بناتهم بدم بارد، ويكتفي المجتمع بدفن رأسه في التراب، دون أن يحاول أو يبحث عن طريقة لحل أسباب الأزمة.
بوابة الاهرام