الصفـحة الرئيـسية باحث التشريعات باحث النقض باحث الدستورية باحث الإدارية العليا
إيقافتشغيل / السرعة الطبيعيةللأعلىللأسفلزيادة السرعة تقليل السرعة

لما كانت الفقرة الأولى من المادة 98 أ من قانون العقوبات قد نصت على أنه "يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تزيد على عشر سنين وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جمعيات أو تنظيمات ترمى إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو إلى القضاء على طبقة اجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو إلى تحبيذ شيء مما تقدم أو الترويج له متى كان استعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظاً في ذلك" فقد استهدف المشرع من وراء تأثيم الأفعال المشكلة لهذه الجريمة حماية السيادة الداخلية للدولة ضد خطر التنظيم الهدام الذي يرمى إلى المساس بالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها. فسياسة التجريم التي عبر عنها المشرع في تلك المادة تنصرف إلى حماية المصالح الأساسية للدولة التي تقوم عليها سيادتها الداخلية ضد نوع معين من الاعتداء هو التنظيم الهدام أو الترويج له. ولكي يعتبر التنظيم مناهضاً يجب توافر شرطين، الأول يتعلق بالهدف والثاني يتعلق بالوسيلة. فبالنسبة للهدف أن يرمى إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو إلى القضاء على طبقة اجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو إلى هدم أي نظام من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو إلى تحبيذ شيء مما تقدم أو الترويج له. وبوجه عام، فإن المشرع انصرف مراده إلى حماية النظام الاجتماعي والاقتصادي للدولة من خطر المذاهب المتطرفة التي ترمى إلى بسط طبقة على أخرى وتحقيق ديكتاتورية البروليتاريا. وغنى عن البيان، أن هذه الأهداف يجب أن تتجاوز حدود النقد المباح الذي شرعه الدستور وكفله القانون. وبناء على ذلك فإن ضبط منشورات لا تتضمن غير نقد الحالة السياسية والاقتصادية واتجاهات ذوي الشأن في حل مشكلات المجتمع في حدود النقد المباح ليس من شأنه أن يرمى إلى تحقيق أحد الأهداف التي أثمها القانون. وبالنسبة للوسيلة، أن يكون استعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظاً في ذلك. ولا يشترط لذلك أن يدعو التنظيم صراحة إلى استعمالها، وإنما يكفي أن يفهم ضمناً أن برنامجه وخطته التي يرمى إلى تحقيقها تقتضي بحكم اللزوم العقلي اللجوء إلى القوة أو إلى الإرهاب أو إلى أية وسيلة غير مشروعة، وأن تكون هذه الوسيلة من أهداف التنظيم، فإذا كانت من آراء بعض أعضائه دون أن تعبر عن رأي التنظيم نفسه فإن ذلك وحده لا يعتبر كافياً كما لا يشترط أن يبدأ التنظيم في استعمال هذه القوة أو تلك الوسيلة، بل يكفي التحقق من أن التنظيم قد لاحظ هذه الوسيلة واعتمد عليها في تنفيذ أهدافه ولا يكفي لذلك أن يدعو التنظيم إلى إحداث تغييرات اجتماعية أو دستورية معينة ولو استعان في التدليل على قوة حججه ببعض تجارب الدول الأخرى أو إحدى النظريات ما لم يكن مفهوماً على سبيل اللزوم المنطقي أن تحقق هذه الدعوة يتوقف حتماً على استعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة غير مشروعة. ولذلك فقد قضت هذه المحكمة - محكمة النقض - بأنه إذا لم يستظهر الحكم أن الالتجاء إلى القوة أو الإرهاب أو إلى أية وسيلة غير مشروعة كان ملحوظاً في تحقيقها، فإنه لا يغير من الأمر ما ذهب إليه الحكم من نسبة تهمة "الشيوعية" إلى المتهم لأن ذكر هذا الاصطلاح - الذي لم تتضمنه نصوص القانون ولم يقرر له تعريفاً - لا يغنى عن بيان العناصر التي تتألف منها الجرائم التي استند إليها الحكم في الإدانة كما هي معرفة في القانون. ولهذا فإن تصريح المتهمين بأنهم ماركسيون لا يصلح بذاته سنداً للقول بأن مبدأهم هو استعمال القوة والعنف للوصول إلى هدفهم وإنما يشير فقط إلى اتجاهاتهم السياسية والاقتصادية في علاج مشكلات البلاد الاقتصادية والسياسية. ويتحقق استعمال القوة بجميع وسائل العنف المادي على الأشخاص أو التهديد باستعمال السلاح. كما يتحقق الإرهاب بكافة وسائل الضغط الأدبي أو الإتلاف أو التخريب أو تعطيل المرافق - ولا يشترط في الوسائل الأخرى غير المشروعة أن تصل إلى حد الجريمة. ولا يتطلب القانون أن تكون هذه الوسائل هي الطريق الوحيد لتنفيذ خطة المنظمة الهدامة بل يكفي أن تكون من طرقها الأصلية أو الاجتماعية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد اتبع هذا النظر، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ويكون النعي بمخالفة القانون - في هذا الصدد - غير صحيح

وقررت محكمة النقض في حكمها

اتهمت النيابة العامة كلاً من:...... بأنهم: (أولاً) أنشئوا ونظموا وأداروا منظمة ترمى إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات وإلي القضاء على طبقة اجتماعية وقلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية والاقتصادية والقضاء على النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظاً في ذلك بأن أسسوا ونظموا وأداروا منظمة سرية باسم الحزب الشيوعي المصري يهدف عن طريقه مناهضة السلطة الشرعية والدعوة لإقامة تحالفات معادية لمجابهتها وتأليب الجماهير ضدها، وتهيئتها للثورة الشعبية لإسقاطها وإلى فرض سيادة الطبقة العاملة وحكمها المطلق والقضاء على طبقة الملاك والرأسمالية الوطنية وإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وخلق مجتمع مصري يقوم على الأسس الماركسية اللينينية على غرار الوضع القائم في الدول التي تقوم بتطبيقها. (ثانياً) انشئوا وأسسوا ونظموا وأداروا تنظيماً حزبياً غير مشروع "المنظمة السرية المسماة الحزب الشيوعي المصري" على خلاف الأحكام المقررة قانوناً وتقوم على أسس معادية لنظام المجتمع على النحو الموضح بالتهمة السابقة. (ثالثاً) روجوا فيما بينهم وعلانية في جمهورية مصر العربية لمذهب يرمى إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظاً في ذلك، بأن أصدروا نشرات تتضمن ترويجاً وتحبيذاً لأسس الماركسية اللينينية التي تقوم عليها مبادئ منظمتهم وأهدافها كما تتضمن تحريضاً على قلب نظام الحكومة المقررة في البلاد وعلى كراهيته والازدراء به، وإذاعة لبيانات مغرضة وبثاً لدعايات مثيرة من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة حازها البعض منهم بقصد اطلاع الغير عليها. (رابعاً) حازوا وسائل طبع مخصصة لطبع أوراق تنطوي على دعاية خاصة لمنظمة "الحزب الشيوعي المصري" التي ترمى إلى الأغراض المبينة بالتهم السابقة. وأحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 98/ د، هـ، ع، 98/ ب مكرراً و30 من قانون العقوبات. (أولاً) برفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش لعدم مراعاة أحكام القانون. (ثانياً) بمعاقبة كل من........ و...... بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ثلاثمائة جنيه. (ثالثاً) بمعاقبة كل من...... و..... و.... و..... و...... و..... و....... بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وتغريمه مائتي جنيه. (رابعاً) بمعاقبة كل من....... و....... و........ بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمه مائتي جنيه. (خامساً) ببراءتهم من باقي التهم المسندة إليهم. (سادساً) ببراءة باقي المتهمين من جميع التهم المسندة إليهم. (سابعاً) بمصادرة جميع المضبوطات عدا الكتب.
فطعن كل من النيابة العامة والأستاذ....... المحامي عن الأستاذ....... المحامي عن المحكوم عليه....... - الطاعن السابع - وعن المحكوم عليهم....... و......... و....... و........ و......... و......... و.......... و......... و......... و......... في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إنه لما كانت المادة 41 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض قد نصت على سقوط الطعن المرفوع من المتهم المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية إذا لم يتقدم للتنفيذ قبل يوم الجلسة، ولما كانت العقوبة المحكوم بها على الطاعن..... هي الحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات من العقوبات المقيدة للحرية، ولم يتقدم الطاعن للتنفيذ قبل يوم الجلسة طبقاً للثابت من الأوراق فإنه يتعين الحكم بسقوط طعنه.
ومن حيث إن الطاعن.... وإن قدم الأسباب في الميعاد إلا أنه لم يقرر بالطعن في قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم طبقاً للمادة 34 من القانون سالف الذكر، ولما كان التقرير بالطعن الذي رسمه القانون هو الذي يترتب عليه دخول الطعن في حوزة المحكمة واتصالها به بناء على إعلان ذي الشأن عن رغبته فيه، فإن عدم التقرير بالطعن لا يجعل للطعن قائمة ولا تتصل به محكمة النقض ولا يغنى عنه أي إجراء آخر، ومن ثم يتعين عدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة لهذا الطاعن.
ومن حيث إن النيابة العامة وإن أحالت الدعوى إلى محكمة أمن الدولة العليا بتاريخ 16 من إبريل سنة 1980 أي في ظل أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ والقرار الجمهوري رقم 1337 لسنة 1967 بشأن إعلان حالة الطوارئ والأمر الجمهوري رقم 7 لسنة 1967 بشأن إحالة بعض الجرائم إلى محاكم أمن الدولة إلا أنه بصدور القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 31 من مايو سنة 1980 والمعمول به اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره والتي نصت مادته الثامنة على أن أحكام محكمة أمن الدولة العليا نهائية ولا يجوز الطعن فيها إلا بطريق النقض وإعادة النظر، كما نصت المادة التاسعة من القانون ذاته على أن تحيل المحاكم من تلقاء نفسها ما يوجد لديها من دعاوى أصبحت من اختصاص محاكم أمن الدولة بمقتضى هذا القانون الأمر الذي مفاده أن الاختصاص بنظر هذه الدعوى قد انعقد لمحكمة أمن الدولة العليا المشكلة طبقاً لأحكام القانون رقم 105 لسنة 1980 وحدها دون غيرها، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد صدر عن تلك المحكمة الأخيرة فيكون الطعن فيه بطريق النقض جائزاً. لما كان ذلك، وكان الطعن المقدم من النيابة العامة ومن باقي الطاعنين قد استوفى الشكل المقرر في القانون فإنه يتعين الحكم بقبولهما شكلاً.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقدم من النيابة العامة - عدا ما سيرد ذكره مع أسباب الطعن المقدمة من المحكوم عليهم. هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتبرئة المطعون ضدهم من التهم المسندة إليهم قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك بأن الحكم وضع شرطاً لأعمال نص المادة 98 أ من قانون العقوبات وهو ضرورة أن يثبت أن استعمال القوة والإرهاب أو الوسائل غير المشروعة كان ملحوظاً من المتهمين للوصول إلى هدفهم من إنشاء وإدارة الحزب الشيوعي المصري وأطرح الأدلة التي ساقتها النيابة العامة على صحة الواقعة ونسبتها إلى المتهمين في حين أن التفسير الصحيح لهذه المادة وأخذاً بالمذكرة الإيضاحية لها أن استعمال القوة أو الإرهاب أو الوسائل غير المشروعة ليست ركناً من أركان الجريمة، وأنه على فرض وجوب توافر هذا الركن فإن ركائز النظرية الماركسية اللينينية - التي اتخذها المتهمون أساساً ومنهاجاً لتنظيم الحزب الشيوعي المصري الذي قاموا بإنشائه وتنظيمه وإدارته. تقوم على أساس القضاء على الطبقات لإقامة ديكتاتورية البروليتاريا وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه. في عقيدة هذه النظرية - إلا باستخدام القوة أو الإرهاب أو غيرها من الوسائل غير المشروعة ومن ثم فإن هذا الركن يكون متوافراً أخذاً بمبادئ هذا الحزب الذي لم تنف المحكمة وجوده، هذا فضلاً عن أن المستندات العديدة المقدمة في الدعوى ومنها لائحة الحزب الشيوعي المصري التي أقرتها لجنته المركزية في نوفمبر سنة 1987 لتطبيقها اعتباراً من شهر ديسمبر عن العام ذاته، والنشرات الجماهيرية والتنظيمية التي ضبطت لدى المتهمين - والتي تساندت إليها المحكمة في إدانة بعض المتهمين عن باقي التهم - تتضمن دعوة الجماهير وأعضاء الحزب لفكره ومخططاته والترويج لها وتحبيذها بكافة الأساليب الرامية إلى إسقاط النظام القائم في البلاد والدعوة إلى مناوئته وتكريس العداء له وتوسيع قاعدة رفضه بهدف الإطاحة به وإسقاطه، وبمعنى آخر فإن القوة وكافة العبارات المرادفة لها تعد من المكونات العضوية لهذه النظرية ومن ثم فإنه لا يجوز في هذا الصدد البحث في أمر وجود أو عدم وجود أسلحة وذخائر ومفرقعات لدى أفراد هذه المنظمة وكيفية التدريب عليها. هذا، ومع التسليم الجدلي بصحة ما انتهت إليه المحكمة من وجوب توافر هذا الركن في المادة 98 أ سالفة البيان، فإنه كان لزاماً على المحكمة ألا تتقيد بالوصف القانوني الذي أسبغته النيابة العامة على الواقعة، بل كان من واجبها أن تمحصها بجميع كيوفها وأوصافها وصولاً إلى إنزال حكم القانون صحيحاً عليها، وذلك بأن تتطرق إلى بحث مدى توافر أركان المادة 98 أ مكرراً من قانون العقوبات على الواقعة المطروحة والتي تنص في فقرتها الأولى على تأثيم إنشاء وإدارة مثل الحزب السابق والذي يكون الغرض منه الدعوة بأية وسيلة إلى مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم الاشتراكي في الدولة أو الحض على كراهيتها أو الازدراء بها أو الدعوة ضد تحالف قوى الشعب العاملة أو التحريض على مقاومة السلطات العامة أو ترويج أو تحبيذ شيء من ذلك، وهو أمر لا يستلزم بصريح عبارات النص ضرورة استعمال القوة أو العنف أو الإرهاب بعد أن اعتبره المشرع ظرفاً مشدداً طبقاً لما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من تلك المادة. كما أن المحكمة أطرحت الدليل المستمد من التسجيلات الصوتية والصور الشمسية على سند من القول بإمكانية تشابه الأصوات وتقدم العلم في إحداث تعديلات في الأحاديث المسجلة والتغيير في أشكال الأشخاص بتلك الصور دون أن تفحص هذا الدليل بالاستماع إلى التسجيلات الصوتية ومشاهدة الصور الشمسية وبالاستعانة بأهل الخبرة، وأن ما أوردته المحكمة أسباباً لطرح هذا الدليل من شأنه إهدار مبدأ الأخذ بالتسجيلات الصوتية والصور قبل أن يقوم الدليل على العبث بها وبالتالي إهدار وسيلة قانونية من وسائل الأدلة أحاطها المشرع بالضمانات بما يوفر الثقة في نتائجها والاطمئنان إليها، كما أن الأخذ بهذا المبدأ من شأنه تعطيل إمكانية استخدام القضاء للأساليب العلمية الحديثة في استخلاص الأدلة والاستفادة من التقدم العلمي وتطوره في هذا الصدد، وأخيراً فإن المحكمة أطرحت الدليل المستمد من أقوال شهود الإثبات بمقولة أنها جاءت من مصادر سرية لم يكشف عنها الشهود، حين أنه من المقرر أنه لا يعيب الإجراء بقاء شخصية المصدر مجهولة. كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى كما صورها الاتهام أقام قضاءه ببراءة المطعون ضدهم من التهم المسندة إليهم بقوله "فقد نسبت النيابة العامة إلى المتهمين جميعاً أنهم أنشئوا وأسسوا ونظموا وأداروا تنظيماً حزبياً غير مشروع (المنظمة السرية المسماة الحزب الشيوعي المصري) على خلاف الأحكام المقررة قانوناً وتقوم على أسس معادية لنظام المجتمع وطلبت عقابهم بالمادة 22/ 1، 2، 3 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية المعدل بالقانون 36 لسنة 1975 كما وجهت المحكمة بهيئة أخرى نظر الدفاع أن يشمل دفاعه نص المادة 23 من القانون المذكور وترى المحكمة لإمكان تطبيق نص المادتين سالفتي الذكر ضرورة قيام تنظيم حزبي غير مشروع معادي لنظام المجتمع إلا أن هذا التنظيم محل شك كبير في الواقع والحقيقة والأدلة على ذلك كثيرة تزخر بها الأوراق وتجملها المحكمة فيها يلي: (أولاً) من المقرر قانوناً أن تحريات مباحث أمن الدولة والتي ضمنتها محاضر المتابعة تشكك بذاتها كدليل على وجود التنظيم وإنما تصلح فقط لتعزيز ما قد يتوافر من أدلة أخرى على قيامه خاصة وأن هذه التحريات لا تطمئن إليها المحكمة لأن شهود الدعوى أوردوا في أقوالهم أن هذه التحريات سرية لا يستطيعون الكشف عنها. (ثانياً) أنه من غير المتصور ما ذكره بعض الشهود من أن الحزب الشيوعي المصري قد تكون عقب القبض على بعض قياداته أو حصول انشقاق بينهم، بينما قرر أحد الشهود أن الحزب قائم رغم الانشقاق الذي حدث بين أعضائه. (ثالثاً) أن الشاهد..... قرر بالتحقيقات أنه علم بأحد المقار التنظيمية للحزب وعندما واجهته المحكمة عن السبب في عدم مداهمته لهذا المقر والقبض على من يتواجد فيه قرر أن الإجراءات الأمنية التي كان يقوم بها أكدت له بأن المتهم...... هو المسئول عن الجهاز الفني وكان يتردد على الشقة ولكن عند الضبط تدخلت إجراءات أخرى وظروف شخصية أدت إلى عدم تواجده في هذا المكان الأمر الذي تستشف منه المحكمة أن ما قرره الشاهد المذكور هذا المقر لا أساس له ولم يقم من الأوراق ما يسانده. (رابعاً) الشاهد المذكور تابع ثلاثة أشخاص على أنهم أعضاء في الحزب الشيوعي المصري وأكدت تحرياته ومراقبته ذلك وإذ بالنيابة العامة قد استبعدتهم من قرار الاتهام الأمر الذي يدل دلالة واضحة على أن تحرياته لا تتسم بالجدية بدليل أن النيابة أطرحتها ولم تعول عليها. (خامساً) أن الشهود أجمعوا على أن مصادر معلوماتهم هم أشخاص دفعتهم وطنيتهم إلى الإبلاغ بما يشاهدونه أو يصلون إليه من معلومات وترى المحكمة أن المصدر بهذه الصورة لا يمكن الاطمئنان إلى ما يدونه أو ينقله من معلومات. (سادساً) إن المصادر الخطية التي قدمتها مباحث أمن الدولة ضمن محاضر المتابعة حصلت عليها من خلال علاقة المصدر بالتنظيم دون بيان كيفية الحصول عليها، وكما سلف القول فإن هذه المعلومات التي أوردتها تلك المصادر هي معلومات مجهلة بتهمة مرسلة تطرحها المحكمة جانباً. (سابعاً) أن ما جاء بالأوراق من أن التنظيم يعتمد في موارده المالية على موردين داخلي وخارجي، في الداخل يتمثل في الاشتراكات الشهرية لأعضائه بحد أدنى خمسين قرشاً في الشهر إلى جانب التبرعات التي يقدمها بعض الأعضاء ومن أرباح بعض المشروعات التجارية التي يمتلكها ويديرها بعض عناصر التنظيم والخارجي فيما يحصل عليه الحزب من تدعيم مالي من الاتحاد السوفيتي وبعض دول الكتلة الشرقية، فلم تجد المحكمة بالأوراق ما يؤكد أن اشتراكات قد دفعت ومن الذي يقوم بتحصيلها أو من هو أمين الصندوق المسئول عنها وكيفية انفاقها في شئون التنظيم، كما أنها لم تجد ما يؤكد حصول الحزب على مساعدات مالية من الخارج. فكل هذه التساؤلات لا تتجد معها المحكمة من واقع الأوراق رداً شافياً مقبولاً. وحيث إنه متى خلصت المحكمة فيما سلف جميعه إلى التشكيك في قيام الحزب على النحو الذي ورد بمحاضر تحريات ومحاضر متابعة مباحث أمن الدولة ورددها الشهود سالفي الذكر ثم دار الاتهام حوله بشأن هؤلاء المتهمين بيد أن المحكمة لا يفوتها في هذا الشأن أن تنوه بأن ما تضمنته الأوراق المضبوطة مما اتخذته النيابة العامة سنداً في قيام الدليل على أهداف هذا التنظيم المقول به وعلى وجه الخصوص وثائق المؤتمر العام للحزب الشيوعي المصري والتي تركز عليها مباحث أمن الدولة ومن بعده شهود الواقعة وجودها على أنها تتضمن مناهج عمل التنظيم، وترى المحكمة أنها جاءت وليدة معلومات ومصادر لم تفصح عنها سواء الشهود أو الأوراق ومن ثم فإنها لا تقدح فيما انتهت إليه المحكمة والتشكك في قيام التنظيم بالأهداف متقدمة الذكر.... وكان الثابت من جماع ما تقدم أن المحكمة قد خلصت أن التشكك في قيام الحزب أصلاً فلا يمكن القول بإخضاع هؤلاء المتهمين أو محاكمتهم طبقاً لأحكام هذا القانون...... ويتعين لذلك براءتهم عملاً بالمادة 304/ أ ج. وحيث إن النيابة العامة أسندت إلى المتهمين جميعاً أنهم أسسوا ونظموا وأداروا منظمة ترمى إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات وإلى القضاء على طبقة اجتماعية وقلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية والاقتصادية والقضاء على النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظاً في ذلك بأن أسسوا ونظموا وأداروا منظمة سرية باسم (الحزب الشيوعي المصري) تهدف عن طريق مناهضة السلطة الشرعية والدعوى لإقامة تحالفات معادية لمجابهتها وتأليب الجماهير ضدها وتهيئتها للثورة الشعبية لإسقاطها..... إلخ وطلبت عقابهم بمقتضى المادة 98 أ/ 1 عقوبات.... وأنه وفقاً لهذه المادة يعتبر التنظيم مناهضاً بشرطين. (فالأول)... والثاني أن يكون استعمال القوة والإرهاب أو أي وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظاً في ذلك وأن تكون هذه الوسيلة من أهداف التنظيم فإذا كانت من أراء بعض أعضائه دون أن تعبر عن رأي التنظيم نفسه فإن ذلك وحده لا يعتبر كافياً... ولا محل للافتراضات والتخمينات بأنهم ماركسيون لا تصلح بذاته سنداً للقول بأن نيتهم هي استعمال القوة والعنف للوصول إلى هدفهم وإنما يشير فقط إلى اتجاهاتهم السياسية والاقتصادية في علاج مشكلات للبلاد. ويتحقق استعمال القوة بجميع وسائل العنف المادي على الأشخاص أو التهديد باستعمال السلاح كما يتحقق الإرهاب بكافة وسائل الضغط الأدبي أو الإتلاف أو التخريب أو تعطيل المرافق ولا يشترط في الوسائل الأخرى غير المشروعة أن تصل إلى حد الجريمة. وقد ساير القضاء هذا الاتجاه وقال تبياناً لذلك أنه لا يكفي وجود مضبوطات وكتب ترمى إلى الأهداف المؤثمة في المادة 98 أ عقوبات طالما أن المحكمة لم تستظهر أن الالتجاء إلى القوة أو الإرهاب أو الوسائل الأخرى غير المشروعة ملحوظاً في تحقيقها الأمر الواجب توافره للعقاب على الجريمة محل الاتهام والتي نحن بصددها... وتنتهي من ذلك كله أن أحد الأركان الأساسية لنص المادة سالفة الذكر قد تخلف ومن ثم تقضي ببراءة المتهمين من تهمة تأسيس وإدارة الحزب عملاً بنص المادة 304/ 1 أ ج.... وحيث إنه بالنسبة لما نسبته النيابة العامة لبعض المتهمين من أنهم روجوا فيما بينهم لمذهب يرمى إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية وكان استعمال القوة..... ملحوظاً في ذلك فإن المحكمة وقد انتهت من تخلف ركن القوة والإرهاب ومن ثم يضحى هذا الاتهام غير متوافر.... أما فيما يتعلق.... بأنهم أصدورا نشرات تتضمن ترويجاً وتحبيذاً لأسس الماركسية اللينينية وتحريضاً على نظام الحكم المقرر في البلاد.... وترى المحكمة وقد استعرضت وقائع القضية واطلعت على أوراقها بالنسبة لهؤلاء المتهمين والمضبوطات لدى كل منهم أنها لم تكن معدة للتوزيع أو اطلاع الغير عليها.... ومن ثم تضحى التهمتين المنسوبتين إليهم على غير أساس من الواقع أو القانون. أما عن القول بأن هؤلاء المتهمين قد حازوا وسائل الطبع المخصصة لطبع أوراق تنطوي على دعاية خاصة لتنظيم الحزب الشيوعي المصري فإنه لم يثبت من الأوراق على وجه الجزم واليقين أن أحد هؤلاء المتهمين الذي أوردتهم المحكمة في شأن هذه التهمة... أن أياً منهم قد حاز وسيلة طبع... ومن ثم تقضي المحكمة ببراءتهم مما أسند إليهم عملاً بنص المادة 304/ 1 أ. ج." لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه - وعلى ما سلف بيانه أنه برر قضاء ببراءة المطعون ضدهم من التهم المسندة إليهم لما ثبت لديه من عدم توافر ركن القوة أو الإرهاب أو الوسائل غير المشروعة بشأن إنشاء وتنظيم وإدارة منظمة الحزب الشيوعي المصري والترويج لمبادئها، والتشكيك في قيام تلك المنظمة كما أنه لم تضبط لديهم وسائل طبع لطبع أوراق تنطوي على دعاية خاصة لها. وكانت الفقرة الأولى من المادة 98 أ من قانون العقوبات قد نصت على أنه "يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تزيد على عشر سنين وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جمعيات أو تنظيمات ترمى إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو إلى القضاء على طبقة اجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو إلى تحبيذ شيء مما تقدم أو الترويج له متى كان استعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظاً في ذلك "فقد استهدف المشرع من وراء تأثيم الأفعال المشكلة لهذه الجريمة حماية السيادة الداخلية للدولة ضد خطر التنظيم الهدام الذي يرمى إلى المساس بالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها، فسياسة التجريم التي عبر عنها المشرع في تلك المادة تنصرف إلى حماية المصالح الأساسية للدولة التي تقوم عليها سيادتها الداخلية ضد نوع معين من الاعتداء هو التنظيم الهدام أو الترويج له. ولكي يعتبر التنظيم مناهضاً يجب توافر شرطين، الأول يتعلق بالهدف والثاني يتعلق بالوسيلة. فبالنسبة للهدف أن يرمى إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو إلى القضاء على طبقة اجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو إلى هدم أي نظام من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو إلى تحبيذ شيء مما تقدم أو الترويج له. وبوجه عام، فإن المشرع انصرف مراده إلى حماية النظام الاجتماعي والاقتصادي للدولة من خطر المذاهب المتطرفة التي ترمى إلى بسط طبقة على أخرى وتحقيق ديكتاتورية البروليتاريا. وغنى عن البيان، أن هذه الأهداف يجب أن تتجاوز حدود النقد المباح الذي شرعه الدستور وكفله القانون. وبناء على ذلك فإن ضبط منشورات لا تتضمن غير نقد الحالة السياسية والاقتصادية واتجاهات ذوي الشأن في حل مشكلات المجتمع في حدود النقد المباح ليس من شأنه أن يرمى إلى تحقيق أحد الأهداف التي أثمها القانون. وبالنسبة للوسيلة، أن يكون استعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظاً في ذلك. ولا يشترط لذلك أن يدعو التنظيم صراحة إلى استعمالها، وإنما يكفي أن يفهم ضمناً أن برنامجه وخطته التي يرمى إلى تحقيقها تقتضي بحكم اللزوم العقلي اللجوء إلى القوة أو إلى الإرهاب أو إلى أية وسيلة غير مشروعة وأن تكون هذه الوسيلة من أهداف التنظيم، فإذا كانت من آراء بعض أعضائه دون أن تعبر عن رأي التنظيم نفسه فإن ذلك وحده لا يعتبر كافياً كما لا يشترط أن يبدأ التنظيم في استعمال هذه القوة أو تلك الوسيلة، بل يكفي التحقق من أن التنظيم قد لاحظ هذه الوسيلة، واعتمد عليها في تنفيذ أهدافه ولا يكفي لذلك أن يدعو التنظيم إلى إحداث تغييرات اجتماعية أو دستورية معينة ولو استعان في التدليل على قوة حججه ببعض تجارب الدول الأخرى أو إحدى النظريات ما لم يكن مفهوماً على سبيل اللزوم المنطقي أن تحقيق هذه الدعوة يتوقف حتماً على استعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة غير مشروعة. ولذلك فقد قضت هذه المحكمة - محكمة النقض - بأنه إذا لم يستظهر الحكم أن الالتجاء إلى القوة أو الإرهاب أو إلى أية وسيلة غير مشروعة كان ملحوظاً في تحقيقها، فإنه لا يغير من الأمر ما ذهب إليه الحكم من نسبة تهمة "الشيوعية" إلى المتهم لأن ذكر هذا الاصطلاح - الذي لم تتضمنه نصوص القانون ولم يقرر له تعريفاً - لا يغنى عن بيان العناصر التي تتألف منها الجرائم التي استند إليها الحكم في الإدانة كما هي معرفة في القانون. ولهذا فإن تصريح المتهمين بأنهم ماركسيون لا يصلح بذاته سنداً للقول بأن مبدأهم هو استعمال القوة والعنف للوصول إلى هدفهم وإنما يشير فقط إلى اتجاهاتهم السياسية والاقتصادية في علاج مشكلات البلاد الاقتصادية والسياسية. ويتحقق استعمال القوة بجميع وسائل العنف المادي على الأشخاص أو التهديد باستعمال السلاح. كما يتحقق الإرهاب بكافة وسائل الضغط الأدبي أو الإتلاف أو التخريب أو تعطيل المرافق - ولا يشترط في الوسائل الأخرى غير المشروعة أن تصل إلى حد الجريمة. ولا يتطلب القانون أن تكون هذه الوسائل هي الطريق الوحيد لتنفيذ خطة المنظمة الهدامة بل يكفي أن تكون من طرقها الأصلية أو الاحتياطية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد اتبع هذا النظر، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ويكون النعي بمخالفة القانون - في هذا الصدد - غير صحيح. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن عرض للنشرات والوثائق التي ضبطت في حوزة بعض المطعون ضدهم واعتمدوا عليها في الترويج للماركسية اللينينية ومنها اللائحة التي أقرتها اللجنة المركزية في نوفمبر سنة 1978، انتهى إلى أنها جاءت خالية من دليل يقيني على توافر ركن القوة أو الإرهاب أو الوسائل الأخرى غير المشروعة بقوله "فإن المحكمة بمطالعتها لتلك المضبوطات سواء منها ما هو مطبوع أو المخطوط بعد استبعاد الكتب التي استبان منها أنها تهدف إلى إسقاط السلطة أو تغييرها، أما الوسائل التي تحدثت عنها تلك المضبوطات من أجل تحقيق أهداف التنظيم لا يكمن اعتبارها من قبيل استعمال القوة أو التهديد أو غيرها من الوسائل غير المشروعة، ومن ثم فإن الذي تستخلصه المحكمة أن تلك المضبوطات برمتها قد جاءت خالية من دليل يقيني أو ذاتية على توافر ركن القوة أو الإرهاب أو الوسائل الأخرى غير المشروعة" فإن ما تثيره النيابة العامة من أن الحكم لم يعرض للمستندات المضبوطة ومنها لائحة الحزب الشيوعي المصري وما تضمنته من أدلة على توافر ركن القوة والإرهاب أو الوسائل غير المشروعة يكون غير سديد، فضلاً عن أنه لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد خلصت إلى التشكك في قيام الحزب الشيوعي المصري أصلاً للأسباب السائغة التي أوردتها، ومن ثم فإن القول بأنه كان يجب عليها أن تغير وصف التهمة وتجرى حكم المادة 98 أ مكرراً من قانون العقوبات عليها - التي لا تستلزم ضرورة استعمال القوة أو العنف أو الإرهاب بعد أن اعتبرها المشرع ظرفاً مشدداً طبقاً لما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من تلك المادة - لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة إذ المرجع في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت واقعة الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات وكان تقدير أقوال الشهود وكافة الأدلة الأخرى متروكاً لمحكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها بغير معقب، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة بعد أن أوردت أقوال شهود الإثبات واستعرضت أدلة الدعوى الأخرى وأحاطت بكافة عناصرها عن بصر وبصيرة أسست قضاءها ببراءة المطعون ضدهم على عدم اطمئنانها إلى أدلة الثبوت المستقاة من أقوال شهود الإثبات ومن التسجيلات الصوتية والصورة الشمسية للأسباب السائغة التي أفصحت عنها. وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم وهو يقضي بالبراءة عدم تصديه لما ساقته النيابة العامة من قرائن تشير إلى ثبوت الاتهام ما دامت المحكمة قد قطعت في أصل الواقعة وتشككت في إسناد التهمة إلى المتهم، وأنه لا يقدح في سلامة ذلك الحكم - القاضي بالبراءة - أن تكون إحدى دعاماته معيبة ما دام الثابت أنه أقيم على دعامات أخرى متعددة تكفي لحمله، كما أنه لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم على احتمالات ترجحت لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها، لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه، ومن ثم فإن نعي النيابة العامة على الحكم باطراحه للأدلة المستمدة من أقوال شهود الإثبات والتحريات والتسجيلات الصوتية والصورة الشمسية يكون في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقام من النيابة العامة - في حدود أوجه الطعن المتقدم ذكرها - يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ومن حيث إن مما تنعاه النيابة العامة أيضاً ومما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المحكوم عليهم بجريمتي حيازة وسائل طبع مخصصة لطبع أوراق تنطوي على داعية خاصة لمنظمة الحزب الشيوعي المصري والترويج علانية لهذا الحزب وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظاً في ذلك قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال ذلك بأن المحكمة قضت ببراءة بعض المتهمين من التهمتين الثالثة والرابعة المعاقب عليها 98 ب، 98 ب مكرراً، 174 من قانون العقوبات لما انتهت إليه في أسباب حكمها من تخلف ركن القوة أو الإرهاب أو الوسائل غير المشروعة ثم عادت وقضت بإدانة المحكوم عليهم الطاعنين بالمواد ذاتها استناداً إلى توافر هذا الركن رغم وحدة الواقعة والأدلة بالنسبة لجميع المتهمين مما يعيب الحكم ويوجب نقضه، كما أن مما ينعاه الطاعنون أيضاً أن الحكم لم يورد مؤدى الدليل المستمد من المضبوطات، فلم يبين مضمونها بطريق وافية ولم يوضح مدى مطابقتها للأهداف المؤثمة في القانون ولم يستظهر من واقع هذه المضبوطات أن الالتجاء إلى القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة غير مشروعة كان ملحوظاً في تحقيقها الأمر الواجب توافره للعقاب على هاتين الجريمتين مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بالنسبة للطاعنين المحكوم عليهم بقوله "وأما فيما يتعلق بالشق الثاني من الاتهام وحاصله أنهم أصدروا مطبوعات ونشرات وأوراق خطية ووثائق وغيرها تتضمن ترويجاً وتحبيذاً لأسس الماركسية اللينينية وتحريضاً على قلب نظام الحكم المقرر في البلاد وعلى كراهيته والازدراء به... إلخ وحيازتهم وسائل الطبع فإن الاتهام قد توافر في صورته المتقدمة في حق هؤلاء المتهمين على النحو الآتي..." ثم استرسل الحكم بأن أورد نوع المطبوعات والمضبوطات التي وجدت لدى كل منهم وأضاف قائلاً "وحيث إنه بعد أن محصت المحكمة مضبوطات كل متهم من المتهمين سالفي الذكر وتبين بوضوح وجلاء أنها تحض على تغيير مبادئ الدستور الأساسية والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو تغيير نظم الدولة الأساسية والاجتماعية والاقتصادية وكانت المادة 98 ب مكرراً عقوبات قد جرى نصها على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنين وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهاً ولا تجاوز خمسمائة جنيه كل من حاز بالذات أو بالواسطة أو أحرز محررات أو مطبوعات تتضمن تحبيذاً أو ترويجاً لشيء مما نص عليه في المادتين 98 ب، 174عقوبات إذا كانت معدة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها وكل من حاز أي وسيلة من وسائل الطبع... إلخ. ومن ثم فإنه يشترط لتطبيق نص هذه المادة توافر شرطين هما (1) محررات أو مطبوعات معدة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها تتضمن ترويجاً أو تحبيذاً لإحدى الأفكار المناهضة سالفة الذكر. (2) وسائل الطبع إذا كانت مخصصة لطبع شيء من الأفكار المناهضة السابقة وقد يتوافر هذان الشرطان في الاتهام الماثل إذ جاءت مضبوطات المتهمين تحوى أفكاراً مناهضة على نحو ما هو ثابت فيها فضلاً عن أن بعض المتهمين قد حازوا العديد من النشرات والمطبوعات المتضمنة تلك الأفكار المناهضة بأعداد مكررة الأمر الذي يدل دلالة قاطعة أنهم قد أعدوها للتوزيع ولاطلاع الغير عليها. هذا فضلاً عن أن القصد الجنائي قد توافر لدى هؤلاء المتهمين من توافر علمهم بالخطورة الجنائية لمثل هذه النشرات والمطبوعات نظراً لما وضح للمحكمة من أن المتهمين على درجة من الوعي والثقافة تدعو إلى الاطمئنان إلى توافر العلم بذلك وإلى أن إرادتهم قد اتجهت إلى الحيازة على أساسه ومن ثم تكون التهمة ثابتة في حقهم ويتعين عقابهم بالمادتين 98 ب، 98 ب مكرراً". لما كان ذلك، وكان من المقرر وفق المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن كل حكم بالإدانة يجب أن يشتمل - فيما يشتمل عليه - على بيان كاف لمؤدى الأدلة التي استخلصت منها المحكمة الإدانة فلا تكفي مجرد الإشارة إليها بل ينبغي سرد مضمون كل دليل بطريقة وافية يبين منها مدى تأييده للواقعة كما اقتنعت بها المحكمة ومبلغ اتفاقه مع باقي الأدلة التي أقرها الحكم حتى يتضح وجه استدلاله بها، وكان الحكم المطعون فيه قد اكتفى بسرد أنواع المحررات والمطبوعات التي ضبطت لدى كل متهم دون بيان مضمونها بطريقة وافية ولم يوضح مدى مطابقتها للأهداف المؤثمة في القانون ولم يستظهر من واقع هذه المطبوعات أو من ظروف الدعوى الترويج - بأي طريقة من الطرق - للأفكار التي تهدف إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية للهيئة الاجتماعية أو النظم السياسية للهيئة الاجتماعية أو لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو القضاء على طبقة اجتماعية أو لقلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية والاقتصادية أو لهدم أي نظام من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بل أجملها على نحو مبهم غامض لا يبين منه ما إذا كانت الأوراق والنشرات والكتب المضبوطة مع الطاعنين قد تضمنت ترويجاً لشيء مما نص عليه في المادة 98 ب من قانون العقوبات، هذا فضلاً عن أنه لم يدلل على الأفكار المناهضة التي أشار إلى أن النشرات والمضبوطات قد تضمنتها وأن بعض المتهمين قد حازوا العديد منها بأعداد مكررة مما يدل على أنهم أعدوها للتوزيع ولاطلاع الغير عليها ودون أن يسند إلى كل متهم بعينه الظروف أو الحالة التي يمكن معها اعتبار هذه المحررات أو المطبوعات معدة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها، مما يعيب الحكم بالقصور الذي له الصدارة على وجوه الطعن المتعلقة بمخالفة القانون ويعجز هذه المحكمة عن أعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى وتقول كلمتها في شأن ما تثيره النيابة العامة والطاعنون في هذا الصدد. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً مما يتعين معه نقضه والإحالة بالنسبة للطاعنين المحكوم عليهم والمحكوم عليه..... الذي قضى بسقوط طعنه. و... الذي قضى بعدم قبول طعنه شكلاً و.... الذي لم يطعن على الحكم وذلك لاتصال وجه الطعن بهم ووحدة الواقعة وحسن سير العدالة وذلك دون حاجة للتعرض لباقي أوجه الطعن.