الصفـحة الرئيـسية باحث التشريعات باحث النقض باحث الدستورية باحث الإدارية العليا
إيقافتشغيل / السرعة الطبيعيةللأعلىللأسفلزيادة السرعة تقليل السرعة

إذا كنت

(محامياً ، قاضياً ، أو تعمل في الحقل القانوني، نتعهد بنقل معلوماتكم القانونية إلى مستويات قياسية)

بأمر السيسي: الجهاز المركزي للمحاسبات ممنوع من مراقبة تبرعات الصندوق

إهدار 500 مليون جنيه في تطوير العشوائيات من ميزانية "تحيا مصر"
المدير التنفيذي للصندوق: 7 مليارات إجمالي رصيد "تحيا مصر" في عام واحد
16 مليار جنيه.. فاتورة المسئولية الاجتماعية الغائبة

خلال حضوره مراسم تخريج دفعة من طلبة إحدى الكليات العسكرية، طرح الرئيس عبد الفتاح السيسي، في خطاب بثه التليفزيون المصري، فكرة تبرع المصريين من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، ودعم قيم العدالة الاجتماعية، وتمويل المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية، التي تحقق التنمية المستدامة.

وفي الأول من يوليو قبل الماضي أعلنت رئاسة الجمهورية عن تدشين صندوق يحمل اسم "تحيا مصر" تفعيلًا لمبادرة الرئيس التي سبق أن أعلن عنها لدعم الاقتصاد المصري وتم إنشاء حساب بالبنك المركزي يحمل رقم (037037) ويكون للصندوق حساب خاص برقم موحد في جميع البنوك المصرية تودع فيه كافة موارده وتؤول إليه كافة الأموال النقدية والمنقولة والثابتة الخاصة بحساب (30-6-30-6) لتلقي مساهمات وتبرعات المصريين في الداخل والخارج بجميع البنوك المصرية لحساب الصندوق الذي يخضع لإشراف رئيس الجمهورية حسبما جاء في المادة الثانية المنشورة في الجريدة الرسمية من القرار الجمهوري الصادر بقانون رقم 84 لسنة 2015.

صندوق التبرعات يهدر الملايين في التجهيزات

تعد أموال الصندوق في حكم الأموال العامة التي تُنفق على مشروعات تنموية تقوم عليها شركات جديدة مملوكة ملكية تامة للصندوق أو يسهم في رأسمالها حسبما ورد في المادة التاسعة من القانون السابق ذكره لتنظيم عمل الصندوق، ولكن ما توصلت إليه "التحرير" عبر هذا التحقيق يكشف عن وقائع صارخة لإهدار المال العام في أموال التبرعات عبر مشروعات تطوير العشوائيات وعلى أعمال تجهيز مقر الصندوق الكائن بمساكن الشيراتون في حي مصر الجديدة بأحدث التصميمات والديكورات الفنية وأجهزة التكييف المستوردة للغرف الثمانية المخصصة للصندوق، وشراء أرقى أنواع الباركيه للأرضية، "وهو عبارة عن بلاط سيراميك يشبه سطحه الخارجي للخشب، ولكنه مصنوع من نفس مواد البلاط" والحوائط المعلقة للأسقف، وبتكلفة مالية باهظة تتراوح فيه قيمة المتر الواحد ما بين "170- 250" جنيهًا.

في الوقت الذي يقوم فيه الصندوق في الأساس على فكرة دعم الفقراء وتطوير العشوائيات والنهوض بالاقتصاد المصري المتعثر وتمويل المشروعات الاقتصادية ذات البعد الاجتماعي التي تحقق التنمية المستدامة، ولكن غياب الرقابة على أموال التبرعات بعد إدخال تعديلات تشريعية على القرار الجمهوري الخاص بإنشائه تقلص من رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات وتجعل دوره قاصرًا على إعداد مؤشرات عامة عن الأداء العام بناءً على قوائم مالية رُبع سنوية، في ظل إعفاء عوائد الصندوق والتسهيلات الائتمانية الممنوحة له من كافة الضرائب والرسوم وعدم سريان أحكام قوانين ضرائب الدخل والدمغة عليه بما يفتح المجال أمام شبهات استغلال النفوذ من قبل القائمين عليه وإهدار المال العام في تمويل المشروعات التي يشرف عليها الصندوق.

رحلة البحث عن "صندوق"


 

البحث عن مقر "صندوق تحيا مصر" أشبه بالدخول إلى مدينة الأشباح وسط صحراء مقفرة لا أحد يعلم مكانه من السكان أو يسمع عن وجوده من قبل في قلب مساكن الشيراتون على أطراف حي مصر الجديدة بالقرب من طريق مطار القاهرة الدولي، "التحرير" حاولت الوصول إلى هناك في سبيل مساعدة أحد المواطنين للحصول على إحدى الخدمات العديدة التي يقدمها الصندوق للمواطنين من أجل تطوير العشوائيات ودعم أبناء الطبقات الفقيرة وتمويل مشروعات الشباب المتوسطة ومتناهية الصغر والمساهمة في مشروعات البنية التحتية.

عبر موقع الصندوق على شبكة المعلومات الدولية، وصفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسـبوك" تحت اسم "صندوق تحيا مصر" من بين عشرات الصفحات الإلكترونية التي تم تدشينها بنفس الاسم، وتمارس النصب على المواطنين والأعضاء لجمع التبرعات باسم الصندوق، ومن خلال الصفحة الرسمية للصندوق حاولنا تتبع العنوان والتوصل إلى معلومة رسمية أو إشارة واردة تدل على موقعه أو مقره الرئيسي، فلم نتوصل إلى أي شيء بخصوص ذلك، وكل ما هنالك بيانات رسمية وتقارير إعلامية صادرة عن أحد موظفي العلاقات العامة حول قانون إنشائه والهيكل التنظيمي والإداري لمجلس الأمناء والهدف من الصندوق وإشارات عابرة إلى بعض الأرقام والأموال التي تم إنفاقها وتحصيلها عبر مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة "صبح على مصر بجنيه".

ساعتان كاملتان قطعناها من وسط القاهرة إلى مساكن الشيراتون بمصر الجديدة على مقربة من مول "صن ستي" الواقع بين طريق الأوتوستراد وبين المساكن، وهناك سألنا أمن المول عن الصندوق وكانت المفاجأة أن معظم الأهالي كانوا يسمعون عنه للمرة الأولى، وعلى طول الشارع الرئيسي "الأخبار" الفاصل بين المول والمساكن لا أحد من الأهالي أيضا لديه معلومة واحدة عن المقر الذي تفاجؤوا بوجوده هناك لدرجة دفعت الكثيرين منهم لترديد عبارات :"مافيش صناديق هنا بالاسم ده"،"العنوان غلط هو مش الريس هو اللي عمله يبقى أكيد موجود عنده في القصر الجمهوري"، "أنا ساكن هنا من 15 سنة أول مرة أسمع عن الصندوق ده".

وعند مكتب المرور الواقع على بعد خطوات من طريق المطار، أشار أحد موظفي المرور القدامى إلى أنه من الممكن أن يكون داخل مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء القريب من المكان.

ممنوع التصوير لدواع أمنية

عبر مبنى زجاجي فخم مكون من خمسة أدوار مطرزة بالكلادينج بالكامل من الخارج وفي مواجهة بنزينة "موبيل" كان يجلس أحد أفراد الأمن على البوابة الرئيسية للدخول، لتنظيم سير الدخول والخروج للسيارات الملاكي إلى الجراج السفلي وآخر للتأكد من هوية المواطنين الذين يدخلون إلى المبنى التابع لمجلس الوزراء، وعلى البوابة الرئيسية تم تفتيش الحقيبة الخاصة بـ"معد التحقيق"، وتوضيح الغرض من الزيارة مع ترك بطاقة الرقم القومي الخاصة به.

وبعد لحظات من انتهاء إجراءات التفتيش شدد أحد ضباط الأمن داخل المركز على عدم تصوير المقر من الخارج ولا مانع من تصويره من الداخل، وبسؤال العقيد "أ" عن السبب وراء تلك الحالة الصارمة من السرية والغموض حول إخفاء الموقع عن الأهالي المحيطين بالمركز ووسائل الإعلام ذكر لنا حرفيا إنه "لدواعٍ أمنية مش عاوزين حد يعرف مكانه حفاظًا على الأمن القومي وأموال المتبرعين"، وتم حذف الصور مرتين من قبل العقيد "ت" المسئول عن أمن الصندوق دون ابداء أي أسباب وراء قرار منع التصوير.

الدور الأرضي خاص بمركز المعلومات ودعم واتخاذ القرار وفي الثاني مقر الصندوق بأرضية وأسقف من السيراميك والباركيه الفاخر، وعلم مصر يعانق "لوجو" الصندوق وشعاره ورقم الحساب الخاص به للتبرع في البنوك (037037) مطبوعًا عليه ومعلقًا على مدخل سلم المركز الرئيسي المؤدي إلى مقر الصندوق، المزخرف بأحدث الديكورات والتجهيزات الفنية والتصاميم العصرية الأقرب إلى "تشطيبات" الفنادق الـ"7 stars” .

ميزانية تشطيب مقر صندوق التبرعات الذي يحمل اسم "تحيا مصر" تتخطى 5 ملايين جنيه، حسب أحد موظفي الحسابات والمالية بالصندوق، متحفظًا على ذكر اسمه، رغم أنه كان مجهزًا من قبل لموظفي المركز الذين تم توزيعهم على المقرين الآخرين التابعين لمجلس الوزراء بشارعي قصر العيني والهرم، ولكنه أعيد تجهيزه ليتناسب مع مكانة رئاسة الصندوق التابع بصفة مباشرة لرئاسة الجمهورية، فضلًا عن 4 سيارات ملاكي مخصصة للصندوق وقياداته، يتعدى ثمن السيارة الواحدة المائة ألف جنيه وأجهزة الحاسب الآلي الداخلية مع شراء أحدث أجهزة التكييف المستوردة، وكل ذلك من أموال التبرعات، حسب تعبيره.

"ضيوف على الدولة"

"إحنا مش جهة حكومية، لكننا ضيوف على مجلس الوزراء، بإيجار رمزي ومرتباتنا بالكامل تتكفل بيها جهات خارجية متطوعة ومابناخدش جنيه واحد من أموال التبرعات".. هكذا تردّ إحدى الموظفات بالعلاقات العامة وتُدعى "مدام نيفين" على تساؤل خاص بمرتبات العاملين بالصندوق وإيجار المقر الشهري، مضيفة أنهم غير تابعين للقطاع الحكومي ولا يزيد أعداد العاملين بالصندوق على 20 إداريا موزعين على ثلاثة أقسام: المشروعات والحسابات المالية والإدارة وتنمية الموارد والعلاقات العامة والإعلام.

وفي ما يخص المشروعات، فإن الإدارة لا تخصص موظفين لكل مشروع يتم تمويله، ولكنها تبحث عن الجهة الحكومية أو الشركة الخاصة الأقرب إليه كما حدث مع مشروع "الألف تاكسي" الذي تم بتمويل من الصندوق وإشراف من الصندوق الاجتماعي للتنمية وتم تمليك الألف سائق بسيارات الأجرة من إجمالي 10 آلاف تقدموا بطلبات للصندوق وحصلوا في النهاية على تخفيض في السيارات من 115 ألفا إلى 79 ألف جنيه على أن يسدد 25% منها كمقدم والباقي يسدد على أقساط.

وكذلك مشروع تطوير العشوائيات في منطقة الدويقة بمنشية ناصر لإعادة تسكين الأهالي عبر ثلاث مراحل بإجمالي 10 آلاف وحدة سكنية ومشروع تطوير عزبتي جرجس والعسال في منطقة شبرا، وأكثر من 17 منطقة عشوائية أخرى بدعم يقرب من 500 مليون جنيه بالاتفاق مع شركة المقاولين العرب وعدد من الشركات المدنية، وذلك لضمان جودة تنفيذ المشروع، على حد قولها.

من مقر الصندوق بمساكن الشيراتون إلى الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري على موقع التواصل الاجتماعي "فيسـبوك" أعلن العقيد محمد سمير عبر بيان رسمي صادر يوم الأحد الماضي عن انتهاء الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بالتعاون مع عدد من الشركات المدنية من تطوير 45 منطقة عشوائية في نطاق محافظتي القاهرة والجيزة وحلوان بتكلفة مالية بلغت 497 مليونا و400 ألف جنيه ضمن بروتوكول التعاون مع صندوق تطوير العشوائيات واتحاد بنوك مصر.

 

إهدار 500 مليون جنيه في تطوير العشوائيات

أخذنا طرف الخيط من لسان المسئول عن قسم المشروعات في صندوق "تحيا مصر" والمتحدث العسكري وتوجهنا إلى إحدى المناطق العشوائية التي تم تطويرها من ميزانية الصندوق في عزبة العسال الواقعة على مساحة 40 فدانًا بالقرب من شارع أحمد بدوي في حي شبرا بمحافظة القاهرة.

وهناك لا صوت يعلو فوق صوت الإهمال، شوارع ضيقة مليئة بالمطبات ومسكونة بالقمامة متناثرة في كل مكان وعلى مداخل السلالم الضيقة المساحة التي لا تسمح بمرور أكثر من شخص، ودورات المياه الواقعة في مواجهة الصالة الرئيسية الصغيرة حينا وفي كثير من الأحيان يوجد "الحمام تحت بير السلم" والمطبخ لا يتسع لوقوف شخص واحد فقط مثل غرفة الحبس الانفرادي في السجون، والغرفتان الداخليتان تم تقليص مساحتهما إلى النصف "مترين في متر" ولا تضم أكثر من سرير واحد فحسب، وأسقف خشبية بارزة منها "عروق" بالية أكلها التشقق وسكنها السواد والصدأ وأرضية من البلاط المشقق الذي تتسرب منه المياه إلى الجيران في الدور الأرضي.

الحياة هناك لا تختلف عنها داخل العشش، وهي أقرب ما تكون إلى حياة اللاجئين داخل المخيمات لما يزيد على 400 وحدة سكنية تم تجديد أكثر من 100 وحدة سكنية والبعض الآخر تم هدمه وإعادة بنائه مرة أخرى.

عدد كبير من الأهالي داخل عزبتي جرجس والعسال وحارة عبد الدايم يطالبون الحكومة بإعادة بناء منازلهم التي تم إسناد أعمال تطويرها إلى شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار "سوريل"، إحدى شركات مجموعة "سوديك" العقارية التي يمتلك 40% من أسهمها مستثمرون سعوديون والباقي أسهم في البورصة ويرؤس مجلس إدارتها الدكتور هاني سري الدين، وبدعم وتمويل من صندوق "تحيا مصر" لتطوير العشوائيات بعد دخول شركة "المقاولين العرب" في أعمال المقاولات، والتي تقوم بهدم المساكن القديمة الآيلة للسقوط، لإعادة بنائها بالخرسانة المسلحة.

جاء ذلك بعد فشل الشركة السابقة في أعمال التطوير في ظل حالة التقلص الشديدة الواقعة في مساحتها وسوء التشطيبات النهائية والتصميمات الداخلية الذي وقعت فيه شركة "سوديك" العقارية، التي نفذت المرحلة الأولى من مشروع تطوير العزبة، بناءً على بروتوكول تعاون موقع مع محافظة القاهرة في مايو 2012 والمرحلة الثانية من تنفيذ "المقاولين العرب".

7 مليارات .. رصيد الصندوق في عام

وعن إجمالي الأموال التي تم جمعها خلال الشهور العشرة الماضية ذكر المدير التنفيذي لصندوق "تحيا مصر" محمد عشماوي أنها لا تتجاوز 7 مليارات تم جمع ما يقرب من 6 مليارات جنيه في شهر واحد فقط بعد ساعات من إطلاق مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، موضحًا أن اختيار شخصيات إعلامية وسياسية ورموز دينية وبعض رجال الأعمال ضمن مجلس أمناء الصندوق طبقًا للقرار الجمهوري يأتي على حسب الفكر التنموي لهم، قائلًا: "مش بالضرورة مدير المشروع يكون متخصص بس لا بد أن يكون لديه دراية بالإدارة والتنمية ويحمل رؤية تنموية قومية بغض النظر عن اسمه أو مكانته وطبيعة عمله، وفيه رجال أعمال مصريين كتير جدا يحملون هذا الفكر التنموي".

وهذا ما وصفه الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية بـ"البطيخ"، لأنه حسب تعبيره رجل الأعمال أكبر من الدولة وأهم من الصندوق، ولا يحق له أن يكون ضمن أعضائه، نظرا لتعارض المصالح الخاصة بين رجل الأعمال المتهرب من أداء مسئوليته الاجتماعية وبين عضويته في الصندوق الذي يجمع التبرعات من المواطنين لتمويل مشروعات ذات طابع اجتماعي.

وعن فلسفة الصندوق والقائمين عليه، تساءل رشاد عبده، ساخرًا: "توجهاتكم إيه ولا بتشتغلوا بالحتة في الأزمات والأمطار والعشوائيات وإيه الدور الاقتصادي والتنمية الاجتماعية التي أحدثتموها، وإيه أهدافك المستقبلية لزيادة إيرادات الصندوق، ولماذا لم يتم الإعلان عن أرصدة الصندوق وما تم إنفاقه وما تبقى من أموال التبرعات"، مضيفًا: "دول شوية موظفين بلا رؤية ولا فكر إلا بناءً على توجيهات الرئيس وكل اللي بيعملوه إنهم بيرجعوا له في كل صغيرة وكبيرة نعمل إيه، ودي مصيبة!"

أرصدة الصندوق السرية

فرض صندوق "تحيا مصر" نوعًا من السرية شبه التامة على حساباته لعدم كشف إجمالي ما توصل إليه الصندوق من تبرعات، البعض منها تم كشفه على الملأ في حين لم يتم الكشف عن باقي المبالغ المالية الباهظة التي تبرعت بها جهات عربية ورجال أعمال خليجيين للصندوق، وأبرزهم "رجال أعمال سعوديون يحبون مصر" الذين أعلنوا عبر مبادرتهم أن إجمالي ما تم جمعه يتخطى الـ500 مليون جنيه.

بينما بلغت مساهمات البنوك العربية والأجنبية العاملة في السوق المصرية نحو 300 مليون جنيه وأبرزها بنوك "قطر الوطني والإمارات دبي الوطني وإتش إس بي سي الإنجليزي"، بالإضافة إلى مساهمات بنوك القطاع العام، "مصر، القاهرة، البنك الأهلي" وتبرعات عدد من رجال الأعمال المصريين وعلى رأسهم صاحب مؤسسة "النساجون الشرقيون" محمد فريد خميس، الذي تبرع بنصف دخله السنوي لصالح"صندوق تحيا مصر" على مدار 4 سنوات قابلة للتجديد.

كما أسهمت مؤسسة "ايه إف جي هيرميس" للتنمية الاجتماعية التي خصصت 50 مليونًا لتنمية القرى الفقيرة بمحافظات الصعيد، وكذلك شركة المجموعة المالية "هيرمس" التي تبرعت بـ 20 مليون جنيه للصندوق فضلًا عن تغير المساهمات والتبرعات من يوم لآخر.

وحول سرية أموال التبرعات أوضح المدير التنفيذي لصندوق "تحيا مصر" محمد عشماوي لـ"التحرير" أن ذلك يرجع بصورة كبيرة إلى توصيات وطلبات خاصة من المتبرعين أنفسهم بعدم ذكر أسمائهم ويطلبون من القائمين على الصندوق أن تكون تبرعاتهم سرية، معقبًا: "الإشاعات المغرضة دي عمرها ما هتتوقف، وفيه ناس كل همها توقف المراكب السايرة وغرضها إننا نفشل وبعدين الريس أعلنها مرتين قبل ذلك في فبراير الماضي أن الصندوق جمع ما يقرب من 7 مليارات".

ومن بين تلك الأموال مليار جنيه تم جمعها كمساهمة أولية من مرتبات أفراد وقيادات الجيش المصري، و3 مليارات من شركات أوراسكوم وعائلة ساويرس لتسوية نزاعاتها مع الضرائب، بالإضافة إلى 1.2 مليار جنيه هي "نصف أسهمه في عامر جروب" من رجل الأعمال المهندس محمد الأمين، رئيس غرفة صناعة الإعلام، رئيس شركة المستقبل المالكة لقنوات "سي بي سي".

كما تبرع رجل الأعمال صلاح دياب، مؤسس جريدة المصري اليوم بـ6.5 مليون دولار، وتبرع أحمد بهجت، صاحب قنوات دريم بـ 30% من الأسهم المملوكة له بشركاته، وكذلك نجل اللواء طيار رفعت الجميل رجل الأعمال المصري أيمن الجميل "الراشي" في قضية فساد وزارة الزراعة، الذي أعلن عن تبرعه بـ150 مليون جنيه من أجل مصر.

معظم هذه الأسماء عليها قضايا ومخالفات مالية تتخطى المليارات تحاول من خلال تبرعها لصندوق "تحيا مصر" إسكات الجهات الرقابية والمحاسبية عنها، وجاء ذلك بعد لقائـهم بالرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الإفطار السنوي الذي أقامه في شهر رمضان قبل الماضي حين طالبهم بالتبرع بنحو 100 مليار جنيه لدعم الاقتصاد المصري المتردي.

حيث يلجأ رجل الأعمال مضطرًا إلى أن يتبرع للصندوق بجزء من ماله لحل مشكلاته الاقتصادية وأزماته المالية المتعثرة مع البنوك من ناحية وليبدو في صورة الداعم القوي للنظام السياسي الحاكم من ناحية أخرى، رغم أن تلك الأموال يتم تقنينها بالخارج كـنسبة 1% من الأرباح السنوية التي يدفعها رجال الأعمال ضمن المسئولية الاجتماعية للشركات، حيث يلزمهم القانون بالإنفاق على الخدمات الاجتماعية، والشركات يكون لها مطلق الحرية في إنفاق تلك النسبة على تمويل الأبحاث العلمية ومنح الدراسات العليا أو الإنفاق على المستشفيات والمدارس والجامعات والمعاهد التعليمية أو المساهمة في تنمية المجتمع المحلي كما يحدث في جنوب إفريقيا، ولكن تلك المسئولية اختيارية في مصر والبديل المتاح هو جمع تلك التبرعات عبر صندوق "تحيا مصر".

الرقابة ممنوعة

مع مرور الأيام على إنشاء الصندوق غابت الشفافية عن القائمين على إدارته في الكشف عن أرصدة الصندوق ولم يُعلن البنك المركزي المصري أو أحد المكاتب المسجلة لديه عن قوائم المتبرعين الشهيرة أو حجم تبرعاتهم رُبع السنوية وفقًا لمعايير المحاسبة المصرية، ولم تُفصح أي جهة رقابية حتى الآن عن قيامها بمراجعة ومراقبة حساباته، حسبما كانت تنص المادة الثامنة من قرار رئيس الجمهورية السابق بالقانون رقم 139 لسنة 2014 والتي تنص على أن أموال الصندوق تعد أموالًا عامة في تطبيق أحكام قانون العقوبات، ويتولى الجهاز المركزي للمحاسبات أعمال الرقابة ومراجعة الحسابات، ويُعد تقريرًا بذلك كل أربعة أشهر يُعرض على رئيس الجمهورية قبل أن يتم تعديلها دون إشارة لذلك عبر موقع الصندوق الإلكتروني أو صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسـبوك".

وفي أقل من 8 شهور أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القرار رقم 84 لسنة 2015 الخاص بتنظيم عمل الصندوق، وإلغاء صندوق "دعم مصر" الذي أطلقه رئيس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب، وأعلن رئيس الصندوق فاروق العقدة عن ميزانية الصندوق التي بلغت 827 مليون جنيه وتم التبرع بها من الجيش ورجال الأعمال والمواطنين، وتمت إضافتها إلى صندوق "تحيا مصر".

المركزي للمحاسبات ممنوع من المراقبة على أموال الصندوق

وحول الرقابة على أموال التبرعات الخاصة بصندوق "تحيا مصر" ذكر مسئول بارز في الجهاز المركزي للمحاسبات، متحفظًا على ذكر اسمه، أنه حتى الآن لم يُسمح لهم بالرقابة على أنشطته أو تقييم الأداء العام له خلال الشهور الثمانية الماضية في ظل حالة عدم التعاون من قبل القائمين على إدارة الصندوق، مضيفًا أنه تم إدخال تعديلات على قانون إنشاء الصندوق للهروب من نطاق المراقبة التي من المفترض أن يقوم بها الجهاز الأبرز في القيام بأعمال الرقابة في مصر.

وأضاف المصدر أن دور الجهاز تراجع كثيرا خلال الشهور الأخيرة وتم تحييده تمامًا بعد الخلافات البارزة التي وقعت بين رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة وبين الحكومة ممثلة في وزير العدل المُقال المستشار أحمد الزند، إثر اتهامات وبلاغات عديدة لـ"جنينة" بسب وقذف "الزند" واتهامات متبادلة بالفساد وإهانة السلطة القضائية.

واستبدل القرار الجمهوري الثاني الذي يحمل رقم 84 لسنة 2015 والخاص بتنظيم عمل الصندوق المادة الثامنة من القانون القديم رقم 139 لسنة 2014 بالمادة التاسعة، التي أُلغيت، لإلغاء رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات على الصندوق والاكتفاء بإعداد مؤشرات عن الأداء العام بناءً على قوائم مالية رُبع سنوية، فضلا عن إعفاء عوائد الصندوق والتسهيلات الائتمانية الممنوحة له من كافة الضرائب والرسوم وعدم سريان أحكام قوانين ضرائب الدخل والدمغة عليه، مع إضافة مادة ثالثة في القانون الجديد تنص على أن يحدد رئيس الجمهورية بقرار منه أساليب الإشراف على الصندوق وإدارته وتصريف شئونه المالية والإدارية بما يتفق مع طبيعة ونشاط الصندوق ويمكنه من تحقيق رسالته دون التقيد بالنظم الحكومية المنصوص عليها في أي قانون آخر.

بناءً على تعليمات الرئيس

وحول الفلسفة الحقيقية والرؤية والإستراتيجية الرئيسية من وراء إنشاء الصندوق أجمع عدد من خبراء الاقتصاد والمحاسبة والتمويل والاستثمار في عدد من الجامعات المصرية على الاعتماد بصفة أساسية على "توجيهات السيد الرئيس" دون خطة ورؤية اقتصادية تنموية ذات بعد اجتماعي بعيد المدى في ظل غياب الشفافية والوضوح والمصداقية التي دفعت عددا كبيرا من المواطنين الفقراء للتبرع لصندوق "تحيا مصر"، ولكن بمرور الوقت اكتشفوا الوقوع في فخ الغموض والإنفاق في مشروعات لا تعود عليهم بأي عائد اجتماعي أو اقتصادي.

يقول الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية إنه في ظل انعدام الشفافية وغياب المصداقية يسقط كل شيء، وكان ينبغي على القائمين على الصندوق أن يتبنوا مشروعات ذات جدوى اقتصادية تفيد الشباب وتساعدهم على حل مشكلة البطالة بعد عمل دراسات جدوى مناسبة تربح من ورائها وتحقق عوائد سنوية مستديمة تصرف على المجتمع باستمرار ويتم توزيعها على باقي المشروعات ذات البعد الاجتماعي، ولكنهم يعملون دون رؤى واضحة واستراتيجية سليمة.

وحول أوجه صرف أموال التبرعات التي تحقق عوائد مستمرة وتنمية مستدامة، أوضح عبده أنه من المفترض أن تُنفذ بها مشروعات قومية اقتصادية ذات جدوى وتقييم استثماري لكي تكون لها ضمانات ربحية يتم تمويل مشروعات التنمية الاجتماعية من عوائدها، ومن ناحية أخرى تسهم في دفع عجلة الإنتاج وإحداث تنمية مستدامة.

وعلى صعيد المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال والشركات السائدة في جميع دول العالم تجاه هؤلاء المشردين وشباب الخريجين وخدمة قضايا المجتمع والمساهمة في إحداث التنمية المستدامة، يقول الدكتور مصطفى النشرتي، أستاذ التمويل والاستثمار بكلية الإدارة بجامعة مصر الدولية إن الهدف الرئيسي من إنشاء الصندوق هو المساهمة في التنمية من خلال جمع التبرعات وتخصيص أموالها لمشروعات تؤدي إلى إحداث تنمية مستدامة وتنمية الموارد البشرية وتطوير العشوائيات.

ويعد صندوق تحيا مصر أحد أجهزة الدولة التي تحمل الشخصية الاعتبارية التي تعطيه الحق في جمع الموارد عبر التبرعات والهبات والمنح النقدية والعينية الخارجية التي يتلقاها الصندوق من الأشخاص الطبيعية أو المعنوية المصرية أو الأجنبية، وكذلك الهيئات المحلية والخارجية التي تُخصص للمشروعات على عكس موارد البنك التي تذهب لمنح ائتمانية وقروض.

وتنقسم موارد الصندوق حسب تصريحات النشرتي لـ"التحرير" إلى حساب الأرباح والخسائر وتلك عبارة عن اعتمادات مخصصة من الموازنة العامة للدولة للأجور والمرتبات، وحساب الأصول والخصوم وهي تلك الهبات والمنح والتبرعات والموارد التي يتم إنفاقها على مشروعات ذات جدوى اقتصادية فعالة.

16 مليار جنيه.. فاتورة المسئولية الاجتماعية الغائبة

قديما كان رجال الأعمال المحسوبين على نظام حسني مبارك يلجأون إلى التبرع للحزب الوطني الحاكم لحل مشاكلهم مع الضرائب واليوم يتكرر الأمر ذاته مع صندوق "تحيا مصر"، حيث يتبرعون بجزء من أرباحهم للصندوق للهروب من المسئولية الاجتماعية وللتغطية على الفساد واستغلال أراضي الدولة وإهدار المال العام عبر مشروعاتهم السكنية.

وأوضح النشرتي أن مبلغ 6 مليارات جنيه التي أعلن عنها المدير التنفيذي للصندوق مبلغ ضئيل جدا في ظل مجتمع رجال الأعمال الغائبين عن الوعي المجتمعي مقارنة بدولة أخرى متخلفة مثل جنوب إفريقيا، ومن ثم ينبغي على الدولة أن تفرض على شركات القطاع الخاص نسبة قدرها نحو 1% من أرباحها سنويًا تحت باب المسئولية الاجتماعية، قائلًا: لو افترضنا أن إجمالي الناتج المحلي 2000 مليار جنيه والقطاع الخاص وحده ينتج نحو 70% من الناتج القومي "الدخل الإضافي" بواقع 1400 مليار، وإذا اقتطعنا من الأرباح ما يقرب من 1% يصبح لدينا فائض إضافي قدره 14 مليار جنيه يتم تحصيلها بشكل سنوي من القطاع الخاص وحده.

التحرير


صورة ‏بوابة مصر للقانون والقضاء‏.