الصفـحة الرئيـسية باحث التشريعات باحث النقض باحث الدستورية باحث الإدارية العليا
إيقافتشغيل / السرعة الطبيعيةللأعلىللأسفلزيادة السرعة تقليل السرعة

إذا كانت المحكمة قد أدانت المتهم في جريمة تبديد مبلغ سلم إليه على سبيل الوديعة معتمدة في ذلك على ورقة وقعها المتهم جاء بها أنه تسلم هذا المبلغ من المجني عليه بصفة أمانة يردها له عند طلبه، وعلى ما قرره المجني عليه في هذا الصدد، فإنها لا تكون قد أخطأت. ولا يؤثر في ذلك مجرد ورود الوديعة على نقود تتعين بالقيمة دون العين ما دام أنه لا يبين من الحكم أن المجني عليه قد قصد بالعقد (الورقة) إعطاء المودع لديه حق التصرف فيها.

وقررت محكمة النقض في حكمها

وحيث إن الوجه الأول من أوجه الطعن يتحصل في القول بأن القانون لا يعاقب على الواقعة الثابتة في الحكم، فقد اكتفت المحكمة في إدانة الطاعن بما ورد بالوصول من أنه تسلم المبلغ المدعي بتبديده بصفة أمانة، مع أن النقود من المثليات لا تتحدد، فيكون التسلم فيها على فرض حصوله تسليماً مطلقاً مملكاً لا يلتزم فيه من تسلم إلا برد المثل عند الطلب. مع أنه يشترط لقيام الوديعة أن يحصل الشيء بعينه، وأنه إذا لوحظ ذلك، ولوحظ مضي سنتين كاملتين على الواقعة، وأن المحكمة لم تعن استظهار نية الغش، كان القول بقيام الجريمة في غير محله.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "إنها قائمة فيما قاله المجني عليه من أنه أدخر المبلغ ليرد به غائلة الدهر... ولعلم زوجته به أرادت ارهاقه فخرج من المنزل غاضباً وجلس على مقهى وتصادف مرور المتهم وهو زميله في العمل فدعاه وشرح له الظروف وطلب منه حفظ المبلغ طرفه وديعة، فقبل المتهم، وكتب على نفسه إيصالا به حرره المجني عليه وأمضى عليه المتهم، وجاء بالإيصال أنه استلم المبلغ من المجني عليه بصفة أمانة طرفه ويردها له عند طلبه... ولما نقل المجني عليه لجهة أخرى طالب المتهم بالمبلغ، فوعده برده ولم يرده، ولما تكرر الطلب دون إجابته... بلغ الحادث". وبعد أن عرضت دفاع المتهم من إنكار وادعاء باحتمال دس الورقة عليه، واطراحها ذلك لأنها لا تصدقه فيه، قالت "إنه أثم في حق المجني عليه بعدم رد مبلغ الأمانة له رغم ثبوتها قبله بالإيصال الموقع عليه بإمضائه ورغم مطالبته به مراراً، وإنه لذلك فالتهمة ثابتة من أقوال المجني عليه المؤيدة بهذا الإيصال الموقع عليه بإمضاء المتهم الذي اعترف بها..." ولما كانت المحكمة فيما أوردته على هذا النحو قد اعتمدت في إثبات حقيقة الواقعة على ما شهدت به الورقة الصادرة من الطاعن نفسه من أن المبلغ تسلم إليه على سبيل الوديعة، وعلى ما قرره المجني عليه في هذا الشأن، فلا تكون مخطئة إن هي دانت الطاعن. ولا يؤثر في الأمر مجرد ورود الوديعة على نقود تتعين بقيمتها دون عينها ما دام أنه لا يبين من الحكم أنه قد قصد بالعقد إعطاء المودع لديه حق التصرف فيها. أما ما يشير إليه عن نية الغش، فمردود بأن ما ذكرته المحكمة من امتناع الطاعن عن رد المبلغ عند طلبه منه تتحقق به عناصر الجريمة التي دين من أجلها.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني من الطعن أن الطاعن تمسك في دفاعه بأن العقد أساس التهمة مزور لأن المجني عليه يعمل معه وكان يقدم له الأوراق المصلحية للتوقيع عليها، فكان يوقع دون مراجعة، وأنه قد دس الورقة عليه، واستدل على ذلك بمضي سنتين دون مطالبة، وبشهادة شهوده الذين شهدوا بأن المجني عليه كان يعرض عليه الأوراق فعلا، وأنه فقير احتاج إلى معونة عند نقله، وطلب إلى المحكمة تحقيق هذا التزوير بالطرق المدنية، ولكنها لم تلتفت إلى طلبه، وكان من المتعين عليها أن توقف الدعوى حتى يفصل في التزوير من المحكمة المختصة أو تباشر هي بنفسها الفصل فيه طبقاً لنصوص قانون المرافعات. أما وهي لم تفعل، فيكون حكمها معيباً لاخلاله بحقه في الدفاع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه تعرض لدفاع الطاعن من احتمال دس الورقة عليه، واطرحه للأسباب التي قالها، ولما كان الأمر كذلك وكان من شأن ما أورده أن يؤدي إلى ما رتب عليه، فلا محل لما يثيره الطاعن، وهو لا يخرج عن المجادلة في تقدير أدلة الدعوى مما تختص به محكمة الموضوع ولا معقب عليها فيه. أما ما يتمسك به عن الطعن بالتزوير وتحقيقه والفصل فيه، فلا وجه له إذ يكفي أن تكون المحكمة قدرت هذا الدفاع وقالت كلمتها فيه، وهي في سبيل ذلك وفي سبيل الحكم بالإدانة أو البراءة غير مقيدة بأي قيد من القيود الخاصة بالأدلة الموضوعة في القانون للمواد المدنية.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.